أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1038

جلسة 25 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(210)
الطعن رقم 1909 لسنة 38 القضائية

(أ، ب) عاهة مستديمة. رابطة السببية. مسئولية جنائية. إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قصد جنائي. "القصد الاحتمالي".
( أ ) مساءلة المتهم جنائياً عن النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي. نطاقها؟
(ب) تقدير آراء الخبراء. موضوعي.
1 - الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة، ومن ثم فإنه وقد أورد الحكم أن إصابة الجانب الأيسر التي أحدثها المتهم بالمجني عليه نتيجة ركله بالقدم قد نجم عنها تمزق بالطحال ساعد على حدوثه وجود تضخم مرضي به تطلب إجراء عمل جراحي انتهى باستئصال الطحال مما يعتبر عاهة مستديمة يستحيل برؤها، فإن المتهم يكون مسئولاً عن هذه العاهة ولو وجدت إلى جانب الإصابة عوامل أخرى تعاونت بطريق مباشر أو غير مباشر في حصولها.
2 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا تجوز مجادلتها في هذا الخصوص، وإذ كان ذلك وكان الحكم قد أثبت أن استئصال الطحال بالجراحة قد أفقد المجني عليه منفعته الباقية أخذاً بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي الذي اطمأن إليه في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم نقلاً عن التقرير المذكور لا تناقض فيه يعيب الدليل، فإن تعييب الحكم للاستناد إلى تقرير طبي شرعي بني على مجرد الظن والاحتمال والتناقض، لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 28/ 7/ 1967 بدائرة مركز أبشواي محافظة الفيوم: أحدث عمداً بأحمد إبراهيم بطران الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة هي فقد الطحال ولا يمكن تقدير مدى العاهة نظراً لما قد يحدث عنها من مضاعفات خطيرة في المستقبل. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضورياً عملاًَ بالمادتين 240/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه استند في الإدانة إلى أن ركل الطاعن للمجني عليه بالقدم هو الذي تسبب في إحداث العاهة وهي فقد الطحال نتيجة استئصاله، في حين أن الثابت من التقرير الطبي الشرعي أن الطحال وجد بحالة مرضية ساعدت على تمزقه عند الركل بالقدم مما يدل على أن الطحال لم يكن يؤدي وظيفته وعمله الطبيعي وفي هذه الحالة لا يمكن مساءلة الطاعن عما ينشأ من عاهة لأنه لو كان الطحال في حالة طبيعية لما أدت هذه الركلة بفرض حصولها إلى استئصاله. هذا وأن التقرير الطبي الشرعي قد بني على الظن والاحتمال إذ انتهى إلى أن استئصال الطحال بالجراحة قد أفقد الطاعن منفعته الباقية مع أنه أورد بأن الطحال لم يفحص باثولوجياً لمعرفة مدى تأثر أنسجته بالمرض وهذا التناقض لا يجعل التقرير صالحاً لاعتباره دليلاً في الإدانة مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن مشادة ثارت بين الطاعن والمجني عليه تبادلا فيها الصفع وانتهى الأمر فيها إلى أن ركل الطاعن المجني عليه مرتين إحداهما في جانبه الأيسر والأخرى في خصيته فأحدثت به الأولى تمزقا في الطحال أدى إلى استئصاله وتخلفت لديه من جراء ذلك عاهة مستديمة يستحيل برؤها ولا يمكن تقدير مداها وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو في حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليه وشاهد الإثبات ومن التقرير الطبي الشرعي الذي حصل فحواه بما يفيد دخول المجني عليه مصاباً بالركل بالقدم في بطنه وجانبه الأيسر وأجريت له عملية فتح بطن فتبين وجود تمزق بالطحال والكلية اليسرى وأن الطحال بحالة مرضية لتضخمه ساعد على تمزقه الركل بالقدم وقد أجريت له عملية استئصال الطحال الممزق وأنه يمكن حدوث تلك الإصابات من الركل بالقدم... وقد شفى المجني عليه من إصابته وتخلف لديه بسببها فقد الطحال نتيجة استئصاله وهو ما استدعته حالته نتيجة لإصابته ولو أن الطحال المستأصل لم يفحص باثولوجياً لمعرفة مدى تأثر أنسجته بالمرض لأن ما حدث يشير إلى أن استئصال الطحال بالجراحة أفقد المصاب منفعته الباقية مما يعتبر عاهة مستديمة... ولما كان الحكم وقد أورد أن إصابة الجانب الأيسر التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه نتيجة ركله بالقدم قد نجم عنها تمزق بالطحال ساعد على حدوثه وجود تضخم مرضي به تطلب إجراء عمل جراحي انتهى باستئصال الطحال مما يعتبر عاهة مستديمة يستحيل برؤها، فإن الطاعن في هذه الحالة يكون مسئولاً عن هذه العاهة ولو وجدت إلى جانب الإصابة عوامل أخرى تعاونت بطريق مباشر أو غير مباشر في حصولها ما دام الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة، ولما كان الحكم قد دلل بما ساقه من أدلة سائغة على تخلف العاهة المستديمة التي دين الطاعن بها نتيجة اعتدائه على المجني عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن استئصال الطحال بالجراحة قد أفقد المجني عليه منفعته الباقية أخذاً بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي الذي اطمأن إليه في حدود سلطته التقديرية، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا تجوز مجادلتها في ذلك، وكان ما يعيبه الطاعن على الحكم من استناده في الإدانة إلى التقرير الطبي الشرعي رغم تناقضه مردوداً بأن ما أورده الحكم نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي لا تناقض فيه يعيب الدليل ثم إن رمي الطاعن التقرير الطبي الشرعي بأنه بني على مجرد الظن والاحتمال لعدم فحص الطحال باثولوجيا لا يجديه ما دام أن التقرير انتهى إلى القطع بأن استئصال الطحال بالجراحة أفقد المصاب منفعته الباقية وهو ما يكون العاهة المستديمة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.