أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 118

جلسة 4 من يناير سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السيد المستشار يحيى العموري نائب رئيس المحكمة والسادة محمد المرسي فتح الله، سعد بدر وجرجس إسحق - المستشارين.

(36)
الطعن رقما 1459 و1465 لسنة 48 القضائية

1 - حراسة "الحراسة العامة". اختصاص. دفوع. نقض.
اختصاص محكمة القيم بنظر المنازعات المتعلقة بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون 34 لسنة 1971. وجوب إحالة هذه المنازعات إلى محكمة القيم ما لم يكن قد قفل باب المرافعة فيها. م 6 قانون 141 لسنة 1981. الطعن بالنقض في حكم نهائي صدر قبل العمل بالقانون المذكور اختصاص محكمة النقض بنظره. علة ذلك.
2 - قرار إداري. اختصاص "الاختصاص الولائي".
القرار الإداري. ماهيته اختصاص محكمة القضاء الإداري دون سواها بتفسيره. م 10 قانون 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة. للمحاكم المدينة إعطاء القرارات الإدارية وصفها القانون توصلاً لتحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها.
3 - عقد "تكييف العقد".
تكييف إدارة الأموال التي آلت للدولة لعقد الهبة على أنها وصية. اعتباره منازعة في الملكية من جانب الجهة الإدارية بشأن تكييف عقد يخضع لأحكام القانون المدني وتغدو مجرد عقبة مادية تخرجه عن نطاق القرارات الإدارية. اختصاص المحاكم ذات الولاية العامة بنظر المنازعات الناشئة عن هذا القرار.
4 - حراسة. "الحراسة الإدارية". دعوى "قبول الدعوى".
الوجوب تقدم دائني الشخص الذي فرضت على الحراسة على أمواله وآلت إلى الدولة بطلب دينهم إلى مدير عام إدارة الأموال والممتلكات التي آلت إلى الدولة قبل الالتجاء إلى القضاء. مخالفة ذلك. أثره. عدم سماع الدعوى. لكل ذي مصلحة التمسك بعدم سماعها وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها. قانون 150/ 1964.
5 - عقد "تفسير العقد". محكمة الموضوع.
سلطة محكمة الموضوع في تفسير صيغ العقود والشروط المختلفة عليها بما تراه أوفى بمقصود العاقدين. لا سلطان لمحكمة النقض عليها متى كانت تلك الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته.
6 - عقد "تكييف العقد" هبة.
تكييف العقد. العبرة فيه بحقيقة ما عناه المتعاقدان. عدم التقيد بتكييف المتعاقدين. الهبة. احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع بالمال الموهوب مدى حياة. لا يؤدي حتماً إلى اعتبار العقد وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف. م 486 مدني.
1 - لما كانت المادة السادسة من القانون 141 سنة 1981 بشأن تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسات قد جعلت محكمة القيم مختصة دون غيرها بنظر المنازعات المتعلقة بتحديد الأموال وقيمة التعويضات والمنازعات الأخرى المتعلقة بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب أو المترتبة عليها وأوجبت إحالة جميع القضايا المطروحة على المحاكم الأخرى إليها ما لم يكن قد قفل فيها باب المرافعة ودون أن ينص صراحة على استثناء الطعون المطروحة على محكمة النقض من ذلك إلا أن البين من النص سالف الذكر أن المنازعات التي عمد المشرع إحالتها إلى محكمة القيم هى تلك المنازعات بالموضوعية التي تدور حول تقرير الحق أو نفيه أما الطعن بالنقض فهو طريق طعن غير عادي لا يؤدي إلى طرح نفس موضوع المنازعة التي كانت مردده بين الطرفيين أمام محكمة الموضوع وإنما إلى طرح خصومة أخرى تدور حول صحة تطبيق القانون على الوقائع التي أكدها الحكم المطعون فيه وفي أحوال مبينة بيان حصر، فخصومة الطعن بالنقض لها ذاتية خاصة تختلف عن