أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 43 - صـ 1061

جلسة 6 من سبتمبر سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي نواب رئيس المحكمة ومحمد شهاوي عبد ربه

(215)
الطعن رقم 1020 لسنة 55 القضائية

(1) حكم "تسبيبه".
وجوب تضمين الحكم ما يطمئن المطلع عليه أن المحكمة محصت الأدلة وحصلت منها ما تؤدي إليه بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة.
(2) إثبات "البينة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود".
لمحكمة الموضوع. السلطة التقديرية في الأخذ بأقوال بعض الشهود دون البعض الأخر وببعض أقوال الشاهد. وصم الخصم هذه الأقوال بالتناقض والضعف وبيان موقعها منها. أثره. وجوب إيراد جميع أقواله والرد عليها بما يزيل عنها العيب وإلا كان حكمها قاصراً.
(3) حكم "بطلان الحكم".
اعتماد الحكم علي جملة أدلة متساندة منها دليل معيب لا يبين أثر كل منها في تكوين عقيدة المحكمة وما يصير إليه قضاؤها مع استبعاد الدليل الذي ثبت فساده. أثره. بطلان الحكم.
1 - المقرر - وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة – أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المطلع عليه إلى أن المحكمة قد محصت الأدلة التي قدمت إليه وحصلت منها ما تؤدي إليه، وذلك باستعراض هذه الأدلة، وتعليقه عليها بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة.
2 - لئن كان لمحكمة الموضوع سلطتها التقديرية في الأخذ بأقوال بعض الشهود دون البعض الآخر، وببعض أقوال الشاهد، إلا أنه يتعين عليها – إذا ما وصم الخصم هذه الأقوال بالتناقض والضعف وأورد موقعاً منها – أن تورد جميع أقواله وتشير لما فيها من تناقض أو ضعف وترد عليها بما يزيل عنها العيب الذي نسب إليها وتبين الأسانيد التي اعتمدت عليها في ذلك، وإلا كان حكمها قاصراً.
3 - المقرر أنه إذا اعتمد الحكم في قضائه علي جملة أدلة متساندة منها دليل معيب بحيث لا يبين أثر كل منها علي حده في تكوين عقيدة المحكمة وما يصير إليه قضاؤها إذا ما استبعد هذا الدليل الذي ثبت فساده فإنه يكون باطلا.


