أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 853

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، وأنور خلف.

(169)
الطعن رقم 1219 لسنة 38 القضائية

(أ، ب، ج) إثبات. "اعتراف". نقد. مقاصة. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
تقدير الاعتراف. موضوعي. حق المحكمة في تجزئته.
مثال التسبيب معيب في جريمة تعامل في أوراق نقد أجنبي.
1 - إنه وإن كان الأصل أن تقدير الاعتراف مما تستقل به محكمة الموضوع وأن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزيء هذا الاعتراف وأن تأخذ منه بما تطمئن إليه وأن تطرح ما عداه لكي تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها، إلا أنه لما كان يبين من الوقائع ومؤدي اعتراف الطاعن كما أورده الحكم أنه يتعامل في النقد الأجنبي وأنه لم يتفق مع المرشد على إجراء المقاصة إلا على سبيل المزاح حتى يحمله على شراء النقد الأجنبي الذي يحوزه، وكانت المحكمة بعد أن أوردت مؤدى اعترافه على هذا النحو انتهت في التدليل على ثبوت تهمة الشروع في المقاصة التي أسندتها إليه، إلى هذا الاعتراف وحده وأخذت به جملة وتفصيلاً دون أن تبين سبب إطراحها لما قرره من أن هذا الاعتراف غير صادق أو تفصح عما اطمأنت إليه وما لم تطمئن إليه منه، ودون أن تقيم الدليل من واقع هذا الاعتراف كما أوردته، على الحقيقة التي استنتجتها منه حتى تستطيع محكمة النقض أن تراقب سلامة هذا الاستنتاج وصحته، ومن ثم فإن الحكم يكون مشوباً بعيب القصور الذي يتسع له وجه الطعن وذلك فيما قضى به في جريمة الشروع في المقاصة، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لهذه الجريمة وحدها والإحالة.
2 - متى كان الحكم لم يستند في قضائه بإدانة الطاعن إلا على اعترافه فخرجت بذلك أقوال المبلغ عن دائرة الاستدلال، فإن ما يثيره الطاعن بصدد روايات المبلغ المتعددة وتعويل الحكم على واحدة منها بغير سند يؤيدها، لا يكون له محل.
3 - ما يقول به الطاعن من اشتراك المبلغ معه في جريمة بيع النقد الأجنبي بدعوى أنه كان قد اشترى هذا النقد من المبلغ، وما تغياه الطاعن بهذا الدفاع من انسحاب أثر التنازل عن إقامة الدعوى على المبلغ إليه هو أيضاً، مردود بأنه بفرض أن الطاعن كان قد أثار لدى المحكمة مدعاة في هذا الشأن، فإنه ما كان له أن يلزمها بمشاركته الرأي فيه، وفي التفاتها عنه - وهي صاحبة الحق في تقدير أدلة الدعوى - ما يدل على أنها أطرحته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في الفترة من 7 أبريل إلى 5 مايو سنة 1964 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: (أولاً) تعامل في أوراق النقد الأجنبي الموضحة بالمحضر (281 دولار أمريكي و721 ج إسترليني و60000 ليرة إيطالية و15 ج ليبي و30 دينار كويتي و3 دينار عراقي و148 ليرة لبنانية و1000 فرنك فرنسي قديم و330 فرنك فرنسي جديد والمبالغ قيمتها بالعملة المصرية مبلغ 1988 ج مصرياً و60 م) وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها. (ثانياً) شرع في التعامل في أوراق النقد الأجنبي الموضحة في التهمة السابقة بأن دفعها للسيد/ أمين بهجت وآخر ليقبض مقابلها بالنقد المصري - وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإدارته فيه هو ضبطه والجريمة في حالة تلبس. (ثالثاً) لم يعرض للبيع على وزارة الاقتصاد وبسعر المصرف الرسمي الذي يحدده وزير الاقتصاد النقد الأجنبي المملوك له والموضح في التهمتين السابقتين. (رابعاً) شرع في إجراء مقاصة منطوية على تحويل نقد أجنبي للخارج بأن اتفق مع السيد/ أمين بهجت وآخر على دفع مبلغ 15 ألف جنيه مصري بالجمهورية العربية المتحدة وقبض مقابلها بالليرات اللبنانية في بيروت على أساس سعر الجنيه المصري الواحد مبلغ 410 قرشاً لبنانياً وحرر تنفيذاً لهذا الاتفاق مستنداً وقع عليه بالتزامه بدفع النقد المصري المذكور "15 ألف جنيه" وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإدارته فيه هو ضبطه والجريمة في حالة تلبس. وطلبت معاقبته بالمواد 1 و3 و9 من القانون 80 لسنة 1947 والقرار الوزاري رقم 51 لسنة 1947. ومحكمة جنح قصر النيل الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بالنسبة إلى التهم الثلاث الأخيرة (أولاً) ببراءة المتهم من التهمة الأولى (وثانياً) بحبس المتهم شهراً واحداً مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف تنفيذ العقوبة عن كل تهمة من التهم الثلاث الأخيرة ومصادرة المبلغ المضبوط لصالح الخزانة العامة، فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن محصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الشروع في التعامل في نقد أجنبي، وعدم عرض هذا النقد على وزارة الاقتصاد، والشروع في إجراء مقاصة لتحويل نقد أجنبي للخارج - قد ران عليه القصور وأخل بحق الطاعن في الدفاع وأخطأ في القانون. فأما القصور فهو يقوم في جانب منه على ما يراه الطاعن من أن الحكم لم يعرض لدفاعه القائم على تكذيب المبلغ (علي الشرقاوي) لما انطوت عليه أقواله من سبع روايات متباينة، وراح يقيم قضاءه على قول ليس له في الأوراق ما يسانده. وأما الإخلال بحق الدفاع فيراه الطاعن ماثلاً في أنه وقد كشف للمحكمة عن أنه اشترى النقد موضوع الجريمة الثانية من المبلغ نفسه، فقد طلب تحقيق هذه الواقعة حتى إذا ما أصبح مسئولاً بوصفه شريكاً، كان للطاعن أن يفيد من تنازل الجهة صاحبة الشأن عن إقامة الدعوى على الشريك عملاً بنص المادة 10 من قانون الإجراءات الجنائية، غير أن المحكمة دانت الطاعن دون أن تحقق هذا الدفاع. وأما الخطأ في تطبيق القانون والجانب الثاني لقصور الحكم فإن الطاعن يقول في شأنهما - وهما متعلقان بجريمة الشروع في إجراء المقاصة - أن الحكم تساند في إدانته على أنه اتفق مع المرشد على أن يدفع له نقداً مصرياً في القاهرة فيقوم الأخير بإيداع مقابله بالليرات في بيروت، مع أن دفاع الطاعن قام على أن هذا الاتفاق كان وهمياً، ذلك بأن واقع الأمر فيما جرى هو أن الطاعن تظاهر أمام المرشد برغبته في عملية المقاصة وحرر للمبلغ - وهو صديق قديم - إيصال أمانة بالمبلغ محل المقاصة بغية الحصول على قبول المرشد لشراء النقد الأجنبي الموجود لدى الطاعن، دون أن يتجه قصده مطلقاً إلى المقاصة، ورغم ذلك فإن الحكم المطعون فيه قد التفت عما أثاره الطاعن من دفاع في هذا الشأن، فغدا بذلك معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه بعد أن عرض لما قام به علي الشرقاوي من إبلاغ مكتب مكافحة التهريب بوزارة الداخلية عن رغبة الطاعن في إجراء مقاصة لتحويل نقد أجنبي إلى الخارج فأرسل المكتب مرشداً يتظاهر بأنه هو الذي سيقوم بتنفيذ العملية، وأن الاتفاق جرى في اجتماع الثلاثة على أن يسلم الطاعن المبلغ قيمة ما أرد تحويله من النقد المصري فيسلمه بدوره إلى المرشد بعد تمام العملية، وأن الطاعن عرض على المرشد في اجتماعهم أن يبيعه كميات من النقد الأجنبي، وأن اجتماعاً آخر جمع الأطراف الثلاثة فاتفقوا على أن يحرر الطاعن بقيمة عملية المقاصة إيصال أمانة للمبلغ، وبعد أن أورد الحكم أن مكتب مكافحة التهريب قام بضبط الطاعن وهو يسلم المرشد كمية من النقد الأجنبي موضوع تهمة الشروع في بيعه وأن المبلغ قدم إيصال الأمانة، تناول دفاع الطاعن فأورده بقوله "وبسؤال المتهم - الطاعن - قال إنه تعرف على المبلغ وأن المبلغ قام بدوره ليعرفه بالمرشد وأن المبلغ أفهم المتهم أن الشخص المذكور جاء ليشتري منه كمية النقد الأجنبي وأنه اتفق مع المرشد على أن يبيعه هذا النقد بالأسعار المبينة بالمحضر وأن المرشد طلب منه أن يقوم بتهريب مبلغ 15000 ج فتظاهر المتهم بالموافقة من قبيل المزاح وذلك حتى يتمكن من بيع النقد الأجنبي، كما اعترف بتوقيعه على إيصال أمانة وبتحريره الورقة التي تضمنت العملية الحسابية لصفقة النقد الأجنبي ثم خلص الحكم إلى إدانة الطاعن في الجرائم الثلاث موضوع الطعن بقوله "حيث إنه يتبين من سرد الوقائع على النحو السالف أن المتهم شرع في التعامل في النقد الأجنبي بأن دفع هذا النقد إلى أمين بهجت وآخر ليقبض مقابلها بالنقد المصري وذلك عن غير طريق أحد المصارف وبالمخالفة للأوضاع المقررة في هذا الشأن وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه في حالة تلبس، كما أنه احتفظ بنقد أجنبي في حيازته دون أن يعرضه للبيع على وزارة الاقتصاد وهو ما تقضي به المادة 3 من القانون 80 لسنة 1947 المعدلة بالقانون 157 لسنة 1950 كما أنه شرع في إجراء مقاصة منطوية على تحويل نقد لبناني وهو نقد أجنبي بأن اتفق مع أمين بهجت على دفع مبلغ 15000 ج بداخل البلاد ولقبض مقابلها بالليرات اللبنانية في بيروت على أساس سعر قدره 410 قرشاً لبنانياً للجنيه المصري وقد حرر مستنداً على نفسه بذلك وذلك عن غير طريق المصارف وبالمخالفة للأوضاع القانونية وقد خاب أثر هذه الجريمة لسبب ضبطه وقد قام الدليل على هذا من اعترافه مما يتعين معه عقابه وفقاً لمواد الاتهام" ولما كان يبين مما أورده الحكم فيما تقدم، أنه لم يساند في قضائه بإدانة الطاعن إلا على اعترافه، فخرجت بذلك أقوال المبلغ عن دائرة الاستدلال، فإن ما يثيره الطاعن بصدد روايات المبلغ المتعددة وتعويل الحكم على واحدة منها بغير سند يؤيدها، لا يكون له محل. وأما ما يقول به الطاعن من اشتراك المبلغ معه في جريمة بيع النقد الأجنبي بدعوى أنه كان قد اشترى هذا النقد من المبلغ، وما تغياه الطاعن بهذا الدفاع من انسحاب أثر التنازل عن إقامة الدعوى على المبلغ إليه هو أيضاً فهو مردود بأنه بفرض أن الطاعن كان قد أثار لدى المحكمة مدعاة في هذا الشأن فإنه ما كان له أن يلزمها بمشاركته الرأي فيه، وفي التفاتها عنه - وهي صاحبة الحق في تقدير أدلة الدعوى - ما يدل على أنها أطرحته. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عول في إدانة الطاعن بالجرائم الثلاث - على ما سلف بيانه - على اعترافه ولم يعيب الطاعن هذا المذهب من الحكم بصدد التهمتين الأوليين، فإن الطعن في هذا الشق منه يكون على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إنه فيما يتعلق بوجه النعي الخاص بجريمة الشروع في المقاصة وما قاله الطاعن من أن الحكم أخطأ في القانون وران عليه القصور حين دانه بها أخذاً بظاهر اعترافه على الرغم من عدم توافر القصد الجنائي لديه والتفت عن الرد على دفاعه في هذا الشأن، فإنه وإن كان الأصل أن تقدير الاعتراف مما تستقل به محكمة الموضوع وأن المحكمة ليست ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزيء هذا الاعتراف وأن تأخذ منه بما تطمئن إليه وأن تطرح ما عداه لكي تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها إلا أنه لما كان يبين من الوقائع أن مؤدى اعتراف الطاعن كما أورده الحكم أنه يتعامل في النقد الأجنبي وأنه لم يتفق مع المرشد على إجراء المقاصة إلا على سبيل المزاح حتى يحمله على شراء النقد الأجنبي الذي يحوزه وكانت المحكمة بعد أن أوردت مؤدى اعترافه على هذا النحو انتهت في التدليل على ثبوت تهمة الشروع في المقاصة التي أسندتها إليه، إلى هذا الاعتراف وحده وأخذت به جملة وتفصيلاً دون أن تبين سبب إطراحها لما قرره من أن هذا الاعتراف غير صادق أو تفصح عما اطمأنت إليه وما لم تطمئن إليه منه ودون أن تقيم الدليل من واقع هذا الاعتراف كما أوردته على الحقيقة التي استنتجتها منه حتى تستطيع محكمة النقض أن تراقب سلامة هذا الاستنتاج وصحته لكي تتبين صحة الحكم من فساده. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون مشوباً بعيب القصور الذي يتسع له وجه الطعن وذلك فيما قضي به في جريمة الشروع في المقاصة مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لهذه الجريمة وحدها والإحالة.