أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 40 - صـ 249

جلسة 10 من مايو سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ وليم رزق بدوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد لطفي السيد، طه الشريف (نائبي رئيس المحكمة)، أحمد أبو الحجاج وعبد الصمد عبد العزيز.

(201)
الطعن رقم 65 لسنة 56 القضائية

(1) نقض "الخصوم في الطعن".
الطعن بالنقض. عدم قبوله إلا من الخصم الحقيقي فيه.
(2) نقض "التوكيل في الطعن" "الصفة في الطعن".
عدم تقديم المحامي التوكيل الصادر من بعض الطاعنين إلى وكيلهم الذي وكله في الطعن بالنقض حتى تمام المرافعة. أثره. عدم قبول الطعن بالنسبة لهم.
(3) نقض "المصلحة في الطعن".
المصلحة في الطعن. مناطها. أن يكون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن. العبرة في ذلك بوقت صدور الحكم.
(4) وكالة "الوكالة الظاهرة". عقد. محكمة الموضوع.
الوكالة الظاهرة. ماهيتها. تصرفات الوكيل الظاهر مع الغير حسن النية. نفاذها قبل الموكل. شرطه. محكمة الموضوع. استقلالها بتقدير المظاهر المؤدية إلى قيام الوكالة الظاهرة. شرطه.
(5) محكمة الموضوع. عقد.
محكمة الموضوع. سلطتها في استظهار قيام الإجازة الضمنية للعقد. شرطه.
(6) نقض "الحكم في الطعن".
تصدي محكمة النقض للفصل في الموضوع عند نقض الحكم للمرة الثانية. شرطه. أن ينصب الطعن في المرة الثانية على ما طعن عليه في المرة الأولى.
1 - إذ كان الطاعنون ما عدا ورثة المرحوم..... لم يطعنوا في الحكم الاستئنافي الصادر بجلسة 30/ 1/ 1975 ولم يكونوا خصوماً في الطعن بالنقض ومن ثم فإن تعجيل الاستئناف منهم بعد نقض الحكم يكون غير مقبول. ولا يحق لهم بالتالي الطعن بالنقض في هذا الاستئناف باعتبارهم خصوماً غير حقيقيين.
2 - إذ كان المحامي المقرر بالطعن قد قدم توكيلاًً من الطاعنين وكذلك التوكيلات الصادرة من الطاعنين للأخير ما عدا التوكيلين الصادرين من الطاعن الثاني والطاعنة الأخيرة حتى جلسة المرافعة فإن الطعن بالنسبة لهما يكون غير مقبول.
3 - مناط المصلحة في الطعن أن يكون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن والعبرة في قيام المصلحة هي بوقت صدور الحكم المطعون فيه.
4 - إذ كان الغير المتعاقد مع الوكيل يعتبر أجنبياً عن تلك العلاقة بين الوكيل والموكل مما يوجب عليه في الأصل أن يتحقق من صفة من يتعامل معه بالنيابة عن الأصيل وانصراف أثر التعامل تبعاً لذلك إلى هذا الأخير، إلا أنه قد يغنيه عن ذلك أن يقع من الأصيل مما ينبئ في ظاهر الأمر عن انصراف إرادته إلى إنابته لسواه في التعامل باسمه بأن يكشف عن مظهر خارجي منسوب إليه يكون من شأنه أن يوهم الغير ويجعله معذوراً في اعتقاده بأن ثمة وكالة قائمة بينهما ومن حق الغير حسن النية في هذه الحالة أن يتمسك بانصراف أثر التعامل الذي أبرمه مع من أعتقد بحق أنه وكيل - إلى الأصيل لا على أساس وكالة حقيقية قائمة بينهما - وهي غير موجودة في الواقع بل على أساس الوكالة الظاهرة، ذلك لأن ما يُنسب إلى الأصيل في هذا الصدد يشكل في جانبه صورة من صور الخطأ التي من شأنها أن تخدع الغير حسن النية في نيابة المتعامل معه عن ذلك الأصل ودفعه إلى التعامل معه بهذه الصفة وهو أمر يقتضي أن يكون ما نُسب إلى الأصيل سابقاً على إبرام العقد بشرط أن يكون مؤدياً إلى خداع الغير وأن يكون هذا الغير حسن النية في اعتقاده وأن يكون الإيهام الذي دفعه إلى التعاقد قد قام على مبررات اقتضتها ظروف الحال بحيث لا تترك مجالاً للشك والإيهام، وكل فعل يأتيه صاحب الوضع الظاهر - دون اشتراك الأصيل - لا تتحقق به فكرة الوكالة الظاهرة عن الأصيل ولو كان مؤدياً بذاته إلى خداع الغير، وتستقل محكمة الموضوع بتقدير المظاهر المؤدية إلى قيام الوكالة الظاهرة بشرط أن يكون بأسباب سائغة ومؤدية إلى ما انتهت إليه.
5 - لمحكمة الموضوع استظهار قيام الإجازة الضمنية للعقد بشرط أن يكون بيانها سائغاً.
6 - شرط تصدي محكمة النقض للفصل في الموضوع - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن ينصب الطعن في المرة الثانية على ما طعن عليه في المرة الأولى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق يتحصل في أن مورثة المطعون ضدهم أقامت الدعوى رقم 255 لسنة 1971 مدني كلي القاهرة ضد مورث الطاعنين الأحد عشر الأول (المرحوم.....) وباقي الطاعنين وآخرين بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 12/ 1944 على سند من أنها اشترت من مورث المذكورين عن نفسه وبصفته وكيلاً عن باقي الطاعنين العقار محل النزاع واستلمته، أوقفت المحكمة الدعوى حتى يفصل في الطعن بالتزوير على العقد في القضية رقم 243 لسنة 1945 مدني كلي القاهرة، وبعد أن حكم برفض الطعن قضت محكمة الدرجة الأولى بصحة ونفاذ العقد سالف الذكر، استأنف المحكوم ضدهم الحكم بالاستئناف رقم 2706 لسنة 89 ق استئناف القاهرة، حكمت المحكمة برفض الاستئناف وإذ طعن بطريق النقض على الحكم حكمت محكمة النقض بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهم السادس والثالثة عشر والثانية والعشرين والرابع والعشرين ونقضت المحكمة الحكم المطعون فيه بالنسبة لباقي المطعون ضدهم وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف فجعلها الطاعنون أمامها وبجلسة 7/ 11/ 1985 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعنين....، .....، ...... لرفعه من غير ذي صفة وعدم قبول الطعن بالنسبة لطاعنين....، ..... لعدم تقديم سند الوكالة عنهما وبرفض الطعن، عرض على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن المحكوم ضدهم دفعوا بعدم قبول الطعن المرفوع من الطاعنين عدا ورثة المرحوم.....، ..... لرفعه من غير ذي صفة.
وحيث إن هذا الدفع في محله ذلك أن الطاعنين ما عدا ورثة المرحوم ......، .....، ...... لم يطعنوا في الحكم الاستئنافي الصادر بجلسة 30/ 1/ 1975 ولم يكونوا خصوماً في الطعن بالنقض ومن ثم فإن تعجيل الاستئناف منهم بعد نقض الحكم يكون غير مقبول - ولا يحق لهم بالتالي الطعن بالنقض في هذا الاستئناف باعتبارهم خصوماً غير حقيقيين ومن ثم يكون الدفع في محله.
وحيث إنه بالنسبة للدفع المبدي من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعن...... على أساس أنه كان غير ممثل في الخصومة أمام محكمة الدرجة الأولى ولم يكن خصماً حقيقاً أمام محكمة الاستئناف، وإذ سبق الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة له فلا محل لبحث هذا الدفع.
وحيث إنه بالنسبة للدفع المبدي من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعنين....، ..... لرفعه من غير ذي صفة فإنه لما كان المحامي المقرر بالطعن قد قدم توكيلاً من وكيل الطاعنين وكذلك التوكيلات الصادرة من الطاعنين للأخيرة ما عدا التوكيلين الصادرين من الطاعن الثاني والطاعنة الأخيرة حتى جلسة المرافعة فإن الطعن بالنسبة لهما يكون غير مقبول.
وحيث إنه بالنسبة للدفع المبدي من المطعون ضدهم بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعنين الأحد عشر الأول (ورثة المرحوم.....) لرفعه من غير ذي مصلحة، فإنه في غير محله إذ أن مناط المصلحة في الطعن أن يكون الحكم المطعون فيه قد أضر بالطاعن، والعبرة في قيام المصلحة هي بوقت صدور الحكم المطعون فيه وإذ كان الحكم المشار إليه قد صدر ضد الطاعنين الأحد عشر الأول ومن ثم فقد أضر بهم ويكون لهم مصلحة في رفع الطعن.
وحيث إنه فيما عدا ما تقدم فقد حاز الطعن أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالسببين الأول والثاني من أسباب الطعن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيانهما يقولون بأنهم تمسكوا في دفاعهم بأن مورث الطاعنين الأحد عشر الأول لم يكن وكيلاً عنهم ولم يكونوا أطرافاً في عقد البيع محل النزاع إلا أن الحكم استدل على وجود الوكالة من مجرد اختصامهم في الدعوى التي رفعت بالطعن على العقد بالتزوير كما لم يحقق الحكم دفاعهم المبني على خلو الأوراق من دليل يؤيد قيام الوكالة مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب فضلاً عن فساد الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه على دعامتين مستقلتين، الأولى هي الوكالة الظاهرة للمرحوم...... عن الطاعنين في إبرام التعاقد والثانية أن ثمة إجازة ضمنية من الطاعنين للعقد الذي أبرمه المذكور بالنيابة عنهم، وإذ كان الغير المتعامل مع الوكيل يعتبر أجنبياً عن تلك العلاقة بين الوكيل والموكل ومما يوجب عليه في الأصل أن يتحقق من صفة من يتعامل معه بالنيابة عن الأصيل وانصراف أثر التعامل تبعاً لذلك إلى هذا الأخير، إلا أنه قد يغنيه عن ذلك أن يقع من الأصيل مما ينبئ في ظاهر الأمر عن انصراف إرادته إلى إنابته لسواه في التعامل باسمه بأن يكشف عن مظهر خارجي منسوب إليه يكون من شأنه أن يوهم الغير ويجعله معذوراً في اعتقاده بأن ثمة وكالة بينهما، إذ يكون من حق الغير حسن النية في هذه الحالة أن يتمسك بانصراف أثر التعامل الذي أبرمه مع من اعتقد بحق أنه وكيل إلى الأصيل لا على أساس وكالة حقيقة قائمة بينهما - وهي غير موجودة في الواقع بل على أساس الوكالة الظاهرة ذلك لأن ما ينسب إلى الأصيل في هذا الصدد يشكل في جانبه صورة من صور الخطأ التي من شأنها أن تخدع الغير حسن النية في نيابة المتعامل معه عن ذلك الأصيل ودفعه إلى التعامل معه بهذه الصفة وهو أمر يقتضي أن يكون ما نسب إلى الأصيل سابقاً على إبرام العقد بشرط أن يكون مؤدياً إلى خداع الغير وأن يكون هذا الغير حسن النية في اعتقاده وأن يكون الإيهام الذي دفعه إلى التعاقد قد قام على مبررات اقتضتها ظروف الحال بحيث لا تترك مجالاً للشك والإيهام، لما كان ذلك وكان كل فعل يأتيه صاحب الوضع الظاهر - دون اشتراك الأصيل، لا تتحقق به فكرة الوكالة الظاهرة عن الأصيل ولو كان مؤدياً بذاته إلى خداع الغير، لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع تستقل بتقدير المظاهر المؤدية إلى قيام الوكالة الظاهرة بشرط أن تكون أسبابها سائغة ومؤدية إلى ما انتهت إليه وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه لم يعن ببحث شروط قيام الوكالة الظاهرة على النحو الذي سلف بيانه، وإنما استدل على قيامها بأسباب لا تؤدي إليها إذ أورد بمدوناته إثباتاً لها أن الوكيل الظاهر أثبت بالعقد أنه يبرمه عن نفسه وبصفته نائباً ووكيلاً عن ورثة المرحومين.....، .......، ....... وأقر على نفسه وتعهد في ذات العقد أنه استلم الثمن وأنه سيقوم بتوزيعه على المستحقين من الورثة فضلاً عن تقديمه مستندات الملكية إلى المتعاقد معها، وهي أسباب منبتة الصلة عن الأصيل ولا تشكل مسلكاً منه يؤدي إلى خداع المتعاقد مع صاحب الوضع الظاهر فإن الحكم المطعون فيه يكون قد عابه الفساد في الاستدلال. لما ذلك وكان لمحكمة الموضوع سلطة استظهار قيام الإجازة الضمنية للعقد إلا أن شرط ذلك أن يكون بيانها سائغاً وكانت الأسباب التي استخلصت منها المحكمة قيام الإجازة الضمنية للعقد - على ما أوردت في مدونات الحكم - تتحصل في أن أحداً من أصاحب الحق لم ينكر هذه الوكالة وأنهم سلكوا مسلكاً سلبياً عند النزاع الذي دار بشأن الطعن على العقد بالتزوير أو وضع العين تحت الحراسة القضائية، وكانت هذه الأسباب لا تتحقق بها الإجازة الضمنية للعقد إذ تمسك الطاعنون أمام محكمة الموضوع بأن الطاعن الأول لم يكن وكيلاً عنهم عند إبرام عقد البيع، وكان اختصامهم في دعوى التزوير أو دعوى الحراسة القضائية دون التمسك بنفي الوكالة، لا يفيد بذاته قبولهم للتعاقد، لأن موضوع الدعويين، يقوم على إنكارهم صدور الورقة بما يشملها من التصرف وإنكار انتقال العين إلى المتصرف إليه ويكون الحكم - إذ استند إلى الإجازة الضمينة للعقد، على ما سلف بيانه من الأسباب قد عابه الفساد في الاستدلال بما يتعين نقضه.
وحيث إن الطعن بالنقض للمرة الثانية إلا أن شرط تصدي محكمة النقض للفصل في الموضوع وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن ينصب الطعن في المرة الثانية على ما طعن عليه في المرة الأولى وإذ كانت محكمة الموضوع قد استندت في قضائها إلى دعامتين وساقت لما استندت إليه أسباباً مغايرة لما ساقته في حكمها المنقوض وكان الطعن بالنقض في الحكم السابق قد شمل دعامة واحدة هو الفساد في الاستدلال فيما خلص إليه من قيام الوكالة الظاهرة على سند من وقوف الطاعنين موقفاً سلبياً في دعوى التزوير ودون أن يتطرق إلى الإجازة الضمنية أو يبني الوكالة الظاهرة على ما سبق أن استند إليه، فإن الطعن في المرة الثانية لا يكون منصباً على ما طعن عليه في المرة الأولى، ومن ثم يلزم مع النقض الإحالة.