أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 44 - صـ 474

جلسة 23 من مايو سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي نواب رئيس المحكمة ومحمد محمود عبد اللطيف.

(213)
الطعن رقم 829 لسنة 56 القضائية

(1 - 4) إيجار "إيجار الأماكن: التنازل عن الإيجار: المهجرون". حكم "تسبيب الحكم". محكمة الموضوع "تقدير أقوال الشهود". نقض. قانون.
(1) الحماية التي أسبغها المشرع على المهجرين. ق 76 سنة 1969 المعدل. سريانها حتى إلغاء هذا التشريع صراحة أو ضمناً. زوال تلك الحماية بعودة المهجر إلى موطنه الأصلي الذي هجر منه واستقراره فيه ومباشرته لعمله المعتاد.
(2) تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها مما تستقل به محكمة الموضوع. شرطه. أن يكون استخلاصها سائغاً لا خروج فيه عما يؤدي إليه مدلولها ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق.
(3) حاجة المهجر إلى مسكن وقت التهجير. لا تلازم بينها وحاجاته وأفراد أسرته بعد عودته إلى موطنه الأصلي. أثره. انحسار الحماية عنه. علة ذلك.
(4) اعتماد الحكم على جملة أدلة متساندة شاب أحدها عيب دون أن يبين أثر كل منها في تكوين عقيدة المحكمة مع استبعاد هذا الدليل. أثره. نقض الحكم.
1 - النص في المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1969 في شأن التنازل عن عقود الإيجار والتأجير من الباطن للمهجرين من منطقة القناة وسيناء المعدل بالقانون 48 لسنة 1970 - يدل وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن هذا التشريع يظل سارياً واجب التطبيق إلى أن يلغى صراحة أو ضمناً بقانون آخر يقضي بتمام زوال آثار العدوان. إلا أن زوال هذه الآثار وإن لم تتحقق بصفة عامة بإلغاء التشريع المذكور فقد يتحقق فعلاً وواقعاً بالنسبة إلى كل مهجر على حده إذا ما عاد إلى موطنه الأصلي الذي هجر منه لأن القصد من القانون الاستثنائي المشار إليه هو مواجهة حاجة المهجر الملحة في الحصول على مسكن يستقر فيه عند التهجير بحيث تسقط عنه الميزة التي منحها له القانون متى ثبت على وجه يقيني عودة المهجر إلى موطنه الأصلي واستقراره فيه مع أسرته ومباشرته أعماله على وجه معتاد فإنه بهذه العودة تنحسر عنه الحماية المقررة قانوناً لانتفاء علة إسباغها عليه بزوال صفته كمهجر.
2 - إذ كان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها مما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب عليها في تكوين عقيدتها مما يدلي به شهود أحد الطرفين إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً لا خروج فيه بتلك الأقوال عما يؤدي إليه مدلولها أو انحراف عن مفهومها ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق.
3 - لا تلازم بين حاجة المهجر الملحة في الحصول على سكن يستقر فيه وقت التهجير التي دعت المشرع إلى توفير الحماية القانونية الاستثنائية له بالقانون رقم 76 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 وبين ما يستجد من حاجات أخرى له أو لأفراد أسرته لشغل المسكن أو الاحتفاظ به بعد انتهاء أسباب التهجير ودواعيه وعودة المهجر إلى موطنه الأصلي وممارسة عمله على وجه معتاد وانحسار هذه الحماية عنه لانتفاء علتها.
