أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 746

جلسة 24 من مارس سنة 1983

برئاسة السيد المستشار محمدي الخولي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عزت حنوره، علي السعدني، محمد مختار منصور، ومحمود نبيل البناوي.

(158)
الطعن رقم 461 لسنة 48 القضائية

1 - نقض "السبب الموضوعي". محكمة الموضوع "مسائل الواقع".
استظهار المقصود من عبارات المذكورة. فهم للواقع في الدعوى. استقلال محكمة الموضوع بتقديره.
2 - مسئولية "مسئولية تقصيرية". دفاع.
الانحراف في استعمال حق الدفاع أو تجاوزه بنسبة أمور شائنة للغير. خطأ في موجب للمسئولية. لا يدرؤها إثبات صحة هذه الأمور ما دام الدفاع في الدعوى لا يقتضي نسبتها إليه.
3 - نقض "أثر نقض الحكم".
إلغاء الأحكام اللاحقة كأثر لازم لنقض الحكم. مناطه. م 271 مرافعات.
4 - استئناف" أثر الاستئناف".
رفع الاستئناف. أثره. طرح ما سبق إبداؤه من أوجه دفاع ولو ردت في مذكرات قدمت بعد الميعاد دون اطلاع الخصم عليها.
5 - إثبات "طرق الإثبات: الإقرار، الاستجواب".
إقرار الخصوم جوهر الواقعة المراد إثباتها بالاستجواب. مؤداه. جعل طلب الاستجواب غير منتج.
6 - اختصاص "اختصاص نوعي". تعويض. نقض "اختصاص محكمة النقض". قضاة "مخاصمة القضاة".
طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة وعن الطعن الكيدي لدى محكمة النقض. رخصة للخصم. اختصاص هاتين المحكمتين بنظر هذا الطلب. إضافي. لا يسلب المحكمة المختصة أصلاً اختصاصها بنظره.
7 - قضاة "رد القضاة" "عدم الصلاحية". تعويض.
رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو تقديمه بلاغاً ضده. مؤداه. زوال صلاحيته للحكم في الدعوى. المادة 165 مرافعات. تركة إجراءات الرد تسير في طريقها المرسوم. لا يسقط حقه في رفع دعوى التعويض.
8 - تعويض. دعوى "قبول الدعوى".
اشتراط تقديم شكوى من المجني عليه في بعض الجرائم م 3 إجراءات. قعوده عن تقديمها خلال الفقرة المحددة. أثره. عدم قبول الدعوى الجنائية والدعوى المدنية المرافعة تبعاً لها. للمجني عليه الحق في رفع دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية طالما لم تسقط بالتقادم.
9 - دفاع. محكمة الموضوع "مسائل الواقع".
الدفاع في الدعوى. تحديد نطاقه وما يعد تجاوزاً له. من سلطة قاضي الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.
10 - دفاع. حكم "إصدار الحكم". تزوير.
الادعاء بالتزوير. ماهيته. التزام المحكمة بالفصل فيه استقلالاً. مناطه. التنازل عن الادعاء. أثره.
11 - إثبات "طرق الإثبات: الإقرار".
حجية الإقرار القضائي. قاصرة على الواقعة المقر بها.
1 - بيان المقصود من العبارة الواردة بالمذكرة هو فهم للواقع تستقل بتقديره محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً.
2 - لئن كان الدفاع حقاً للخصم إلا أن استعماله له مقيد بأن يكون بالقدر اللازم لاقتضاء حقوقه التي يدعيها والذود عنها فإذ هو انحرف في استعماله عما شرع له هذا الحق أو تجاوزه بنسبة أمور شائنة لغيره ماسة باعتباره وكرامته كان ذلك منه خطأ يوجب مسئوليته عما ينشأ عنه من ضرر ولو كانت هذه الأمور صحيحة ما دام الدفاع في الدعوى لا يقتضي نسبتها إليه.
3 - مؤدي المادة 271 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط إلغاء الأحكام اللاحقة كأثر لازم لنقض الحكم أن يكون الحكم اللاحق قد اتخذ الحكم المنقوض أساساً له.
