أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 546

جلسة 13 من مايو سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي.

(107)
الطعن رقم 303 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب أفضى إلى موت. رابطة سببية. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
( أ ) للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها. شرط ذلك: ألا تكون من المسائل الفنية البحت.
(ب) على المحكمة متى واجهت مسألة فنية بحت أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها.
1 - إذا كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها.
2 - من المقرر أنه على المحكمة متى واجهت مسألة فنية بحت أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها. ولما كان الطاعن - حسبما هو مثبت بمحضر جلسة المحاكمة وعلى ما حصله الحكم المطعون فيه - قد نازع في سبب وفاة المجني عليه وفي قيام رابطة السببية بين الوفاة وفعل الطاعن، وهو ما يتضمن في ذاته المطالبة الجازمة باستجلاء حقيقة ذلك السبب بالرجوع إلى أهل الخبرة، وكان الطبيب الشرعي وإن أورد بتقريره رأياً بأن المشاجرة وما صحبها من التعدي وما نشأ عنها من انفعال نفساني قد مهدت وعجلت بحصول نوبة الهبوط الحاد بالقلب أدت إلى وفاة المجني عليه، فإنه قد انتهى إلى إمكان حصول الوفاة ذاتياً دون مؤثر خارجي بسبب الحالة المرضية المزمنة المتقدمة بالقلب والشرايين التاجية التي كان المجني عليه مصاباً بها حال حياته والتي كان من شأنها إحداث نوبات الهبوط السريع بالقلب - دون أن يرجح أحد الرأيين على الآخر، فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب في قضائه إلى أن التعدي وما نشأ عنه من انفعال نفساني كان سبباً مهد وعجل بحصول الهبوط الحاد السريع بقلب المجني عليه الذي أدى إلى وفاته - دون أن يبين سنده في الأخذ بهذا الرأي دون الرأي الآخر الذي أورده الطبيب الشرعي في تقريره ودون أن يعني بتحقيق دفاع الطاعن الجوهري عن طريق المختص فنياً، فإنه يكون مشوباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 29 مايو سنة 1965 بدائرة قسم القصير محافظة البحر الأحمر: ضرب محمد خليل محمد الشهير بطايع عمداً فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك ومحكمة جنايات قنا قضت حضورياً بتاريخ 14 مايو سنة 1967 عملاً بمادة الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل ثلاثة أشهر. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة ضرب مفضي إلى موت قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يعن بتمحيص ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي من أنه كان من الممكن حدوث وفاة المجني عليه ذاتياً دون أي مؤثر خارجي، مما مقتضاه انتفاء رابطة السببية بين فعل الطاعن والنتيجة التي حدثت.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في يوم 29 مايو سنة 1965 وصلت سيارة نقل من القاهرة إلى القصير تحمل آلات لماكينة الكهرباء بالقصير وطلب سائقها من المتهم عبد الرحيم عبد اللاه عطا الشهير بقناوي (الطاعن) بوصفه خفيراً للمخزن أن يحضر من يساعد في إنزال حمولة السيارة فأحضر المجني عليه محمد خليل محمد الشهير بطايع وآخر للقيام بهذه المهمة وأثناء إنزال أحد الصناديق شب خلاف بين المتهم والمجني عليه اعتدى فيه المتهم أولاً على المجني عليه بصفعه على وجهه فأمسك المجني عليه بماسورة فذهب المتهم وأحضر عصا ضرب بها المجني عليه حتى سقط على الأرض فنقله المتهم إلى المستشفى حيث فارق الحياة. وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجود حالة مرضية مزمنة متقدمة بقلب المجني عليه وشرايينه التاجية من شأنها أن تعرضه حال حياته لحصول نوبات هبوط سريع بالقلب قد يؤدي إلى الوفاة ويكون حصول هذه النوبات إما ذاتياً أو لمؤثر خارجي. وأن المشاجرة وما صحبها من حصول تعد وما نشأ عنها من انفعال نفساني كلها أسباب مهدت وعجلت بحصول نوبة الهبوط الحاد السريع بالقلب التي أدت إلى الوفاة". واستند الحكم في إدانته الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت إلى أقوال شهود الواقعة وما أورده التقرير الطبي الشرعي الذي حصل مؤداه بقوله "وثبت من التقرير الطبي الشرعي أنه وجد بالمجني عليه إصابة بالأصبع السبابة الأيسر وهي رضية حيوية حديثة ناشئة عن المصادمة بجسم صلب راض أياً كان نوعه وهي طفيفة ليس من شأنها أن تحدث الوفاة بالشخص العادي. على أنه في حالة المجني