المحكمة

بعد الاطلاع علي الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – علي ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعنين أقاموا علي المطعون ضده الدعوى رقم 11846 لسنة 1981 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلائه من الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها خالية، وقالوا بيانا لذلك، إن شقيقة المطعون ضده - ........... - كانت تستأجر هذه الشقة منهم وتقيم فيها بمفردها حتى وفاتها عام 1981 وعلي أثر ذلك وضع المطعون ضده اليد عليها دون سند رغم انتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر فأقاموا دعواهم بطلبيهم سالفي البيان. حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنون الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 3830 لسنة 100 القضائية – أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين، قضت بتاريخ 5 من فبراير سنة 1982 بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن علي هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه مما ينعاه الطاعنون علي الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وقالوا بيانا لذلك أنه اتخذ من أقوال شاهدي المطعون ضده عماداً لقضائه مع أنه لا يصح الاستدلال بها علي ما انتهت إليه من إقامة المطعون ضده في الشقة محل النزاع مع شقيقته المستأجرة لها حتى وفاتها لمناقضة أقوال هذين الشاهدين بعضها بعضاً ومخالفتها للثابت من الأوراق، فقد ذكر شاهدا المطعون ضده بأقوالهما بأن العقار الكائن به شقة النزاع يقع بشارع عثمان بن عفان خلافاً للواقع الثابت من الأوراق من أن هذا العقار يقع بشارع........ المطعون، كما قرر أحدهما أن الشقة مكونة من حجرة واحدة وصالة، حال أن الثابت أنها مكونة من حجرتين وصالة، كما ذكر أحدهما في أقواله أن المطعون ضده لم ينقل شيئا من منقولاته إلى شقة النزاع عند انتقاله للإقامة بها بعد وفاة زوجته في عام 1977 بينما قرر الأخير أنه نقل إليها بعض المنقولات، كما أن الثابت من الأوراق أن وفاة زوجة المطعون ضده حدثت في سنة 1978. وفي ذلك ما ينبئ عن عدم معرفة هذين الشاهدين بشيء عن الشقة محل النزاع أصلاً ويقطع بكذبهما، وإذا استند الحكم المطعون فيه في قضائه إلى أقوالهما رغم فسادها يكون معيباً.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه – وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة – أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المطلع عليه إلى أن المحكمة قد محصت الأدلة التي قدمت إليها وحصلت منها ما تؤدي إليه، وذلك باستعراض هذه الأدلة، وتعليقه عليها بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة، وأنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطتها التقديرية في الأخذ بأقوال بعض الشهود دون البعض الآخر، وببعض أقوال الشاهد، إلا أنه يتعين عليها – إذا ما وصم الخصم هذه الأقوال بالتناقض والضعف وأورد موقعها منها – أن تورد جميع أقواله وتشير لما فيها من تناقض أو ضعف وترد عليها بما يزيل عنها العيب الذي نسب إليها وتبين الأسانيد التي اعتمدت عليها في ذلك، وإلا كان حكمها قاصراً. لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعنين قد تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بأن أقوال شاهدي المطعون ضده قد جاءت معيبة بالتناقض ومخالفة الثابت بالأوراق ولا تصلح معه أن تكون دليلاً على ثبوت إقامته مع شقيقته المستأجرة في شقة النزاع، وأوردوا مواضع ذلك من أقوالهما، وأشاروا إلى مواطن العيب فيها، من ذلك، أن هذين الشاهدين قررا بأن العقار الكائن به شقة النزاع يقع بشارع........، بينما الواقع الثابت بالأوراق أنه يقع بشارع.......، وبأن أحدهما قد ذكر بأن عين النزاع تتكون من حجرة واحدة وصالة بينما قرر الثاني أنها مكونة من حجرتين وصالة كما شهد أحدهما بأن المطعون ضده لم ينقل شيئا من منقولاته إلى شقه النزاع عند انتقاله إليها عقب وفاة زوجته في سنة 1977 خلافاً للثابت من الأوراق أن هذه الوفاة حدثت سنة 1978، في حين قرر الآخر أنه نقل إلى شقة النزاع بعض متاعه عند انتقاله إليها، لما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد جعل من أقوال هذين الشاهدين – دعامة أساسية لقضائه دون أن يرد علي دفاع الطاعنين الجوهري بشأن ما شاب أقوالهما من عيوب تناولت الوقائع التي تمس أصل النزاع وتتصل بجوهره، مع أن في أوراق الدعوى ومستنداتها ما ينبئ عن جدية هذا الدفاع وأهميته، فالبين من الرجوع إلى محضر التحقيق الذي أجرته محكمة الاستئناف بشأن خلاف الطرفين حول إنهاء عقد إيجار الشقة محل النزاع بوفاة المستأجرة وعدم إقامة المطعون ضده معها فيها وقت الوفاة – أن شاهدي الأخير قد ذكرا فيه أن هذه الشقة تقع بعقار كائن بشارع...... بينما الثابت من كافة أوراق الدعوى أنها تقع بالعقار رقم 5 شارع......، كما اختلفت أقوالهم بعضهما بعضا بصدد أمور عدة منها عدد غرف الشقة، ووقت انتقال المطعون ضده إليها وإقامته فيها بعد وفاة زوجته ونقل أمتعته إليها، وذلك علي نحو ما جاء بدفاع الطاعنين، هذا إلى أن أحد الشاهدين المذكورين أورد بأقواله أنه أثناء سفره للخارج كان يراسل المطعون ضده علي العنوان الذي ذكره هو والشاهد الآخر في حين أن الثابت من بيانات مظاريف الخطابات المرسلة إلى المطعون ضده التي قدمها ضمن مستنداته أنها تحمل عنوانا آخر - وفي ذلك ما يعيب الدليل المستمد من هذه الشهادة، ويصم الحكم المطعون فيه الذي عول عليها بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ولا يغير من ذلك استناد الحكم إلى قرينتين أخريين تقريراً لما أخذ به من أقوال الشهود لما هو مقرر من أنه إذا اعتمد الحكم في قضائه علي جملة أدلة متساندة منها دليل معيب بحيث لا يبين أثر كل منها علي حده في تكوين عقيدة المحكمة وما يصير إليه قضاؤها إذا ما استبعد هذا الدليل الذي ثبت فساده فإنه يكون باطلاً - ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.