4 - الاستئناف يطرح ما سبق أن أبداه الخصوم من أوجه دفاع ويتيح لهم فرصة التناضل فيها من جديد بعد علمهم بما كان قد أبدى منها في مذكراتهم التي قدمت إلى محكمة أول درجة بعد الميعاد دون اطلاع الخصم عليها.
5 - إقرار الخصم بجوهر المراد إثباتها بالاستجواب يجعل طلب الاستجواب غير منتج.
6 - النص في المادة 270 من قانون المرافعات على أنه "إذا قضت محكمة النقض بعدم قبول الطعن أو برفضه أو بعدم جواز نظره حكمت على رافعه بالمصاريف فضلاً عن مصادرة الكفالة كلها أو بعضها، وإذا رأت أن الطعن أريد به الكيد فلها أن تحكم بالتعويض للمدعى عليه في الطعن" وفي المادة 499 منه على أنه "إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكم على الطالب بغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تزيد على مائتي جنيه مع التعويضات إن كان له وجه، يدل على أن طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة وعن الطعن الكيدي لدى محكمة النقض هو مجرد رخصة للخصم وأن اختصاص هاتين المحكمتين بنظر هذا الطلب هو اختصاص إضافي لا يسلب المحكمة المختصة أصلاً طبقاً للقواعد العامة اختصاصها بنظره متى أقام صاحب الشأن الدعوى ابتداء أمامها دون استعمال هذه الرخصة.
7 - إذ كان النص في المادة 165 من قانون المرافعات على أنه "إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى وتعين عليه أن يتخلى عن نظرها" يدل على أنها أوردت حالة من حالات عدم الصلاحية ولم تتعرض مطلقاً لحق القاضي طلب التعويض أو سقوطه، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بسقوط حق المطعون ضده الأول في رفع دعوى التعويض بتركة إجراءات الرد تسير في طريقها المرسوم, يكون قد التزم صحيح القانون.
8 - النص في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على أنه.... وفي المادة 172 من القانون المدني على أن.... يدل على أن اشتراط تقديم الشكوى من المجني عليه أو من وكيله الخاص في الفترة المحددة بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية عن الجرائم المبينة بها - ومن بينها جريمتا السب والقذف - هو في حقيقته مرد قيد وارد على حرية النيابة العامة في استعمال الدعوى الجنائية يترتب على تخلفه عدم قبول الدعوى الجنائية التي ترفع عن هذه الجرائم والدعوى المدنية المرفوعة بالتبع لها أمام المحاكم الجنائية دون المساس بحق الجني عليه في طلب التعويض عنها أمام المحاكم المدنية التي لا تسقط إلا بانقضاء ثلاثة سنوات من اليوم الذي يعلم المضرور فيه بالضرر الحادث وبشخص من أحدثه فإذا لم يعلم بذلك فإنها تسقط بانقضاء خمس عشرة سنة على وقوع العمل غير المشروع.
9 - العبرة في تحديد نطاق الدفاع في الدعوى وما يعد تجاوزاً له بموضوع الخصومة المطروحة وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها هو أمر يستقل بتقديره قاضي الموضوع بغير معقب من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.
10 - إذ كان الادعاء بالتزوير لا يعدو أن يكون وسيلة دفاع في الدعوى يترتب على التنازل عنه أن يكون غير مطروح على المحكمة، وكان وجوب الفصل في الادعاء بالتزوير استقلالاً وقبل الفصل في موضوع الدعوى - وعلى ما جرى به نص المادة 44 من قانون الإثبات - قاصراً على الفصل في موضوع الادعاء بالتزوير الذي يظل مطروحاً على المحكمة وعند الحكم فيه بصحة المحرر أو برده أو بسقوط الحق في إثبات صحته، لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن قد تنازل أمام محكمة أول درجة عن الادعاء بالتزوير الذي كان قد قرر به فإن هذا الادعاء لم يعد مطروحاً على المحكمة لتفصل فيه.
