مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1971 إلى منتصف فبراير سنة 1972) - صـ 160

(27)
جلسة 22 من يناير سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وأحمد حسن العتيق المستشارين.

القضية رقم 1137 لسنة 14 القضائية

عاملون مدنيون. عاملون بالقطاع العام. تأديب "المخالفات التأديبية".
لا يحل للعامل أن يتخذ من الشكوى ذريعة للتطاول على الرؤساء أو للتشهير بهم - أساس ذلك وجوب طاعة الرؤساء واحترامهم - هذا الالتزام لا يقتصر عند حد احترام العامل لرؤسائه في عمله بل يمتد إلى حد التزامه بهذا القدر من الاحترام لأمثالهم من الرؤساء في الأجهزة الأخرى - أساس ذلك ومثال.
لا مرية في أن الشكوى حق للكافة وهو من الحقوق الطبيعية للأفراد بصفة مطلقة وعامة سواء كانوا موظفين أو غير موظفين إلا أن لهذا الحق حدوداً يقف عندها ولا يتعداها ومن تلك الحدود يظهر جلياً حق الطاعة للرؤساء على مرؤوسيهم ووجوب احترامهم بالقدر الذي يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤوس فطاعة الرؤساء واحترامهم - كما ذهب الحكم المطعون فيه - واجب يضمن للسلطة الرئاسية فاعليتها ونفاذها ولا يحل للموظف أن يتخذ الشكوى ذريعة للتطاول على رئيسه بما لا يليق أو لتحديه أو للتشهير به أو التمرد عليه، إلا أنه تحقيقاً للصالح العام لا بد كذلك ضماناً لفاعلية ونفاذ السلطة الرئاسية وهو ما حدده الحكم المطعون فيه أساساً لهذا الالتزام - من تأثيم كل محاولات التشهير بالرؤساء وإسقاط هيبتهم والنقص من أقدارهم واعتبارهم أمام مرؤوسيهم سواء صدرت تلك الأفعال من مرؤوس لهم يعمل تحتهم في ذات الجهاز الحكومي أو المرفق العام أو من آخرين يعملون في مرافق الحكومة الأخرى أو قطاعاتها العامة حيث تحكمهم التزامات إدارية بعدم الخروج على مقتضى الواجب في أداء عملهم. فقيام عامل من عمال الدولة بإقحام نفسه في مسألة تخص مرفقاً آخر غير الذي يعمل فيه سواء كان قد اشتغل فيه لفترة ما أم لم يسبق ارتباطه فيه بعمل وانطواء تصرفه على ما يتضمن التشهير بالرؤساء في ذلك المرفق ولو تجرد في هدفه ونيته عن قصد إثارة العمال فيه يعتبر بذاته عملاً مؤثماً إدارياً وذلك على الرغم من ثبوت أن الأمر لم يكن ينطوي على نية الإثارة بقصد الإضرار بحسن سير العمل بالمرفق فإن ذلك الإقحام الذي ينطوي على التشهير إذا ما وقع عند ممارسة حق الشكوى لا شك يكون جريمة تأديبية هي الإخلال بمقتضى الواجب في أداء العمل. ذلك أن واجب العامل في أي موقع من مواقع العمل بأجهزة الدولة الحكومية وقطاعاتها العامة القوامة على المرافق العامة والخدمات العامة لا ينحسر فحسب عند حد احترام رؤسائه في عمله بل يمتد إلى حد التزامه بهذا القدر من الاحترام لأمثالهم من الرؤساء في الأجهزة الأخرى وأساس ذلك الالتزام وسنده يبعد كل البعد عن فكرة الاحترام المرتبط بأشخاصهم وإنما هو من صميم الرعاية الواجبة على كل مواطن لحسن سير العمل بالمرافق العامة وكافة مجالات النشاط العام بالدولة طالما أن الغاية من هذا الاحترام المفروض هو حسن سير العمل وطالما أنها لا تمس أصل الحق في الشكوى أو تسقطه وإنما هي تضعه في إطار من الشرعية التي لا يتجاوز فيها من يباشر حقه الطبيعي حدود ذلك الحق ليجرد غيره أو يجرد المصلحة العامة من حقوقها التي لا تتعارض مع حقه والتي لا يلزمه انتهاك حرماتها لكي يباشر حقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذا المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 28 لسنة 10 القضائية أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية بتقرير أودعته قلم كتاب المحكمة في 25 من نوفمبر سنة 1967 ضد كل من 1 - ..... المحصل من الدرجة الثامنة بالهيئة العامة لنقل الركاب بمحافظة الإسكندرية 2 - ....... الإشارجي من الدرجة العاشرة بالهيئة العامة لنقل الركاب بمحافظة الإسكندرية. 