الخصومات التي تنظرها محكمة الموضوع لأنها لا تهدف كقاعدة عامة إلى تقرير حق أو نفيه أو إلى إحلال حكم جديد محل الحكم المطعون فيه، بل يقتصر الأمر على بحث توافق هذا الحكم مع التطبيق الصحيح للقانون ومعالجة ما يكون قد شابه من عيوب قانونية. هذا إلى أنه وقد أستثنى المشرع في المادة السادسة من القانون من الإحالة إلى محكمة القيم الدعاوى التي قفل فيها باب المرافعة قبل العمل به فإن هذا الاستثناء ينسحب ومن باب أولى إلى الدعاوى التي تم الفصل فيها بحكم نهائي نافذ وإن طعن فيه بطريق النقص إذ ليس من شأن هذا الطعن أن يمس بقوة ذلك الحكم أو يوقف تنفيذه، ولا يصح القول بأن المشرع وقد ناط بمحكمة القيم الفصل في كافة المنازعات المتعلقة بالحراسة بقصد تصفية الأوضاع الناشئة عنها قد قصد أن ينال ما سبق صدوره من أحكام ولو كانت نهائية بما يخول تلك المحكمة نظر الموضوع من جديد إذا أحيل إليها الطعن بحالته من محكمة القيم ذلك أن النزاع الموضوعي وعلى ما سلف بيانه يخرج عن نطاق الطعن بالنقض، فضلاً عن أنه طالما أن المشرع لم ينص صراحة على إسقاط هذه الأحكام فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة للخصوم وأن مجرد الطعن بالنقض في هذه الأحكام لا ينال من قوتها ولا يترتب عليه إعادة طرح النزاع على محكمة النقض وإنما تظل هذه الأحكام محتفظة بحجيتها التي تعلو على اعتبارات النظام العام وهى حجية لا تسقط إلا بنقض الحكم إذ في هذه الحالة فقط تسقط عن الحكم النهائي حصانته، ولما تقدم فإن الاختصاص بطعون النقض المقامة عن أحكام صادرة من المحاكم العادية في منازعات متعلقة بالحراسات يظل منعقداً لمحكمة النقض وحدها.
2 - القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يعرف القرارات الإدارية ولم يبين الخصائص التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها من تعرض السلطة القضائية العادية لها بتعطيل أو تأويل فوظيفة المحاكم المدنية أن تعطي هذه القرارات وصفها القانوني على هدى حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها.
3 - إذ كان ادعاء الطاعنين في الطعنين أن التصرف الصادر من... إلى المطعون ضدها الأولى هو وصية وليس هبة كما تدعي الأخيرة، هو في حقيقته منازعة تتعلق بالتكييف القانوني لهذا التصرف وهو ما تختص المحاكم العادية بالفصل فيه ولا ينال من ذلك صدور قرارين من مدير إدارة الأموال التي آلت إلى الدولة في 6/ 4/ 1966 و27/ 10/ 1968 باعتبار العقد وصية إذ لا يعدو ذلك منه أن يكون منازعة في الملكية من جانب الجهة الإدارية بتكييف عقد يخضع لأحكام القانون المدني ويغدو مجرد عقبة مادية في سبيل استفادة ذوي الشأن من مراكزهم القانونية المشروعة وهو ما يخرجها من عداد القرارات الإدارية ويجردها من الحصانة المقررة لها ويخضعها لاختصاص المحاكم ذات الولاية العامة بنظر كافة المنازعات دون القضاء الإداري.
4 - لا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لدائن الشخص الذي فرضت الحراسة على أمواله وآلت إلى الدولة بمقتضي القانون 150 لسنة 1964 أن يلجأ إلى القضاء بطلب دينه قبل عرضه على المدير العام لإدارة الأموال والممتلكات التي آلت إلى الدولة ليصدر قراره بشأنه وإلا كانت الدعوى غير مسموعة ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بعدم سماعها وللمحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها.
5 - من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود العاقدين وفي استخلاص ما يمكن استخلاصه منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها ما دامت تلك الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته.
