مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1971 إلى منتصف فبراير سنة 1972) - صـ 195

(32)
جلسة 13 من فبراير سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح بيومي نضار نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وأحمد فؤاد أبو العيون وسليمان محمود جاد ومحمد عوض لله مكي. المستشارين.

القضية رقم 337 لسنة 13 القضائية

(1) عاملون مدنيون "معاش - " قانون "شريعة إسلامية".
القانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية - تحديده لمستحقي المعاشات ولنسب استحقاقهم على نحو يغاير أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية - ذلك لا يعني اطراح المفاهيم الشرعية للزواج والطلاق - وجوب تطبيق أحكام هذا القانون في هدى هذه المفاهيم - بيان ذلك.
(ب) عاملون مدنيون "معاش".
القانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية - نصه على أنه لا حق لزوجة الموظف أو صاحب المعاش التي تكون مطلقة عند وفاة زوجها في المعاش - يقصد بالطلاق في هذا المجال الطلاق البائن لا الرجعي - أساس ذلك.
1 - إنه ولئن كان قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 قد أورد - وهو بصدد بيان المستحقين للمعاشات التي تمنح إلى عائلات الموظفين والمستخدمين وأرباب المعاشات وتحديد نسب استحقاقهم - أحكاماً مغايرة لتلك الخاصة بالإرث في الشريعة إلا أن ذلك لا يعني أن هذا القانون قد استهدف اطراح المفاهيم الشرعية للزواج والطلاق والتي يتعين الرجوع في شأنها إلى أحكام الشريعة الغراء باعتبارها القانون العام في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية ومنها الزواج والطلاق، ومن ثم فإن تطبيق أحكام قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 في هدى المفهوم الشرعي للزواج والطلاق - دون ما إخلال بما عينه من مستحقين أو حدده من أنصبة لهم - لا يعد بحال خلطاً بين القانون والشريعة - كما تذهب الطاعنة - وإنما هو إعمال سليم لكل منهما في مجاله.
2 - من المقرر شرعاً أن الطلاق الرجعي لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكاً ولا حلاً ما دامت العدة قائمة فلا يجعل المطلقة محرمة على مطلقها، فيحل له الاستمتاع بها طالما هي في العدة ويصير بذلك مرجعاً لها، وإذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر ونفقته واجبة عليه، ولذلك فإن الزوجية بعد الطلاق الرجعي تظل قائمة حكماً حتى تاريخ انقضاء العدة.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن لفظ "المطلقة" الوارد في الفقرة الخامسة من المادة 28 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 ينصرف إلى المطلقة طلاقاً يقطع قيود الزوجية ويرفع أحكامها وهو يتحقق في الطلاق البائن لا الرجعي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعية أقامت الدعوى رقم 1618 لسنة 19 القضائية ضد وزارة الخزانة بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة في 21/ 12/ 1963 وطلبت فيها الحكم بأحقيتها في تسوية معاشها على أساس أنها المستحقة الوحيدة عن ابنها المرحوم...... وتعديل معاشها من الثمن إلى الربع من يوم الوفاة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات، وقالت شرحاً لدعواها إنه بتاريخ 16 من يناير سنة 1949 تزوج ابنها...... من...... طبقاً لشريعة الأقباط الأرثوذكس، ثم أسلم في 21 مايو سنة 1949 ثم طلق........ في 24 مايو سنة 1949 ثم تزوج شقيقتها........ في 30 يونيو سنة 1949 ثم أحيل إلى المعاش، وفي 25 من أكتوبر سنة 1949 توفى....... فأقامت....... الدعوى رقم 103 لسنة 1950 أمام محكمة الوايلي الشرعية ضد شقيقتها....... ووزارة الخزانة طالبة الحكم ببطلان عقد زواج......... لأنه تم في فترة عدتها وباستحقاقها لمعاش الزوجة. فقضت المحكمة في 11/ 11/ 1951 برفض الدعوى وتأيد هذا الحكم استئنافياً فأقامت المدعية الدعوى رقم 173 لسنة 1954 أمام محكمة مصر الجديدة الشرعية ضد..... ووزارة الخزانة وتدخلت.... في هذه الدعوى طالبة الحكم ببطلان عقد زواج....... واستحقاقها للمعاش فقضت لها المحكمة بذلك، ثم قضي بإلغاء هذا الحكم من محكمة القاهرة الابتدائية وعادت..... ورفعت دعوى أمام محكمة مصر الجديدة للأحوال الشخصية طالبة الحكم ببطلان عقد زواج........ واستحقاقها معاش الزوجة فقضي لها بطلباتها، واستطرت المدعية قائلة إنها استأنفت هذا الحكم أصلياً ووزارة الخزانة فرعياً في الاستئناف رقم 115 لسنة 1958 وأنه في أثناء نظر هذا الاستئناف توفيت....... ثم لحقت بها شقيقتها....... وانحصر إرثهما في شقيقهما........ فجعلت المدعية الاستئناف في مواجهته، وفي 5/ 12/ 1960 حكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم اختصاص محكمة أول درجة ولائياً بنظر النزاع الخاص باستحقاق المعاش وبعدم اختصاص محكمة أول درجة نوعياً بالنزاع الخاص ببطلان الزواج فأقام........ الدعوى رقم 41 لسنة 1961 كلي القاهرة فقضي فيها ضده فاستأنفها وحكم له من محكمة استئناف القاهرة في 30/ 11/ 1963 ببطلان زواج....... وباعتبار........ في عدة مطلقها المذكور إلى أن توفى في 25/ 10/ 1949 وقالت المدعية إن وزارة الخزانة أعطتها ثمن المعاش وعلت الباقي أمانات حتى يفصل في النزاع الخاص بالزواج وأنه لما كان الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة في 30/ 11/ 1963 قد قضى ببطلان زواج..... وكانت..... قد حكم ضدها في الدعوى رقم 103 لسنة 1950 من محكمة الوايلي الشرعية بعدم استحقاقها للمعاش على اعتبار أنها مطلقة والمطلقات لا يستحق لهن معاش فإنها بذلك تكون صاحبة الاستحقاق الوحيدة ومن ثم تستحق ربع المعاش عن ابنها المتوفى، وقد عقبت جهة الإدارة على الدعوى بأنها تلقت في 7/ 2/ 1950 إنذاراً من السيدة....... مطلقة المرحوم...... بعدم صرف معاش الزوجة لشقيقتها......، وأنه إزاء هذا النزاع قامت الإدارة العامة للمعاشات بإصدار إذن معاش للوالدة هي ومن يثبت قيام الزوجية لها وأعطت الوالدة الثمن وأودع نصيب الأرملة الأمانات حتى ينتهي النزاع وفي 30/ 11/ 1963 حكمت محكمة استئناف القاهرة الدائرة الثالثة عشرة للأحوال الشخصية ببطلان زواج...... وباعتبار......... ظلت في عدة مطلقها حتى توفى في 25/ 10/ 1949، وأنه لما كانت إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الخزانة قد ارتأت أن المطلقة التي مات عنها مطلقها قبل انقضاء عدتها تستحق في معاش الزوج فقد أودعت الوزارة نصيب الأرملة بالأمانات حتى ينتهي النزاع ويستقر الوضع فيصرف لمستحقه. وقد أحيلت الدعوى من المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص، وبجلسة 6 من نوفمبر سنة 1967 قضت هذه المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها وبإلزام المدعية بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن النزاع الذي ثار زمناً طويلاً بين والدة المتوفى والشقيقتين..... و..... ووزارة الخزانة قد عرض في النهاية على محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف المقيد بجدولها تحت رقم 152 لسنة 79 القضائية التي قضت ببطلان عقد زواج......... بـ....... المبرم في 30/ 6/ 1949 وباعتبار....... ظلت في عدة مطلقها المذكور إلى أن توفى في 25/ 10/ 1949 ولم تطعن الوزارة ولا والدة المتوفى في هذا الحكم بالنقض فأصبح نهائياً وحجة بما ورد به وأن الحكم المذكور إذ قضى بأن المرحوم....... قد توفى وترك والدته (المدعية) والسيدة....... التي قال عنها الحكم إنها مطلقة بقيت في عدة مطلقها إلى أن مات، وكانت المطلقة التي يتوفى مطلقها وهي في عدته تستحق في المعاش لقيام الزوجية حكماً في فترة العدة طبقاً لأحكام قانون المعاشات لا أحكام الشريعة الإسلامية التي يقتصر دورها على تعريف مركز المطلقة القانوني وهي في العدة فإنه إعمالاً لما تقضي به الفقرة الخامسة من المادة 26 من القانون رقم 37 لسنة 1929 المعامل به صاحب المعاش لا تستحق المدعية سوى ثمن المعاش تأسيساً على أن صاحب المعاش ترك أرملة ووالدة.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ لم يفرق بين حكم القانون وحكم الشريعة ذلك أن الفقرة الخامسة من المادة 28 من القانون رقم 37 لسنة 1929 التي قضت بأن "لا حق لزوجات الموظفين والمستخدمين، وأصحاب المعاشات اللاتي يكن مطلقات عند وفاة أزواجهن في المعاش" قد ورد نصها مطلقاً ومن ثم ينصرف إلى كل وصف من أوصاف الطلاق فلا يمكن تخصيصه بلا مخصص وأن المحكمة فاتها أن تطبيق أحكام الشريعة لا يكون إلا حيث تكون بصدد حالة من حالات المواريث والتي نظم أحكامها قانون المواريث.