3 - ..... العامل بمكافأة شهرية 21 جنيهاً شهرياً بشركة النيل العامة لأوتوبيس غرب الدلتا التابعة للمؤسسة العامة للنقل الداخلي، لأنهم خلال شهر يونيه سنة 1966 بهيئة العامة لنقل الركاب بمحافظة الإسكندرية وبشركة النيل العامة لأوتوبيس غرب الدلتا خرجوا على مقتضى واجب الأمانة وحسن السلوك بأن أذاعوا عمداً أخباراً وبيات كاذبة ومغرضة وبثوا دعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة بأن أعدوا المنشور المبين بالأوراق وطبعوا منه عدة نسخ لصقوا بعضها في أماكن تجمع عمال الهيئة العامة لنقل الركاب بمحافظة الإسكندرية ضمنوه قانون أن قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 الذي يطبق على عمال المرفق المذكور يهدد مصالحهم وأرزاقهم، وأن الاعتماد المخصص لتطبيقه قد خفض وأن القائمين على إدارة المرفق يتآمرون على مصالح العمال يسايرهم في ذلك أعضاء التنظيمات الشعبية والنقابية وذلك بقصد إثارة عمال الهيئة على المسئولين بها وعلى أعضاء التنظيمين النقابي والسياسي بها الأمر الذي من شأنه الإخلال بحسن سير العمل وانتظامه بمرفق النقل العام بالمحافظة. وبذلك يكون قد ارتكبوا المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 59 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964، والمادتين 56، 57 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 المعدل بالقرار رقم 802 لسنة 1967، وطلبت النيابة الإدارية لذلك محاكمتهم بالمواد سالفة الذكر وتطبيقاً للمادة 14 من القانون رقم 17 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 والمادتين 61، 63 من نظام العاملين المدنيين بالدولة والمادتين 59، 60 من نظام العاملين بالقطاع العام وبجلسة 6 من يناير سنة 1968 عدلت النيابة الإدارية مواد القيد بإضافة المواد 5/ 2، 53 من نظام العاملين بالشركات الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 والمادتين 1، 4 من القرار الجمهوري رقم 4494 لسنة 1965 بتنظيم إدارة النقل العام لمدينة الإسكندرية وأودعت النيابة الإدارية مع تقرير الاتهام مذكرة مفصلة بالواقعات موضوع المحاكمة وأسانيد الاتهام كما قدمت ملف القضية رقم 242 لسنة 1967 الإسكندرية وملف التحقيق رقم 134/ 66 حصر المنشية. وقدم المتهمان الثاني والثالث مذكرات بدفاعهما أمام المحكمة وقال المتهم الثاني في مذكرته إنه بريء وأن الاتهام ملفق وغير صحيح وذلك نظراً لوجود خلاف قديم بينه وبين أحد ضباط المباحث العامة وأن شهادة السيد/ .... كاتب المحكمة ضده كان مردها إلى وقوع مشادة بينه والكاتب المذكور، كما نفى المتهم الثالث الاتهام المسند إليه على أساس من الفكر القانوني قوامه أن اتهامه بطبع المنشورات المضبوط أحدها ولصقها في أماكن توزيع العمال بالهيئة العامة لنقل الركاب بقصد إثارة عمال الهيئة المذكورة على المسئولين بها وعلى أعضاء التنظيمين النقابي والسياسي بها الأمر الذي من شأنه الإخلال بحسن سير العمل وانتظامه بمرفق النقل العام بالمحافظة غير صحيح قانوناً لأن هذه التهمة لا تتصل بأي سبب من الأسباب بعلاقة العمل التي تربطه بالشركة التي يعمل بها وهي شركة النيل العامة لأوتوبيس غرب الدلتا التي نقل إليها من الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية منذ أول نوفمبر سنة 1965 كما لا توجد أية علاقة بينه وبين إدارة مرفق هيئة النقل العام أو التنظيم النقابي بها ومن ثم فلا تشكل هذه التهمة خطأ تأديبياً بالنسبة إليه لأنها لا تتصل بأعمال وظيفته بأي سبب كان، كما أنها لا تتعارض مع غايات المرفق الذي يعمل فيه ولا تلحق به أي ضرر أو أذى كما أنها غير منصوص عليها في لائحة نظام العاملين بالشركات الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962 وبذلك ينعدم المأخذ على السلوك الإداري ولا يكون هناك ذنب إداري يسوغ أن يجازى عنه، كما ذهب المتهم الثالث في مذكرته المشار إليها إلى أن الفعل المنسوب إليه لا ينم عن سوء سلوك وظيفي لأنه لم يقع في العمل ولا يكون جريمة خلقية ولا يمس كرامة الوظيفة وحسن السلوك ومن ثم فإن سوء السلوك الوظيفي غير متوفر في حقه.