6 - العبرة في تكييف العقود يكون بحقيقة ما عناه العاقدان منها دون التقيد بتكييف العاقدين لها، ولئن كانت الهبة كعقد يجوزان تستر وصية إلا أن احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب اعتبار العقد وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف، ولما كان من المقرر في المادة 486 من القانون المدني أن "الهبة عقد يتصرف به الواهب في مال دون عوض ويجوز للواهب دون أن يتجرد عن نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين" ومن ثم تكون الهبة عقداً لابد فيه من إيجاب وقبول متطابقين ولا تنعقد بإرادة الواهب المنفردة كما في الوصية وهى تصرف منجز ولا يجوز فيها أرجاء نقل ملكية المال الموهوب إلى ما بعد موته إلا أن ذلك لا يمنع الواهب من أن ينقل ملكية المال في الحال ويرجئ التسليم إلى ما بعد الموت، وليس ثمة ما يمنع الواهب ما دام لم يتجرد من نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين سواء كان هذا الالتزام لمصلحة الواهب أو لمصلحة الموهوب له أو لمصلحة الغير دون أن يمنع ذلك كله من كون العقد هبة بمقدار الفرق بين العين الموهوبة والعوض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعنين - تتحصل في أن.... المطعون ضدها في الطعنين أقامت الدعويين رقمي..... مدني كلي جيزة على كل من السيد رئيس الوزراء بصفته والسيد رئيس وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى على جهاز تصفية الحراسات والسيد رئيس جهاز تصفية الحراسات والسيد مدير إدارة الأموال التي آلت إلى الدولة (الطاعنون في الطعن 1465 سنة 48 قضائية) والسيد وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الشهر العقاري وشركة مصر للتأمين (الطاعنة في الطعن رقم 1459 سنة 48 قضائية والمطعون ضدها في الطعن رقم 1465 سنة 48 قضائية) بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد الهبة الرسمي الموثق في 9/ 2/ 1955 والمسجل برقم 899 في 14/ 3/ 1955 وتثبيت ملكيتها للعقارين المبينين بصحيفة الدعويين وتسليمها إليها وبإبطال التصرفات الصادرة من المدعى عليهم الأربعة الأول ببيع هذين العقارين وإلزام المدعى عليهم عدا الخامس (السيد وزير العدل) بأن يدفعوا لها ريع العقارين والفوائد القانونية اعتباراً من 1/ 2/ 1966 وقالت بياناً للدعويين إن السيد/ .... وهب إليها كامل أرض وبناء العقارين المبينين بصحيفة الدعوى بموجب عقد هبة رسمي موثق في 9/ 2/ 55 وتم قبولها للهبة وسجل العقد برقم 899 سنة 55 الجيزة، وقد نص في العقد على التزامها... بدفع قيمة الدين المضمون برهن تأميني على أحد العقارين (العقار رقم 4) وقدره (5844 جنيه) فضلاً عن دفع مبلغ 2000 جنيه إلى الواهب الذي احتفظ بحق الانتفاع طوال حياته وباقي حق الانتفاع تلتزم بدفع مبلغ 16 جنيه شهرياً لـ.... طوال حياتها وقد أوفت فعلاً بجميع التزاماتها ثم خضع الواهب لتدابير الحراسة طبقاً للأمر رقم 140 سنة 61 وعلى أثر صدور القانون رقم 150 لسنة 1964 قامت إدارة التعويضات والتصفية بتقدير المركز المالي للخاضع وانتهت في مذكراتها المؤرخة 7/ 10 إلى أن كل ما للواهب هو حق الانتفاع الذي قدرته بمبلغ 320 مليم 1488 جنيه للعقار رقم 2 ومبلغ 2829 جنيه للعقار رقم 4، وبعد وفاة الواهب في سنة 1966 طلبت هى من الحراسة تسليمها عقود العقار الخاصة بالعقارين فأجابت بعدم اعتدادها بعقد الهبة وبأنها شرعت في بيع العقارين إلى شركة مصر للتأمين (المدعى عليها السادسة). قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعويين - استأنفت الطائفة