11 - الحجية القاطعة للإقرار القضائي قاصرة على الواقعة المقر بها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 2871 سنة 1975 مدني كلي شمال القاهرة على الطاعن طالباً الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ عشرة آلاف جنيه وقال بياناً لدعواه أنه إبان عمله رئيساً للمحكمة بمحكمة المنصورة الابتدائية عرضت عليه قضايا خاصة بالطاعن فصل في بعضها وإذ لم تصادف بعض الأحكام قبولاً لدى الطاعن فقد زعم أنه تقدم بشكوى إلى إدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل ورتب على ذلك قيام خصومة بينهما أقام ضده دعوى الرد رقم 1456 لسنة 1973 مدني كلي المنصورة ودعوى المخاصمة رقم 178 سنة 25 استئناف المنصورة التي نسب فيها له ارتكاب الغش والخطأ المهني الجسيم والتدليس وضمن صحيفته عبارات توحي بقيام صلة بينه وبين خصومه ورغم إخفاقه في هاتين الدعويين فقد طعن على الحكم الصادر في دعوى المخاصمة بطريق النقض بالطعن رقم 141 سنة 44 القضائية وضمن صحيفة الطعن عبارات مماثلة كما أورد الطاعن دون مبرر هذه العبارات في مذكرة دفاعه في الدعاوى 2346، 1909، 1661، 2315، 1810 سنة 1971 مدني كلي المنصورة التي تقدم بها بعد نقله من محكمة المنصورة الابتدائية مما يعد قذفاً في حقه وبلاغاً كاذباً ضده وهو ما يتحقق به الخطأ الموجب للمسئولية وإذ كان قد أصيب بأضرار أدبية من جراء ذلك يقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب فقد أقام دعواه ليحكم له بطلباته، أقام الطاعن دعوى فرعية على المطعون ضده الأول ووزير العدل المطعون ضده الثاني طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ عشرين ألف جنيه وقال بياناً له أن المطعون ضده الأول لم يبغ بدعواه سوى الكيد له إذ زعم عدم علمه بالشكوى المقدمة ضده إلى إدارة التفتيش القضائي رغم إخطاره بتقديمها وبما مؤداه صحة ما نسبه إليه الطاعن فلا محل له لإقامة التعويض من المطعون ضده الأول وقد ألحق به ذلك ضرراً يسأل عن تعويضه المطعون ضده الأول بالتضامن مع متبوعه المطعون ضده الثاني، كما دفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى الأصلية وبعدم قبولها وقرر في قلم الكتاب بالادعاء بتزوير صورة المذكرة المقدمة من المطعون ضده الأول والمنسوب إلى الطاعن تقديمها في الدعوى رقم 1609 لسنة 1971 مدني كلي المنصورة وطلب استجواب المطعون ضده الأول عن كيفية حصوله عليها ثم تنازل الطاعن عن الادعاء بالتزوير. بتاريخ 22/ 6/ 1976 قضت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده الأول مبلغ خمسة آلاف جنيه وبرفض الدعوى الفرعية، استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 3035 لسنة 93 القضائية طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته، وبتاريخ 30/ 1/ 1978 قضت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده الأول مبلغ ألف جنيه ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيه الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالوجه السادس من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال من شقين وفي بيان الشق الأول يقول أنه لا تجوز قانوناً مساءلته عن العبارة التي وردت بالمذكرة المقدمة في الدعوى رقم 1609 لسنة 1971 مدني كلي المنصورة ذلك أن هذه المذكرة قدمت من المحامي بوصفة وكيلاً عنه وأخريين في الدعوى وما دام المطعون ضده الأول قد قصر دعواه على الطاعن دون شريكتيه في هذه المذكرة مما مفاده تنازله عن حقه في مقاضاة شريكتيه عما ورد به من سب وقذف فإن مؤدى ذلك سقوط حقه في مقاضاة الطاعن عن ذلك، هذا فضلاً عن أنه إذ كان لا يجوز مساءلة المحامي عن العبارة التي وردت بهذه المذكرة وفق نص المادة 91 من قانون المحاماة 61 سنة 1968 فإنه لا يجوز تبعاً لذلك مسائلة الطاعن عنها وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي بمسئولية الطاعن عن هذه العبارة يكون قد خالف القانون، وفي بيان الشق الثاني يقول إن العبارة الواردة بهذه المذكرة لا تنصرف صراحة إلى المطعون ضده الأول ولا يستطيع قارئها أن يحدد أنه بذاته المعني بها مما ينتفي معه مساءلة الطاعن عنها، وإذ استدل الحكم المطعون فيه من ذات العبارة على أن المطعون ضده الأول هو المعني بها يكون فاسد الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في شقيه غير مقبول ذلك أنه عن الشق الأول فإنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أورد في اطلاعه على المذكرة المقدمة في الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة أنها مقدمة من الطاعن وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمساءلة الطاعن عما ورد بهذه المذكرة على اشتراكه في إعدادها وتقديمها على مسئوليته، لما كان ذلك وكان الطاعن لم يقدم - ضمن مستنداته في الطعن الماثل - صورة من هذه المذكرة للوقوف على صفة مقدمها فإن النعي بهذا الشق وأياً كان وجه الرأي في يكون عارياً عن الدليل ومن ثم غير مقبول، أما عن الشق الثاني فإنه لما كان بيان المقصود من العبارة الواردة بالمذكرة هو فهم للواقع تستقل بتقديره محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بقوله "لا ضرورة لذكر اسم المستأنف عليه الأول - المطعون ضده الأول - في المذكرة المحتوية على العبارات الخادشة للشرف والماسة بالاعتبار ما دامت أنها حددت أوصافاً يمكن معها التحقق بيسر أن هذه العبارة موجهة إليه كتصريحها بأنه رئيس الدائرة السابق والمرفوع ضده دعوى المخاصمة رقم 378 سنة 25 القضائية استئناف المنصورة"، يؤدي إلى ما استخلصه من أن المطعون ضده الأول هو المعنى بتلك العبارة فإن النعي بهذا الشق يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه السابع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن الطعن في أعمال الموظف لا يدخل تحت طائلة العقاب ما دام قد حصل بحسن نية دون أن يتعدى أعمال الوظيفة وبشرط إثبات حقيقية كل فعل أسند إليه، وإذ كان الثابت من الحكم الصادر في دعوى المخاصمة بجواز قبولها أنه قد خلص إلى أن خطأ المطعون ضده الأول بلغ في جسامته درجة تكاد تصل إلى حد الغش ويتمثل في الجهل الفاحش بالمبادئ الأساسية في القانون مما مفاده سلامة موقف الطاعن وثبوت الخطأ الجسيم المنسوب للمطعون ضده الأول فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن ما صدر من الطاعن كان بقصد التشهير والتجريح لسلوكه كل الطرق التي رسمها القانون بغير حق لإبعاد المطعون ضده الأول عن نظر قضاياه وأنه لا يقبل من الطاعن إثبات صحة ما قذف به ويتعين إدانته ولو كان يستطيع الإثبات يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذه النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان الدفاع في الدعوى حقاً للخصم إلا أن استعماله له مقيد بأن يكون بالقدر اللازم لاقتضاء حقوقه التي يدعيها والذود عنها فإن هو انحرف في باستعماله عما شرع له هذا الحق أو تجاوزه بنسبه أمور شائنة لغيره ماسة باعتباره وكرامته كان ذلك منه خطأ يوجب مسئوليته عما ينشأ عنه من ضرر ولو كانت هذه الأمور صحيحة ما دام الدفاع في الدعوى لا يقتضي نسبتها إليه لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعن - فيما رمى به المطعون ضده الأول - قد تجاوز به حق الدفع في الدعوى - وبغير نعي مقبول من الطاعن في هذا الخصوص - فإن هذا الذي خلص إليه الحكم يتوافر به ركن الخطأ الموجب للمسئولية التي لا يدرؤها في هذا الخصوص إثبات صحة ما نسبه الطاعن إلى المطعون ضده الأول مجاوزاً به حق الدفاع، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك لدى محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وفقاً لما تقضي به المادة 271 من قانون المرافعات بعدما قضى بنقض الحكم الصادر بعدم جواز المخاصمة في الطعن رقم 141 سنة 44 قضائية والمقدم صورته باعتبار أن الحكم الصادر في دعوى المخاصمة كان أساساً للحكم المستأنف، وإذ أغفل الحكم المطعون في الرد على هذا الدفاع الجوهري يكون معيباً بالقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 271 من قانون المرافعات على أن "يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها" - مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط إلغاء الأحكام اللاحقة كأثر لازم لنقض الحكم أن يكون الحكم اللاحق قد اتخذ الحكم المنقوض أساساً له لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي لم يعول في قضائه على الصادر في دعوى المخاصمة بعدم جوازها بل أقام قضاءه على توافر الخطأ الموجب للمسئولية بما أورده الطاعن بتقرير المخاصمة من عبارات نسبها إلى المطعون ضده الأول