أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 969

جلسة 18 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(195)
الطعن رقم 1273 لسنة 38 القضائية

(أ، ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة ثاني درجة. "تسبيب أحكامها". قتل خطأ. إصابة خطأ. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات. "خبرة".
( أ ) على محكمة ثاني درجة عند إلغاء حكم صادر بالبراءة أن تفند ما استندت إليه محكمة الدرجة الأولى وإلا كان حكمها معيباً.
(ب) عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة. شرط ذلك؟
(ج) مثال لقصور في الرد على دفاع جوهري في جريمة قتل وإصابة خطأ.
1 - من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إذا رأت إلغاء حكم صادر بالبراءة أن تفند ما استندت إليه محكمة الدرجة الأولى من أسباب وإلا كان حكمها بالإلغاء ناقصاً نقصاً جوهرياً موجبا لنقضه.
2 - الأصل أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، إلا أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها.
3 - متى كان وجه الرأي عند أهل الفن كما حصله الحكم المطعون فيه، سواء في التقرير الاستشاري الذي قدمه المتهم أو تقرير اللجنة الفنية التي ندبتها النيابة العامة أو ما شهد به أحد خبراء اللجنة المذكورة أمام محكمة أول درجة قد اتفق على أن سبب سقوط الشرفة هو تآكل الكمرات الحديدية، وزاد التقرير الأخير على ذلك أن التآكل هو من العيوب الفنية التي يتعذر اكتشافها إلا بتكسير الخرسانة وهدم السقف عن آخره، وكان هذا هو الدرب الذي سار عليه الطاعن في دفاعه وسبق أن قام عليه قضاء الحكم المستأنف بتبرئته، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بدا منه أنه قد ألزم نفسه بالموازنة بين ما قام عليه الاتهام وبين دفاع الطاعن قد عاد فغض الطرف عن هذه الموازنة ورد على دفاع الطاعن بقوله أن آية علمه بالخلل في البناء هو قدمه، وهو رد مقطوع الصلة بدفاعه بخفاء العيب الذي سانده فيه حكم محكمة الدرجة الأولى وتقرير اللجنة الفنية وما شهد به أحد أعضائها أمام محكمة أول درجة. ومن ثم فقد كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يواجه هذا الدفاع المؤيد بالرأي الفني ويقول كلمته فيه، أما وهو لم يفعل فقد بات مشوباً بقصور يعيبه ويستوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19/ 8/ 1965 بدائرة قسم شرقي: تسبب خطأ في موت مدحت اسكندر عبد المسيح وعباس علي حسن وإصابة محمد عابد أحمد وعباس محمد سليمان وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه بأن لم يقم بترميم العقار إدارته المبين بالمحضر رغم وجود تشريكات بالجدران وببعض الأسقف وكذا لم يقم بترميم وإصلاح شرفات العقار حالة كون كمراتها الحديدية قديمة متآكلة يعلوها الصدأ فانهار جزء من شرفة الدور الثالث العلوي التي بالواجهة البحرية الغربية للعقار والتي كان يقف بها المجني عليه الأول على الشرفات أسفلها ثم على باقي المجني عليهم الذين كانوا يجلسون على مقهى يقع أسفل العقار المذكور وهوى المجني عليه الأول مع جزء الشرفة المنهار وحدثت به وبباقي المجني عليهم الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أدت بحياته هو والثاني وإصابة المجني عليهما الأخيرين. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 1 و244/ 1 - 3 من قانون العقوبات. وادعت أرملة المجني عليه الثاني - عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه - كما ادعى كل من المجني عليهما الثالث والرابع مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 ج وذلك على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة باب شرقي الجزئية قضت في الدعوى حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعاوى المدنية المقامة قبله مع إلزام رافعيها المصروفات ومبلغ مائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم، كما استأنفه المدعون بالحقوق المدنية. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات بقبول الاستئنافات المقامة من النيابة العامة والمدعين بالحق المدني شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم خمسين جنيهاً وبقبول الدعاوى المدنية المقامة ضده وإلزامه بأن يدفع إلى المدعية بالحق المدني الأولى عن نفسها وبصفتها مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت وإلى كل من المدعيين بالحق المدني الثاني والثالث مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. وألزمت المتهم مصروفات الدعاوى المدنية المقامة ضده في الدرجتين ومبلغ 100 قرش مقابل أتعاب المحاماة في كل دعوى مدنية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دان بجريمة القتل والإصابة الخطأ الناجمة عن سقوط إحدى شرفات المبنى المملوك له - قد ران عليه القصور، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أن سبب الحادث هو تآكل روح الكمرات الحديدية المدفونة في الخرسانة مع بقاء شفتها السفلى سليمة، وهو أمر كان خافياً على الطاعن لأنه لا يتكشف إلا بتكسير خرسانة الشرفة وقد أيدته اللجنة الفنية التي ندبتها النيابة لمعاينة المبنى في ذلك إلا أن المحكمة لم تأخذ بهذا الدفاع ولا هي عنيت بتمحيصه والرد عليه، وعول الحكم في قضائه بإدانة الطاعن على تقصيره في صيانة العقار، وبني هذا التقصير على وقائع لا تتناهى إلى ثبوته، مع أنه كان لزاماً عليه - حتى تتوافر له السلامة - أن يدلل على ثبوت علم الطاعن بتآكل روح الكمرات، أما وهو قد سكت عن مواجهة هذا النظر من الدفاع، فقد غدا معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأشار إلى تقرير الخبير الاستشاري المقدم من ورثة أحد المجني عليهم متضمناً أن سبب سقوط الشرفة هو قدم المبنى وتآكل الكمرات الحديدية وعدم تعهدها بأية صيانة أو تغيير.. ثم ما كان من معاينة النيابة ولجوئها إلى ندب لجنة فنية مكونة من مهندسين ثلاثة لمعاينة المبنى فقاموا بالعمل الذي ندبوا له وانتهوا إلى أنه وإن كان سبب الحادث هو شدة تآكل الكمرات الحديدية إلا أن هذا العيب هو من العيوب الخفية التي يتعذر اكتشافها. كما أشار الحكم المطعون فيه أيضاً إلى أن الحكم المستأنف قضى بتبرئة الطاعن على سند مما كشف عنه هذا التقرير الأخير من أن الحادث كان نتيجة عيوب خفية لم يكن للطاعن أن يلاحظها وأنه تأسيساً على ذلك لا يمكن أن ينسب إليه أي إهمال أو تقاعس في ترميم العقار يترتب عليه مساءلته. وبعد أن خلص الحكم من إيراد ما تقدم واستوى للقضاء في الدعوى نوه بأن دفاع الطاعن يقوم على خفاء العيب المسبب للحادث وفق ما قال به الخبراء الثلاثة بينما تتهمه النيابة بأن إهماله في صيانة العقار وترميمه هو الذي تسبب في الحادث. وإذ كان مؤدى هذا الذي قدم له الحكم هو أن يسلك سبيل الموازنة بين الاتهام ودفاع الطاعن، إلا أنه لم يفعل واتخذ من قدم المبنى ووجود شروخ في الحوائط، وسبق إجراء إصلاح في إحدى الشرفات، وما كشف عنه الخبير الاستشاري من تسرب المياه إلى إحدى الشقق من الشقة التي تعلوها، دليلاً على أن الطاعن لم يكن يتعهد العقار بأية صيانة رغم أن التشريكات والتصدعات الظاهرة للعيان كانت تنبئ من النظرة الأولى بأن المبنى في حاجة إلى إصلاح وترميم. ورتب على ذلك أن هذه العيوب كانت هي السبب المباشر للحادث، ولم يكن قول الحكم في دفاع الطاعن إلا أن قال أنه "من غير المقبول والمستساغ قبوله من دفاع المتهم أنه لم يكن يعلم بالخلل الذي يعتور عقاره نتيجة قدمه" لما كان ذلك، وكان وجه الرأي عند أهل الفن كما حصله الحكم المطعون فيه، سواء في التقرير الاستشاري أو تقرير الخبراء الثلاثة أو ما شهد به أحدهم أمام محكمة أول درجة قد اتفق على أن سبب سقوط الشرفة هو تآكل الكمرات الحديدية، وزاد التقرير الأخير على ذلك أن التآكل هو من العيوب الخفية التي يتعذر اكتشافها إلا بتكسير الخرسانة وهدم السقف عن آخره، وكان هذا هو الدرب الذي سار عليه الطاعن في دفاعه وسبق أن قام عليه قضاء الحكم المستأنف بتبرئته. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، إلا أنه يتعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها وأن المحكمة الاستئنافية إذا رأت إلغاء حكم صادر بالبراءة أن تفند ما استندت إليه محكمة الدرجة الأولى من أسباب وإلا كان حكمها بالإلغاء ناقصاً نقصاً جوهرياً موجبا لنقضه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بدا منه أنه قد ألزم نفسه بالموازنة بين ما قام عليه الاتهام وبين دفاع الطاعن قد عاد فغض الطرف عن هذه الموازنة ورد على دفاع الطاعن بقوله إن آية علمه بالخلل هو قدم المبنى وهو رد مقطوع الصلة بدفاعه بخفاء العيب الذي سانده فيه حكم محكمة الدرجة الأولى وتقرير اللجنة الفنية وما شهد به أحد أعضائها وهو وكيل الإدارة الهندسية أمام محكمة أول درجة ومن ثم فقد كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يواجه هذا الدفاع المؤيد بالرأي الفني ويقول كلمته فيه، أما وهو لم يفعل فقد بات مشوباً بقصور يعيبه ويستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات المدنية.