الإسرائيلية هذا الحكم بالاستئناف رقم... قضائية القاهرة. وبتاريخ 30/ 5/ 78 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقد الهبة نظير العوض والتكاليف المبينة بالعقد وتثبيت ملكية المستأنفة للعقارين مع التسليم وبعدم نفاذ تصرفات المستأنف عليه الرابع (الطاعن الرابع في الطعن رقم 1465 سنة 48 قضائية) إلى المستأنف عليها السادسة (الطاعنة في الطعن رقم 1459 سنة 48 قضائية) في مواجهة المستأنفة وقبل الفصل في موضوع طلب الريع بندب مكتب الخبراء لأداء المهمة المبينة بالمنطوق. طعنت شركة مصر للتأمين في هذا الحكم بطريقة النقض بالطعن رقم 1459 سنة 48 قضائية، كما طعن كل من المستأنف عليهم الأربعة الأول بنفس الطريق وقيد طعنهم برقم 1465 سنة 48 قضائية وقدمت النيابة في كل منهما مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطاعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرهما وفيها قضت المحكمة بضم الطعن الثاني للأول والتزمت النيابة رأيها، ودفع الحاضر عن شركة مصر للتأمين بإحالة الطعنين إلى محكمة القيم وطلبت المطعون ضدها الأولى في الطعنين رفض الدفع.
وحيث إن مبنى الدفع بالإحالة أن القانون رقم 141 سنة 1981 نص في مادته السادسة على أن تختص محكمة القيم المنصوص عليها بالقانون رقم 95 سنة 1980 دون غيرها بنظر المنازعات المتعلقة بتحديد الأموال وقيمة التعويضات وكذا المنازعات الأخرى المتعلقة بالحراسات، وأوجب على المحاكم بجميع درجاتها إحالة هذه القضايا إلى محكمة القيم، وأن هذا النص قد ورد بصيغة عامة ومطلقة بحيث يشمل جميع المنازعات بما في ذلك الطعون المعروضة على محكمة النقض.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أنه وإن لما كانت المادة السادسة من القانون 141 سنة 1981 بشأن تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسات قد جعلت محكمة القيم مختلفة دون غيرها بنظر المنازعات المتعلقة بتحديد الأموال وقيمة التعويضات والمنازعات الأخرى المتعلقة بالحراسات التي فرضت قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب أو المترتبة عليها وأوجبت إحالة جميع القضايا المطروحة على المحاكم الأخرى إليها ما لم يكن قد قفل فيها باب المرافعة ودون أن ينص صراحة على استثناء الطعون المطروحة على محكمة النقض من ذلك إلا أن البين من النص سالف الذكر أن المنازعات التي عمد المشرع إحالتها إلى محكمة القيم هى تلك المنازعات الموضوعية التي تدور حول تقرير الحق أو نفيه أما الطعن بالنقض فهو طريق طعن غير عادي لا يؤدي إلى طرح نفس موضوع المنازعة التي كانت مرددة بين الطرفيين أمام محكمة الموضوع وإنما إلى طرح خصومة أخرى تدور حول صحة تطبيق القانون على الوقائع التي أكدها الحكم المطعون فيه وفي أحوال مبينة بيان حصر؛ فخصومة الطعن بالنقض لها ذاتية خاصة تختلف عن الخصومات التي تنظرها محكمة الموضوع لأنها لا تهدف كقاعدة عامة إلى تقرير حق أو نفيه أو إلى إحلال حكم جديد محل الحكم المطعون فيه بل يقتصر الأمر على بحث توافق هذا الحكم مع التطبيق الصحيح للقانون ومعالجة ما يكون قد شابه من عيوب قانونية. هذا إلى أنه وقد استثنى المشرع في المادة السادسة من القانون من الإحالة إلى محكمة القيم الدعاوى التي قفل فيها باب المرافعة قبل العمل به فإن هذا الاستثناء ينسحب ومن باب أولى إلى الدعاوى التي تم الفصل فيها بحكم نهائي نافذ وإن طعن فيه بطريق النقص إذ ليس من شأن هذا الطعن أن يمس بقوة ذلك الحكم أو يوقف تنفيذه، ولا يصح القول بأن المشرع وقد ناط بمحكمة القيم الفصل في كافة المنازعات