أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 40 - صـ 88

جلسة 16 من إبريل سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ سعيد صقر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فؤاد شرباش نائب رئيس المحكمة، عبد النبي خمخم، محمد عبد البر حسين وحسام الدين الحناوي.

(175)
الطعن رقم 125 لسنة 53 القضائية

(2،1) إيجار "إيجار الأماكن". بيع "بيع الجدك".
(1) بيع الجدك استثناء من الأصل المقرر بحظر التنازل عن الإيجار وجوب توافر الصفة التجارية في العين المبيعة م 594 مدني - المحل المستغل في نشاط حرفي قوامه على الاعتماد على استغلال المواهب الشخصية والخبرات العملية والمهارات الفنية لا يعد محلاً تجارياً - عدم سريان حكم النص المذكور ولو وجد في المحل بعض البضائع أو تم تصنيعها فيه استكمالاً لطالب الحرفة - علة ذلك.
(2) استغلال المستأجر للمحل المؤجر له في حرفة رسم وطباعة الأقمشة دون استخدامه لعمال أو آلات يضارب على عملهم أو إنتاجها انتهاء الحكم إلى عدم اعتبار العين محلاً تجارياً - في حكم المادة 594 مدني - صحيح في القانون.
(3) إثبات "إجراءات الإثبات" الإحالة إلى التحقيق - محكمة الموضوع. إجراء التحقيق في الدعوى ليس حقاً للخصوم - يتحتم إجابتهم إليه - للمحكمة رفضه متى وجدت في أوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها.
1 - لما كانت ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني من أنه "إذا كان الأمر خاصاً بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضي بإبقاء الإيجار إذا قدم المشتري ضماناً كافياً ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق "إنما هو وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - استثناء من الأصل المقرر - وهو التزام المستأجر باحترام الحظر من التنازل عن الإيجار، وأن الدافع إلى تقريره هو حرص الشارع على استبقاء الرواج التجاري متمثلاً في عدم توقف الاستثمار الصناعي أو التجاري في حالة اضطرار صاحبه إلى توقف عنه، وكان الجامع بين صورتي الاستثمار هاتين هو توافر الصفة التجارية فيهما بأن يكون المحل مستغلاً في نشاط تجاري قوامه الاشتغال بأعمال تجارية يعتبر فيها المحل التجاري مالاً منفصلاً عن شخص صاحبه بما ينتج التصرف معه بالبيع، فإن انتفت عن نشاط مستغلة الصفة التجارية بأن كان مستغلاً في نشاط حرفي قوامه الاعتماد - وبصفة رئيسية على استغلال المواهب الشخصية والخبرات العملية والمهارات الفنية فإنه لا يعتبر عملاً تجارياً بما عنته المادة سالفة الذكر ذلك أن الحرفي الذي يتخذ من العمل اليدوي أساساً لنشاطه ومصدراً لرزقه ولا يستخدم عمالاً يضارب على عملهم أو آلات يضارب على إنتاجها لا يكون له صفة التاجر ولا يتسم نشاطه بالصفة التجارية ومن ثم فلا يعتبر المكان الذي يزاول فيه هذا النشاط محلاً تجارياً حتى لو اقتضت مزاولته شراء بعض البضائع أو تصنيع بعض المواد استكمالاً لمطالب المهنة أو الحرفة وحرفة للعملاء فيما يعتبر امتداداً طبيعياً لأيهما ما دام ذلك دخلاً في إطار التبعية له ومن ثم تلحق تلك الأعمال بالمهنة أو الحرفة وتأخذ حكمها فيخضعان معا لنظام قانوني واحد هو الذي يحكم العمل الأصلي الرئيسي مما يترتب عليه انطباق الوصف الذي يخضع له المكان الذي تجرى فيه ممارسة المهنة أو على المكان الذي تمارس فيه الأعمال الملحقة بها.
2 - العبرة في تكييف بيع المستأجر للجدك هي بكونه وارداً على محل تجارى على النحو المتقدم دون تعويل على الوصف المعطى له بالعقد وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على عدم اعتبار العين التي تمارس فيها المطعون ضدها الثالثة نشاطها في رسم وطباعة الأقمشة عملاً تجارياً في حكم المادة 594/ 2 من القانون المدني استناداً إلى ما تبين له من أوراق الدعوى من أنها كانت تتخذ العمل اليدوي أساساً لنشاطها مستعينة في ممارستها بمهارتها الشخصية وخبرتها العملية وعدم ثبوت استخدامها عملاً لتضارب على عملهم أو آلات تضارب على إنتاجها استقلالاً عن شخصيتها أو اسماً تجارياً مميزاً مع خلو العين من أية عناصر مادية ذات قيمة وكان ما استخلصه الحكم سائغاً ومقبولاً وله أصله الثابت بالأوراق وفي حدود ما لقاضي الموضوع من سلطة تقدير الدليل وفهم الواقع في الدعوى ويكفي لحمل ما انتهى إليه قضاء الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن النعي عليه بما جاء في سببي الطعن يكون على غير أساس.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن طلب إجراء التحقيق في الدعوى ليس حقاً للخصوم يتحتم إجابتهم إليه، وإنما هو مما تستقل محكمة الموضوع بتقديره فلها ألا تجيب الخصوم إليه متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما بين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 1163 لسنة 1979 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية على المطعون ضدهما الثاني والثالثة بطلب الحكم بإخلاء المحل الموضح بالصحيفة وتسليمه إليه. وقال بياناً لها أنه أجر هذا المحل في سنة 1970 للمطعون ضده الثاني لاستعماله مرسماً باليد على الأقمشة، ثم خلفته فيه زوجته المطعون ضدها الثالثة بموجب عقد مؤرخ 1/ 4/ 1975 لاستعماله في ذات النشاط - إلا أنهما تنازلاً عن الإجارة للغير دون إذن كتابي صريح منه، وامتنعا عن سداد الأجرة المستحقة اعتباراً من 1/ 11/ 1978 رغم تكليفهما بالوفاء - ومن ثم أقام دعواه بطلباته سالفة البيان - تدخل الطاعن خصماً في الدعوى طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد بيع ذلك المحل بالجدك الصادر إليه من المطعون ضدها الثالثة وباستمرار عقد الإيجار بالنسبة له - أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ثم حكمت بقبول تدخل الطاعن وبإخلاء العين محل النزاع في مواجهته - استأنفت المطعون ضدها الثالثة هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية برقم 787 لسنة 37 قضائية - واستأنفه الطاعن أمام ذات المحكمة برقم 789 لسنة 37 قضائية - ضمت المحكمة الاستئنافين ثم قضت بتاريخ 7/ 12/ 1982 بتأييد الحكم المطعون فيه - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض - وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن - وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره - وفيها التزمت النيابة رأيها.
حيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالأول والثاني منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي فهم الواقع والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم ذهب في قضائه إلى عدم توافر شروط البيع بالجدك في العقد الصادر إليه على سند من طبيعة النشاط الذي كانت تستغل فيه العين حسبما وصفت به في عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1975 باعتبارها مرسماً مما يخلع عنها وصف المتجر المشار إليه في المادة 594/ 2 مدني وأن الأوراق خلت مما يفيد حصول المطعون ضدها الثالثة المستأجرة على ترخيص بممارستها لنشاط تجاري، أو قيد نشاطها بالسجل التجاري، أو وجود ملف عنه بمصلحة الضرائب، أو تأمين على عمالها لدي الهيئة العامة للتأمينات وأنه لا يحمل اسماً تجارياً وأن العناصر المادية بالعين تافهة وغير كافية لاستغلالها فيما أعدت له مما يكون معه نشاط المستأجرة نشاطاً حرفياً قوامه الاعتماد بصفة رئيسية على استغلال المواهب الشخصية والمهارة الفنية. حال إن العبرة في وجود المحل التجاري هي بحقيقة الواقع وليس بقيده في السجل التجاري أو بمحاسبة مصلحة الضرائب عن أرباحه، كما أن ضآلة موجودات المحل وتفاهة نشاطه دليل على تعثر البائعة في نشاطها التجاري وإشرافها على الإفلاس. هذا إلى أن الحكم أشار في مدوناته إلى تقديم المطعون ضدها الثالثة مستندات تدل على سدادها أقساطاً للتأمينات الاجتماعية في سنة 1976 كما بان من مستنداتها الأخرى أن نشاطها كان تجارياً ممزوجاً ببعض الصناعات البسيطة إذ كانت تقوم بشراء الأدوات والمواد اللازمة لرسم الأقمشة وطباعتها ثم بيعها، إلا أنه أغفل دلالة هذه المستندات مما أعجزه عن فهم الواقع في الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 594 من القانون المدني من أنه "إذا كان الأمر خاصاً بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضي بإبقاء الإيجار إذ قدم المشتري ضماناً كافياً ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق "إنما هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - استثناء من الأصل المقرر وهو التزم المستأجر باحترام الحظر من التنازل عن الإيجار، وأن الدافع إلى تقريره هو حرص الشارع على استبقاء الرواج التجاري متمثلاً في عدم توقف الاستثمار الصناعي أو التجاري في حالة اضطرار صاحبه إلى التوقف عنه، وكان الجامع بين صورتي الاستثمار هاتين هو توافر الصفة التجارية فيها بأن يكون المحل مستغلاً في نشاط تجاري قوامه الاشتغال بأعمال تجارية يعتبر فيها المحل التجاري مالاً منفصلاً عن شخص صاحبه بما يتيح التصرف فيه بالبيع، فإن انتفت عن نشاط مستغله الصفة التجارية بأن كان مستغلاً في نشاط حرفي قوامة الاعتماد - وبصفة رئيسية على استغلال المواهب والخبرات العملية والمهارات الفنية لا يعتبر عملاً تجارياً مما عنته المادة سالفة الذكر ذلك أن الحرفي الذي يتخذ من العمل اليدوي أساساً لنشاطه ومصدراً لرزقه ولا يستخدم عمالاً يضارب على عملهم أو آلات يضارب على إنتاجها لا تكون له صفة التاجر ولا يقسم نشاطه بالصفة التجارية ومن ثم فلا يعتبر المكان الذي يزاول فيه النشاط محلاً تجارياً حتى لو اقتضت مزاولته شراء بعض البضائع أو تصنيع بعض المواد استكمالاً لمطالب المهنة أو الحرفة وخدمة للعملاء فيما يعتبر امتداداً لأبيهما ما دام ذلك داخلاً في إطار التبعية له ومن ثم تلحق تلك الأعمال بالمهنة أو الحرفة وتأخذ حكمها فيخضعان معاً لنظام قانوني واحد هو الذي يحكم العمل الأصلي الرئيسي مما يترتب عليه انطباق الوصف الذي يخضع له المكان الذي تجرى فيه ممارسة المهنة أو الحرفة على المكان الذي تمارس فيه الأعمال الملحقة بها. لما كان ذلك وكانت العبرة في تكييف بيع المستأجر للجدك هي بكونه وارداً على محل تجاري على النحو المتقدم دون تعويل على الوصف المعطى له بالعقد. وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على عدم اعتبار العين التي تمارس فيها المطعون ضدها الثالثة نشاطها في رسم وطباعة الأقمشة محلاً تجارياً في حكم المادة 594/ 2 من القانون المدني استناداً إلى ما تبين له من أوراق الدعوى من أنها كانت تتخذ من العمل اليدوي أساساً لنشاطها مستعينة في ممارستها بمهاراتها الشخصية وخبرتها العملية وعدم ثبوت استخدامها عمالاً لتضارب على عملهم أو آلات تضارب على إنتاجها استقلالاً عن شخصها أو اسماً تجارياً مميزاً مع خلو العين من أية عناصر مادية ذات قيمة، وكان ما استخلصه الحكم سائغاً ومقبولاً وله أصله الثابت بالأوراق وفي حدود ما لقاضي الموضوع من سلطة تقدير الدليل وفهم الواقع الدعوى، ويكفي لحمل ما انتهى إليه قضاء الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن النعي عليه بما جاء في سببي الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أنه طلب من محكمة الاستئناف إحالة الدعوى إلى التحقيق لبيان توافر شروط بيع العين محل النزاع بالجدك إلا أن الحكم رفض إجابته لهذا الطلب.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن طلب إجراء التحقيق في الدعوى ليس حقاً للخصوم يتحتم إجابتهم إليه وإنما هو مما تستقل محكمة الموضوع بتقديره - فلها ألا تجيب الخصوم إليه متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه في حدود السلطة التقديرية للمحكمة قد استخلص مما طرح عليه في الدعوى وما حوته من قرائن ساقها ما يكفي لتكوين عقيدتها بشأن عدم توافر شروط البيع بالجدك للعين محل النزاع طبقاً لما سلف بيانه في الرد على السببين الأول والثاني فلا عليه بعد ذلك إن هو أعرض عن طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق ولما تقدم يتعين رفض الطعن.