عليه نظراً لسرعة حصول وفاته عقب التعدي رغم بساطة الإصابة التي لحقت بالمتوفى ونظراً لما ثبت من التشريح من وجود حالة مرضية مزمنة متقدمة بالقلب والشرايين التاجية من شأنها أن تعرض المذكور حال حياته لحصول نوبات هبوط حاد سريع بالقلب قد يؤدي إلى الوفاة ويكون حصول هذه النوبات إما ذاتياً أو لمؤثر خارجي بسيط فإننا نرى أن المشاجرة وما صحبها من حصول تعدي وما نشأ عنها من انفعال نفساني كلها أسباب مهدت وعجلت بحصول نوبة الهبوط الحاد السريع بالقلب التي أدت إلى الوفاة والتي كان من الممكن أيضاً أن تحصل ذاتياً دون مؤثر خارجي". وقد عرض الحكم لدفاع الطاعن وأطرحه بقوله "وحيث إن المتهم أنكر بالتحقيقات وبالجلسة ما أسند إليه وطلب الدفاع الحاضر معه براءته على أساس أن موت المجني عليه لم يكن نتيجة الضرب بل نتيجة حالة مرضية وأن التقرير الطبي لم يقطع بأن الإصابات هي التي أدت إلى الوفاة. وحيث إن هذا الدفاع مردود عليه بأن المتهم لم ينكر بتحقيقات النيابة أنه دخل ماكينة الكهرباء واستحضر العصا التي استعملت في الحادث وقد أجمع شهود الحادث الذين تطمئن المحكمة إلى أقوالهم بأنهم رأوا المتهم يضرب المجني عليه ولم يتركه إلا بعد أن سقط على الأرض ثم نقله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. وحيث إنه سواء كانت الضربات قد تركت أثراً مثل إصابة إصبع المجني عليه السبابة الأيسر التي كشف عنها التقرير الطبي الشرعي أو لم يترك أثراً كما أجمع الشهود على حدوث اعتداء المتهم على المجني عليه بعدة ضربات حتى سقط ولفظ أنفاسه فإن التقرير الطبي الشرعي قد أورى أنه وإن كانت إصابة المجني عليه هذه ليس من شأنها أن تحدث الوفاة بالشخص العادي إلا أنه في حالة المجني عليه نظراً لسرعة حصول وفاته عقب التعدي رغم بساطة الإصابة فإنه يرى أن المشاجرة وما صاحبها من حصول تعدي وما نشأ عنها من انفعال نفساني كلها أسباب مهدت وعجلت بحصول نوبات الهبوط الحاد السريع بالقلب التي أدت إلى الوفاة. وحيث إنه يبدو من التقرير الطبي الشرعي أن التعدي وما نشأ عنه من انفعال نفساني كان سبباً مهد وعجل بحصول الهبوط الحاد السريع بقلب المجني عليه الذي أدى إلى فاته. وحيث إنه متى ثبت أن الضرب الذي وقع من المتهم هو السبب الذي حرك عوامل أخرى تعاونت على إحداث الوفاة سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر فالمتهم مسئول جنائياً عن كافة النتائج التي ترتبت على فعلته مأخوذ في ذلك بالقصد الاحتمالي إذ كان عليه أن يتوقع كل هذه النتائج الجائزة الحصول. وحيث إن الثابت من الأوراق أن ضرب المتهم للمجني عليه قد استمر حتى سقط المجني عليه وأسلم الروح بعد لحظات". لما كان ذلك، وكان الطاعن - حسبما هو مثبت بمحضر جلسة المحاكمة وعلى ما حصله الحكم المطعون فيه - قد نازع في سبب وفاة المجني عليه وفي قيام رابطة السببية بين الوفاة وفعل الطاعن، وهو ما يتضمن في ذاته المطالبة الجازمة باستجلاء حقيقة ذلك السبب بالرجوع إلى أهل الخبرة. وكان الطبيب الشرعي وإن أورد بتقريره رأياً بأن المشاجرة وما صحبها من التعدي وما نشأ عنها من انفعال نفساني قد مهدت وعجلت بحصول نوبة الهبوط الحاد بالقلب التي أدت إلى وفاة المجني عليه، فإنه قد انتهى إلى إمكان حصول الوفاة ذاتياً دون مؤثر خارجي بسبب الحالة المرضية المزمنة المتقدمة بالقلب والشرايين التاجية التي كان المجني عليه مصاباً بها حال حياته والتي كان من شأنها إحداث نوبات الهبوط السريع بالقلب - دون أن يرجح أحد الرأيين على الآخر. ولما كان من المقرر أنه على المحكمة متى واجهت مسألة فنية بحت أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب في قضائه إلى أن التعدي وما نشأ عنه من انفعال نفساني كان سبباً مهد وعجل بحصول الهبوط الحاد السريع بقلب المجني عليه الذي أدى إلى وفاته - دون أن يبين سنده في الأخذ بهذا الرأي دون الرأي الآخر الذي أورده الطبيب الشرعي في تقريره، ودون أن يعني بتحقيق دفاع الطاعن الجوهري عن طريق المختص فنياً، فإنه يكون مشوباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع. ولا يرفع هذا العوار ما تعلل به الحكم في رده على دفاع الطاعن، ذلك بأنه إذا كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التي لا تستطيع أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها - كما هي واقع الحال في الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله ويستوجب نقضه والإحالة وذلك بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن .