أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 645

جلسة 3 من يونيه سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود عطيفة.

(130)
الطعن رقم 655 لسنة 38 القضائية

( أ ) إتلاف مزروعات. جريمة. "أركان الجريمة". قصد جنائي. باعث.
تحقق جريمة إتلاف الزرع المنصوص عليها في المادة 367 عقوبات بتوافر القصد الجنائي العام.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". "بيانات حكم الإدانة". استئناف. "نظره والحكم فيه".
كفاية الأخذ بأسباب الحكم المستأنف الذي أشار إلى مواد الاتهام وخلص إلى تطبيقها في حق المتهم، بياناً لنص القانون الذي عوقب المتهم بمقتضاه.
(ج، د) محكمة استئنافية. "الإجراءات أمامها". إجراءات المحاكمة. بطلان. تقرير التلخيص.
(ج) كون تقرير التلخيص الذي تلاه عضو الدائرة التي أصدرت الحكم من عمل هيئة سابقة لا يدل على أن القاضي الذي تلاه لم يعتمده ولم يدرس القضية بنفسه، ولا يمنع أنه رأى فيه ما يكفي للتعبير عما استخلصه من دراسة.
(د) خلو تقرير التلخيص من توقيع المقرر. لا يترتب عليه بطلان.
(هـ، و) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(هـ) كفاية أن تكون الأدلة كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها.
(و) تبيان المحكمة علة إطراحها للدليل. غير لازم.
(ز، ح) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهادة".
(ز) حق محكمة الموضوع في الأخذ بأقوال الشاهد في مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون مرحلة أخرى.
(ح) تقدير أقوال الشهود. موضوعي.
1 - لا يتطلب القانون في جرائم إتلاف الزرع المنصوص عليها في المادة 367 من قانون العقوبات توافر قصد جنائي خاص ملحوظ فيه الباعث على مقارفة فعل الإتلاف بل هي تتحقق بتوافر القصد الجنائي العام، أي مجرد الإتلاف ولو لم يكن مقترفاً بنية الانتقام من صاحب الزرع أو الإساءة إليه، شأنها في ذلك شأن سائر الجرائم العمدية التي لم يرد عنها في القانون نص صريح مقتضاه أن تكون نية الجاني من نوع معين خاص بها.
2 - إذا كان الثابت من حكم محكمة أول درجة أنه أشار إلى مادتي الاتهام اللتين طلبت النيابة العامة تطبيقهما في حق الطاعن وخلص إلى معاقبته طبقاً لهما، وكان الحكم المطعون فيه قد أعتنق أسباب الحكم المستأنف، فإن ذلك يكفي بياناً لنص القانون الذي عوقب الطاعن بمقتضاه.
3 - متى كان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة وبالحكم المطعون فيه أن عضو يمين الدائرة التي أصدرت الحكم قد تلا تقرير التلخيص، فلا يقدح في صحة ذلك الإجراء ما يدعيه الطاعن من أن هذا التقرير كان من عمل هيئة سابقة غير التي فصلت في الدعوى إذ أن ما يدعيه من ذلك - على فرض صحته - لا يدل على أن القاضي الذي تلا التقرير لم يعتمده ولم يدرس القضية بنفسه، ولا يمنع أن القاضي بعد أن درس القضية رأى أن التقرير المذكور يكفي في التعبير عما استخلصه هو من دراسة.
4 - لا جدوى من النعي بأن تقرير التلخيص خلو من توقيع القاضي الذي تلاه ذلك أن المادة 411 من قانون الإجراءات الجنائية وإن استلزمت توقيع المقرر على التقرير إلا أنها لم ترتب البطلان على خلو التقرير من التوقيع.
5 - لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وأن تطرح ما عداه دون إلزام عليها بتبيان علة ما ارتأته.
7 - تقدير أقوال الشاهد متروك لمحكمة الموضوع التي لها في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في إحدى مراحل التحقيق والمحاكمة دون قول آخر له قاله في مرحلة أخرى.
