أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 562

جلسة 20 من مايو سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(111)
الطعن رقم 280 لسنة 38 القضائية

( أ ) دعوى جنائية. "نظرها". حكم. "حجيته". قوة الأمر المقضي.
المحاكم الجنائية غير مقيدة بالأحكام الصادرة من المحاكم المدنية. اختصاصها بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
(ب) تبديد. ضرر. قصد جنائي. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير توافر ركني الضرر والقصد الجنائي في جريمة التبديد. موضوعي.
(ج، د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) بيانات حكم البراءة؟
(د) كفاية تشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم للقضاء ببراءته.
(هـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة استئنافية.
عدم التزام المحكمة الاستئنافية في حالة الحكم بالبراءة بالرد على كل أسباب الحكم المستأنف الصادر بالإدانة أو كل دليل من أدلة الاتهام.
(و) إجراءات المحاكمة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
العبرة في المحاكمة الجنائية باقتناع القاضي. عدم تقيده بدليل معين إلا إذا نص القانون على ذلك.
(ز) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". حكم. "بطلانه".
التناقض الذي يبطل الحكم. ماهيته؟
(ح) إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع.
1 - المحاكم الجنائية بحسب الأصل غير مقيدة بالأحكام الصادرة من المحاكم المدنية، إذ هي مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
2 - تقدير توافر ركني الضرر والقصد الجنائي في جريمة التبديد مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض، متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.
3 - لا تشترط المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يتضمن الحكم بالبراءة أموراً أو بيانات معينة أسوة بأحكام الإدانة ويكفي أن يكون الحكم قد استعرض أدلة الدعوى عن بصر وبصيرة فلم يجد فيها ما يؤدي إلى إدانة المتهم.
4 - يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات.
5 - من المقرر أنه متى كونت المحكمة الاستئنافية عقيدتها ببراءة المتهم بعد الحكم ابتدائياً بإدانته فليس عليها بعد أن اقتنعت بذلك أن تلتزم بالرد على كل أسباب الحكم المستأنف أو كل دليل من أدلة الاتهام ما دام قضاؤها قد بني على أساس سليم.
6 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، ولا يجوز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا إذا نص القانون على ذلك.
7 - التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها.
8 - لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 30/ 10/ 1964 بدائرة قسم عابدين: بدد المستند المبين بالمحضر لبول فرنسيس رستم والذي كان قد سلمه إليه على سبيل الوديعة فاختلسه لنفسه إضراراً بالمجني عليه. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة عابدين الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام (أولاً) في الدعوى الجنائية بحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً لوقف التنفيذ (وثانياً) في الدعوى المدنية إلزام المتهم أن يؤدي إلى المدعي بالحق المدني 51 ج على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية ومبلغ 5 ج مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة إليه ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي المدني المصروفات عن الدرجتين ومبلغ 200 ق مائتي قرش أتعاب محاماة. فطعن كل من وكيل المدعي بالحقوق المدنية والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعنين هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده من تهمة التبديد وبرفض الدعوى المدنية، قد أخطأ في تطبيق القانون وعاره قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأن استناده إلى الطلبات المقدمة للشهر العقاري وما أثبت فيها من بيانات العقد الظاهر ينطوي على إهدار لإرادة المتعاقدين الحقيقة التي تضمنتها ورقة الضد ويجافي النصوص القانونية وما استقرت عليه الأحكام في هذا الشأن. كما لم يبين الحكم واقعة الدعوى ولم يتناول أسباب حكم محكمة أول درجة - الذي قضى بإدانة المتهم - بالتفنيد والتي من بينها تعويل ذلك الحكم على الدليل المستمد من إقرار المطعون ضده الكتابي بحيازته لورقة الضد وادعائه تحرير هذا الإقرار وهو مخمور وهو إذ بنى قضاءه على انتفاء ركن الضرر قد أخطأ في القانون ذلك بأنه يكفي في جريمة التبديد أن يكون الضرر محتملاً. هذا فضلاً عن تناقض أسبابه وتهاترها فهو في الوقت الذي ينفي فيه وجود ورقة الضد يقرر أن أثرها قد زال بعد تحرير عقد 20 يناير سنة 1964، وهو في نفيه لوجود ورقة الضد يتعارض مع أحكام مدنية تناولت هذه الورقة وهي في معرض بحث النزاع المدني. وأخيراً فإن الحكم لم يعرض للقصد الجنائي في جريمة التبديد وهو من أركانها الجوهرية، وذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إن المدعي بالحق المدني السيد/ بول فرنسيس رستم قدم شكوى بتاريخ 30/ 10/ 1964 ضد المتهم وضد عبد الله أبو العينين