أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 19 - صـ 758

جلسة 24 من يونيه سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(152)
الطعن رقم 1140 لسنة 38 القضائية

( أ ) تلبس. رشوة. تفتيش. "إذن التفتيش. إصداره". قبض. مأمورو الضبط القضائي.
حالة التلبس لا تستلزم إذناً من سلطة التحقيق لإجراء التفتيش. علة ذلك؟
(ب) رشوة. جريمة. "أركانها".
انعقاد جريمة الرشوة بالاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي.
(ج، د، هـ، و) تفتيش. "الدفع ببطلانه". إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الاعتراف". "حقها في تجزئة الدليل".
(ج) بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها.
(د) الاعتراف بضبط المبلغ المدفوع وإجراء التفتيش الذي يسفر عنه قسيمان لورودهما على محل واحد وتأديهما إلى نتيجة واحدة.
(هـ) تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على إثر تفتيش باطل. موضوعي.
(و) لمحكمة الموضوع تجزئة أي دليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(ز، ح، ط) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ز) الخطأ في الإسناد لا يقدح في سلامة الحكم فيما خرج عن سياق استدلاله وجوهر تسبيبه.
(ح) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
(ط) وزن أقوال الشهود. موضوعي.
1 - إن حالة التلبس بذاتها لا تستلزم إذناً من سلطة التحقيق لإجراء التفتيش إذ أن هذه الحالة تخول مأمور الضبط القضائي - متى كان له حق إيقاع القبض على المتهم - تفتيش شخصه ومنزله كما هو المستفاد من المادتين 46/ 1، 47 من قانون الإجراءات الجنائية. فالأمر الصادر من النيابة العامة بضبط المتهم متلبساً بجريمة الرشوة لم يقصد به المعنى الذي ذهب إليه الدفاع وهو أن يكون الضبط مقيداً بقيام حالة التلبس كما هو معرف به في القانون. وواقع الحال أنه إنما قصد بهذا الأمر ضبط المتهم على أثر تسلمه مبلغ الرشوة المتفق عليه بينه وبين المبلغ، وهو ما حدث فعلاً على النحو الذي أورده الحكم.
2 - تنعقد جريمة الرشوة بالاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي ولا تبقى بعد ذلك إلا إقامة الدليل على هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسلم المبلغ.
3 - من المقرر أن بطلان التفتيش - بفرض وقوعه - لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق للمتهم بحيازته ذات المبلغ الذي ظهر من التفتيش وجوده لديه، كما لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجال الضبط فيما باشروه من إجراءات ونمى إليهم من معلومات فيما لا يتصل بالتفتيش المدعي ببطلانه.
4 - الاعتراف بضبط مبلغ الرشوة وإجراء التفتيش الذي يسفر عنه قسيمان لورودهما على محل واحد وتأديهما إلى نتيجة واحدة.
5 - من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على أثر تفتيش باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالتفتيش وما ينتج عنه هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما ينكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء الباطل جاز لها الأخذ بها.
6 - من حق محكمة الموضوع أن تجزئ أي دليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. ولما كان الحكم قد استوفى استدلاله استمداداً من أدلة الإثبات وإطراحاً لدعوى القرض حين اعتبرها دعوى مرسلة ولم يكن لضبط مبالغ أخرى لدى الطاعن - قلت أو كثرت - أثر في الاستدلال على قبوله للرشوة وإنما كان ذلك استطراداً من المحكمة إلى بيان عدم حاجة الطاعن إلى الاقتراض. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم يكون في غير محله.
7 - الخطأ في الإسناد لا يقدح في سلامة الحكم فيما خرج عن سياق استدلاله وجوهر تسبيبه.
8 - لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتقصيها في كل جزئية منها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول.