ومن حيث إنه في 20 من إبريل سنة 1968 صدر الحكم المطعون فيه "بمجازاة كل من...... و...... بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبهما وببراءة...... مما هو منسوب إليه، وقد استعرض الحكم في أسبابه الواقعات موضوع الاتهام فقال إن المستخلص من الأوراق أن الهيئة العامة لنقل الركاب بمحافظة الإسكندرية أبلغت فرع المباحث العامة بالمحافظة في 9 من يونيه سنة 1966 بوجود بعض المنشورات في أماكن تجميع عمالها بمحرم بك ومصطفى كامل ومحطة الرمل تنطوي على عبارات فيها مساس بالقائمين على إدارة الهيئة وتتهمهم بأنهم يعملون على عدم تطبيق أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 على عمالها الأمر الذي من شأنه إثارة هؤلاء العمال وإحداث البلبلة في نفوسهم ويشكل بالتالي خطورة على سلامة مرفق النقل بالإسكندرية وبتاريخ 21 من يونيه سنة 1966 أبلغ المقدم.... الضابط بإدارة المباحث العامة فرع الإسكندرية نيابة المنشية بمحضر حرر بمعرفته في ذلك التاريخ من أن تحريات المباحث العامة أسفرت عن أن من قاموا بإعداد المنشور سالف الذكر هم المتهمون الثلاثة المطعون عليهم، كما تضمن ذلك المحضر أن محرره قام بضبطهم وعثر على أصل المنشور - الذي أرفقه بالمحضر - مع المتهم الثالث..... محتفظاً به في جيبه ضمن أوراق أخرى، وأن.... الموظف بمحكمة استئناف الإسكندرية هو الذي قام بطبع 21 نسخة من المنشور المذكور. وقد تولت النيابة العامة التحقيق وثبت من تحقيقها أن المتهم الثالث هو الذي قام بتحرير أصل المنشور إذ أقر بذلك وقال إن تحريره لأصله كان بناء على طلب كل من المتهمين الأول والثاني، كما اعترف المتهمان الأول والثاني في تلك التحقيقات بأن المتهم الثالث هو الذي أعد أصل المنشور بناء على طلبهما وأقر المتهم الأول بأنه دفع عشرة قروش مساهمة منه في تكاليف طبع المنشور الذي كتبه المدعو.... في 21 نسخة وقد أقر..... بذلك وبعد عرض أدلة ثبوت الواقعة المادية الخاصة بإعداد وطبع المنشور على النحو المتقدم انتقل الحكم المطعون فيه إلى القول بأن الواضح للمحكمة من استقراء المنشور المشار إليه أنه متضمن عبارات قاسية موجهة إلى القائمين على أمر الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية تنطوي على التشهير بهم أشار إلى بعضها ونقلها كما جاءت بالمنشور وقال أن ما عدا ذلك مما جاء بالمنشور من أن تنفيذ القانون رقم 46 لسنة 1964 بنظام العاملين بالدولة على العاملين بالهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية فيه خطر وأن الاعتماد الذي كان مدرجاً لتنفيذه بالهيئة قد خفض فلا يعدو أن يكون إعراباً ممن أعدوا المنشور عن مخاوفهم من عدم تطبيق القانون المشار إليه على عمال هيئة النقل العام بالإسكندرية وأن ختام المنشور جاء معبراً عن المقصود منه وهو الإهابة بجميع المسئولين بالدولة أن يتدخلون لحماية العاملين وهو ما يجعل المنشور المذكور بمثابة شكوى إلى المسئولين جاوز فيها الشاكون حدود اللياقة غير أنه لا ينطوي على عبارات تدعو إلى إثارة العاملين بالهيئة المذكورة للإضرار بحسن سير المرفق الذي تقوم على إدارته كما لا يعني قيامهم بلصق بعض هذه النسخ من المنشور في مركز تجمع العمال أنهم قصدوا إلى إثارتهم لتعطيل سير العمل بمرفق النقل العام بالإسكندرية أو الإخلال بانتظام سيره ما دام أن عباراته لم تتضمن دعوة العمل إلى شئ من ذلك.
