أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 669

جلسة 10 من يونيه سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد محفوظ، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

(136)
الطعن رقم 755 لسنة 38 القضائية

مواد مخدرة. بطلان. تفتيش. "بطلان التفتيش". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
عدم الاعتداد بالأدلة المستمدة من التفتيش الباطل، لا يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه.
قضاء المحكمة بالبراءة من غير أن تبين رأيها في التفتيش الآخر الذي أدى إلى ضبط المخدر ومدى صفته بالتفتيش الذي أبطلته. يعيب الحكم بالقصور.
لئن كان بطلان التفتيش الذي حاول الضابط إجراءه بنفسه - على ما أثبته الحكم المطعون فيه - وإن اقتضى استبعاد الأدلة المستمدة منه وعدم الاعتداد بها في الإثبات، إلا أنه ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التي قد ترى من وقائع الدعوى وظروفها أنها مستقلة وقائمة بذاتها، ولما كان من بين ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها أن تفتيشاً آخر قد أجرى بمعرفة أنثى ندبها الضابط لتفتيش المتهمة بعد أن تم القبض عليها بناء على الإذن الصادر من النيابة العامة، وأن هذا التفتيش قد أسفر عن ضبط المخدر المنسوب إليها إحرازه، وكانت المحكمة قد قضت بالبراءة من غير أن تبين رأيها في هذا التفتيش الذي أدى إلى ضبط المخدر، ودون أن تقول كلمتها فيه أو تناقش مدى صلته بالإجراء الذي أبطلته، فإن حكمها يكون قاصراً قصوراً يعيبه ويستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها بأنها في يوم 25 من أغسطس سنة 1966 بدائرة مركز ههيا محافظة الشرقية: - أحرزت بقصد الاتجار جواهر مخدرة "حشيشاً وأفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بمواد الاتهام. فقرر بذلك، ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية مع تطبيق المادة 30 من قانون العقوبات ببراءة المتهمة مما أسند إليها ومصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة وباقي المضبوطات. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما تنعاه النيابة العامة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها من تهمة إحراز جواهر مخدرة قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأن التفتيش الذي أسفر عن ضبط المخدر أجرى وفقاً للقانون بمعرفة أنثى ندبها الضابط لتفتيش المطعون ضدها، وهو إجراء مستقل تمام الاستقلال عن محاولة التفتيش التي قام بها الضابط والمقول ببطلانها وقد وقع منتجاً لآثاره مما كان يتعين معه على المحكمة أن تعرض في حكمها لما أسفر عنه من ضبط المخدر المنسوب إلى المطعون ضدها إحرازه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى حسبما أسندتها النيابة العامة إلى المطعون ضدها بقوله "إن ضباط مباحث شرطة مركز ههيا تقدم إلى النيابة بمحضر تحريات جاء فيه أن المطعون ضدها وآخرين يتجرون في المواد المخدرة ويحوزونها، وأن المراقبة أكدت تلك التحريات وطلب في ذلك المحضر تفتيش المذكورين ومنازلهم لضبط ما يحوزونه من مواد مخدرة بدون ترخيص، فصدر إذن النيابة بتفتيشهم وتفتيش منازلهم لضبط ما يحرزونه من مواد مخدرة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وذلك في خلال أسبوع في 23 من أغسطس سنة 1966 ونفاذاً لهذا الإذن انتقل السيد ضابط المباحث في 25 من أغسطس سنة 1966 ومعه الشرطي السري عبد المنعم عبد الرحيم إلى سوق ناحية الإبراهيمية حيث المقهى الذي يديره زوج المتهمة (المطعون ضدها) حيث