أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 375

جلسة 1 من فبراير سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يحيى العموري، محمد المرسي فتح الله نائبي رئيس المحكمة، سعد بدر وجرجس إسحق.

(83)
الطعن رقم 1288 لسنة 48 القضائية

1 - نقل. مسئولية "مسئولية الناقل الجوي".
مسئولية الناقل الجوي عن الضرر الذي يقع في حالة وفاة أو إصابة راكب. مناطها. وقوع الحادث على متن الطائرة أو أثناء عمليات الصعود أو الهبوط. أساسها. خطأ مفترض من جانب الناقل لا يرتفع عنه إلا إذا أثبت أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر أو كان من المستحيل عليه اتخاذها. (م 17 و20 و22 اتفاقية فارسوفيا).
2 - تحكيم. اختصاص. نظام عام.
للمتعاقدين الاتفاق على التحكيم لنظر ما ينشأ بينهم من نزاع. م 501 مرافعات. جواز الاتفاق على أن يتم بالخارج على يد غير مصريين. عدم مساس ذلك بالنظام العام.
3 - دعوى "دعوى الضمان".
دعوى الضمان. استقلالها عن الدعوى الأصلية. عدم اعتبارها طلباً عارضاً فيها.
1 - المستفاد من نصوص المواد 17 و20 و22 من اتفاقية فارسوفيا الدولية للطيران المدني المعادلة ببروتوكول لاهاي الذي وافقت عليه مصر بالقانون رقم 644 لسنة 1955 - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن الناقل الجوي يكون مسئولاً عن الضرر الذي يقع في حالة الوفاة أو إصابة أي راكب إذا كانت الحادثة التي تولد عنها الضرر قد وقعت على متن الطائرة أو أثناء عمليات الصعود أو الهبوط، وهذه المسئولية مبنية على خطأ مفترض في جانب الناقل ولا ترتفع عنه إلا إذا أثبت هو أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو كان من المستحيل عليهم اتخاذها.
2 - مفاد نص المادة 501 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - تخويل المتعاقدين الحق في الالتجاء إلى التحكيم لنظر ما قد ينشأ بينهم من نزاع كانت تختص به أصلاً المحاكم، فاختصاص جهة التحكيم بنظر النزاع وإن كان يرتكن أساساً إلى حكم القانون الذي أجاز استثناء سلب اختصاص جهات القضاء إلا أنه ينبني مباشرة وفي كل حالة على حدة على اتفاق الطرفين، كما أن المشرع لم يأت في نصوص قانون المرافعات بما يمنع أن يكون التحكيم في الخارج على يد أشخاص غير مصريين، أن حكمة تشريع التحكيم تنحصر في أن طرفي الخصومة يريدان بمحض إرادتهما واتفاقهما تفويض أشخاص ليست لهم ولاية القضاء في أن يقضوا بينهما أو يحسموا النزاع بحكم أو بصلح يقبلان شروطه. فرضاء طرفي الخصومة هو أساس التحكيم، وكما يجوز لهما الصلح دون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهما في إجراء هذا الصلح أو في الحكم في النزاع يستوي في ذلك أن يكون المحكمون في مصر وأن يجري التحكيم فيها أو أن يكونوا موجودين في الخارج ويصدر حكمهم هناك فإرادة الخصوم هي التي تخلق التحكيم كطريق استثنائي لفض المنازعات، وقد أقر المشرع جواز الاتفاق عليه ولو تم في الخارج - دون أن يمس ذلك النظام العام.