ومن حيث إنه يبين من تتبع مراحل النزاع الذي أثير حول الاستحقاق في معاش المرحوم..... بين والدته السيدة..... والشقيقتين... و..... وطرح في مواجهة وزارة الخزانة أمام قضاء الأحوال الشخصية للحكم في طلب بطلان زواج السيدة...... من المرحوم...... وبقاء شقيقتها السيدة....... في عدته حتى وفاته واستحقاقها في معاشه أنه قد عرض في النهاية على محكمة استئناف القاهرة الدائرة الثالثة عشرة للأحوال الشخصية والتي استعرضت في حكمها الصادر بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1963 في الاستئناف رقم 152 لسنة 79 القضائية، أطوار هذا النزاع وما صدر في شأنه من أحكام مختلفة ثم قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في القضية رقم 103 لسنة 1950 الوايلي الشرعية واستئنافها وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة وبقبولها وببطلان عقد زواج...... بـ....... المبرم في 30/ 6/ 1949 وباعتبار.... ظلت في عدة مطلقها المذكور إلى أن توفى في 25/ 10/ 1949 مع إلزام المستأنف ضدهما بالمصاريف عن الدرجتين، وقد أصبح هذا الحكم انتهائياً بعدم الطعن فيه من الطرفين.
ومن حيث إن حجية هذا الحكم النهائي قاطعة في قيام الزوجية حكماً بين.... و..... حتى تاريخ وفاته وفي بطلان زواج المذكور من شقيقتها...... قبل انقضاء عدة الزوجة الأولى وذلك إعمالاً لحكم الشريعة الإسلامية الذي يقضي بعدم جواز الجمع بين الأختين بالزواج لا حقيقة ولا حكماً.
ومن حيث إنه ولئن كان قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 قد أورد - وهو بصدد بيان المستحقين للمعاشات التي تمنح إلى عائلات الموظفين والمستخدمين وأرباب المعاشات وتحديد نسب استحقاقهم - أحكاماً مغايرة لتلك الخاصة بالإرث في الشريعة إلا أن ذلك لا يعني أن هذا القانون قد استهدف اطراح المفاهيم الشرعية للزواج والطلاق والتي يتعين الرجوع في شأنها إلى أحكام الشريعة الغراء باعتبارها القانون العام في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية ومنها الزواج والطلاق، ومن ثم فإن تطبيق أحكام قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 في هدى المفهوم الشرعي للزواج والطلاق - دون ما إخلال بما عينه من مستحقين أو حدده من أنصبة لهم - لا يعد بحال خلطاً بين القانون والشريعة - كما تذهب الطاعنة - وإنما هو إعمال سليم لكل منهما في مجاله.
ومن حيث إنه من المقرر شرعاً أن الطلاق الرجعي لا يرفع قيد الزوجية ولا يزيل ملكاً ولا حلاً ما دامت العدة قائمة فلا يجعل المطلقة محرمة على مطلقها، فيحل له الاستمتاع بها طالما هي في العدة ويصير بذلك مرجعاً لها، وإذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر ونفقته واجبة عليه ولذلك فإن الزوجية بعد الطلاق الرجعي تظل قائمة حكماً حتى تاريخ انقضاء العدة.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن لفظ "المطلقة" الوارد في الفقرة الخامسة من المادة 28 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 ينصرف إلى المطلقة طلاقاً يقطع قيود الزوجية ويرفع أحكامها وهو يتحقق في الطلاق البائن لا الرجعي.
ومن ثم فإن السيدة.... - التي ثبت بمقتضى الحكم النهائي السالف ذكره أنها طلقت طلقه أولى رجعية وظلت زوجيتها قائمة حكماً بالمرحوم..... حتى تاريخ وفاته - تستحق في معاشه بوصفها أرملته بالتطبيق لقانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929.
ومن حيث إن الفقرة الخامسة من المادة 26 من القانون المشار إليه تقضي بأنه "إذا لم يترك صاحب المعاش ولداً وترك أرملة أو أكثر تمنح الأرملة أو الأرامل بالتساوي ثلاثة أثمان المعاش وفي هذه الحالة إذا ترك صاحب المعاش والداً أو والدة أو كليهما معاً منح هذا الوالد أو الوالدة أو كلاهما معاً ثمن المعاش" فإن طلب المدعية تعديل معاشها من الثمن إلى الربع باعتبارها المستحقة الوحيدة في المعاش عن ابنها المرحوم........ يكون غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ أخذ بهذا النظر وقضى برفض الدعوى قد أصاب الحق، وبهذه المثابة يكون الطعن الموجه إليه واجب الرفض مع إلزام الطاعنة بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعنة بمصروفاته.