4 - المقرر أنه إذا اعتمدت المحكمة على جملة أدلة منها دليل معيب وكان الحكم قائماً على هذه الأدلة مجتمعة ولا يبين أثر كل منها على حده في تكوين عقيدة المحكمة بحيث لا يعرف ما يتجه إليه قضاؤها مع استبعاد هذا الدليل الذي ثبت فساده فإنه يكون من المتعين نقض هذا الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنات أقمن على المطعون ضده الدعوى رقم 8888 لسنة 1981 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها لهن. وقلن بياناً لذلك إن هذه الشقة كانت مؤجرة لـ...... التي تركتها له بوصفه من المهجرين فأقام بها حتى انتهت حالة الحرب فعاد إلى موطنه الأصلي بمحافظة سيناء وأصبح وضع يده عليها بلا سند مما حدى بهن إلى إقامة دعواهن بمطلبيهن سالفي البيان. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن استمعت للشهود حكمت برفضها. استأنفت الطاعنات هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 4461 لسنة 102 قضائية. بتاريخ 15 من يناير سنة 1986 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنات في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنات على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال. وفي بيان ذلك يقلن إنه أقام قضاءه على ما استخلصه من أقوال شهود الطرفين من أن إقامة المطعون ضده ببلدته بالعريش لم تستقر بعد وإنها إقامة مؤقتة لحين إعادة بناء منزله واستكمال تعليم أولاده المقيمين بالشقة محل النزاع. في حين أنه خرج بتلك الأقوال عما يؤدي إليه مدلولها إذ أجمع هؤلاء الشهود على انتقال الأخير وإقامته على وجه الاستقرار بالعريش وإنه يزاول نشاطه التجاري في محل بها وفي هذا ما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك بأن النص في المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1969 في شأن التنازل عن عقود الإيجار والتأجير من الباطن للمهجرين من منطقة القناة وسيناء المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 على أنه "استثناء من أحكام القوانين المنظمة للعلاقة بين المؤجرين والمستأجرين في شأن الأماكن المبينة، لا يجوز الحكم بالإخلاء أو الطرد من الأماكن المؤجرة للمهجرين من محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وسيناء إذا كان شغلهم لها بطريق التنازل أو التأجير من الباطن دون تصريح من المؤجر..... وذلك حتى إزالة آثار العدوان" يدل - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - على أن هذا التشريع يظل سارياً واجب التطبيق إلى أن يلغى صراحة أو ضمناً بقانون آخر يقضي بتمام زوال آثار العدوان. إلا أن زوال هذه الآثار وإن لم تتحقق بصفة عامة بإلغاء التشريع المذكور فقد يتحقق فعلاً وواقعاً بالنسبة إلى كل مهجر على حده إذا ما عاد إلى موطنه الأصلي الذي هجر منه لأن القصد من القانون الاستثنائي المشار إليه هو مواجهة حاجة المهجر الملحة في الحصول على مسكن يستقر فيه عند التهجير بحيث تسقط عنه الميزة التي منحها له القانون متى ثبت على وجه يقيني عودة المهجر إلى موطنه الأصلي واستقراره فيه مع أسرته ومباشرته أعماله على وجه معتاد فإنه بهذه العودة تنحسر عنه الحماية المقررة قانوناً لانتفاء علة إسباغها عليه بزوال صفته كمهجر. ومن المقرر أنه وإن كان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها مما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب عليها في تكوين عقيدتها منها مما يدلي به شهود أحد الطرفين إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً لا خروج فيه بتلك الأقوال عما يؤدي إليه مدلولها أو انحراف عن مفهومها ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما أورده بمدوناته من أن "القدر المتيقن الذي يطمئن إليه وجدان المحكمة من أقوال شهود طرفي التداعي إثباتاً ونقياً أن المستأنف ضده - المطعون ضده - باعتباره من مهجري محافظة سيناء الشمالية - العريش قد شغل شقة النزاع....... بطريق التنازل عن عقد الإيجار وذلك بدون موافقة المالك....... وعندما فتح باب