أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 19 - صـ 1042

جلسة 2 من ديسمبر سنة 1968

برئاسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

(211)
الطعن رقم 1323 لسنة 38 القضائية

( أ ) إثبات. "إثبات وجه عام. الإثبات بالكتابة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". تزوير "الأوراق العرفية".
تقرير الحقيقة. حق للقاضي يستمده من الأدلة السائغة في الدعوى.
اكتساب المحرر العرفي حجيته في الإثبات. بعد التوقيع عليه.
(ب) دعوى مدنية. "عناصرها" ضرر. تعويض. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الضرر المحقق لا المحتمل هو أساس طلب التعويض.
1 - لم يعين القانون للمحاكم الجنائية طرقاً مخصوصة للاستدلال لابد منها، فلم يوجب عليها تعيين خبراء لكشف أمور وضحت لديها، بل جعل للقاضي مطلق الحرية في أن يقرر بنفسه الحقيقة التي يقتنع بها استمداداً من الأدلة المقدمة في الدعوى ما دام لقضائه وجه محتمل، ومأخذ صحيح، فله أن يرفض طلب الخبرة إذا ما رأى أنه في غنى عنها بما استخلصه من الوقائع التي ثبتت لديه، ومن ثم فإنه إذا كانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد قطعت بانتفاء صلة المتهم بعقد الإيجار المقول بتزويره بعد أن حرره بصفته محامياً بناء على طلب صاحب الشأن منه غير موقع عليه بالإمضاء المنسوب إلى الطاعن، وكان المحرر العرفي لا يكتسب حجيته في الإثبات إلا بعد التوقيع عليه فإن المحكمة إذ رتبت على ذلك عدم الحاجة إلى إجراء المضاهاة تحقيقاً لاحتمال يتناقض مع ما قطعت به لا تكون قد خالفت القانون في شيء وينحسر عن حكمها دعوى الإخلال بحق الدفاع.
2 - من المقرر في القانون أن احتمال الضرر لا يصلح أساساً لطلب التعويض بل يلزم أن يكون الضرر المدعي به محققاً، وإذ كان ذلك وكانت المحكمة حين قضت برفض التعويض قد أسست قضاءها على ما قالته من عدم ثبوت الضرر، وهو ما تملكه في حدود سلطتها التقديرية، فإنه لا معقب عليها.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة الدرب الأحمر الجزئية ضد... متهماً إياه بأنه في غضون شهر أبريل سنة 1964 بدائرة قسم الدرب الأحمر: ارتكب جريمة التزوير المبينة بعريضة الدعوى إضراراً به وطلب عقابه بالمادة 215 من قانون العقوبات مع إلزامه أن يدفع إليه مبلغ 5000 ج على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاًَ بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية (أولاً) ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه (وثانياً): رفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها مصروفاتها فاستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقضي بتاريخ 12 ديسمبر سنة 1966 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضي به في الدعوى المدنية وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتفصل فيها من جديد دائرة استئنافية أخرى وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة بهيئة استئنافية أخرى قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المدعي بالحق المدني المصاريف المدنية الاستئنافية وثلاثمائة قرشاً مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم للمرة الثانية بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة تزوير عقد الإيجار، وبرفض الدعوى المدنية قبله قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، وبني على الإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه أيد الحكم الابتدائي بالبراءة لأسبابه التي لم تستوعب النزاع على صورته الواقعية، واعتمد على أقوال "علي السمري" الذي زور العقد لمصلحته مصدقاً لها على الرغم من أنه أدلى بها أمام النيابة العامة وهو في مقام الاتهام، وقد تمسك الطاعن في مذكراته المقدمة منه لمحكمة الموضوع بأن العقد محرر صلباً وتوقيعاً بخط المطعون ضده، وطلب إحالة هذا العقد إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير لإثبات أن التوقيع بخط المذكور وأنه حرر في سنة 1964 لا في سنة 1957 إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب قولاً بأنه غير منتج في الدعوى وأنه لا يهم في أي من التاريخين حرر العقد، مع أن ذلك مصادرة على المطلوب لأن إجراء المضاهاة يحسم تحديد المسئولية، ولا يجوز للمحكمة أن تنفي التزوير برأيها إقحاماً لنفسها في مسألة فنية بحت. كما ذهب الحكم إلى أن تزوير العقد لا تترتب عليه جريمة طالما أن الذي استعمله غير من زوره وهو خطأ ظاهري. مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى أن المدعي بالحقوق المدنية - الطاعن - أقام دعواه المباشرة على المطعون ضده وهو عديله أمام المحكمة الجنائية بأنه في غضون سنة 1964 زور عقد إيجار نسب إليه كذباً التوقيع عليه بصفته مستأجراً الشقة التي يسكنها لصالح صهره "علي السمري" وأرجع تاريخه كذباً كذلك إلى 30 من سبتمبر سنة 1957 ثم سلمه لصهره الذي استعمله في إيقاع الحجز على منقولات الطاعن، واستصدار أكثر من أمر أداء بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 1048 ج و600 م متجمد إيجار عن المدة من نوفمبر سنة 1957 إلى أكتوبر سنة 1956 وعمد إلى إيصال إعلانات الدعوى إلى سلطات الجيش تشهيراً به مما سبب له أضراراً مادية وأدبية طلب خمسة آلاف جنيه تعويضاً عنها، وقد خلص الحكم من تقريره واستدلاله إلى أن المطعون ضده بصفته محامياً للسيد علي السمري قد حرر العقد المذكور وسلمه له خالياً من التوقيع، فلا شأن له بما قد يجري فيه من تزوير بفرض حصوله سواءاً وقع هذا التزوير سنة 1957 أو سنة 1964 وأن الضرر المطالب بالتعوض عنه قد نجم عن استعمال المحرر المزور مما لا يد للمطعون ضده فيه ولا شأن له به، فلا يسأل عنه، لأن الإجراءات المتضرر منها تمت بواسطة محامين آخرين غير المطعون ضده، واعتبر لذلك تحقيق التزوير بإجراء المضاهاة غير منتج في الدعوى وانتهى من ذلك إلى رفض الدعوى المدنية وهذا الذي أثبته الحكم المطعون ضده يبرر ما انتهى إليه سواء من حيث رفض إجراء المضاهاة أو رفض دعوى التعويض، ذلك بأن القانون لم يعين للمحاكم الجنائية طرقاً مخصوصة للاستدلال لابد منها، فلم يوجب عليها تعيين خبراء لكشف أمور وضحت لديها، بل جعل للقاضي مطلق الحرية في أن يقرر بنفسه الحقيقة التي يقتنع بها استمداداً من الأدلة المقدمة في الدعوى، ما دام لقضائه وجه محتمل، ومأخذ صحيح، وله أن يرفض طلب الخبرة إذا ما رأى أنه في غنى عنها بما استخلصه من الوقائع التي ثبتت لديه، فإذا كانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد قطعت بانتفاء صلة المطعون ضده بعقد الإيجار المقول بتزويره بعد أن حرره بصفته محامياً بناء على طلب صاحب الشأن منه غير موقع عليه بالإمضاء المنسوب إلى الطاعن، وكان المحرر العرفي لا يكتسب حجيته في الإثبات إلا بعد التوقيع عليه، ورتبت على ذلك عدم الحاجة إلى إجراء المضاهاة تحقيقاً لاحتمال يتناقض مع ما قطعت به، فإنها لا تكون قد خالفت القانون في شيء، وينحسر عن حكمها دعوى الإخلال بحق الطاعن في الدفاع. ولما كانت المحكمة فضلاً عن ذلك قد أثبتت في حكمها أن الضرر لم ينشأ من تزور المحرر أياً كان تاريخ تحريره بل نشأ من استعماله في إيقاع الحجز واستصدار أمر الأداء، وكان من المقرر في القانون أن احتمال الضرر لا يصلح أساساً لطلب التعويض بل يلزم أن يكون الضرر المدعي به محققاً، وكانت المحكمة حين قضت برفض التعويض قد أسست قضاءها على ما قالته من عدم ثبوت الضرر، وهو ما تملكه في حدود سلطتها التقديرية فإنه لا معقب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده بناء على تقرير قانوني صحيح يكفي لحمل قضائه، فإن خطأه فيما استطرد إليه من تقريرات أخرى - بفرض وقوعه مما لا علاقة له بجوهر تسبيبه - لا يقدح في سلامته بما يوجب نقضه، وكان سائر الطعن جدلاً موضوعياً صرفاً لا يثار لدى محكمة النقض، فإنه يكون على غير أساس متعين الرفض.