9 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهماً وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة عليها من محكمة النقض، ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 5 يناير سنة 1967 بدائرة قسم باب شرقي محافظة الإسكندرية: بصفته موظفاً عمومياً "رئيس المشتريات والتوريدات بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية" طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته وذلك بأن طلب وأخذ من محمد عبد السلام سرور مبلغ خمسة جنيهات على سبيل الرشوة مقابل إنجاز صرف التأمينات المستحقة له لدى كلية الهندسة وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 103 من قانون العقوبات فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الارتشاء قد بني على الخطأ في الإسناد وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن اعتمد في قضائه بالإدانة على أقوال الشاهد ناصف الدرديري - زميل الطاعن - من أنه حرر استمارة الصرف وسلمها للطاعن في اليوم السابق على الحادث لمراجعتها وأنها وجدت يوم الحادث فوق مكتب الطاعن، في حين أن الثابت من محضر الضبط أنها كانت بمكتب الشاهد المذكور ثم إن الطاعن لم يعمد إلى تعطيل صرفها كما توهمت المحكمة جرياً وراء النيابة العامة في خطئها بل إن إجراءات الصرف أخذت سيرها الطبيعي، كما دفع الطاعن بأن تسلم مبلغ الخمسة جنيهات على سبيل القرض وأن دعوة الرشوة ملفقة ضده مدللاً على ذلك بشواهد عددها في دفاعه الشفوي والكتابي إلا أن الحكم لم يقسط هذا الدفاع حقه ولم يتفطن إلى أسسه كما دفع الطاعن ببطلان القبض عليه وتفتيشه لحصول الإجراء على غير ما قيدته به النيابة العامة بإذن التفتيش من وجوب أن يكون عند قيام المتهم باستلام الرشوة. وهو ما لم يحصل بل تم الإجراء بعد أن وضع المتهم المبلغ في جيبه بعيداً عن عين مأمور الضبط الذي لا يصح له أن يتلقى نبأ التلبس عن غيره إلا أن الحكم المطعون فيه أخذ الطاعن باعترافه باعتباره قسيماً للتفتيش الباطل مع أن ما نسب إليه ليس نصاً في اقتراف الجريمة فلا يصدق عليه في صحيح القانون وصف الاعتراف كما تصح تجزئته ومن ناحية أخرى فقد اعتمدت المحكمة في الإدانة على شهادة الضابطين مع أنه يمتنع قانوناً قبول شهادة مأمور الضبط على إجراء باطل قام به هذا إلى أن الطاعن دفع ببطلان الاعتراف لصدوره عن الطاعن متأثراً فيه بنتيجة الإجراء الباطل إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بما لا يسوغ به إطراحه مما يعيبه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى ما محصله أن المقاول محمد عبد السلام سرور تقدم إلى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية بطلب صرف الاستمارة 50 ع. ح بمبلغ تسعة وأربعين جنيهاً قيمة العشر الذي دفعه تأميناً لعملية أتم تنفيذها. فاشترط عليه الطاعن بصفته رئيس قسم المشتريات والتوريدات أن ينقده خمسة جنيهات رشوة لقاء إنجازه ما يختص به من مراجعة الاستمارة والأمر بصرف قيمتها فتظاهر المقاول بالقبول ولجأ إلى رئيس حرس الكلية الرائد محمد ذهني إبراهيم الذي صحبه إلى الرائد محمد نظمي الطرابلسي بالمباحث العامة حيث أبلغه بالحادث فسلمه الأخير ورقة من فئة الخمسة جنيهات أثبت رقمها بمحضر عرضه على النيابة العامة التي أمرت بضبط المتهم وتفتيشه حال قيامه باستلام المبلغ وتوجه المبلغ إلى المتهم في مكتبه بينما انتظر الضابطان في غرفة الحرس وسلمه المبلغ المتفق عليه ليقوم بإنجاز إجراءات صرف الاستمارة حسبما وعد. ثم أبلغ الضابطين فقاما بضبط المتهم وتفتيشه فعثرا في الجيب الأيسر لسترته على المبلغ المرقوم ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة وهي شهادة الشهود في المساق المتقدم واعتراف المتهم في جميع مراحل الدعوى وفي جلسة المحاكمة بضبط المبلغ في جيبه وهذا الذي أثبته الحكم تتوافر به عناصر جناية الارتشاء التي دين الطاعن بها مدللاً عليها بما يؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت أخذاً من أقوال المبلغ والشاهد ناصف الدرديري زميل الطاعن في مكتبه أن استمارة الصرف كانت موجودة على مكتب الطاعن حين ضبط وكان لما حصله الحكم من أقوالهما أصله الثابت من الأوراق حسبما أقر به الطاعن في طعنه وكان الشاهد والطاعن يشتركان في مكتب واحد بإقراره فإن المنازعة في مكان وجود الاستمارة عند أداء مبلغ الرشوة تعتبر جدلاً موضوعياً صرفاً فيما استخلصته الحكم من أقوال الشاهدين المذكورين. إذ من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة عليها من محكمة النقض ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لما زعمه الطاعن من أن المبلغ الذي قبضه كان على سبيل القرض لا الرشوة واعتبره قولاً مرسلاً لا يطمئن إليه وهو من إطلاقات السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بغير معقب عليها لما هو مقرر من أنها لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتقصيها في كل جزئية منها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول. لما كان ذلك وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ أي دليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. وكان الحكم قد استوفى استدلاله استمداداً من أدلة الإثبات وإطراحاً لدعوى القرض حين اعتبرها دعوى مرسلة ولم يكن لضبط مبالغ أخرى لدى الطاعن - قلت أو كثرت - أثر في الاستدلال على قبوله للرشوة وإنما كان ذلك استطراداً من المحكمة إلى بيان عدم حاجة الطاعن إلى الاقتراض ومن ثم فإن الخطأ في الإسناد - بفرض وقوعه - لا يقدح في سلامة الحكم فيما خرج عن سياق استدلاله وجوهر تسبيبه. لما كان ذلك وكان الحكم قد أخذ الطاعن باعترافه أمام وكيل كلية الهندسة باعتباره قد صدر عن إرادة حرة أمام رجل علم لا أمام ضبط أو رجل من رجال السلطة العامة وكان من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على أثر تفتيش باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالتفتيش وما ينتج عنه هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما ينكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء الباطل جاز لها الأخذ بها. لما كان ذلك وكان الحكم قد أخذ الطاعن باعترافه في جلسة المحاكمة بضبط المبلغ معه بعيداً عن مظنة التأثر بنتيجة التفتيش المدعي ببطلانه وكان الاعتراف بضبط المبلغ وإجراء التفتيش الذي يسفر عنه قسيمين لورودهما على محل واحد وتأديهما إلى نتيجة واحدة هي ضبط مبلغ الرشوة. وكان من المقرر أن بطلان التفتيش بفرض وقوعه لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق للمتهم بحيازته ذات المبلغ الذي ظهر من التفتيش وجوده لديه كما لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجال الضبط فيما باشروه من إجراءات ونمى إليهم من معلومات فيما لا يتصل بالتفتيش المدعي ببطلانه ومع ذلك فإن حالة التلبس بذاتها لا تستلزم إذنا من سلطة التحقيق لإجراء التفتيش إذ أن هذه الحالة تخول مأمور الضبط القضائي - متى كان له حق إيقاع القبض على المتهم - تفتيش شخصه ومنزله كما هو المستفاد من المادتين 46/ 1 و47 من قانون الإجراءات الجنائية. فالأمر الصادر من النيابة العامة بضبط المتهم متلبساً بجريمة الرشوة لم يقصد به المعنى الذي ذهب إليه الدفاع - وهو أن يكون الضبط مقيداً بقيام حالة التلبس كما هي معرفة به في القانون - وواقع الحال أنه إنما قصد بهذا الأمر ضبط المتهم على أثر تسلمه مبلغ الرشوة المتفق عليه بينه وبين المبلغ - وهو ما حدث فعلاً على النحو الذي أورده الحكم - ذلك بأن جريمة الرشوة قد انعقدت بذلك الاتفاق الذي تم بين الراشي والمرتشي ولم يبق إلا إقامة الدليل على هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسلم المبلغ - وهو ما هدف إليه وكيل النيابة بالأمر الذي أصدره - وإذ كان الضابط الذي كلف تنفيذ أمر النيابة قد خوله القانون سلطة القبض على المتهم الذي توجد دلائل كافية على اتهامه بجناية الرشوة. ومتى كان القبض صحيحاً كان التفتيش صحيحاً كذلك طبقاً للمادتين 34 و46/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية فلا مصلحة للطاعن فيما أثاره ولا وجه لما نعاه ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.