وخلص الحكم المطعون فيه إلى أنه مما لا شك فيه بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني فيما تضمنه المنشور المشار إليه من عبارات جارحة وألفاظ قاسية تتضمن التشهير بالقائمين على أمر الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية يعد إخلالاً منه بواجب الاحترام لرؤسائهما وتشهيراً علنياً بهم بين العاملين بالهيئة فضلاً عن التشهير بهم لدى المسئولين وهو ما يكون خروجاً منهما على مقتضى الواجب يقتضي وفقاً للمادة 59 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 معاقبتهما تأديبياً. أما بالنسبة للمحال الثالث فقد رأت المحكمة التأديبية في حكمها المطعون فيه أنه ولئن كان الثابت من الأوراق أنه محرر ذلك المنشور إلا أنه لم يكن وقت تحريره من العاملين بالهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية إذ نقل منها منذ 18 من يوليه سنة 1965 وانقطعت صلته من هذا التاريخ بالهيئة المذكورة ومن ثم فإن القائمين على أمر الهيئة العامة المشار إليها لا يعتبرون رؤساءه وإذ كان ما ينطوي عليه المنشور سالف الذكر لا يعدو أن يكون إخلالاً بواجب الاحترام للرؤساء بالهيئة العامة المشار إليها هو ما لم يكن مؤاخذة المحال الثالث عنه لأن الرؤساء المذكورين ليسوا رؤساءه في العمل، كما أن ما ينطوي عليه المنشور المذكور لا ينطبق عليه نص المادة 5/ 2 من لائحة العاملين بالشركات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 وهو الذي يسري في شأن المحال لحدوث الواقعة في ظل سريان أحكامه من أنه يشترط فيمن يعين في الشركة أن يكون محمود السيرة حسن السمعة وليس في كتابة المنشور سالف الذكر ما يؤدي إلى الإخلال بهذا الشرط ومضى الحكم يقول كذلك أن المحال الثالث لم يخالف أحكام لائحة العاملين بالشركات أو التعليمات أو الأوامر الصادرة إليه من الشركة التي يعمل فيها أو من رؤسائه كما لم يخرج على مقتضى الواجب في أداء عمله وهو ما تنص عليه المادة 53 من لائحة العاملين بالشركات المشار إليها. ومن ثم فإنه لم يخالف هذه المادة هي الأخرى ومن ثم يتعين الحكم ببراءته.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حيث قضى ببراءة المتهم الثالث وحيث اعتبر أن ما وقع من المتهمين الأول والثاني لا ينطوي على إثارة العاملين بمرفق النقل العام بالإسكندرية وبث الدعايات المثيرة مما يلحق الضرر بالمصلحة العامة الأمر الذي جعل الجزاء المحكوم به على المتهمين الأول والثاني غير متناسب مع الذنب الإداري الذي اقترفاه.
ومن حيث إنه بالنسبة للمتهم الثاني: ......، فإن الثابت من مطالعة شهادة الوفاة المستخرجة من مكتب سجل مدني محافظة الإسكندرية وفاته في 3 من مارس سنة 1969 لذلك فإنه يتعين الحكم بانقضاء الدعوى التأديبية بالنسبة له لوفاته.
