أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 835

جلسة 14 من أكتوبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(165)
الطعن رقم 1723 لسنة 38 القضائية

(أ، ب، ج) مأمور الضبط القضائي. "تحديدهم". "اختصاصهم". "سلطتهم في القبض". تفتيش. محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اختصاص.
( أ ) ضباط المباحث بالهيئة العامة للبريد. من مأموري الضبط القضائي.
(ب) وجود دلائل كافية على اتهام شخص في جناية. إجازتها لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض عليه إذا كان حاضراً وتفتيشه بغير إذن من سلطة التحقيق.
(جـ) تقدير الدلائل الكافية. موضوعي.
(د) تفتيش. تلبس. إثبات. "إثبات بوجه عام".
صحة ضبط ما يسفر عنه التفتيش عرضاً.
(هـ) إجراءات المحاكمة. محكمة الجنايات. إثبات. "شهادة".
متى يحق للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود؟
1 - إن ضباط المباحث بالهيئة العامة للبريد هم - بحسب الأصل - من مأموري الضبط القضائي بوصف كونهم من ضباط شرطة السكة الحديد وينبسط اختصاصهم - وفقاً لنص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة الأولى من قرار وزير الداخلية الرقيم 102 لسنة 1961 الصادر في 25 من إبريل سنة 1961 بإنشاء قسم للمباحث بالهيئة العامة للبريد وتحديد اختصاصه - على بحث وتحري وضبط الجرائم التي تقع بدائرة اختصاص هيئة البريد.
2 - لمأمور الضبط القضائي - وفقاً للمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية - أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه في حالات عددها الشارع حصراً بهذه المادة ومنها الجنايات وأن يفتشه بغير إذن من سلطة التحقيق وبغير حاجة إلى أن تكون الجناية متلبساً بها.
3 - إن تقدير الدلائل التي تسوغ لمأمور الضبط القبض والتفتيش ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره هذا خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ولما كان الحكم قد استخلص في منطق سليم كفاية الأدلة التي ارتكن إليها رجل الضبط في تفتيش الطاعن فإن النعي عليه بالقصور لا يكون سديداً.
4 - متى كان التفتيش الذي أسفر عن ضبط المخدر - عرضاً - قد تم صحيحاً في القانون، فلا يغير من صحته أن البلاغ عن الحادث كان عن واقعة اختلاس لم تكن مطروحة على المحكمة إذ لم يتم التصرف فيها.
5 - تخول المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك. ولما كان الثابت أن شاهد الإثبات تخلف عن الحضور وأن أقواله تليت في الجلسة بموافقة النيابة والدفاع، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 23 من سبتمبر سنة 1965 بدائرة قسم قصر النيل بمحافظة القاهرة: - أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدراً "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و37 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند رقم 12 من الجدول رقم 1 الملحق به. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل مدة ستة أشهر وتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر (حشيش) بقصد التعاطي قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه خطأ في الإسناد وبطلان في الإجراءات وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه رفض الدفع ببطلان التفتيش لعدم صدور إذن من النيابة العامة أو قيام حالة تلبس بجريمة إحراز المخدر ولأن الضابط فتش الطاعن لمجرد إبلاغه بواقعة اختلاس لم تطرح على المحكمة ولم يقم عليها دليل يؤكدها حتى يباح لرجل الضبطية القضائية إجراء التفتيش إلا أن الحكم أطرح الدفع لأسباب غير سائغة. ثم إن الضابط الذي قام بالتفتيش يعمل بمباحث هيئة البريد ولم تتحر المحكمة مدى اختصاصه الزماني والمكاني بالتفتيش الذي أجراه. هذا إلى أن المحكمة أطرحت أقوال شاهدي النفي بدعوى أنهما لم يشهدا واقعة ضبط المخدر وأنهما استنتجا عدم العثور على مخدر مع الطاعن لأن الضابط لم يخبرهما بهذه الواقعة عقب التفتيش مع أن شاهد النفي الثاني مصطفى عبد الفتاح شهد بأنه رأى واقعة التفتيش وأن الضابط لو عثر على المخدر مع الطاعن لاستشهده وزميله على ذلك. ومن ناحية أخرى فإن الحكم المطعون فيه دان الطاعن دون سماع أقوال شاهد الإثبات الوحيد بحجة أن أقواله تليت بالجلسة بموافقة الاتهام والدفاع حالة أن محضر الجلسة جاء خلواً من هذا البيان.