8 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون معقب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من الطاعن وآخر بأنهما في يوم 19/ 2/ 1965 بدائرة مركز أجا: الأول. بصفته موظفاً عمومياً "عمدة شبراويش" استعمل القوة مع الثاني بأن ضربه اعتماداً على سلطة وظيفته فأحدث به الإصابات الواردة بالتقرير الطبي والتي تقرر لها علاج لا تزيد مدته على عشرين يوماً. والثاني: (أولاً) ضرب سعد السيد رزيق فأحدث به الإصابات الواردة بالتقرير الطبي والتي تقرر لها علاج تزيد مدته على عشرين يوماً و(ثانياً) أتلف عمداً الأشجار المبينة بالمحضر للمجني عليه سالف الذكر وطلبت عقابه بالمواد 129، 142/ 1 و367/ 1 من قانون العقوبات وادعى المتهم الثاني (الطاعن) مدنياً بمبلغ 500 ج قبل المتهم الأول والسيد وزير الداخلية بصفته المسئول عن الحقوق المدنية متضامنين كما ادعى سعد السيد زريق مدنياً قبل المتهم الثاني بمبلغ 15 ج وذلك على سبيل التعويض مع المصاريف ومحكمة أجا الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام (أولاً) بتغريم المتهم الأول 20 ج عشرين جنيهاً وتغريم الثاني 2 ج جنيهين عن التهمة الأولى وحبسه أسبوعين مع الشغل عن التهمة الثانية وكفالة 5 ج خمسة جنيهات لوقف تنفيذ عقوبة الحبس و(ثانياً) بإلزام المتهم الأول والمسئول عن الحقوق المدنية متضامنين أن يدفعا إلى المتهم الثاني مبلغ 30 ج ثلاثين جنيهاً على سبيل التعويض و (ثالثاً) إلزام المتهم الثاني بأن يدفع إلى سعد السيد رزيق مبلغ 10 ج عشرة جنيهات على سبيل التعويض (رابعاً) بإلزام كل من المتهمين بمصاريف الادعاء المدني المناسبة ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المسئول عن الحقوق المدنية هذا الحكم كما استأنفه المتهم الثاني ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع أولاً بالنسبة إلى المتهم الأول بإلغاء الحكم المستأنف وبراءته مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله وقبل المسئول عن الحقوق المدنية وألزمت رافعها بمصروفاتها ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة و(ثانياً) بالنسبة إلى المتهم الثاني بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبسه أسبوعاً واحداً مع الشغل وفي الدعوى المدنية بإلزامه أن يدفع مبلغ خمسة جنيهات على سبيل التعويض للمدعى بالحق المدني وألزمت المتهم مصروفاتها عن الدرجتين ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وتأييده فيما عدا ذلك. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي ضرب وإتلاف أشجار قد انطوى على بطلان في الإجراءات أثر فيه وشابه خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأن تقرير التلخيص المدون على ملف الدعوى كتب بمعرفة عضو الهيئة الذي حضر جلسة 24/ 9/ 1966 ولم يقم عضو الهيئة الذي حل محله بجلسة المرافعة الأخيرة بكتابة تقرير تلخيص آخر كما أنه لم يوقع على التقرير السابق وقد أغفل الحكم بيان نص القانون الذي أنزل العقاب بموجبه كما لم يبين مؤدى التقرير الطبي الذي استند إليه في إدانة الطاعن بجريمة الضرب ولم يورد مؤدى شهادة توفيق مسلم نائب العمدة شاهد الإثبات في جريمة الإتلاف والذي عول الحكم على أقواله على الرغم من خلوها مما يفيد رؤيته لفعل الإتلاف ذاته هذا إلى أن المجني عليه نفسه كان قد اتهم الطاعن ووالده بإتلاف الأشجار ولما خذله الشاهدان اللذان استشهد بهما في تلك الواقعة عاد فقصر اتهامه على الطاعن مما يقطع بفساد هذا الاتهام وقد أخطأ الحكم بإدانته الطاعن وفقاً للمادة 367 من قانون العقوبات إذ أن هذه المادة تستلزم قصداً خاصاً هو قصد الإساءة مما لا يتوافر في الدعوى المطروحة التي لا يعدو الأمر فيها مجرد نزاع على وضع اليد على الأرض التي غرست فيها الأشجار. كما أن الحكم قد قضي ببراءة المتهم الأول في الدعوى من تهمة استعمال القسوة مع الطاعن بعد أن استبعد شهادة هذا الأخير قبله. في حين أنه قضي بإدانة الطاعن استناداً إلى دليل مستمد من أقوال خصمه ولم يبين الحكم سبب أخذه بهذه الأقوال وإطراحه رواية الطاعن التي تأيدت بما شهد به الخفير الهندي مروان شعبان وبما كشفت عنه ظروف الدعوى مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الضرب وإتلاف الأشجار اللتين دين الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة 30 نوفمبر سنة 1966 وبالحكم المطعون فيه أن عضو اليمين بالدائرة التي أصدرت الحكم قد تلا تقرير التلخيص فلا يقدح في صحة ذلك الإجراء ما يدعيه من أن هذا التقرير كان من عمل هيئة سابقة غير التي فصلت في الدعوى بل إن ما يدعيه من ذلك على فرض صحته لا يدل على أن القاضي الذي تلا التقرير ولم يعتمده ولم يدرس القضية بنفسه ولا يمنع أن القاضي بعد أن درس القضية رأى أن التقرير المشار إليه يكفي في التعبير عما استخلصه هو من دراسة ولا جدوى من النعي بأن هذا التقرير خلو من توقيع القاضي الذي تلاه ذلك أن المادة 411 من قانون الإجراءات الجنائية وإن استلزمت توقيع المقرر على التقرير إلا أنها لم ترتب البطلان على خلو التقرير من التوقيع وما دام غرض الشارع قد تحقق بوضع التقرير وتلاوته بمعرفة أحد أعضاء الهيئة كما يبين من الحكم فلا يقبل من الطاعن ما يثيره من جدل في هذا الشأن وإذ كان الثابت من حكم محكمة أول درجة أنه أشار إلى مادتي الاتهام اللتين طلبت النيابة العامة تطبيقهما في حق الطاعن وخلص إلى معاقبته طبقاً لهما. وكان الحكم المطعون فيه قد أعتنق أسباب الحكم المستأنف فإن ذلك يكفي بياناً لنص القانون الذي عوقب الطاعن بمقتضاه. لما كان ذلك وكان يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه حصل مؤدى الأدلة التي أقام عليها قضاءه - قولية وفنية - خلافاً لما يدعيه الطاعن، وكان ما ينعاه الطاعن بدعوى فساد استدلال الحكم لاستناده إلى أقوال نائب العمدة على الرغم من خلوها مما يفيد مشاهدته فعل الإتلاف مردوداً بأنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هو واقع الحال في الدعوى - ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الصدد، كما أنه لا محل لما يثيره في شأن تعويل الحكم على رواية المجني عليه التي قصر فيها اتهامه على الطاعن على الرغم من سبق توجيهه الاتهام إلى كل من الطاعن ووالده إذ أن تقدير أقوال الشاهد متروك لمحكمة الموضوع التي لها في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بقول للشاهد أبداه في إحدى مراحل التحقيق والمحاكمة دون قول آخر له قاله في مرحلة أخرى. لما كان ذلك، وكان القانون لا يتطلب في جرائم إتلاف الزرع المنصوص عليها في المادة 367 من قانون العقوبات توافر قصد جنائي خاص ملحوظ فيه الباعث على مقارفة فعل الإتلاف بل هي تتحقق بتوافر القصد الجنائي العام أي بمجرد تعمد الإتلاف ولو لم يكن مقترفاً بنية الانتقام من صاحب الزرع أو الإساءة إليه شأنها في ذلك شأن سائر الجرائم العمدية التي لم يرد عنها في القانون نص صريح مقتضاه أن تكون نية الجاني من نوع معين خاص بها، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ من الأدلة بما تطمئن إليه وأن تطرح ما عداه دون إلزام عليها بتبيان علة ما ارتأته. كما أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون معقب وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم لأخذه من أقوال خصمه دليلاً على إدانته وإطراحه أقواله هو بصدد الاتهام الموجه إلى متهم آخر في الدعوى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص ما تؤدي إليه مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مصادرتها بشأنه أو المجادلة فيه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.