الصفتي قال فيها إنه بتاريخ 13/ 10/ 1963 تعاقد مع المشكو في حقه الثاني على شراء عقار مملوك له كائن بشارع البحر رقم 3 و5 ببولاق وأضاف بأنه لما كان المشكو في حقه الثاني سمساراً للعقارات ولديه فرص لبيع العقار بثمن مجز فقد أوهمه بأن لديه عميلاً يشتري العقار المذكور بمبلغ 30.000 ج وطلب أن يتم بهذا الثمن على أن تكتب ورقة ضد بينهما تحدد الثمن الحقيقي الذي دفع منه وأن يقتسم الطرفان ما يزيد على هذا الثمن مناصفة بينهما وتم التعاقد على هذه الصورة بعد أن دفع المشكو في حقه الثاني العربون المتفق عليه وقدره 2000 ج وتسلم كافة مستندات التمليك وعقود الإيجار محولة إليه كما تسلم المتهم ورقة الضد الموقع عليها من الطرفين وأن ذلك ثابت في إقرار صادر من المتهم بتاريخ 23/ 10/ 1963". واستطرد المدعي قائلاً "إن المشكو في حقه الثاني لم يتيسر له إعادة بيع العقار بالثمن المرتفع واصطنع نزاعاً رفع بمقتضاه دعوى فسخ ورد العربون الظاهر في العقد وقدره 16000 ج مع دفع تعويض مثله وذلك في الدعويين وأنه حاول أن يحصل على ورقة الضد المودعة أمانة تحت يد المتهم دون جدوى مما اضطره لتقديم هذه الشكوى" وبعد أن أورد الحكم مؤدى أقوال المدعي بالحق المدني وعبد الله الصفتي والمتهم (المطعون ضده)، دلل على أن حقيقة الثمن المتفق عليه هو 30.000 ج مستنداً في ذلك إلى تحرير الطرفين لعقد جديد في 20 يناير سنة 1964 نص فيه على أن ثمن العين المبيعة هو 30 ألف جنيه كما نص في البند الأخير منه على أن العقد الأول المؤرخ 13/ 10/ 1963 والذي كانت تحمل صورية الثمن فيه ورقة الضد المدعى بوجودها قد أصبح غير ذي موضوع. ثم برر الحكم قضاءه بالبراءة ورفض الدعوى المدنية بقوله "وبالبناء على ما تقدم فإنه لو فرض بأن هناك ورقة ضد تعلقت بالعقد المذكور فقد انتهت فيه وأصبحت عديمة الأثر في إحداث الضرر لأنه لا يوجد ضرر في حالة الامتناع عن تسليمها. ولما كان الضرر شرطاً أساسياً لقيام جريمة التبديد عملاً بالمادة 341 عقوبات فإنه مع تخلف هذا الشرط على وفق ما تقدم فقد انهارت بالتالي الجريمة لعدم تحقق الضرر". لما كان ذلك، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لا تشترط أن يتضمن الحكم بالبراءة أموراً أو بيانات معينة أسوة بأحكام الإدانة ويكفي أن يكون الحكم قد استعرض أدلة الدعوى عن بصر وبصيرة فلم يجد فيها ما يؤدي إلى إدانة المتهم، وكان من المقرر أنه متى كونت المحكمة الاستئنافية عقيدتها ببراءة المتهم بعد الحكم ابتدائياً بإدانته فليس عليها بعد أن اقتنعت بذلك أن تلتزم بالرد على كل أسباب الحكم المستأنف أو كل دليل من أدلة الاتهام ما دام قضاؤها قد بني على أساس سليم. وإذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن سرد وقائع الدعوى عرض لورقة الضد موضوع الدعوى فأبدى تشككه في وجودها وناقش ركن الضرر فنفى قيامه مورداً في ذلك من الاعتبارات السائغة ما يبرر قضاءه، فإن رمى الحكم بالقصور في بيان واقعة الدعوى والرد على أسباب الحكم المستأنف أو جميع أدلة الاتهام يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا يجوز مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا إذا نص القانون على ذلك، كما لا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع، فإن النعي على الحكم عدم أخذه بإقرار المتهم الكتابي بحيازته لورقة الضد يكون غير سديد ما دامت المحكمة قد تشككت في وجود هذه الورقة أصلاً، وما دام يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووزانت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات. لما كان ذلك، وكان توافر ركن الضرر هو والقصد الجنائي مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وكان الحكم قد دلل على عدم توافر الضرر من تحرير المتعاقدين لعقد جديد في 20 يناير سنة 1964 نص فيه على اعتبار العقد الأول المؤرخ 13 أكتوبر سنة 1963 كأن لم يكن - وهو العقد الذي تحمل صوريته ورقة الضد موضوع الدعوى والتي انتهى الحكم إلى زوال أثرها - وهو تدليل سائغ يستقيم به قضاء الحكم، فإنه يكون غير مجد ما يثيره الطاعنان من كفاية احتمال الضرر لقيام جريمة التبديد. ولا يعيب الحكم بالتناقض افتراضه وجود ورقة الضد ومناقشة توافر مدى الضرر في هذه الحالة إذ التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها وهو ما خلا الحكم منه. لما كان ذلك، وكانت المحاكم الجنائية بحسب الأصل غير مقيدة بالأحكام الصادرة من المحاكم المدنية إذ هي مختصة بموجب المادة 221 من قانون الإجراءات الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك فإن ما يثيره المدعي بالحق المدني من دعوى التعارض بين الحكم المطعون فيه وبين أحكام مدنية تناولت ورقة الضد بالبحث وفاضلت بين عقدي 13 أكتوبر سنة 1963 و20 يناير سنة 1964 يكون في غير محله. أما ما يثيره والنيابة الطاعنة من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى ومن الطلبات المقدمة للشهر العقاري فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعنين المقدمين يكونان على غير أساس متعيناً رفضهما موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام المدعي بالحق المدني المصاريف المدنية.