تشكل اعتداء على شرفه وسمعته مجاوزاً بها حق الدفاع بغض النظر عن نتيجة الفصل في الدعوى، فإن نقض الحكم الصادر في دعوى المخاصمة لا يترتب عليه إلغاء الحكم الابتدائي، ومن ثم فإن تمسك الطاعن بإعمال المادة 271 سالفة البيان يكون منه دفاعاً ظاهر الفساد لا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله الرد عليه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الأول وفي الوجه الأخير من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب من ثلاثة مواضع وفي بيان أولها يقول أنه نعى في صحيفة استئنافه على الحكم الابتدائي الإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق ذلك أنه أثبت بمدوناته أن طرفي النزاع طلباً الفصل في الدعوى على أساس ما ورد بها وما قدم فيها من مستندات حال أنه كان قد طلب التأجيل للرد على مذكرة المطعون ضده الأول، كما أنه قبل من الأخير مذكرتين في فترة حجز الدعوى للحكم وعول ما جاء بإحداهما في قضائه رغم عدم إعلانه بها، وفي بيان الشق الثاني يقول أنه نعى على الحكم الابتدائي إخلاله بحق الدفاع إذ رفض طلبه استجواب المطعون ضده الأول عن كيفية وصول صورة مذكرة الطاعن في الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة إليه، وفي بيان الشق الثالث يقول أنه نعى على الحكم الابتدائي القصور إذ أورد بمدوناته أن هذه المذكرة حق للخصم الذي تسلمها وهو ما لا يصلح رداً على ما أبداه الطاعن من أن وجود هذه المذكرة في حوزة المطعون ضده الأول يقطع بقيام صلة بينه وبين خصومه، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع الجوهري يكون معيباً القصور.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أنه عن الشق الأول فإنه لما كان الاستئناف يطرح ما سبق أن أبداه الخصوم من أوجه دفاع ويتيح لهم فرصة التناضل فيها من جديد بعد علمهم بما كان قد أبدى منها في مذكراتهم التي قدمت إلى محكمة أول درجة بعد الميعاد دون اطلاع الخصم عليها، وكان الثابت أن الطاعن قد أثار أمام محكمة الاستئناف أمر تعويل الحكم المستأنف على المذكرة المقدمة من خصمه مما يفيد علمه بها ويتيح له فرصة الرد عليها، فإن تعييب الحكم المستأنف لأخذه بالدفاع الوارد بهذه المذكرة يصبح غير منتج ولا على الحكم المطعون فيه إن لم يرد عليه ومن ثم فإن النعي بالشق الأول يكون على غير أساس ولما كان إقرار الخصم بجوهر الواقعة المراد إثباتها بالاستجواب يجعل طلب الاستجواب غير منتج وكان الطاعن قد استهدف بطلبه استجواب المطعون ضده الأول إثبات أن الصورة التي قدمها من مذكرة الطاعن في الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة هي الخاصة بخصوم الطاعن وكان المطعون ضده الأول قد أقر بمذكرة دفاعه بأن محامي الخصوم الطاعن فقد أرسل إليه هذه المذكرة فإن طلب الاستجواب يصبح غير منتح ولا يعيب الحكم المطعون فيه إغفاله الرد على دفاع الطاعن في هذه الخصوص وعن الشق الثالث فإنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمسئولية الطاعن على ثبوت خطئه بما أورده بالمذكرة المقدمة منه في الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة من عبارات نسبها إلى المطعون ضده الأول تشكل اعتداء على شرفه وسمعته مجاوزاً بها حق الدفاع وكان مجرد ادعاء الطاعن وجود صلة بين خصومة وبين المطعون ضده الأول لا يدحض تجاوزه حق الدفاع فإن تعلله بذلك الادعاء يكون دفاعاً غير جوهري لا يلزم الرد عليه استقلالاً ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجهين الأول والثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون في مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول أن مفاده في نص المادة 499 من قانون المرافعات اختصاص محكمة المخاصمة وحدها بنظر طلب التعويض المتعلق بدعوى المخاصمة وأن مفاد نص المادة 270 من قانون المرافعات اختصاص محكمة النقض وحدها بنظر طلب التعويض عن الطعن الكيدي، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع المبدى منه بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر طلب التعويض عن دعوى المخاصمة والطعن بالنقض في الحكم الصادر فيها وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي - في خصوص القضاء برفض الدفع بعدم الاختصاص - غير سديد، ذلك أن النص في المادة 