كانت به وحدها وما أن رأتهما حتى هبت من مكان جلوسها وحاولت الفرار فتمكن الشرطي السري من الإمساك بها بعد أن حاولت التخلص منه وهنا حاول الضابط تفتيش جيبها الخارجي إلا أنها أخذت تحاول التخلص من التفتيش ممسكة بذلك الجيب فتحفظ الضابط عليها واصطحبها إلى ديون مركز ههيا ثم استدعى سنية خليل عطية الممرضة بمستشفى ههيا العمومي وندبها لتفتيش المتهمة بداخل حجرة مغلقة، فما أن انتهت من التفتيش حتى طرقت على باب الحجرة فدخل الضابط فقدمت له سنية كيساً من الورق مما يعد لعبوة الشاي كان ملفوفاً من الخارج بقطعة من الأستك ففتحه فوجد به علبة من الصفيح بها أفيوناً وورقة من السلوفان بداخلها خمس قطع مختلفة الأحجام من الحشيش وشفرة حلاقة ولكن المتهمة لم تعترف بإحراز هذه الأشياء ونسبت للسيد الضابط أنه دسها في جيبها عند محاولة ضبطها وتفتيشها وأنكرت ما نسب إليها". ثم عرض الحكم للدفع المبدى من المدافع عن المطعون ضدها ببطلان إجراءات التفتيش بقوله "وبما أن الدفاع عن المتهمة... دفع ببطلان إجراءات التفتيش نفسها وقال في شرح الدفع الأخير إن السيد الضابط يقر صراحة بمحاولته تفتيش المتهمة إثر ضبطها بسوق الناحية قبل أن يندب بالمركز الشاهدة الثالثة لتفتيشها وأن هذه المحاولة تنبئ عن ملامسة جسد المتهمة وهو أمر يخالف القانون (مادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية).... وبما أن الفقرة الثانية من المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي وغني عن البيان أن محاولة التفتيش كالتفتيش نفسه يتعين أن يتم كلاهما إذا ما كان المتهم أنثى بمعرفة أنثى وذلك لأن الحكمة التي توخاها المشرع في إيراد هذا النص هي الحفاظ على الحرمات والأعراض وحتى لا تهتك الأعراض في سبيل البحث عن جسم الجريمة وليس من جدل أن محاولة التفتيش والممانعة فيه أشد مساساً بجسم الأنثى من التفتيش السلمي من غير الممانعة، ولذا ترى المحكمة اطمئناناً منها إلى ما تكون عليه صورة محاولة الضابط إجراء التفتيش قسراً عن المتهمة من المساس بجسدها وهو الأمر الذي نهى المشرع عن إجرائه في صورة هذه الواقعة. ومن ثم تكون إجراءات تفتيش المتهمة قد جنحت عن الحكمة التي استهدفها القانون وبالتالي مشوبة بالبطلان مما يبطل كل ما تلاها من إجراءات عملاً بالمادتين 331 و381 فقرة أولى من قانون الإجراءات الجنائية". وخلص الحكم مما تقدم إلى القضاء ببراءة المطعون ضدها بقوله "وبما أنه متى بطلت إجراءات ضبط الواقعة تكون غير ثابتة في حق المتهمة ويتعين تبرئتها منها عملاً بالمادة 304 فقرة أولى من قانون الإجراءات". لما كان ذلك، وكان بطلان التفتيش الذي حاول الضابط إجراءه بنفسه - على ما أثبته الحكم المطعون فيه - وإن اقتضى استبعاد الأدلة المستمدة منه وعدم الاعتداد بها في الإثبات، إلا أنه ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التي قد ترى من وقائع الدعوى وظروفها أنها مستقلة وقائمة بذاتها، وكان من بين ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها أن تفتيشاً آخر قد أجرى بمعرفة أنثى ندبها الضابط لتفتيش المطعون ضدها بعد أن تم القبض عليها بناء على الإذن الصادر من النيابة العامة، وأن هذا التفتيش قد أسفر عن ضبط المخدر المنسوب إليها إحرازه، وكانت المحكمة قد قضت بالبراءة من غير أن تبين رأيها في هذا التفتيش الذي أدى إلى ضبط المخدر، ودون أن تقول كلمتها فيه أو تناقش مدى صلته بالإجراء الذي أبطلته. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً قصوراً يعيبه ويستوجب نقضه، بغير حاجة إلى بحث سائر ما تثيره الطاعنة في طعنها.