أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1008

جلسة 25 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(205)
الطعن رقم 1355 لسنة 38 القضائية

( أ ) إجراءات المحاكمة. نقض. "أوجه الطعن".
تعييب الطاعن لمسلك المدافع عنه لا يصلح وجهاً للنعي على قضاء الحكم بإدانته. مثال.
(ب) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إكراه.
الدفاع الموضوعي. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. مثال في إكراه.
(ج، د) جريمة. "أركانها". باعث. تزوير. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ج) المصلحة في الجريمة لا تعدو أن تكون الباعث عليها.
(د) الباعث ليس ركناً من أركان جريمة التزوير. عدم التزام المحكمة بالتحدث عنه استقلالاً.
(هـ، و) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها.
(و) تقدير الدليل من إطلاقات محكمة الموضوع.
1 - إن تعييب الطاعن لمسلك المدافع عنه - حين طلب إلى المحكمة معاملته بالرأفة دون أن يطلب من المحكمة تبرئته - لا يصلح وجهاً للنعي على قضاء الحكم بإدانته.
2 - متى كان الطاعن لم يثر أمام محكمة الموضوع أنه كان واقعاً تحت تأثير إكراه من مخدومه، فإنه لا يحق له التحدث عن هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - المصلحة في الجريمة لا تعدو أن تكون الباعث عليها.
4 - ليس الباعث في جريمة التزوير ركناً من أركانها حتى تلتزم المحكمة بالتحدث عنه استقلالاً.
5 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ما دام استخلاصها سائغاً متفقاً مع العقل والمنطق.
6 - لا يجوز مصادرة محكمة الموضوع في تقديرها لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 5 أغسطس سنة 1965 بدائرة مركز أخميم محافظة سوهاج: اشتركا ومجهول بطريقي الاتفاق والمساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو أديب مزارع واصف رئيس مأمورية الشهر العقاري بأخميم في ارتكاب تزوير في ورقتين رسميتين هما - 1 - محضر التصديق رقم 733 لسنة 1965 أخميم المرفق بالأوراق - 2 - دفتر التصديق على التوقيعات بتلك المأمورية بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وذلك بطريق الاصطناع ووضع بصمات مزورة بأن اتفق المتهمون فيما بينهم على أن يقوم هذا المجهول باصطناع الإقرار المنسوب صدوره زوراً إلى كل من كباريه محمود أحمد أبو الحسن وعبد ربه علي محمود وأثبت فيه على خلاف الحقيقة تنازلهما عن طلب الشهر المقدم منهما إلى مأمورية الشهر العقاري بتاريخ 19/ 7/ 1966 برقم 355 سنة 1965 وذيله ببصمتين نسبهما زوراً إلى من نسب إليهما صدور الإقرار المزور ثم تقدموا بهذا الإقرار المزور إلى الموظف العمومي سالف الذكر للتصديق عليه ووقع المتهمان عليه بصفتهما شاهدين على صحة شخصية من نسب إليهما صدور ذلك الإقرار مع علمهما بحقيقة الواقع وعدم صحته فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و211 و212 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن خمس سنوات فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني وإن قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه، فيتعين الحكم بعدم قبول طعنه شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى ما ينعاه هذا الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بجريمة الاشتراك في تزوير محررين رسميين هما محضر التصديق على إقرار بالتنازل عن طلب إشهار عقد بيع ودفتر التصديق على التوقيعات - قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، فأما الخطأ في القانون فيرجعه الطاعن إلى أن الحكم دانه على الرغم من عدم توافر القصد الجنائي لديه، ذلك بأن الطاعن - وهو خادم لدى أحمد عبد ربه صاحب المصلحة في التزوير - كان حين توجه مع مخدومه إلى مأمورية الشهر العقاري للتوقيع على محرر لا يعرف مضمونه لجهله بالقراءة والكتابة - واقعاً تحت تأثير إكراه مادي وأدبي، وهو ظرف كان يقتضي من المدافع عنه - وخاصة أن النيابة العامة قد التفتت عن مساءلة صاحب المصلحة في التزوير -– أن يطلب البراءة للطاعن غير أنه لم يفعل وراح يطلب معاملته بالرأفة. وأما القصور فيرى الطاعن أنه قد ران على الحكم حين رأي أن ما عاد من مصلحة على المخدوم تتمثل فيه مصلحة خاصة له، دون أن يفصح عن ماهية ما يصيبه من صالح في تزوير أرغم عليه. ومن ثم فقد بات الحكم معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكانت دعوى الطاعن بأنه كان واقعاً تحت تأثير إكراه من مخدومه مردوداً بأنه دفاع لم يبده الطاعن أمام محكمة الموضوع فلا يحق له التحدث عن هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة لدى محكمة النقض. وغنى عن البيان أن تعييب الطاعن لمسلك المدافع عنه - حين طلب إلى المحكمة معاملته بالرأفة دون أن يطلب من المحكمة تبرئته - لا يصلح وجهاً للنعي على قضاء الحكم بإدانته. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانعدام مصلحته في ارتكاب الجريمة ورد عليه بقوله: "إن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن عبد ربه علي محمود باع لزوجته كباريه محمود أطياناً مساحتها ثمانية قراريط بموجب عقد عرفي تقدمت عنه بطلب للشهر العقاري قيد تحت رقم 335 سنة 1965 كما باع لولده أحمد عبد ربه مساحة قدرها ستة عشر قيراطاً شيوعاً في فدان - وتبين فيما بعد للبائع أن ولده المذكور قد انتهز فرصة مرضه حين تحرير عقد البيع وجعله عن مساحة الفدان بأكمله شاملاً الثمانية قراريط السابق بيعها إلى كباريه محمود وقدم المشتري طلباً لذات مأمورية الشهر العقاري عن ذلك العقد قيد تحت رقم 355 سنة 1965 ولأن المتهم الأول - الطاعن الأول - أجير لدى أحمد عبد ربه والمتهم الثاني صهره ومصلحتهما واضحة في استئثار أحمد عبد ربه بكامل المساحة اصطحبا اثنين بديلاً عن كباريه محمود وعبد ربه علي وشهدا على صحة شخصيتهما للتصديق على التنازل عن الطلب الأول ليحظى الطلب الثاني بالأسبقية لدى الشهر العقاري ولم ينكر أحمد عبد ربه في التحقيقات استصداره عقداً من والده بفدان رفع بشأنه الدعوى رقم 673 سنة 1965 مدني كلي سوهاج تدخلت فيها كباريه محمود خصماً ثالثاً في الدعوى". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ما دام استخلاصها سائغاً متفقاً مع العقل والمنطق، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. وكانت المصلحة فضلاً عن أنها لا تعدو أن تكون مجرد باعث على الجريمة والباعث ليس ركناً من أركان جريمة التزوير حتى تلتزم المحكمة بالتحدث عنه استقلالاً، فإن الحكم المطعون فيه قد أوضح بما سلف إيراده ما يكفي ويسوغ به توافر المصلحة لدى الطاعن بما هدف إليه من إرضاء مخدومه في رغبته بالاستئثار بكامل أطيان أبيه وأما ما نوه به الطاعن - في سياق دعواه بحصول الإكراه - من انتفاء القصد الجنائي لديه، فهو مردود بأن الحكم قد أثبت توافر هذا الركن بما استظهره في مدوناته من أن الطاعن عمد إلى تغيير الحقيقة في محرر رسمي تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمال صاحب الشأن لهذا المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله. ولما كان ما تقدم، فإن كل ما يقوم عليه الطعن لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض، ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.