أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 886

جلسة 28 من أكتوبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود العمراوي، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(175)
الطعن رقم 1617 لسنة 38 القضائية

تقليد. براءات اختراع. رسوم ونماذج صناعية. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية تشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم للقضاء بالبراءة. مثال في جريمة تقليد نماذج قبعات.
يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة وما يترتب على ذلك من رفض الدعوى المدنية إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوي عن بصر وبصيرة. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يخلط بين أحكام تقليد الاختراع وأحكام تقليد الرسوم والنماذج الصناعية بل تشككت المحكمة في جدة الرسوم والنماذج المسجلة باسم الطاعن ورجحت سبق استعمالها من قبل، وكانت المحكمة لم تفصل في الدعوى إلا بعد أن محصتها وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي ولم تكن قد اقتصرت على بحث ما إذا كانت رسوم ونماذج القبعات المسجلة باسم الطاعن مبتكره من عدمه بل تعدت ذلك إلى بحث مدى جدتها فداخلتها الريبة في أن تكون تلك الرسوم والنماذج جديدة ورجحت سبق استعمالها في المجال الصناعي، فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم الثلاثة وآخر بأنهم في يوم 6 أغسطس سنة 1958 بدائرة قسم الموسكي: أولاً - قلدوا موضوع نموذج صناعي مسجلاً قانوناً. (ثانياً) حازوا بقصد الاتجار منتجات القبعات المبينة بالمحضر عليها نموذج صناعي مقلد مع علمهم بذلك. وطلبت عقابهم بالمواد 1 و4 و37 و38 و39 و48 و2 - 3 و57 و60 من القانون رقم 132 لسنة 1949 واللائحة المرفقة. وادعى محمد أحمد خليفة بحق مدني قبل المتهمين متضامنين وطلب القضاء قبلهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنح الموسكي تنازل المدعي المدني عن دعواه المدنية قبل المتهم الثالث. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين من التهمة المسندة إليهم ورفض الدعوى المدنية ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة تدفع لكل من المتهمين الأول والثاني والرابع وإثبات تنازل المدعي المدني عن دعواه المدنية قبل المتهم الثالث مع إلزامه بمصروفاتها فاستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً للثلاثة الأول وغيابياً للأخير بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعي المدني المصاريف المدنية الاستئنافية فطعن المدعي المدني في هذا الحكم بطريق النقض وأثناء نظر الطعن توفي المطعون ضده الأول وحل محله في الدعوى المدنية المقامة ضده ورثته ثم قضى في الطعن بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لورثة المطعون ضده الأول وإلى المطعون ضدهما الثاني والثالث وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قضت حضورياً برفض الاستئناف موضوعاً وألزمت المستأنف المصاريف الاستئنافية ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى المدنية المرفوعة من الطاعن تأسيساً على أن القبعات المسجلة رسومها ونماذجها باسمه والمقلدة من المطعون ضدهم لا يتوافر فيها عنصرا الابتكار والجدة مما يرجح معه سبق استعمالها في المجال الصناعي قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك أنه يشترط طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 لحماية الاختراع من التقليد أن يكون موضوعه مبتكراً أما الرسم أو النموذج الصناعي فلا يشترط لحمايته أن يكون مبتكراً بل يكفي أن يتوافر فيه عنصر الجدة بأن تكون له دلالة خاصة تميزه عن غيره، وثبت من تقرير مدير إدارة الرسوم والنماذج الصناعية المقدم في الدعوى أن القبعات المضبوطة مطابقة للقبعات المسجلة رسومها ونماذجها باسم الطاعن وتتوافر بشأنها جريمة التقليد وقد خالف الحكم المطعون فيه ما سبق أن قضت به محكمة النقض من وجوب التفرقة بين تقليد الاختراع وتقليد الرسوم والنماذج الصناعية ولم تبين المحكمة في حكمها سندها فيما ذهبت إليه من ترجيحها أن تلك الرسوم والنماذج سبق استعمالها وقد أهدرت ما جاء في تقرير مدير إدارة الرسوم والنماذج الصناعية دون أن تقول كلمتها في ذلك التقرير مع أنه دليل فني لا يجوز إهداره إلا لاعتبارات فنية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن كان قد أبلغ بأنه بتاريخ 16 يونيه سنة 1958 قام بتسجيل رسومات ونماذج قبعات يتولى صناعتها من الخوص المصري وذلك تحت أرقام 514 و515 و532 ثم تبين له أن المتهمين يقلدون رسومات ونماذج تلك القبعات ويعرضونها للبيع في محلاتهم بالرغم من علمهم بذلك وعرض لدفاع المتهمين بقوله "وبسؤال حنا روفائيل الذي توفى بعد ذلك أقر بأن البرانيط الثلاثة التي نسبها إليه المبلغ من إنتاجه فعلاً ودفع بأنه يشتري الخوص جاهزاً وملوناً من ذات التاجر الذي يورد منه إلى الشاكي (الطاعن) من رشيد وأرشد عن اسم التاجرين اللذين قصدهما وقال إنه يصنع من هذا الخوص برانيط مختلفة في الشكل عن الشكل الذي يصنعه الشاكي وأنه اقتبس الشكل الذي يصنعه من المصنوعات الأجنبية وأضاف أنه قدم طلباً لتسجيل نماذج بتاريخ 23/ 8/ 1958. وبسؤال سليم بطرس أنكر ما نسبه إليه الشاكي مقرراً أنه يبيع منتجات كلها مستوردة من الخارج ولديه الإذن باستيرادها وأن محله مسجل بالسجل التجاري تحت رقم 2025 ولم يطلب منه أحد شراء برانيط كما يدعي المبلغ وعلل الاتهام بأن المبلغ يرغب في إكراهه على الشراء من منتجاته. وبسؤال حسن خليل أقر بصناعة البرانيط التي نسبها له المبلغ وذهب إلى القول بأنه يصنع البرانيط التي يبيعها بتصريح من السيد حسن البارودي المسجلة باسمه نماذجها بناء على محرر يفيد طلب تسجيل مقدم من هذا الأخير إلى مصلحة التسجيل التجاري بتاريخ 3/ 7/ 1958 وآخر بتاريخ 16/ 8/ 1958 وأضاف أن النموذج الذي يصنعه يختلف تماماً عن النموذج الذي يصنعه الشاكي" وبعد أن أورد الحكم ما تضمنه تقرير مدير إدارة الرسوم والنماذج الصناعية من أن قبعات حنا روفائيل وحسن خليل مطابقة لقبعات الطاعن المسجلة استعرض أحكام القانون بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية وأشار إلى أن إدارة الرسوم والنماذج لا تتمتع بأي سلطة تقديرية موضوعية في رفض أو قبول طلبات التسجيل التي تقدم إليها وأن المشرع يكتفي بالإيداع البسيط دون أي فحص سابق وأنه مهما كانت أهمية الرسم أو النموذج في المجال الصناعي فإنها لا ترقى إلى أهمية براءات الاختراع ومن ثم فإن المشرع يفسح المجال أمام كل ذي شأن ليطلب شطب تسجيل الرسم أو النموذج الصناعي إذا كان فاقداً لأحد عنصري الابتكار أو الجدة أو كان قد تسجل بغير اسم المالك أو سبق استعماله في المجال الصناعي ثم خلص من ذلك إلى قوله "وحيث إنه استخلاصاً من هذا الذي أشارت إليه المحكمة من أحكام القانون موضوع التطبيق يبين أن جريمة التقليد وجريمة بيع المنتجات المقلدة تتطلبان أساساً أن تنتفي عن الرسوم أو النماذج المسجلة أي شبهة في أنها كانت مستعملة في المجال الصناعي قبل تسجيلها أو أنها تفتقر إلى أي من عنصري الجدة والابتكار فإذا انتفت هذه الشبهة وتوافرت باقي أركان وأدلة جريمة التقليد حقت الإدانة أما إذا استقامت في الواقعة المعروضة دواعي الشك في أحد هذين العنصرين أو في أن الرسم أو النموذج المدعي بتقليده كان مستغلاً في المجال الصناعي من قبل فإن هذه الدواعي تستوجب البراءة قطعاً. وحيث إنه متى كان ذلك وكانت المحكمة قد ناظرت الرسوم والنماذج المسجلة والمدعي بتقليدها ولاحظت أنها جميعاً مفتقرة لعنصري الجدة والابتكار ويترجح معها سبق استعمالها في المجال الصناعي فعلاً فمن ثم تنأى هذه الرسوم والنماذج عن الحماية الجنائية وبالتالي تكون الدعوى المدنية المماثلة قائمة على غير أساس ويتعين رفضها وإلزام رافعها بمصروفاتها". لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يخلط بين أحكام تقليد الاختراع وأحكام تقليد الرسوم والنماذج الصناعية بل تشككت المحكمة في جدة الرسوم والنماذج المسجلة باسم الطاعن ورجحت سبق استعمالها من قبل، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة وما يترتب على ذلك من رفض الدعوى المدنية إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوي عن بصر وبصيرة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تفصل في الدعوى إلا بعد أن محصتها وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي ولم تكن قد اقتصرت على بحث ما إذا كانت رسوم ونماذج القبعات المسجلة باسم الطاعن مبتكرة من عدمه بل تعدت ذلك إلى البحث في مدى جدتها فداخلتها الريبة في أن تكون تلك الرسوم والنماذج جديدة ورجحت سبق استعمالها في المجال الصناعي، فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.