270 من قانون المرافعات على أنه "إذا قضت محكمة النقض بعدم قبول الطعن أو برفضه أو بعدم جواز نظره حكمت على رافعه بالمصاريف فضلاً عن مصادرة الكفالة كلها أو بعضها، وإذا رأت أن الطعن أريد به الكيد فلها أن تحكم بالتعويض للمدعى عليه في الطعن" وفي المادة 499 منه على أنه "إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكم على الطالب بغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تزيد على مائتي جنيه مع التعويضات إن كان لها وجه" يدل على أن طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة وعن الطعن الكيدي لدى محكمة النقض هو مجرد رخصة للخصم وأن اختصاص هاتين المحكمتين بنظر هذا الطلب هو اختصاص إضافي لا يسلب المحكمة المختصة أصلاً طبقاً للقواعد العامة اختصاصها بنظره متى أقام صاحب الشأن الدعوى ابتداءاً أمامها دون استعمال هذه الرخصة، لما كان ذلك وكان الثابت أن المطعون ضده الأول لم يستعمل تلك الرخصة فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض هذا الدفع يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا الشق على غير أساس، لما كان ذلك وكان الطاعن فيما أبداه بوجه النعي لم يبين موطن العيب في قضاء الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان وأثر هذا العيب في قضائه فإن النعي بهذا الشق يكون مجهلاً ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أن مفاد نص 165 من قانون المرافعات أن للقاضي المطلوب رده الخيار بين أن يرفع دعوى التعويض على طالب الرد فيفقد بذلك صلاحيته لنظر الدعوى أو أن يترك إجراءات الرد تسير في طريقها المرسوم فيفقد بذلك حقه في رفع دعوى التعويض، ولما كان المطعون ضده الأول قد ترك إجراءات الرد تسير في طريقها المرسوم فإن دعواه بعد ذلك بطلب التعويض تكون غير مقبولة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى على سند من أن المشرع لم يفوض المحكمة التي تنظر طلب الرد الحكم فيها بتعويض يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان النص في المادة 165 من قانون المرافعات على أنه "إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى وتعين عليه أن يتخلى عن نظرها" يدل على أنها أوردت حالة من حالات عدم الصلاحية ولم تتعرض مطلقاً لحق القاضي في طلب التعويض أو سقوطه، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الرابع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن مفاده المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية أن الدعوى الجنائية عن جريمتي السب والقذف تسقط بعدم تقديم المجني عليه شكوى خلال ثلاثة أشهر من يوم علمه بالجريمة ومرتكبها، وأن مفاد نص المادة 172 من القانون المدني أن دعوى التعويض عن العمل غير المشرع تسقط بانقضاء ثلاثة سنوات من يوم علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه أو بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع على أنه إذا كانت الدعوى ناشئة عن جريمة، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء هذه المواعيد فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية، ومؤدى هاتين المادتين أن عدم تقديم الشكوى خل الموعد المقرر عن جريمتي السب القذف ليس مؤداه سقوط الدعويين الجنائية والمدينة أمام المحاكم الجنائية فحسب بل أيضاً سقوط دعوى التعويض عن هاتين الجريمتين أمام المحاكم المدنية ذلك أن التقادم يقضي على الحق ذاته ويستتبع تقادم الدعوى. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بتقريره أن التقادم الوارد بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية قاصر على الدعوى الجنائية دون الدعوى المدنية يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم المنصوص عليها في المواد 185، 274، 277، 279، 292، 293، 303، 306، 307، 308، من قانون العقوبات وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص علها القانون، ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" وفي المادة 172 من القانون المدني على أن: "1 - تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء ثلاثة سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمسة عشر سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع.
2 - على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية "يدل على أن اشتراط تقديم الشكوى من المجني عليه أو من وكيله الخاص في الفترة المحددة بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية عن الجرائم المبينة بها - ومن بينها جريمتا السب والقذف - هو في حقيقته مجرد قيد وارد على حرية النيابة العامة في استعمال الدعوى الجنائية يترتب على تخلفه عدم قبول الدعوى الجنائية التي ترفع عن هذه الجرائم والدعوى المدنية المرفوعة بالتبع لها أمام المحاكم الجنائية دون المساس بحق المجني عليه في طلب التعويض عنها ولا تسقط به دعواه أمام المحاكم المدنية التي لا تسقط إلا بانقضاء ثلاثة سنوات من اليوم الذي يعلم المضرور بالضرر الحادث وشخص من أحدثه فإذا لم يعلم بذلك فإنها تسقط بانقضاء خمس عشرة سنة على وقوع العمل غير المشروع، وإذ التزم الحكم المطعون فيه في قضائه هذا النظر يكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الخامس من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن إساءة استعمال حق التقاضي وإن جاز أن تترتب عليها المسئولية التي توجب التعويض إلا أنها ليست خطأ تقصيرياً مما يدخل في نطاق المادة 163 من القانون المدني، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الطاعن قد اكتفى فيه ببيان ما رآه عيباً نسبة إلى الحكم المطعون فيه دون بيان أثر ذلك في قضائه فإن النعي بهذا الوجه أياً كان وجه الرأي فيه - يكون مجهلاً ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثامن من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم المطعون فيه خلص إلى أن نسبة الغش والتدليس والخطأ المنهي الجسيم إلى المطعون ضده الأول تقتضيها ضرورات الدفاع في دعوى المخاصمة، وإذ كانت باقي الأوصاف التي نسبها إلى المطعون ضده الأول هي صفات لصيقة بمن يثبت الغش والتدليس والخطأ الجسيم في حقه فإن نسبتها إليه - تبعاً لذلك - لا تكون تجاوزاً لحق الدفاع وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في هذا الخصوص قوله "أما كون العبارات الجارحة من مستلزمات الدفاع فقول ليس صحيحاً على إطلاقه ذلك أن المستأنف - الطاعن - سواء في المذكرة المدعى بتزويرها أو في طلب الرد أو في دعوى المخاصمة أو في الطعن بالنقض رمى المستأنف عليه الأول - المطعون ضده الأول - بالغش والتدليس وعدم النزاهة والظلم وعدم الحيدة والتجني على الوقائع وجسامة الخطأ وتعمد الوقوع فيه واستدراج الخصوم له للمساهمة في إنجاح طرقهم الاحتيالية ودعوى المخالصة في جوهرها دعوى بطلان وتعويض وإذا كانت ضرورات الدفاع تقتضي نسبة الغش والتدليس إلى المستأنف عليه الأول فهي لا تستلزم خلع الأوصاف الأخرى عليه سواء أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة النقض كما أن دعوى الرد تقوم على علاقات المستأنف عليه الأول بالخصوم ومن ثم فإن هذه الأوصاف الشائنة لا تتصل بموضوع الدعوى ولا تقتضيها حرية الدفاع"، وهو ما يبين منه أن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعن قد تجاوز حق الدفاع بما رمى به المطعون ضده الأول في العبارات التي أوردها في المذكرة المقدمة منه في الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة وفي كل من تقريري الرد والمخاصمة وصحيفة الطعن بالنقض, لما كان ذلك وكانت العبرة في تحديد نطاق الدفاع في الدعوى وما يعد تجاوزاً له بموضوع الخصومة المطروحة وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها هو أمر يستقل بتقديره قاضي الموضوع بغير معقب من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة، وكان ما خلص إليه الحكم من أن العبارات التي أوردها الطاعن بالمذكرة المقدمة منه في الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة لا تتصل بموضوع الدعوى ولا تقتضيها حرية الدفاع فيها مؤداه ثبوت التجاوز عن حق الدفاع بما يكفي وحده لحمل قضائه، وكان الطاعن لم يقدم