3 - لما كانت دعوى الضمان مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية فلا تعتبر طلباً عارضاً فيها وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأقام قضاءه بعدم الاختصاص الولائي بنظر الدعوى الفرعية على أنها تستند إلى العقد المبرم بين الطاعنة والمطعون ضدها التاسعة بتاريخ 2/ 2/ 1972 والمتضمن لشرط التحكيم وأن هذا الشرط صحيح ولا مخالفة فيه للنظام العام أو القانون، فإن النعي عليه بمخالفة القانون أو الإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها الثامنة ومورث الطاعنين من الأول إلى السابع أقاما الدعوى رقم 1962 لسنة 1974 مدني كلي جنوب القاهرة بطلب إلزام الشركة الطاعنة بأن تؤدي لهما مبلغ خمسين ألف جنيه وقالا بياناً لها أن ابنهما مصطفى كان ضمن ركاب إحدى طائراتها التي أقلعت من طرابلس للقاهرة في يوم 21/ 2/ 1973 وقد انحرف قائدها عن مسارها المرسوم فدخل سيناء التي كانت في ذلك الوقت محتلة واعترضته الطائرات الحربية الإسرائيلية وأجبرته على الهبوط بيد أنه ما لبث أن هرب بالطائرة قبل أن تتم هبوطها فلاحقته وأطلقت النيران على الطائرة فاحترقت بركابها، وأنهما يقدران التعويض عن الضرر الذي لحق بهما بسبب موت ابنهما بالمبلغ المطالب به. أقامت الطاعنة دعوى ضمان فرعية ضد الشركة المطعون ضدها التاسعة طالبة الحكم عليها بما عسى أن يحكم به ضدها. ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن قدم تقريره قضت بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضدها الثامنة ومورث المطعون ضدهم السبعة الأول مبلغ 300 ألف فرنك وبعم اختصاصها بنظر الدعوى الفرعية. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 2014 لسنة 94 قضائية وفي 9/ 5/ 1978 قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للتعويض إلى مبلغ 200 ألف فرنك وبتأييده فيما عدا ذلك. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه قد استبان للمحكمة أن المطعون ضدهم الثمانية الأول كانوا قد طعنوا في ذات الحكم المطعون فيه بطريق النقض وقيد طعنهم برقم 1301 لسنة 48 قضائية وأنه قضى فيه بجلسة 29/ 11/ 1981 بنقض الحكم نقضاً جزئياً فيما قضي به بالنسبة للدعوى الأصلية مع الإحالة وقد تبين من الاطلاع على أسباب ذلك الحكم والمكملة لمنطوقه أن طعن المحكوم لهم قد أنصب على مقدار التعويض المقضي به دون سائر أجزاء الحكم، وأن هذه المحكمة نقضت الحكم في هذا الخصوص لما شابه من تناقض بين ما ذهب إليه من القول بأن مسئولية الناقل - بالنسبة لواقعة الدعوى - غير محددة فلا تتقيد المحكمة في التعويض عنها بالحد الأقصى المقرر باتفاقية فارسوفيا وبين ما انتهى إليه الحكم من تعديل التعويض المقضي به ابتدائياً إلى أقل مما اعتبره حداً أدنى للتعويض في هذه الحالة مما مؤداه أن يقتصر الأثر المترتب على نقض الحكم على ما تعرضت له محكمة النقض وهو مقدار التعويض المحكوم به دون باقي أجزاء الحكم والتي يظل الحكم قائماً بالنسبة لها وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 271 من قانون المرافعات.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بأولهما على الحكم المطعون فيه فيما قضى به بالنسبة للدعوى الأصلية الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من ثلاثة أوجه، أولهما أن الحكم لم يرتب الأثر القانوني للسبب الأجنبي بالنسبة للخطأ الواقع من شخص متعمد إذ يستوي في إغفال الناقل من المسئولية أن يكون السبب الأجنبي مباغتاً للناقل بغير خطأ منه أو أن يكون مباغتاً له مع قيام خطأ منه، طالما أن خطأ الناقل ليس هو الذي أحدث الضرر، وثانيهما أن الحكم خلط بين قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر ومجرد وجود علاقة بين الوقائع والضرر فاعتبر رابطة السببية بين قائمة لمجرد وجود علاقة بين الوفاة التي أحدثت الضرر وملكية الطاعنة للطائرة وقيام عقد النقل بينهما وبين المتوفى وخروج قائدها عن الخط الملاحي إلى أجواء نشر عنها دولياً أنها مناطق حربية، في حين أن الخطأ الذي أحدث الضرر هو إطلاق النيران على الطائرة مما أدى إلى سقوطها، والوجه الثالث أن الحكم حمل الطاعنة المسئولية عن مخالفة قائدها الطائرة لأوامر حربية خارج الخط الملاحي المتفق عليه ودخل منطقة جوية محظور فيها الطيران في حين أن هذا الخطأ يبلغ أقصى درجات الجسامة فيعتبر مرتكبه غيراً بالنسبة للناقل ويسأل هو عنه دون الطاعنة الناقلة.