ومن حيث إن الثابت على ما جاء بأسباب الحكم المطعون فيه وأخذاً بما جاء بتحقيقات النيابة العامة - المقيدة تحت رقم 134 لسنة 1966 حصر المنشية وتحت رقم 386 لسنة 1966 حصر أمن الدولة العليا والمرسلة رفق كتاب السيد رئيس نيابة أمن الدولة المحرر في 22 من سبتمبر سنة 1966 للسيد رئيس نيابة شرق الإسكندرية الكلية بطلب إرسال تلك الأوراق للجهة الإدارية التابع لها المتهمان...... و.... لمجازاتهما إدارياً لما نسب إليهما مع الاستعلام من الجهة الإدارية التابع لها..... و..... عما إذا كانا قد جوزيا إدارياً بشأن ما نسب إليهما من عدمه وإعادة الأوراق لنيابة أمن الدولة بعد ذلك للتصرف - يبين من مطالعة تلك الأوراق ثبوت الفعل المادي أي الواقعة الموضوعية موضوع الاتهام المسند إلى المتهم الأول...... الذي اعترف بها اعترافاً كاملاً ومفصلاً لا يسقطه أو يزعزعه زعمه بعد ذلك في مذكرته المقدمة بجلسة 12 من يونيه سنة 1971 من أنه كان ولا يزال مصاباً بمرض عقلي طالما لم يقدم أي دليل يؤيد هذا الزعم المرسل، كما أن قيامه بأداء عمله بالمرفق وعدم تقديمه حتى ما يفيد حصوله على إجازات مرضية يقطع في بطلان هذا الزعم، وقد أعطى الحكم المطعون فيه لهذا الفعل المادي تكييفه القانوني الصحيح حيث انتهى إلى أن ما تضمنه المنشور المشار إليه من عبارات جارحة وألفاظ قاسية نوه بها تفصيلاً ذلك الحكم تتضمن التشهير بالقائمين على أن الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية ومن ثم يعد إعدادها ونشرها إخلالاً من المساهمين في الإعداد أو النشر بواجب الاحترام لهؤلاء الرؤساء وتشهيراً علنياً بهم بين العاملين بالهيئة فضلاً عن التشهير بهم لدى المسئولين وهو ما يكون الجريمة التأديبية التي توصف بأنها الخروج على مقتضى الواجب وتندرج تحت نص المادة 59 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 وذلك بالنسبة للمتهم الأول العامل بالهيئة العامة لمرفق النقل العام بالإسكندرية ولا حجاج فيما أورده تقرير الطعن المقدم من النيابة الإدارية طعناً على الحكم في شأن نفيه لتهمة إثارة العاملين بالهيئة المذكورة للإضرار بحسن سير المرفق الذي تقوم على إدارته عن المتهمين في هذه المحاكمة ذلك أن عبارات المنشور المتعلقة بتنفيذ القانون رقم 46 لسنة 1964 بنظام العاملين بالدولة على العاملين المدنيين بالهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية لا يعدو وبحق - كما رأى الحكم المطعون فيه - أن يكون إعراباً ممن أعدوا المنشور عن مخاوفهم من عدم تطبيق القانون المشار إليه على عمال هيئة النقل العام بالإسكندرية وأنه كان بمثابة شكوى موجهة منهم إلى المسئولين جاوز فيها الشاكون حدود اللياقة. وبذلك فإن الحكم فيما انتهى إليه من مجازاة المتهم الأول......... بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه قد جاء متفقاً وصحيح حكم القانون وقد تخير جزاء مناسباً للذنب الإداري الذي اقترفه - هو جزاء لا يعتوره إفراط في شدة أو تفريط في إيقاع الجزاء الأمثل المتكافئ مع الدرجة التي يقف عندها الذنب الإداري المؤثم. ومن ثم فإن الطعن يكون خليقاً برفضه في موضوعه بالنسبة للمتهم الأول...... وتكون الجهة الطاعنة ملتزمة بمصاريف الطعن في هذا الشق منه.
ومن حيث إنه بالنسبة للمتهم الثالث/ ...... فإنه لا مرية في ثبوت الفعل المادي والواقعة الموضوعية المسندة إليه كما جاءت بقرار الاتهام أخذاً بالأسباب التي استظهرها ذات الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص وحاصلها أن أصل المنشور موضوع المحاكمة ضبط مع ذلك المتهم الذي اعترف بأنه قام بإعداده باتفاق مع المتهم الأول في التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة السابق الإشارة إليه بقصد نشره بين عمال المرفق، إلا أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله حيث انتهى إلى أن الفعل المادي الصادر عن المتهم الثالث المذكور لا ينطوي على خروج على مقتضى الواجب في أداء عمله وهو الالتزام الذي تنص عليه المادة 53 من لائحة العاملين بالشركات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 ذلك أنه وإن كان. لا مرية في أن الشكوى حق للكافة وهو من الحقوق الطبيعية للأفراد بصفة مطلقة وعامة سواء كانوا موظفين