أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 43 - صـ 1182

جلسة 19 من نوفمبر 1992

برئاسة السيد المستشار/ عبد الحميد الشافعي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين محمد بكر غالي، عبد العال السمان، محمد محمود نواب رئيس المحكمة وعلي شلتوت.

(239)
الطعن رقم 3229 لسنة 58 القضائية

(1) قرار إداري. اختصاص "الاختصاص الولائي". تعويض. قانون.
القرار الإداري. ماهيته. اختصاص محاكم مجلس الدولة دون سواها بطلب التعويض عنه. المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972. عدم تعريف القانون القرارات الإدارية أو بيان خصائصها المميزة لها. مؤداه. وجوب أن تعطي المحاكم المدنية الوصف القانوني لهذه القرارات على هدي حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح.
(2) اختصاص "الاختصاص الولائي". دستور. قانون "سريان القانون من حيث الزمان". تقادم. قوة الأمر المقضي.
- عدم جواز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة. م 40 أ ج. الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القانون 119 لسنة 1964 التي تجيز إصدار أوامر الاعتقال. انسحاب أثره إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدوره إلا ما استقر من مراكز وحقوق بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم. انتهاء الحكم إلى عدم تحقق الاستثناء من تطبيق الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية النص الذي يبيح الاعتقال. أثره. اعتبار القرار الجمهوري بالاعتقال قراراً فردياً مخالفاً ليس له سند قانوني ومشوباً بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً. مؤدى ذلك. تجرده من صفته الإدارية واختصاص القضاء العادي برفض ما ينتج عن هذا الإجراء المادي من آثار.
1 - إذ كان القرار الإداري هو إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً ابتغاء مصلحة عامة، وتختص محاكم مجلس الدولة دون سواها بطلب التعويض عنه عملاً بالمادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة، إلا أنه لما كان القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لم يعرف القرارات الإدارية ولم يبين الخصائص التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها من تعرض السلطة القضائية العادية لها بتعطيل أو تأويل أو نظر طلب تعويض عنها، فإن وظيفة المحاكم المدنية أن تعطي هذا القرار وصفه القانوني على هدي حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها.
2 - إذ كان المقرر وفقاً لما تقضي به المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً وكان البين من قرار اعتقال المطعون ضده الصادر بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1965 - والمودع صورته الرسمية ضمن حافظة مستندات الطاعنين المرفقة بالملف الابتدائي المنضم - أنه صدر من رئيس الجمهورية وأفصح عن سنده التشريعي في الإصدار بأنه القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة والذي تضمن النص في مادته الأولى على أنه "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية القبض على الأشخاص الآتي ذكرهم وحجزهم في مكان أمين....." وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بتاريخ الأول من إبريل سنة 1978 في القضية رقم 5 لسنة 7 قضائية دستورية بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر، لما كان ذلك وكان يترتب على الحكم بعدم دستورية نص من قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم إلا أن عدم تطبيق النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا ينصرف إلى المستقبل فحسب وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص على أن يستثني من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم وإذ كان الاستثناء من تطبيق الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة1964 سالفة الذكر غير متحقق في خصوص الدعوى الراهنة بعد أن خلت أوراقها من دليل على سقوطها بالتقادم أو استقرار الحقوق فيها بحكم نهائي عند صدوره وينبني على ذلك عدم جواز تطبيق هذا النص بشأن واقعة اعتقال المطعون ضده الأول ويصبح قرار رئيس الجمهورية باعتقاله بمثابة قرار فردي لا يستند فيه مصدره إلى قانون بما يجعل الأمر في هذا الخصوص غير قائم على أساس من الشرعية ومتسماً بمخالفة صارخة للقانون ومشوباً بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً لما ينطوي عليه من اعتداء على الحرية الشخصية، فيصبح متجرداً من صفته الإدارية وتسقط عنه الحصانة المقررة للقرارات الإدارية ويختص بالتالي القضاء العادي برفع ما نتج عن هذا الإجراء المادي من آثار.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في إن المطعون ضدهما أقاما الدعوى رقم 12705 سنة 1983 مدني جنوب القاهرة الابتدائية على الطاعنين بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا لهما مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض، وقالا بياناً لها إن المطعون ضده الأول كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وفي عام 1948 صدر قرار باعتقاله وأفرج عنه عام 1950 ثم اعتقل ثانية في 31 مارس 1955 إلى أن أفرج عنه في أواخر سنة 1956 ثم اعتقل أخيراً في 7 سبتمبر سنة 1965 وأودع بسجن القلعة ثم رحُل إلى معتقل قنا ومنه إلى أبو زعبل وانتهى به الأمر في سجن طره حيث أفرج عنه في 27 نوفمبر سنة 1970، وقد لاقي في هذه المعتقلات صنوفاً من ألوان التعذيب المادي والنفسي، وإذ ناله وزوجته المطعون ضدها الثانية من جراء ذلك أضراراً مادية وأدبية تتمثل في تعطيل أعماله وكساد تجارته لغلق محله وضياع سمعته واسمه التجاري وما ترتب على ذلك من اضطرار زوجته للانفاق على نفسها وأولادها لفقد مصدر رزقهم، وما لاقاه هو من آلام ماديه ونفسيه من جراء اعتقاله وتعذيبه تمثلت في التعدي عليه بالضرب وتوجيه السباب والإهانات التي تؤذي الإنسان في مشاعره وكرامته وما ألم بزوجته في مشاعرها من جراء ذلك من ضرر أدبي مباشر وهو ما يقدران التعويض عنه بالمبلغ المطالب به فقد أقاما الدعوى. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن استمعت إلى أقوال شاهدي المطعون ضدهما حكمت بتاريخ 15 من مارس سنة 1986 بإلزام الطاعنين متضامنين بأن يؤدوا للمطعون ضده الأول مبلغ عشرة آلاف جنيه وللمطعون ضدها الثانية مبلغ خمسة آلاف جنيه. استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 4058 لسنة 103 قضائية طالبين زيادة التعويض إلى المبلغ المطالب به. كما استأنفه الطاعنون بالاستئناف رقم 4820 سنة 103 قضائية طالبين إلغاءه والقضاء بعدم اختصاص جهة القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى وبرفضها. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الثاني إلى الأول إلى الأول حكمت بتاريخ 8 من يونيو سنة 1988 في موضوع الاستئناف رقم 4058 لسنة 103 قضائية بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بأن يؤدوا متضامنين للمطعون ضده الأول مبلغ خمسة عشر ألفاً من الجنيهات وتأييده فيما عدا ذلك، وفي موضوع الاستئناف رقم 4820 لسنة 103 قضائية برفضه. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاث أسباب ينعى الطاعنون بالأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولون إنهم دفعوا أمام محكمة الاستئناف بعدم اختصاص محكمة أول درجة ولائياً بالقضاء بالتعويض عن الإضرار التي أصابت المطعون ضدهما من جراء صدور قرارات إدارية باعتقال المطعون ضده الأول تأسيساً على أنها قرارات صدرت بناءً على حالات واقعية كانت قائمة وقت صدورها واستكملت مقومات القرارات الإدارية مما ينعقد معه الاختصاص بنظر التعويض عنها لمجلس الدولة دون غيرها إلا أن الحكم المطعون فيه قضي برفض الدفع المشار إليه على سند من أن هذه القرارات ليست بمنأى عن رقابة القضاء لاستجلاء أسبابها واستبعاد العسف منها، وإذ أدخل الحكم المطعون فيه ضمن عناصر الضرر المعوض عنها ما نشأ عن الاعتقال فضلاً عما ترتب على التعذيب وبنى تقديره للتعويض على هذه العناصر مجتمعه فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأنه وإن كان القرار الإداري هو إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً ابتغاء مصلحة عامة، وتختص محاكم مجلس الدولة دون سواها بطلب التعويض عنه عملاً بالمادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة، إلا أنه لما كان القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لم يعرف القرارات الإدارية ولم يبين الخصائص التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها من تعرض السلطة القضائية العادية لها بتعطيل أو تأويل أو نظر طلب تعويض عنها، فإن وظيفة المحاكم المدنية أن تعطي هذا القرار وصفه القانوني على هدى حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها، و إذ كان المقرر وفقاً لما تقضي به المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً وكان البين من قرار اعتقال المطعون ضده الصادر بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1965 - والمودع صورته الرسمية ضمن حافظة مستندات الطاعنين المرفقة بالملف الابتدائي المنضم - أنه صدر من رئيس الجمهورية وأفصح عن سنده التشريعي في الإصدار بأنه القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة والذي تضمن النص في مادته الأولى على أنه "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية القبض على الأشخاص الآتي ذكرهم وحجزهم في مكان أمين....." وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بتاريخ الأول من إبريل سنة 1978 في القضية رقم 5 لسنة 7 قضائية دستورية بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر، لما كان ذلك، وكان يترتب على الحكم بعدم دستورية نص من قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، إلا أن عدم تطبيق النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا ينصرف إلى المستقبل فحسب وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص على يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، وإذ كان الاستثناء من تطبيق الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر غير متحقق في خصوص الدعوى الراهنة بعد أن خلت أوراقها من دليل على سقوطها بالتقادم أو استقرار الحقوق فيها بحكم نهائي عند صدوره وينبني على ذلك عدم جواز تطبيق هذا النص بشأن واقعة اعتقال المطعون ضده الأول ويصبح قرار رئيس الجمهورية باعتقاله بمثابة قرار فردي لا يستند فيه مصدره إلى قانون بما يجعل الأمر في هذا الخصوص غير قائم على أساس من الشرعية ومتسماً بمخالفة صارخة للقانون ومشوبا بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً لما ينطوي عليه من اعتداء على الحرية الشخصية، فيصبح متجرداً من صفته الإدارية وتسقط عنه الحصانة المقررة للقرارات الإدارية ويختص بالتالي القضاء العادي برفع ما نتج عن هذا الإجراء المادي من آثار، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأدخل ضمن عناصر الضرر المعوض عنها ما لحق المطعون ضدهما من ضرر بسبب الاعتقال فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه، ويكون النعي عليه بهذين السببين على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم المستأنف في قضاءه للمطعون ضدها الثانية بتعويض أدبي عما أصاب زوجها المطعون ضده الأول من جراء اعتقاله وتعذيبه في حين أن الضرر الأدبي شخصي مقصور على المضرور نفسه ولا يتعداه إلى سواه إلا بتحقق الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 222 مدني وهو ما لم يقل به المطعون ضدهما أو يتحقق منه الحكم المطعون فيه فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه وارد على قضاء محكمة الدرجة الأولى وأسباب الحكم الابتدائي الذي اقتصر الحكم المطعون فيه على تأييده في هذا الخصوص، وكان الطاعنون لم يتمسكوا بهذا الدفاع لدى محكمة الاستئناف فإن تمسكهم به لأول مرة لدى محكمة النقض يكون سبباً جديداً ومن ثم غير مقبول.
وحيث إنه لما يتقدم يتعين رفض الطعن.