أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 514

جلسة 6 من مايو سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفه.

(99)
الطعن رقم 2176 لسنة 37 القضائية

(أ، ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". محكمة الموضوع. "الإجراءات أمامها".إجراءات المحاكمة. إثبات. "إثبات بوجه عام. شهادة". دعوى مدنية. سب. إساءة استعمال المواصلات التليفونية.
( أ ) حق محكمة الموضوع في القضاء بالبراءة. مشروط بأن تكون قد أحاطت بظروف الدعوى وأدلة الثبوت فيها عن بصر وبصيرة.
(ب) وجوب تحقيق المحكمة ما يقدم إليها من أدلة الإثبات في الدعوى. إغفال المحكمة عنصراً جوهرياً من عناصر دفاع المدعية المدنية ودليلاً من أدلة الإثبات يعيب حكمها.
1 - لئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضي بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت، إلا أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات.
2 - متى كان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لأوجه الطعن أن الطاعنة قد شهدت بتحقيقات الشرطة والنيابة ببعض وقائع السب وعبارات الإزعاج التي صدرت من المتهم وكانت ضمن أحاديثه معها بالتليفون، وأحالت بالنسبة للبعض الآخر منها على ما ورد ببلاغ زوجها وما ردده في التحقيقات لما تضمنته تلك العبارات من ألفاظ بذيئة نابية تخجل هي من إعادة ترديدها، كما قررت صراحة بالتحقيقات أنها تمكنت وزوجها من تسجيل أحاديث المتهم معها، وقد قدم الحاضر عنها بالجلسة شريط التسجيل وأودع ملف الدعوى، فإن الحكم المطعون فيه إذ أورد ضمن أدلة البراءة ورفض الدعوى المدنية أن الطاعنة لم تشهد بعبارات السب والإزعاج يكون قد خالف الثابت بالأوراق، ودل على أن المحكمة قد أصدرت حكمها دون أن تحيط بأدلة الثبوت في الدعوى، كما أنه وقد قدم إليها دليل من هذه الأدلة وهو شريط التسجيل، فقد كان عليها أن تتولى تحقيقه والاستماع إليه وإبداء رأيها فيه. أما وقد نكلت عن ذلك فإنها تكون قد أغفلت عنصراً جوهرياً من عناصر دفاع الطاعنة ودليلاً من أدلة الإثبات، ولا يغني عن ذلك ما ذكرته من أدلة أخرى إذ ليس من المستطاع - مع ما جاء في الحكم - الوقوف على مبلغ أثر هذا الدليل - لو لم تقعد عن تحقيقه - في الرأي الذي انتهت إليه مما يعيب حكمها ويوجب نقضه فيما قضي به في الدعوى المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في خلال سنتين سابقتين على 30/ 1/ 1962 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: (أولاً) تسبب عمداً في إزعاج السيدة/...... بإساءة استعمال المواصلات التليفونية على النحو المبين بالمحضر (وثانياً) وجه إليها بطريق التليفون سباً يتضمن خدشاً للشرف والاعتبار على النحو المبين بالمحضر. وطلبت معاقبته بالمواد 166 مكرر و306 و308 مكرر من قانون العقوبات. وادعت المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنح قصر النيل الجزئية - بعد أن دفع الحاضر مع المتهم ببطلان إجراءات التحقيق - قضت حضورياً برفض الدفع ثم قضت عملاً بمواد الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لإيقاف التنفيذ وإلزامه أن يدفع إلى المدعية بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بشمول الحكم وبالنفاذ المعجل وبلا كفالة. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم. ولدى نظر الاستئناف أمام محكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - وبعد أن كرر الحاضر مع المتهم الدفع الذي أبداه أمام محكمة أول درجة، قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعتها مصروفاتها عن الدرجتين وردت على الدفع بأنه في محله. فطعن الوكيل عن المدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية قبله، قد خالف الثابت بالأوراق وأخل بحقها في الدفاع، ذلك بأنه استند ضمن ما استند إليه في قضائه إلى أن الطاعنة لم تشهد - بالتحقيقات - بوقائع السب وعبارات الإزعاج التي صدرت من المطعون ضده والتي أبداها زوجها مع أنها أدلت بها في محضر تحقيق الشرطة، كما أنه بني رفضه لطلب سماع شريط التسجيل على أن الطاعنة قد أقرت في مذكرتها بأنها لم تتمكن من تسجيل أحاديث المطعون ضده معها مع أنها تقدمت فعلاً إلى المحكمة بهذا الشريط وأودع ملف الدعوى الأمر الذي ينبئ عن أنها أصدرت حكمها دون تمحيص الدعوى والإحاطة بظروفها وأدلة الثبوت فيها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى قال تبريراً لقضائه بالبراءة ورفض الدعوى المدنية "إذ يبين للمحكمة من مطالعة الأوراق وفق ما تقدم الأمور الآتية: (أولاً) أن المبلغ ردد في التحقيقات عبارات الإزعاج والسب كما رددها لدى محكمة أول درجة على النحو الثابت بالأوراق ولم تشهد المدعية بالحق المدني بها تفصيلاً وتحديداً وهي المدعى عليها في الدعوى..." وبعد أن عدد الحكم باقي الأدلة التي استند إليها في قضائه عرض لطلب الطاعنة سماع شريط التسجيل الذي حوى حديث المطعون ضده معها بما اشتمل عليه من وقائع السب وعبارات الإزعاج فرفضه مبرراً ذلك بقوله "أما بخصوص شريط التسجيل فإن الثابت من مذكرة المدعية بالحق المدني إنها لم تتمكن من تسجيل الأحاديث لأن المتهم فطن لجهاز المعاكسات ولا محل لإجابة هذا الطلب أيضاً".
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع وإن كان لها أن تقضي بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات. ولما كان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لأوجه الطعن أن الطاعنة قد شهدت بتحقيقات الشرطة والنيابة ببعض وقائع السب وعبارات الإزعاج التي صدرت من المطعون ضده وكانت ضمن أحاديثه معها بالتليفون، وأحالت بالنسبة للبعض الآخر منها على ما ورد ببلاغ زوجها وما ردده في التحقيقات لما تضمنته تلك العبارات من ألفاظ بذيئة نابية تخجل هي من إعادة ترديدها، كما قررت صراحة بالتحقيقات أنها تمكنت وزوجها من تسجيل أحاديث المطعون ضده معها. وقد قدم الحاضر عنها بالجلسة شريط التسجيل وأودع ملف الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ أورد ضمن أدلة البراءة ورفض الدعوى المدنية أن الطاعنة لم تشهد بعبارات السب والإزعاج يكون قد خالف الثابت بالأوراق، ودل على أن المحكمة قد أصدرت حكمها دون أن تحيط بأدلة الثبوت في الدعوى، كما أنه وقد قدم إليها دليل من هذه الأدلة وهو شريط التسجيل فقد كان عليها أن تتولى تحقيقه والاستماع إليه وإبداء رأيها فيه. أما وقد نكلت عن ذلك فإنها تكون قد أغفلت عنصراً جوهرياً من عناصر دفاع الطاعنة ودليلاً من أدلة الإثبات. ولا يغني عن ذلك ما ذكرته من أدلة أخرى إذ ليس من المستطاع مع ما جاء في الحكم الوقوف على مبلغ أثر هذا الدليل - لو لم تقعد عن تحقيقه - في الرأي الذي انتهت إليه، مما يعيب حكمها ويوجب نقضه فيما قضي به في الدعوى المدنية والإحالة دون حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن مع إلزام المطعون ضده المصاريف المدنية.