صورة من هذه المذكرة لتتبين هذه المحكمة نطاق الدعوى رقم 1609 سنة 1971 مدني كلي المنصورة ومقتضيات الدفاع فيها، فإن النعي بهذا السبب يكون عارياً عن الدليل ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه التاسع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك لدى محكمة الاستئناف بمخالفة محكمة أول درجة للقانون إذ فصلت في دعوى التزوير والموضوع بحكم واحد ذلك أنه وإن كان قد تنازل عن الطعن بالتزوير لدى محكمة أول درجة إلا أن الخصومة في دعوى التزوير قد رفعت إلى القضاء ويتعين صدور حكم فيها بما كان يوجب على محكمة أول درجة أن تقصر قضاءها على إثبات هذا التنازل دون الفصل في موضوع الدعوى، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن ذلك على سند من أن إجراءات الطعن بالتزوير تعتبر كأن لم تكن بالتنازل عنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان الادعاء بالتزوير لا يعدو أن يكون وسيلة دفاع في الدعوى يترتب على التنازل عنه أن يكون غير مطروح على المحكمة، وكان وجوب الفصل في الادعاء بالتزوير استقلالاً وقبل الفصل في موضوع الدعوى - وعلى ما جرى به نص المادة 44 من قانون الإثبات - قاصراً على الفصل في موضوع الادعاء بالتزوير الذي يظل مطروحاً على المحكمة وعند الحكم فيه بصحة المحرر أو برده أو بسقوط الحق في إثبات صحته، لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن قد تنازل أمام محكمة أول درجة عن الادعاء بالتزوير الذي كان قد قرر به فإن هذا الادعاء لم يعد مطروحاً على المحكمة لتفصل فيه ولا على الحكم الابتدائي إذ فصل في موضوع الدعوى، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى في الوجه الأخير من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أن ما أورده المطعون ضده الأول بصحيفة دعواه من قوله بأنه تأثر غاية التأثر من شكاوى الطاعن ومما جاء بكل من تقرير المخاصمة وطلب الرد وبلغ من تأثره أن إصابته الأمراض والأسقام، يعد إقراراً قضائياً كاشفاً عن عدم صدقه فيما أورده رداً على كل من دعوى المخاصمة وطلب الرد من أنه لا يحمل شعوراً خاصاً للطاعن أو لخصومه وعن مسلكه الخاطئ باستمراره في نظر الدعاوى رغم هذا التأثر، بما يكفي دليلاً في دعوى الطاعن الفرعية يغني عن تقديم دليل آخر فيها، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه إلى هذا الدليل وقضي برفض دعواه الفرعية على سند من انعدام الدليل على عدم صدق الرد على دعوى المخاصمة وطلب الرد وأن مجرد تقديم شكوى لا يحول بين القاضي والفصل في الدعوى ما دام لم يستشعر الحرج، ويكون فضلاً عن قصوره مشوباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت الحجية القاطعة للإقرار القضائي قاصرة على الواقعة المقر بها، وكان الثابت من صحيفة الدعوى أن المطعون ضده الأول قد عزا بها ما أصابه من تأثر إلى ما رماه به الطاعن في تقريري الرد والمخاصمة وحدهما ونفى بها عدم صلاحيته لنظر دعاوى الطاعن في القترة السابقة على التقرير بهما التي نظرت خلالها تلك الدعوى وصدرت الأحكام فيها بما يتفق وما أثبته المطعون ضده الأول بمذكرتي الرد على تقريري الرد والمخاصمة، فإن هذا الإقرار لا تكون له ثمة حجية في إثبات عدم صلاحية المطعون ضده الأول في الفترة التي نظر فيها دعاوى الطاعن وفصل فيها لأنها سابقة على التقرير بالرد وبالمخاصمة ولا يغني عن وجوب إقامة الطاعن الدليل على دعواه الفرعية، لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم بالقصور إغفاله بحث دليل لا حجية له في القانون، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعرض لهذا الإقرار وقضى برفض دعوى الطاعن على سند من صلاحية المطعون ضده الأول لنظر دعواه وانتفاء الدليل على عدم صدق ما أورده بمذكرتي الرد على تقريري الرد والمخاصمة لا يكون معيباً بالقصور أو بالفساد في الاستدلال ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.