المتعلقة بالحراسة وتصفية الأوضاع الناشئة عنها قد قصد أن ينال مما سبق صدوره من أحكام ولو كانت نهائية بما يخلو تلك المحكمة نظر الموضوع من جديد إذا أحيل إليها الطعن بحالته من محكمة النقض ذلك أن النزاع الموضوعي وعلى ما سلف بيانه يخرج عن نطاق الطعن بالنقض، فضلاً عن أنه طالما أن المشرع لم ينص صراحة على إسقاط هذه الأحكام فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة للخصوم وإن مجرد الطعن بالنقض في هذه الأحكام لا ينال من قوتها ولا يترتب عليه إعادة طرح النزاع على محكمة النقض وإنما تظل هذه الأحكام محتفظة بحجيتها التي تعلو على اعتبارات النظام العام وهى حجية لا تسقط إلا بنقض الحكم إذ في هذه الحالة فقط تسقط عن الحكم النهائي حصانته ولما تقدم فإن الاختصاص بطعون النقض المقامة عن أحكام صادرة من المحاكم العادية في منازعات متعلقة بالحراسات يظل منعقداً لمحكمة النقض وحدها ويكون الدفع بالإحالة على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الطعن رقم 1465 سنة 48 قضائية أقيم على سبب واحد هو ذا ت السبب الأول من أسباب الطعن رقم 1459 سنة 48 قضائية - ينعى به الطاعنون في الطعنين على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وفي بيان ذلك يقولون إن اختصاص المحكمة ولائياً بنظر النزاع يعد مطروحاً دائماً على المحكمة وتقضي فيه من تلقاء نفسها، وإنه يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض متى كانت عناصره مطروحة على محكمة الموضوع، وإن الحارس العام وهو نفسه مدير الأموال التي آلت إلى الدولة - طبقاً لأمر رئيس الوزراء رقم 177 لسنة 1964 - قد أصدر قرارين أحدهما بتاريخ 6/ 4/ 1966 والآخر في 27/ 10/ 1968 بعدم الاعتداد بعقد الهبة الصادر من الخاضع للحراسة.... للطائفة الإسرائيلية وبالموافقة على قرار لجنة تحقيق الديون رقم 7916 في 23/ 10/ 1968 باعتبار هذا العقد وصية مضافة إلى ما بعد الموت ومن ثم تؤول ملكية العقارين إلى الدولة مع قبول دين الطائفة بالحدود التي أوردها، وهما قراران إداريان أصدرهما الحارس العام ومدير أدارة الأموال - باعتباره ممثلاً للسلطة العامة القائمة على تنفيذ إجراءات الحراسة وينعقد الاختصاص بإلغائهما للقضاء الإداري وحده ولا يكون للمحاكم العادية أن تؤولهما أو توقف تنفيذهما طبقاً للمادة 17 من قانون السلطة القضائية رقم 46 سنة 1972 كما أن الحارس العام يختص بداءة بتحقيق ما يطالب به الغير قبل الأشخاص الذين رفعت عن أموالهم الحراسة طبقاً للفقرة الرابعة من المادة الأولى من القانون رقم 150 سنة 64 وقبل الالتحاق إلى القضاء الذي لا يكون إلا طعناً في قراره الذي يصدر في شأن تلك الطلبات وإلا تعين الحكم بعدم سماعها أو عدم قبولها، وإذ أقامت الطائفة المطعون ضدها الدعوى سنة 67 قبل صدور قرار مدير إدارة الأموال التي آلت إلى الدولة - بالموافقة على قرار لجنة تحقيق الديون في 27/ 10/ 68 بما كان يتعين معه على محكمة الموضوع أن تقضي بعدم سماعها، وإذ خلف الحكم المطعون فيه قواعد الاختصاص الولائي المتعلق بالنظام العام بقضائه في الدعوى التي تخرج أصلاً عن نطاق ولايته وتعرضه لموضوعها رغم كونها غير مقبولة يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