العودة إلى العريش أخذ زوجته وبعض من أبنائه وكذلك بعض من منقولاته وذهب إلى العريش حيث استقر مؤقتاً في منزل أخيه لحين إعادة بناء على ما تبقى من منزله الذي أزيل في الشارع العمومي وظل يتردد من حين لآخر على شقة النزاع وذلك لرعاية بناته الثلاث المقيمات فيها بصفة مستقرة حيث إن إحداهن طالبة بكلية الطب والثانية تلميذه بمدرسة المأمون التجارية والثالثة مطلقة. ولا يقدح في ذلك أنه يقوم بممارسة تجارة أدوات العمارة والأدوات الصحية والكهربائية بشارع التحرير بالعريش وذلك منذ عام 1981 كما هو ثابت من الشهادات المقدمة من المستأنفات - الطاعنات - حيث إن هذه الشهادة وإن كان يستشف منها إنه باشر أعماله على وجه معتاد إلا أنه لم يستقر هو وأسرته في موطنه الأصلي - العريش - حيث إن بعض أبنائه لا يزال يتلقى العلم في الجامعات والمدارس بالقاهرة وكذلك المذكرة المعتمدة من رئيس مباحث قسم العريش الثابت فيها أن المستأنف ضده يقيم بالعريش بجوار مصر للألبان أمام جامع النصر فإن هذا المنزل ليس خاصاً به بل خاص بأخيه وأنه يقيم فيه بصفة مؤقتة" مفاد هذه الأسباب أن الحكم اتخذ من أقوال شهود الطرفين دعامة أساسية لقضائه عززها بما ساقه من قرائن واستخلص منها إقامة المطعون ضده إقامة مستقرة بالشقة محل النزاع في الفترة اللاحقة لانتهاء حالة الحرب وانتقاله وزوجته وأولاده إلى موطنه الأصلي بالعريش التي هجر منها ومارس عمله في التجارة فيها بعد عودته إليها قولاً منه بأن إقامته بهذا الموطن مؤقتة ولا تتسم بالدوام والاستقرار. وهذا الاستخلاص من الحكم غير سائغ لا تنتجه أقوال هؤلاء الشهود فالثابت من الرجوع إليها أنها خلت مما ينبئ عما استدل عليه الحكم منها من أن المطعون ضده يقيم بشقة النزاع إقامة مستقرة معتادة وأنه جعل منها مراحه ومغداه بحيث لا يعول على مأوى دائم وثابت سواه مما يلزم لإسباغ وصف الاستقرار على إقامة الشخص بالمسكن إذ لا يستفاد هذا الوصف مما ورد بأقوال شاهدي المطعون ضده من أنه ترك شقة النزاع بعد انتهاء الحرب لبناته الثلاثة وانتقل وزوجته وباقي أولاده وبعض منقولاته للإقامة بموطنه الأصلي بالعريش التي يمارس فيها التجارة وأنه يتردد على فترات متقطعة لزيارة بناته بتلك الشقة. أما أقوال شاهدي الطاعنات فقد تضافرت على ما يفيد بأن المطعون ضده قد تخلى نهائياً عن الإقامة بالشقة محل النزاع لبعض بناته إذ أجمعت على أنه قد عاد وبقية أفراد أسرته ونقل جميع منقولاته - عدا سرير - لموطنه بالعريش للاستقرار بها والإقامة بمنزله الكبير الذي تسلمه حسبما أخبرهما بذلك وأنه يقوم بممارسة التجارة ولا يعود إلى هذه الشقة إلا في فترات متباعدة لمتابعة الدعوى الراهنة مما مؤداه أنه يتردد عليها بصفة عارضة - لا على سبيل الدوام والاستقرار وبذلك يكون الحكم قد خرج بتلك الأقوال التي ركن إليها عما يؤدي إليه مدلولها وانحرف عن مفهومها مما يعيبه بالفساد في الاستدلال. ولا يشفع للحكم فيما ذهب إليه قوله بأن ثلاثة من بنات المطعون ضده يقمن بشقة النزاع لإتمام دراسة اثنتين والثالثة مطلقة وأنه يتردد عليهن لرعايتهن إذ لا تلازم بين حاجة المهجر الملحة في الحصول على سكن يستقر فيه وقت التهجير التي دعت المشرع إلى توفير الحماية القانونية الاستثنائية له بالقانون رقم 76 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 وبين ما يستجد من حاجات أخرى له أو لأفراد أسرته لشغل المسكن أو الاحتفاظ به بعد انتهاء أسباب التهجير ودواعيه وعودة المهجر إلى موطنه الأصلي وممارسة عمله على وجه معتاد وانحسار هذه الحماية عنه لانتفاء علتها ولا يقيل الحكم من عثرته هذه استناده إلى ما أشار إليه من القرائن لما هو مقرر من أنه إذا اعتمدت المحكمة على جملة أدلة منها دليل معيب وكان الحكم قائماً على هذه الأدلة مجتمعة ولا يبين أثر كل منها على حده في تكوين عقيدة المحكمة بحيث لا يعرف ما يتجه إليه قضاؤها مع استبعاد هذا الدليل الذي ثبت فساده فإنه يكون من المتعين نقض هذا الحكم وحسب الحكم المطعون فيه ذلك لما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.