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أن المستفاد من نصوص المواد 17 و20 و22 من اتفاقية فارسوفيا الدولية للطيران المدني المعدلة ببرتوكول لاهاي الذي وافقت عليه مصر بالقانون رقم 644 لسنة 1955 - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن الناقل الجوي يكون مسئولاً عن الضرر الذي يقع في حالة وفاة أو إصابة أي راكب إذا كانت الحادثة التي تولد عنها الضرر قد وقعت على متن الطائرة أو أثناء عمليات الصعود أو الهبوط، وهذه المسئولية مبنية على خطأ مفترض في جانب الناقل، ولا ترتفع عنه إلا إذا ثبت هو أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو كان من المستحيل عليهم اتخاذها، لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع، وتقدير عمل الخبير في الدعوى، ولا رقابة عليها في ذلك لمحكمة النقض متى كان استخلاصها قائماً على أسباب سائغة وحسبها أن تقيم قضائها على ما يكفي لحمله وكان الحكم المطعون فيه قد أحال إلى أسباب الحكم الابتدائي والتي تضمنت استناداً إلى تقرير الخبراء المقدم في الدعوى بياناً بأخطاء عديدة ارتكبها قائد الطائرة وأدت إلى وقوع الحادث وأضاف إليها قوله "أن مسلك قائد الطائرة على النحو الذي أورده الحكم المستأنف من واقع المستندات والتقارير المقدمة في الدعوى ليس إلا الصورة المثلي لعدم الاكتراث من جانب قائد الطائرة.. وهو ما يؤدي إلى القول بأنه لولا سلوك القائد الطائرة الخاطئ من جميع النواحي الفنية والمنطقية لما كان الحادث ولما كان إطلاق النار ومن ثم قام الخطأ المستغرق لأية أخطاء أخرى.. وتخلص المحكمة من كل ذلك إلى أن ما تدفع به المستأنفة مسئوليتها عن الحادث لا سند له من الواقع ولا من القانون". وكانت هذه الأسباب سائغة وتكفي لحمل قضاء الحكم المطعون فيه ولا مخالفة فيها للقانون فإن النعي عليه بهذا السبب لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه فيما قضى به بالنسبة للدعوى الفرعية مخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بالفصل في دعوى الضمان الفرعية على سند من القول بأنها دعوى مستقلة وإعمالاً لشرط التحكيم الوارد بالاتفاق المؤرخ في 3/ 2/ 1972 بين الطاعنة والمطعون ضدها التاسعة في حين أن هذه الدعوى لا تعدو وأن تكون طلباً عارضاً مما يختص به القضاء المصري تبعاً لاختصاصه بالدعوى الأصلية التي أبدى فيها عملاً بالمادة 33 من قانون المرافعات ولا تسوغ قواعد النظام العام الاتفاق على استبعاد اختصاصه بها وتخليه عنه لقضاء أجنبي، هذا إلى أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بضرورة مناقشة دعوى الضمان ومشارطة التحكيم لبيان مدى انطباق كل منهما على الآخر، غير أن الحكم المطعون فيه لم يستجب لهذا الدفاع بما يعيبه - فضلاً عن مخالفة القانون - بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت المادة 501 من قانون المرافعات على أنه "يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة، كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين" فإن مفاد هذا النص - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - تخويل المتعاقدين الحق في الالتجاء إلى التحكيم لنظر ما قد ينشأ بينهم من نزاع كانت تختص به المحاكم أصلاً، فاختصاص جهة الحكيم بنظر النزاع وإن كان يرتكن أساساً إلى حكم القانون الذي أجاز استثناء سلب اختصاص جهات القضاء إلا أنه ينبني مباشرة وفي كل حالة على حدة على اتفاق الطرفين كما أن المشرع لم يأت في نصوص قانون المرافعات بما يمنع أن يكون التحكيم في الخارج على يد أشخاص غير مصريين، لأن حكمة تشريع التحكيم تنحصر في أن طرفي الخصومة يريدان بمحض إرادتهما واتفاقهما تفويض أشخاص ليست لهم ولاية القضاء في أن يقضوا بينهما أو يحسموا النزاع بحكم أو بصلح يقبلان شروطه، فرضاء طرفي الخصومة هو أساس للتحكيم وكما يجوز لهما الصلح دون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهما في إجراء هذا الصلح أو في الحكم في النزاع، يستوي في ذلك أن يكون المحكمون في مصر وأن يجري التحكيم فيها أو أن يكونوا موجودين في الخارج ويصدر حكمهم هناك، فإرادة الخصوم هي التي تخلق التحكيم كطريق استثنائي لفض المنازعات، وقد أقر المشرع جواز الاتفاق عليه - ولو تم في الخارج - دون أن يمس ذلك النظام العام، لما كان ذلك وكانت دعوى الضمان مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية فلا تعتبر طلباً عارضاً فيها، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأقام قضاءه بعدم الاختصاص الولائي بنظر الدعوى الفرعية على أنها تستند إلى العقد المبرم بين الطاعنة والمطعون ضدها التاسعة بتاريخ 2/ 2/ 1972 والمتضمن لشرط التحكيم وأن هذا الشرط صحيح ولا مخالفة فيه للنظام العام أو للقانون، فإن النعي عليه بمخالفة القانون أو بالإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين القضاء برفض الطعن