وحيث إن النعي بهذا السبب في شقه الأول غير سديد ذلك أنه ولئن كان القرار الإداري هو إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بمالها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً ابتغاء مصلحة عامة، ويمتنع على المحاكم المدنية بنص المادة 17 من قانون السلطة القضائية رقم 46 سنة 72 - الساري على واقعة الدعوى أن تتعرض لتفسير الأمر الإداري أو تأويله بل تختص بذلك محكمة القضاء الإداري دون سواها عملاً بالمادة العاشرة من القانون رقم 47 سنة 72 بتنظيم مجلس الدولة، إلا أنه لما كان القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يعرف القرارات الإدارية ولم يبين الخصائص التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها من تعرض السلطة القضائية العادية لها بتعطيل أو تأويل فإن وظيفة المحاكم المدنية أن تعطي هذا القرار وصفها القانوني على هدى حكمه التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها وكان إدعاء الطاعنين في الطعنين أن التصرف الصادر من (...) إلى المطعون ضدها الأولى هو وصية وليس هبة كما تدعي الأخيرة هو في حقيقته منازعة تتعلق بالتكييف القانوني لبدأ التصرف وهو ما تختص المحاكم العادية بالفصل فيه ولا ينال من ذلك صدور قرارين من مدير إدارة الأموال التي آلت إلى الدولة في 6/ 4/ 1966، 27/ 10/ 68 باعتبار العقد وصية إذ لا يعدو ذلك منه أن يكون منازعة في الملكية من جانب الجهة الإدارية بتكييف عقد يخضع لأحكام القانون المدني ويغدو مجرد عقبة مادية في سبيل استفادة ذوي الشأن من مراكزهم القانونية المشروعة وهو ما يخرجها من عداد القرارات الإدارية ويجردها من الحصانة المقررة لها ويخضعها لاختصاص المحاكم ذات الولاية العامة بنظر كافة المنازعات دون القضاء الإداري. والنعي في شقه الثاني في غير محله ذلك أنه ولئن كان - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يجوز لذلك الشخص الذي فرضت الحراسة على أمواله وآلت إلى الدولة بمقتضى القانون 150 سنة 64 أن يلجأ إلى القضاء بطلب دينه قبل عرضه على المدير العام لإدارة الأموال والممتلكات التي آلت إلى الدولة ليصدر قراره بشأنه وإلا كانت الدعوى غير مسموعة ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بعدم سماعها وللمحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها إلا أن الثابت من قرار لجنة تحقيق الديون رقم 916 والمقدم صورته الرسمية بملف الطعن أن الطائفة الإسرائيلية قد تقدمت في 1/ 1/ 1961 للحراسة العامة بطلب الاعتداد بملكيتها للعقارين موضوع الدعوى وأن مدير إدارة الأموال - وعلى ما ذكر الطاعنون في الطعنين - قد أصدر قراراً في 6/ 4/ 1966 وقبل رفع الدعوى بعدم الاعتداد بهذا العقد ومن ثم تكون المطعون عليها قد سلكت الطريق الذي رسمه القانون لسماع دعواها دون أن ينال من سماعها صدور قرار لاحق منه في 27/ 10/ 68 مترتب على قراره الأول ما دام موضوع الدعوى يدور حول الاعتداد بالعقد الذي صدر القرار الأول بشأنه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم في قضائه بما تقدم إذ فصل في موضوع الطلبات المقام بها الدعوى - بعد رفضه لدفعي عدم الاختصاص وعدم القبول - يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب في وجهيه قائماً على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الثاني والثالث في الطعن رقم 1459 سنة 48 قضائية مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في فهم الواقع في الدعوى وتحصيله مما ترتب عليه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول الطاعنة في هذا الطعن أن الطائفة الإسرائيلية قد التزمت بموجب العقد الذي ركنت إليه بعدة تكاليف تزيد على قيمة حق الرقبة منها سداد مبلغ ألفي جنيه إلى الواهب وسداد الدين محل عقد الرهن على أحد العاقرين ودفع مرتب مدى الحياة للسيدة...