أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 43 - صـ 1295

جلسة 9 ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ مصطفى حسيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد الصمد عبد العزيز، عبد الرحمن فكري نائبي رئيس المحكمة، عبد الحميد الحلفاوي وعلي جمجوم.

(264)
الطعن رقم 395 لسنة 55 القضائية

(1) تقسيم. قانون. نظام عام. بطلان.
قانون التخطيط العمراني رقم 3 لسنة 1982. سريان أحكامه على طلبات التقسيم التي لم يصدر قرار باعتمادها حتى تاريخ العمل به. المادة الثالثة منه. دخول الأرض محل النزاع ضمن مساحة أكبر واقعة النزاع. مؤداه. وجوب صدور قرار باعتماد التقسيم في كل الأحوال ولو كانت جميع القطع واقعة أو مطلة على شوارع قائمة أو مستطرقة وحظر التعامل في قطعة من أراضيه أو في شطر منه قبل صدوره حظراً عاماً متعلقاً بالنظام العام. جزاء مخالفته البطلان المطلق. المواد 12، 16، 17، 22 من القانون رقم 3 لسنة 1982.
(2) حكم: "تسبيب الحكم: تعقب حجج الخصوم". محكمة الموضوع "مسائل الواقع، تقدير الأدلة".
تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث أدلتها ومستنداتها من سلطة قاضي الموضوع. عدم التزامه بتتبع الخصوم في أقوالهم وحججهم والرد عليها استقلالاً. اقتناعه بالحقيقة التي أورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
(3) حكم: "عيوب التدليل: التناقض".
التناقض المفسد للحكم. ماهيته.
(4) خبرة. دعوى "الدفاع في الدعوى"، محكمة الموضوع "سلطتها بالنسبة لمسائل الإثبات: ندب خبير آخر".
طلب ندب خبير آخر في الدعوى. عدم التزام المحكمة بإجابته متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها.
(5) دعوى "الدفاع في الدعوى". محكمة الموضوع "الرد على دفاع الخصوم".
الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بمواجهته. ماهيته.
1 - تنص المادة الثالثة من القانون 3 لسنة 1982 بإصدار قانون التخطيط العمراني على أنه: "تسري أحكام القانون المرافق على طلبات التقسيم التي لم يصدر قرار باعتمادها حتى تاريخ العمل به"، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الأرض محل النزاع تدخل ضمن مساحة أكبر قدم بشأنها مشروع تقسيم لم يعتمد حتى تاريخ العمل به لتعارضه مع خط التنظيم المعتمد، فإن الحكم المطعون فيه إذ طبق أحكام هذا القانون على واقعة النزاع ومنها أحكام المواد 12، 16، 17 التي أوجبت صدور قرار باعتماد التقسيم في كل الأحوال حتى ولو كانت جميع القطع واقعة أو مطلة على شوارع قائمة أو مستطرقة وحظرت المادة 22 منه التعامل في قطعة أرض من أراضيه أو في شطر منه قبل صدور قرار الموافقة على التقسيم، وهو حظر عام دعت إليه اعتبارات تتعلق بالصالح العام ويترتب البطلان المطلق على مخالفته ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به وتقضي به المحكمة من تلقاء ذاتها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه على غير أساس.
2 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها دون أن يكون ملزماً بتتبع الخصوم في أقوالهم وحججهم والرد عليها استقلالاً طالما أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.
3 - التناقض الذي يفسد الحكم هو ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يتبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله.
4 - المقرر - وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن محكمة الموضوع غير ملزمة بندب خبير آخر في الدعوى طالما وجدت في أوراقها ما يكفي لتكوين عقيدتها.
5 - الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بمواجهته هو الدفاع الجوهري الذي يترتب على الأخذ به تغير وجه الرأي في الدعوى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاما على المطعون ضدهما الدعوى رقم 2494 لسنة 1982 مدني كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 19/ 8/ 1976 مع التسليم، وقالا بياناً لها إنه بموجب هذا العقد باع لهما المطعون ضدهما قطعة الأرض الفضاء المبينة بالأوراق والمملوكة لهما بالعقد المسجل رقم 3592 لسنة 1976، وإذ امتنع البائعان عن التوقيع على العقد النهائي بزعم عدم وجود قرار تقسيم معتمد فقد أقاما الدعوى. ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن أودع تقريره حكمت بجلسة 26/ 4/ 1983 بعدم قبول الدعوى. استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 4707 لسنة 100 ق وبتاريخ 16/ 12/ 1984 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنان بالأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيانه يقولان إن مفاد المادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء أنه إذا كانت قطعة الأرض محل التعامل متصلة بطريق قائم فإنها تستثنى من شرط وجود تقسيم معتمد، وإذ استلزم الحكم المطعون فيه أن تكون جميع قطع التقسيم مطلة على طريق قائم ومن بينها القطعة محل النزاع ولم يبحث مدى اشتراط وجود تقسيم من عدمه وطبق أحكام قانون التخطيط العمراني رقم 3 لسنة 1982 على العلاقة بينهما وبين المطعون ضدهما التي نشأت قبل نفاذه رغم أن القانون يسري بأثر مباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع وتتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع السابقة عليه إلا إذا تقرر ذلك بنص خاص، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود بما نصت عليه المادة الثالثة من القانون رقم 3 لسنة 1982 بإصدار قانون التخطيط العمراني من أنه "تسري أحكام القانون المرافق على طلبات التقسيم التي لم يصدر قرار باعتمادها حتى تاريخ العمل به"، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الأرض محل النزاع تدخل ضمن مساحة أكبر قدم بشأنها مشروع تقسيم لم يعتمد حتى تاريخ العمل به لتعارضه مع خط التنظيم المعتمد، فإن الحكم المطعون فيه إذ طبق أحكام هذا القانون على واقعة النزاع ومنها أحكام المواد 12، 16، 17 التي أوجبت صدور قرار باعتماد التقسيم في كل الأحوال حتى ولو كانت جميع القطع واقعة أو مطلة على شوارع قائمة أو مستطرقة وحظرت المادة 22 منه التعامل في قطعة أرض من أراضيه أو في شطر منه قبل صدور قرار الموافقة على التقسيم، وهو حظر عام دعت إليه اعتبارات تتعلق بالصالح العام ويترتب البطلان المطلق على مخالفته ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به وتقضي به المحكمة من تلقاء ذاتها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه التناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيانه يقولان إنه ورد بمدوناته أخذاً من كتاب الإدارة العامة للتخطيط العمراني أن مشروع تقسيم القطعة التي تدخل فيها أرض النزاع يتعارض مع خط التنظيم المعتمد، بعد أن أورد في تقريراته أنه طبقاً للمادة 17 من قانون التخطيط العمراني إذا كان التقسيم مطلاً على شوارع قائمة مستطرقة أو كان لا يتطلب إنشاء شوارع مستجدة فيكفي لاعتماده موافقة الجهة الإدارية بشئون التخطيط بالوحدة المحلية، وإذ كان القانون الواجب التطبيق هو القانون رقم 52 لسنة 1940 وكان الثابت من أوراق الدعوى وتقارير الخبراء المقدم فيها أن جميع القطع تطل على طريق قائم وبالتالي لا تستلزم صدور قرار باعتماد التقسيم فإن الحكم يكون معيباً بالتناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود. لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة أن لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها دون أن يكون ملزماً بتتبع الخصوم في أقوالهم وحججهم والرد عليها استقلالاً طالما أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، وأن التناقض الذي يفسد الحكم هو ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يتبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله، وكان الحكم المطعون فيه على نحو ما سبق إيراده تعقيباً على السبب الأول قد طبق صحيحاً أحكام القانون رقم 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني - على واقعة النزاع - والتي تستلزم صدور قرار باعتماد التقسيم في كل الأحوال ولو كانت جميع القطع واقعة أو مطلة على شوارع قائمة أو مستطرقة وانتهى في قضائه إلى عدم قبول الدعوى على ما استخلصه من كتاب التخطيط العمراني المشار إليه من عدم صدور هذا القرار حتى تاريخ العمل بهذا القانون، فإنه لا يكون هناك تعارض في أسباب الحكم على نحو يسقط بعضها بعضاً، وإنما هو قائم على أسباب كافية لحمل قضائه، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع وفي بيانه يقولان إنهما تمسكا أمام محكمة الاستئناف بإعادة المأمورية إلى مكتب الخبراء لبحث ما إذا كانت هناك تجزئة قد تمت بالفعل لقطع الأرض المبيعة والمملوكة للبائعين وما إذا كانت هذه القطع تطل على طريق قائم من عدمه إلا أن محكمة الاستئناف لم تستجب لهذا الطلب وهو ما يعيب الحكم بالإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود - لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - من أن محكمة الموضوع غير ملزمة بندب خبير آخر في الدعوى طالما وجدت في أوراقها ما يكفي لتكوين عقيدتها، وأن الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بمواجهته هو الدفاع الجوهري الذي يترتب على الأخذ به تغير وجه الرأي في الدعوى، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أوراق الدعوى على نحو ما جاء في الرد على السببين الأول والثاني أن أرض النزاع تدخل ضمن مساحة أكبر قدم بشأنها مشروع تقسيم من المطعون عليه الثاني لم يعتمد وهو ما تتحقق به التجزئة التي عناها المشرع في المادة 11 من قانون التخطيط العمراني عندما عرف التقسيم بأنه كل تجزئة لقطعة أرض داخل نطاق المدن إلى أكثر من قطعتين، بما يستوجب اعتماده أو الموافقة عليه بحسب الأحوال حتى ولو كانت جميع القطع التي تشكله واقعة أو مطلة على طريق قائم، فإن هذا الدفاع لا يكون جوهرياً ولا على الحكم المطعون فيه إن لم يستجب له ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.