أو غير موظفين إلا أن لهذا الحق حدوداً يقف عندها ولا يتعداها ومن تلك الحدود يظهر واضحاً جلياً حق الطاعة للرؤساء على مرؤوسيهم ووجوب احترامهم بالقدر الذي يجب أن يسود بين الرئيس والمرؤوس فطاعة الرؤساء واحترامهم - كما ذهب الحكم المطعون فيه - واجب يضمن للسلطة الرئاسية فاعليتها ونفاذها ولا يحل للموظف أن يتخذ من الشكوى ذريعة للتطاول على رئيسه بما لا يليق أو لتحديه أو للتشهير به أو التمرد عليه، إلا أنه تحققاً للصالح العام لا بد كذلك ضماناً لفاعلية ونفاذ السلطة الرئاسية وهو ما حدده الحكم المطعون فيه أساساً لهذا الالتزام - من تأثيم كل محاولات التشهير بالرؤساء وإسقاط هيبتهم والنقص من أقدارهم واعتبارهم أمام مرؤوسيهم سواء صدرت تلك الأفعال من مرؤوس لهم يعمل تحتهم في ذات الجهاز الحكومي أو المرفق العام أو من آخرين يعملون في مرافق الحكومة الأخرى أو قطاعاتها العامة حيث تحكمهم التزامات إدارية بعدم الخروج على مقتضى الواجب في أداء عملهم. فقيام عامل من عمال الدولة بإقحام نفسه في مسألة تخص مرفقاً آخر غير الذي يعمل فيه سواء كان قد اشتغل فيه لفترة ما أم لم يسبق ارتباطه فيه بعمل وانطواء تصرفه على ما يتضمن التشهير بالرؤساء في ذلك المرفق ولو تجرد في هدفه ونيته عن قصد إثارة العمال فيه يعتبر بذاته عملاً مؤثماً إدارياً وذلك على الرغم من ثبوت أن الأمر لم يكن ينطوي على نية الإثارة بقصد الإضرار بحسن سير العمل بالمرفق فإن ذلك الإقحام الذي ينطوي على التشهير إذا ما وقع عند ممارسة حق الشكوى لا شك يكون جريمة تأديبية هي الإخلال بمقتضى الواجب في أداء العمل. ذلك أن واجب العامل في أي موقع من مواقع العمل بأجهزة الدولة الحكومية وقطاعاتها العامة القوامة على المرافق العامة والخدمات العامة لا ينحسر فحسب عند حد احترام رؤسائه في عمله بل يمتد إلى حد التزامه بهذا القدر من الاحترام لأمثالهم من الرؤساء في الأجهزة الأخرى وأساس ذلك الالتزام وسنده يبعد كل البعد عن فكرة الاحترام المرتبط بأشخاصهم وإنما هو من صميم الرعاية الواجبة على كل مواطن لحسن سير العمل بالمرافق العامة وكافة مجالات النشاط العام بالدولة طالما أن الغاية من هذا الاحترام المفروض هو حسن سير العمل وطالما أنها لا تمس أصل الحق في الشكوى أو تسقطه وإنما هي تضعه في إطار من الشرعية التي لا يتجاوز فيها من يباشر حقه الطبيعي حدود ذلك الحق ليجرد غيره أو يجرد المصلحة العامة من حقوقها التي لا تتعارض مع حقه والتي لا يلزمه انتهاك حرماتها لكي يباشر حقه. ومن ثم يكون الفاعل الذي أتاه المتهم الثالث......... مؤثماً إدارياً فهو يندرج ويرقى في مجال المسئولية الإدارية لذات الفعل الصادر من المتهم الأول وكل ما هنالك من فارق أن سلوك المتهم الأول كان شيئاً داخل نطاق الوظيفة بينما كان سلوك المتهم الثالث خارج نطاقها منعكساً عليها مؤثراً فيها.
ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب في شأن المتهم الثالث حيث قضى ببراءته على حين أنه قد ثبت في حقه على ما سبق إيضاحه أنه قد خرج على مقتضى الواجب في أداء عمله بأنه "أقحم نفسه في أمر يتعلق بالهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية بعد أن نقل منها إلى شركة النيل لغرب الدلتا التابعة للمؤسسة العامة للنقل الداخلي وأعد منشورات لتوزيعها على عمال الهيئة العامة للنقل تنطوي على تشهير برؤساء تلك الهيئة بين مرؤوسيهم ولدى المسئولين الأمر الذي يجعله مستأهلاً المجازاة تأديبياً عملاً بنص المادتين 50، 53 من لائحة العاملين بالشركات العامة الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962. وترى هذه المحكمة إلغاء الحكم الصادر ببراءته ومجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه مع إلزامه بثلث المصاريف كما يتعين رفض الطعن فيما يتعلق بطلب التشديد بالنسبة للمتهمين الآخرين الأول والثاني.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه أولاً - بانقضاء الدعوى التأديبية بالنسبة إلى السيد...... لوفاته ثانياً - بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من براءة السيد/ ...... وبمجازاته بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً مع إلزامه بثلث المصرفات ثالثاً - برفض الطعن فيما عدا ذلك