، كما تضمن بنودا تؤكد أنه وصية مضافة إلى ما بعد الموت منها قصر التبرع على حق الرقبة دون المنفعة في مقابل تلك التكاليف فضلاً عن تكرار لفظ الوصية بالبند السادس منه والتزام الواهب بالبند الرابع بجميع تكاليف الإصلاح والصيانة وكافة العوائد والرسوم والضرائب الخاصة بالعقارين طوال حياته بما يكشف عن صورية وصف العقد بأنه هبة لأنه في حقيقة وصية مضافة إلى ما بعد الموت إلا أن الحكم المطعون فيه وقف عند ظاهر عبارات العقد واعتبره هبة بمقابل واستند في ذلك إلى جملة قرائن متساندة منها أن قيمة الرقبة تزيد على مبلغ الألفي جنيه رغم التزام الموهوب لها بتلك التكاليف الأخرى ومن ثم تكون تلك القرينة التي استخلصها على هذا النحو غير صحيحة لمخالفتها للواقع مما تتداعى به سائر القرائن الأخرى، وهو ما يشوب الحكم بالخطأ في فهم الواقع وتحصيله أدى به إلى الخطأ في تطبيق القانون ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي مردود ذلك أنه لما كان من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود العاقدين وفي استخلاص ما يمكن استخلاصه منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها ما دامت تلك الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته، أن العبرة في تكييف العقود يكون بحقيقة ما عناه العاقد أن منها دون التقيد بتكييف العاقدين لها، ولئن كانت الهبة كعقد يجوز أن تستر وصية إلا أن احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب اعتبار العقد وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف، ولما كان من المقرر في المادة 486 من القانون المدني أن "الهبة عقد يتصرف به الواهب في مال دون عوض ويجوز للواهب دون أن يتجرد عن نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين" ومن ثم تكون الهبة عقداً لابد فيه من إيجاب وقبول متطابقين ولا تنعقد بإرادة الواهب المنفردة كما في الوصية وهى تصرف منجز لا يجوز فيها إرجاء نقل ملكية المال الموهوب إلى ما بعد موته إلا أن ذلك لا يمنع الواهب من أن ينقل ملكية المال في الحال ويرجئ التسليم إلى ما بعد الموت وليس ثمة ما يمنع الواهب ما دام لم يتجرد من نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين سواء كان هذا الالتزام لمصلحة الواهب أو لمصلحة الموهوب نفسه أو لمصلحة الغير دون أن يمنع ذلك كله من كون العقد هبة بمقدار الفرق بين العين الموهوبة والعوض، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من العقد بما تحتمله عباراته من أن إرادة الطرفين قد انصرفت إلى تنجيز نقل ملكية العقارين الموهوبين مع إرجاء تسليمهم إلى الموهوب لها إلى ما بعد وفاة الواهب وساق في سبيل ذلك جملة من القرائن تدور حول عرض العقد على مجلس الطائفة الإسرائيلية لقبوله وقيامها فور العقد بوفاء التزامها قبل الواهب وسدادها لدين الرهن والقيام بإفراغ العقد في ورقة رسمية ثم تسجيله لنقل الملكية بأعباء تحملتها بما تنفي معه مظنة إضافة التصرف إلى ما بعد الموت، وذلك على عدم تجرد الواهب من نية التبرع بما قرره من أن قيمة الأعباء التي تحملتها الموهوب لها تقل كثيراً عن قيمة حق الرقبة في العقارين وأن ما التزمت به من نفقة ومن شروط معينة في توزيع حصيلة الريع والشروط التي التزمت بها في حالة بيعها للعقارين تتفق مع أغراض الطائفة الموهوب لها كجمعية خيرية بما لا تنتفي معه أركان عقد الهبة التي توافرت وكان استخلاصه سائغاً فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذين السببين يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطاعنين.