أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 40 - صـ 196

جلسة 27 من إبريل سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة، د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي وزكي عبد العزيز.

(193)
الطعن رقم 2564 لسنة 56 القضائية

(1) إثبات "الدفع بالإنكار". دعوى "الدفع بالإنكار". المصلحة في الدفع.
قاعدة عدم جواز الحكم بعدم قبول الطعن بالإنكار وفي الموضوع معاً م 44 إثبات. مقررة لمصلحة مبدي هذا الدفع. ليس للخصم الأخر المتمسك بالورقة المطعون فيها التمسك بها. علة ذلك.
(2- 3) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع". إيجار "إيجار الأراضي الزراعية". عقد "عقد إيجار الأراضي الزراعية". إصلاح زراعي. حيازة. خبرة.
(2) محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير وقوع الغصب ونفيه وصفة وضع اليد. شرطه. استناد الحيازة لسبب مشروع كفايته لنفي الغصب. نطاق تطبيق قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 المعدل.
(3) مهمة الخبير في الدعوى نطاقها. محكمة الموضوع. التزامها دون غيرها بتكييف الدعوى وتمحيص المسائل القانونية فيها.
(4 - 5) محكمة الموضوع "سلطتها في التفسير". حكم "تسبيب الحكم. عيوب التدليل: ما لا يعد كذلك".
(4) عدم ذكر نصوص ما اعتمد عليه الحكم من مستندات لا عيب. كفاية الإشارة إليها. ما دامت مقدمة في الدعوى.
(5) محكمة الموضوع. سلطتها في فهم محتوى المستند وتقدير مدى صلاحيته فيما أريد الاستدلال به. شرطه.
(6) استئناف. حكم "تسبيب الحكم، تسبيب الحكم الاستئنافي".
محكمة الاستئناف. أخذها بالأسباب الصحيحة للحكم الابتدائي والإحالة عليها دون إضافة. شرطه. كفايته لحمل قضائها والرد على أسباب الاستئناف. علة ذلك.
1 - إن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة تطبيقاً للمادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز لمحكمة الموضوع عند قضائها بعدم قبول الطعن بالإنكار أن - تقضي في موضوع الدعوى، بل يجب عليها أن تجعل حكمها مقصوراً على الطعن بالإنكار إلا أن تقرير هذه القاعدة مستهدف به إتاحة الفرصة لمبدي هذا الدفع لإبداء ما قد يعن له من أوجه دفاع أو دفوع أخرى في الدعوى فيكون هو صاحب المصلحة في تعييب الحكم إذا خالفها للإخلال بحقه في الدفاع دون الخصم الآخر المتمسك بالورقة المطعون فيها، وإذ كان الثابت من واقع الدعوى أن المطعون ضده هو الذي أبدى الدفع بإنكار توقيعه على المحرر الذي تمسك به الطاعن فإن هذا الأخير تنتفي مصلحته ولا يكون له شأن في إثارة نعي على الحكم المطعون فيه بإخلاله بحق دفاع خصمه فيما قضى به من عدم قبول الدفع بالإنكار وفي موضوع الدعوى معاً.
2 - ما تثبته محكمة الموضوع بشأن صفة وضع اليد وكذلك تقديرها لوقوع الغصب ونفيه من وقائع الدعوى والأدلة المطروحة عليها فيها، كل ذلك من الأمور الموضوعية التي لا سبيل إلى طرحها على محكمة النقض ما دامت هذه الأدلة وتلك الوقائع تسمح بذلك التقدير، ولا يستلزم من محكمة الموضوع عند التثبت من وقوع الغصب للأرض الزراعية باعتباره عملاً غير مشروع أو نفي هذا الغصب النظر في أحكام قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 التي تنظم العلاقة الإيجارية بين مستأجري الأرض الزراعية وملاكها وما تشترطه من وجوب أن يكون عقد الإيجار ثابتاً بالكتابة أياً كانت قيمته طبقاً للمادة 36 من هذا القانون معدلة بالقانون رقم 52 لسنة 1966 لأن مجال النظر في أحكام هذا القانون وما توجبه من شروط ينحصر في الدعاوى والمنازعات الإيجارية الناشئة عن تطبيقه ويقتصر عليها دون سواها. ومن ثم فإنه يكفي لنفي صفة الغصب عن الحائز أن يكون مستنداً في حيازته للأرض إلى سبب مشروع ولو كان عقد إيجار غير مكتوب خلافاً لما توجبه أحكام قانون الإصلاح الزراعي في هذا الصدد.
3 - لما كانت محكمة الموضوع قد أفصحت في أسباب حكمها بما يفيد أنها قد تولت بنفسها بيان حقيقة العلاقة الإيجارية بين الطرفين وتكييفها ولم تتخل عن التكييف للخبير الذي تقتصر مهمته على تحقيق الواقع في الدعوى وإبداء رأيه في المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه، دون المسائل القانونية التي يضطلع بها الأخير وحده، فمن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على غير أساس.
4 - لا يعيب الحكم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لم يذكر بياناً مفصلاً لمستندات الخصوم ما دامت مقدمة في الدعوى مما يكفي معه مجرد الإشارة إليها.
5 - فهم ما يحتويه المستند المقدم من الخصم وتقرير مدى صلاحيته فيما أريد الاستدلال به قانوناً من السلطة المطلقة لمحكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغاً.
6 - لمحكمة الاستئناف أن تستند في حكمها إلى الأسباب التي قام عليها الحكم الابتدائي إذا اقتنعت بصحتها دون إيراد جديد إذ أن اعتمادها هذه الأسباب يجعل الحكم الابتدائي جزاء متمماً للحكم الاستئنافي، لهذا فلا جناح على الحكم المطعون فيه إن هو اعتمد في قضائه برفض الاستئناف على الأسباب الصحيحة للحكم الابتدائي الذي أيده والتي تناولت ذات دفاع الطاعن في الاستئناف بشأن الغصب وأطرحته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم 6508 لسنة 1982 مدني سوهاج الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه أن يؤدي إليه مبلغ ستمائة وستة وستين جنيهاً وستمائة وستة وستين مليماً وتسليمه مساحة ثمانية قراريط من الأرض الزراعية المبينة بصحيفة الدعوى، وقال بياناً لدعواه أنه يمتلك تلك المساحة بطريق الميراث عن والده المرحوم...... وأن المطعون ضده يضع يده عليها بطريق الغصب منذ سنة 1973 ولم يؤد إليه الريع المستحق عنها اعتباراً من هذا التاريخ حتى سنة 1982 مما حدا به إلى إقامة هذه الدعوى ليحكم له بطلباته. ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن قدم تقريره في الدعوى حكمت بتاريخ 23 من مارس سنة 1985 برفضها، استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط "مأمورية سوهاج" بالاستئناف رقم 187 لسنة 60 قضائية، وبتاريخ 22 من يونيه سنة 1986 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول أن المطعون ضده طعن بالإنكار أمام محكمة الاستئناف على التوقيع المنسوب إليه بالخطاب المرسل إلى الطاعن من شيخ البلدة..... بخصوص تدخله للصلح بين الطرفين بشأن الأرض محل النزاع وإذ أن الحكم المطعون فيه عرض في أسبابه لبحث هذا الطعن وقضى بعد قبوله لكونه غير منتج في النزاع ثم استرسل في قضائه متصدياً بالفصل في الموضوع فإنه يكون قد خالف القاعدة المقررة بالمادة 44 من قانون الإثبات التي لا تجيز القضاء بعدم قبول الطعن بالإنكار وفي الموضوع معاً.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأنه وإن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة تطبيقاً للمادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز لمحكمة الموضوع عند قضائها بعدم قبول الطعن بالإنكار أن تقضي في موضوع الدعوى، بل يجب عليها أن تجعل حكمها مقصوراً على الطعن بالإنكار إلا أن تقرير هذه القاعدة مستهدف به إتاحة الفرصة لمبدي هذا الدفع من إبداء ما قد يعن له من أوجه دفاع أو دفوع أخرى في الدعوى فيكون هو صاحب المصلحة في تعييب الحكم إذا خالفها للإخلال بحقه في الدفاع دون الخصم الأخر المتمسك بالورقة المطعون فيها، وإذ كان الثابت من واقع الدعوى أن المطعون ضده هو الذي أبدى الدفع بإنكار توقيعه على المحرر الذي تمسك به الطاعن فإن هذا الأخير تنتفي مصلحته ولا يكون له شأن في إثارة نعي الحكم المطعون فيه بإخلاله بحق دفاع خصمه فيما قضى به من عدم قبول الدفع بالإنكار وفي موضوع الدعوى معاً.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث والوجه الأول من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قضى بنفي وقوع الغصب من جانب المطعون ضده لأرض النزاع استناداً لما ورد في تقرير الخبير المنتدب في الدعوى من وجود علاقة إيجارية بين الطرفين لمدة تزيد على عشرين سنة بمقتضى اتفاق غير مكتوب حسبما ذكره الشهود أمامه، في حين أنه لا يجوز إثبات عقد إيجار الأرض الزراعية بشهادة الشهود أمام الخبير بل يجب أن يكون العقد ثابتاً بالكتابة مهما كانت قيمته طبقاً للمادة 36 من قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952، كما أن وصف العلاقة بين الطرفين وتكييفها بأنها علاقة إيجارية يعتبر من المسائل القانونية التي لا يصح الرجوع فيها إلى رأي الخبير بل يتعين على المحكمة أن تتولاها بنفسها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فذلك مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن كل ما تثبته محكمة الموضوع بشأن صفة وضع اليد وكذلك تقديرها لوقوع الغصب ونفيه من وقائع الدعوى والأدلة عليها المطروحة عليها فيها، كل ذلك من الأمور الموضوعية التي لا سبيل إلى طرحها على محكمة النقض ما دامت هذه الأدلة وتلك الوقائع تسمح بذلك التقدير. ولما كان التثبت من وقوع الغصب باعتباره عملاً غير مشروع ونفيه لا يستلزم من المحكمة النظر في أحكام قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 التي تنظم العلاقة الإيجارية بين مستأجري الأرض الزراعية وملاكها وما تشترطه من وجوب أن يكون عقد الإيجار ثابتاً بالكتابة أياً كانت قيمته طبقاً للمادة 36 من هذا القانون معدلة بالقانون رقم 52 لسنة 1966، لأن مجال النظر في أحكام هذا القانون وما توجبه من شروط ينحصر في الدعاوى والمنازعات الإيجارية الناشئة عن تطبيقه ويقتصر عليها دون سواها. لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن قد أسس دعواه على أن المطعون ضده يضع بيده على أرض النزاع بطريق الغصب، مما يخرج عن نطاق أحكام قانون الإصلاح الزراعي وما فرضته بشأن إثبات عقد الإيجار بالكتابة، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد حصل من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى أن المستفاد من أقوال الشهود ورجال الإدارة ومن الاطلاع على إخطارات الحيازة وسجلات الجمعية التعاونية الزراعية أن المطعون ضده ومورثه من قبله كانا يضعان اليد على أرض النزاع بطريق الإيجار بموجب اتفاق شفاهي مع الطاعن منذ مدة تزيد على عشرين عاماً وليس بطريق الغصب، وإذ سجل الحكم، ذلك في مدوناته كما أورد في أسبابه التي أقام عليها قضاءه أنه قد ثبت للمحكمة من الرجوع إلى محاضر أعمال الخبير أن المطعون ضده كان يقوم بدفع الأموال الأميرية عن أرض النزاع ويوردها في تكليف مورث الطاعن مما يدل على قيام علاقة إيجارية بين الطرفين تستند إلى اتفاق غير مكتوب لا يعتبر بها الأول غاصباً متى كان ذلك وكان يكفي لنفي صفة الغصب عن الحائز أن يكون مستنداً في حيازته للأرض إلى سبب مشروع ولو كان عقد إيجار غير مكتوب خلافاً لما توجبه أحكام قانون الإصلاح الزراعي في هذا الصدد - لما سلف بيانه - وكان الحكم قد خلص صائباً لتلك الأسباب السائغة التي أوردها واستقاها من تقرير الخبير الذي اقتنع بصحته ومما له أصله الثابت في الأوراق إلى أن حيازة المطعون ضده لأرض النزاع تستند إلى سبب مشروع هو عقد إيجار غير مكتوب من شأنه نفي الغصب عنها، كما أفصحت محكمة الموضوع في أسباب حكمها بما يفيد أنها قد تولت بنفسها بيان حقيقة العلاقة الإيجارية بين الطرفين وتكييفهما ولم تتخل عن هذا التكييف للخبير الذي تقتصر مهمته على تحقيق الواقع في الدعوى وإبداء رأيه في المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه، دون المسائل القانونية التي يضطلع بها الأخير وحده. فمن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجهين الثاني والثالث من السبب الأول وبالوجه الثاني من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أن الحكم لم يشر إلى تفاصيل الخطاب المرسل إليه من شيخ البلدة الذي قدمه الذي قدمه في الدعوى وأخبره فيه بأن المطعون ضده أبدى استعداده لتسليمه أرض - النزاع وأغفل بحثه، كما لم يرد على أسباب الاستئناف التي عاب فيها على الحكم الابتدائي تقريره بقيام علاقة إيجارية بين الطرفين دون وجود عقد مكتوب استناداً إلى تقرير الخبير المنتدب وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأنه لا يعيب الحكم وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لم يذكر بياناً - مفصلاً لمستندات الخصوم ما دامت مقدمة في الدعوى مما يكفي معه مجرد الإشارة إليها، كما أن فهم ما يحتويه المستند المقدم من الخصم وتقرير مدى صلاحيته فيما أريد الاستدلال به قانوناً من السلطة المطلقة لمحكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغاً، ولما كان البين من الحكم المطعون أنه أشار إلى مضمون الرسالة الموجهة من شيخ البلدة إلى الطاعن بشأن مسعاه للصلح بين الطرفين حول أرض النزاع في معرض بحثه لطعن المطعون ضده بإنكار التوقيع المنسوب إليه فيها وقرر بأن هذه الرسالة لا تفيد شيئاً في بيان حقيقة العلاقة بين الطرفين، ومن ثم يكون الحكم قد رد على دفاع الطاعن بما أورده من قول سائغ له أصله الثابت في الأوراق وأسقط به ضمناً ما أراد الأخير الاستدلال به من تلك الرسالة على دعواه والنعي في شقه الثاني مردود بأنه متى كان لمحكمة الاستئناف أن تستند في حكمها إلى الأسباب التي قام عليها الحكم الابتدائي إذا اقتنعت بصحتها دون إيراد جديد إذ أن اعتمادها هذه الأسباب يجعل الحكم الابتدائي جزءاً متمماً للحكم الاستئنافي لهذا فلا جناح على الحكم المطعون فيه إن هو اعتمد في قضاءه برفض الاستئناف على الأسباب الصحيحة للحكم الابتدائي الذي أيده والتي تناولت ذات دفاع الطاعن في الاستئناف بشأن الغصب وأطرحته - على نحو ما سلف بيانه في الرد على أوجه الطعن السابقة ومن ثم يكون النعي عليه بهذا الخصوص على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.