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة إحراز المخدر التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أطرح الدفع ببطلان التفتيش في قوله "إن الدفاع عن المتهم - الطاعن - دفع ببطلان القبض والتفتيش لأن مجرد التبليغ عن جريمة - حتى لو صحت - لا يكفي لقيام حالة التلبس التي تقتضي القبض والتفتيش... وأنه واضح من ظروف الضبط أن المواطن أحمد حسن بركات أبلغ السيد ضابط مباحث البريد بكشفه قيد عملية استرداد من دفتر توفيره رغم إيداعه نقوداً وقدم للضابط دفتر التوفير الذي تبين أنه مسحوباًً منه لا مودعاً به وأن الفارق هو مبلغ ثلاثون جنيهاً قيمة ما اختلسه المتهم، وإذ لم يكن بين المبلغ والمتهم ما يدعوه للادعاء عليه وأن أقواله تأيدت بالدفتر الذي قدمه. وبذلك توافرت الدلائل الكافية على اتهام المتهم بجناية اختلاس وأصبح من حق الضابط متى وجدت لديه دلائل تدل على أن المتهم ارتكب جناية اختلاس أن يفتشه دون إذن من النيابة ودون حاجة إلى أن تكون الجناية متلبساً بها بالمعنى الذي تضمنته المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكانت المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه في حالات عددها الشارع حصراً بهذه المادة ومنها الجنايات وأن يفتشه بغير إذن من سلطة التحقيق وبغير حاجة إلى أن تكون الجناية متلبساً بها، وكان تقدير الدلائل التي تسوغ لمأمور الضبط القبض والتفتيش ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره هذا خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ولما كان الحكم قد استخلص في منطق سليم كفاية الأدلة التي ارتكن إليها رجل الضبط في تفتيش الطاعن، فإن النعي عليه بالقصور لا يكون سديداً. ولا يغير من ذلك أن البلاغ عن الحادث كان عن واقعة اختلاس لم تكن مطروحة على المحكمة - إذ لم يتم التصرف فيها - ما دام أن التفتيش الذي أسفر عن ضبط المخدر - عرضاً - قد تم صحيحاً في القانون. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من نعي علي الحكم بالقصور لإغفاله التصدي عن وجه اختصاص ضابط مباحث الهيئة العامة للبريد فمردود بأن المادة الثالثة والعشرين من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أن "يكون من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم... حكمدار بوليس السكك الحديدية وضباطه..." وإذ صدر قرار وزير الداخلية رقم 102 لسنة 1961 في 25 إبريل سنة 1961 بإنشاء قسم للمباحث بالهيئة العامة للبريد وتحديد اختصاصه نص في المادة الأولى منه على أن "ينشأ قسم للمباحث بالهيئة العامة للبريد يتبع حكمدارية شرطة السكة الحديد وهيئتي المواصلات السلكية واللاسلكية ويختص بالأعمال الآتية ( أ ) بحث وتحري وضبط مختلف الجرائم التي تقع بدائرة اختصاص هيئة البريد أو تتعلق بشئونها كفقد أو سرقة الحوالات والطرود أو العبث بمحتوياتها أو بمتعلقات الهيئة وما إلى ذلك (ب) بحث وتحري وضبط جرائم الرشوة والاختلاس وغيرها التي تقع بدائرة الهيئة أو تتعلق بها (جـ) بحث وتحري شئون موظفي وعمال الهيئة للوقوف عليها والتعاون مع الجهة المختصة بما يكفل تأمين سير المرفق (د) ما يعهد إليه من أعمال تدخل في اختصاص هيئة الشرطة وتتصل بأعمال هيئة البريد" وواضح مما تقدم أن ضباط المباحث بالهيئة العامة للبريد هم - بحسب الأصل - من مأموري الضبط القضائي بوصف كونهم من ضباط شرطة السكة الحديد وينبسط اختصاصهم وفقاً لنص المادة الأولى من قرار وزير الداخلية المذكور على بحث وتحري وضبط الجرائم التي تقع بدائرة اختصاص هيئة البريد. ولما كانت محكمة الموضوع قد أفصحت عن اطمئنانها إلى قيام الدلائل الكافية على اتهام الطاعن بجريمة اختلاس أموال من دفتر توفير مما يسوغ لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وفقاً للمادة 34/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية، وليس من ريب في أنه يجوز لمأمور الضبط القضائي تفتيش المتهم في الأحوال التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً إعمالاً للمادة 46 من ذلك القانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون دفاعاً قانونياً بعيداً عن محجة الصواب مما لا تلتزم محكمة الموضوع بالتعرض له. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أطرح أقوال شاهدي النفي بقوله "والمحكمة تطمئن لأقوال الضابط ولا تأخذ بأقوال الشاهدين لأنهما بنيا أقوالهما على الاستنتاج لأن الضابط لم يخبرهما بضبط المخدر مع المتهم فاستنتجا أن شيئاً لم يضبط معه وعدم إخبار الضابط لهما بما ضبط لا ينفي صحة الضبط فهما ليسا مختصين بالتبليغ إليهما حتى يلتزم الضابط بتبليغهما - ومن جهة أخرى فهما مع المتهم في مكتب واحد ويزاملانه في العمل ويشهدان لمصلحته ولو بغير صدق حسبما تراه المحكمة". لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن الشاهد الأول صدقي محمد راشد إذ سئل عما إذا كان يستطيع الجزم بضبط أو عدم ضبط مخدر مع الطاعن أجاب بقوله "لا أقدر أن أجزم أن الضابط وجد مع المتهم شيئاً ولكن إذا كان الضابط وجد مع المتهم حاجة كان أثبتها في المحضر الذي حررته (أي المحضر الذي حرره الشاهد)" كما سئل الشاهد الثاني مصطفى عبد الفتاح عما إذا كان الضابط ضبط مخدراً مع المتهم فأجاب بقوله "لا مضبطش حاجة لأنه لو ضبط مخدر لكان استشهد بنا". ومؤدى شهادة هذين الشاهدين أنهما استنتجا عدم ضبط مخدر مع الطاعن لأن الضابط لم يخبرهما بذلك وهو ما استخلصه الحكم - بحق - من أقوالهما ومن ثم فقد انتفت عنه قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن شاهد الإثبات تخلف عن الحضور وأن أقواله تليت في الجلسة بموافقة النيابة والدفاع. ولما كانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض .