أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 40 - صـ 280

جلسة 14 من مايو سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ سعيد صقر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فؤاد شرباش نائب رئيس المحكمة، وعبد النبي خمخم، محمد عبد البر حسين وحسام الدين الحناوي.

(206)
الطعن رقم 1916 لسنة 54 القضائية

(1 - 3) قضاة "عدم الصلاحية". أمر الأداء.
(1) إبداء الرأي الموجب لعدم صلاحية القاضي. ماهيته. م 146 مرافعات.
(2) وجوب امتناع القاضي عن إصدار أمر الأداء وتحديد جلسة لنظر الدعوى متى تحقق من عدم توافر شروطه. أو رأى ألا يجيب بعض الطلبات فيه. م 204 مرافعات.
(3) رفض إصدار أمر الأداء بأقساط مقابل الانتفاع. عدم اعتباره سبب لعدم الصلاحية للفصل في موضوع دعوى الطرد لعدم سداد الأجرة. علة ذلك.
(4) عقد "تفسير العقد". محكمة الموضوع.
تفسير عبارات العقد من سلطة محكمة الموضوع. طالما لم تخرج في تفسيرها عن المعني الذي تحتمله عبارات العقد ولا عن المعنى الظاهر لها.
(5 - 6) نقض "أسباب الطعن". السبب المفتقر للدليل. "السبب المجهل".
(5) أسباب الطعن بالنقض. وجوب تعريفها تعريفاً واضحاً نافياً عنها الغموض والجهالة. عدم بيان سبب النعي. نعي مجهل وغير مقبول. ولا يمنع من ذلك الإحالة إلى ورقة أخرى في ذات الطعن. م 253 مرافعات.
(6) عدم تقديم الطاعن الدليل على ما تمسك من أوجه الطعن. أثره.
(7 - 9) عقد "زوال العقد" "فسخ العقد". إيجار "إيجار الأماكن" "أسباب الإخلاء". نظام عام. حكم. اختصاص.
(7) الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه عند الإخلال بالالتزامات الناشئة عنه جائز في العقود الملزمة للجانبين ومنها الإيجار. تدخل المشرع بتعيين أسباب الإخلاء بأحكام آمرة ومتعلقة بالنظام العام ومحددة على سبيل الحصر في القانونين 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981. أثره.
(8) الحكم القطعي. ماهيته.
(9) اختصاص إحدى دوائر المحكمة الابتدائية بنوع معين من القضايا مسائل تنظيمية. عدم تعلقه بالاختصاص النوعي للمحاكم.
1 - النص في المادة 146 من قانون المرافعات على أن "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية.... إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتبها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى الشهادة فيها". يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المعول عليه في إبداء الرأي الموجب لعدم صلاحية القاضي إفتاء كان أو مرافعة أو قضاء أو شهادة هو أن يقوم القاضي بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية - تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، مخافة أن يتشبث برأيه الذي يكشف عنه عمله المتقدم حتى ولو خالف مجرى العدالة وضئاً بأحكام القضاء من أن يعلق بها. استرابة من جهة شخص القاضي لدواع يزعن لها عادة أغلب البشر.
2 - النص في المادة 204 من قانون المرافعات الواردة في الباب الخامس بأوامر الأداء على أنه "إذا رأى القاضي ألا يجيب الطالب إلى كل طلباته كان عليه أن يمتنع عن إصدار الأمر وأن يحدد جلسة لنظر الدعوى أمام المحكمة مع تكليف الطالب بإعلان خصمه إليها". يدل على أن المشرع أوجب على القاضي متى رأى عدم توافر شروط إصدار الأمر بالأداء في الدين موضوع المطالبة، أو رأى ألا يجيب الطالب ببعض طلباته أن يمتنع عن إصداره، ويحدد جلسة لنظر الدعوى أمام المحكمة.
3 - إذ كان رفض القاضي إصدار أمر بالأداء لا يوجب القانون تسبيبه فإن هذا الرفض لا ينبئ بذاته عن تكوين القاضي رأياً خاصاً في موضوع الحق، ومن ثم فإنه لا يفقد صلاحيته للفصل في النزاع حول موضوع الطلب - لما كان ذلك - وكان طلب استصدار أمر أداء بالأقساط المستحقة كمقابل انتفاع لا يمنع من نظر دعوى الطرد لعدم سدد الأجرة أو التأخر فيه عن الميعاد المحدد بعقد الإيجار لاختلاف الموضوع والسبب في كل منهما، فإن رفض القاضي إصدار أمر أداء بأقساط مقابل الانتفاع لا يتوافر به سبب من أسباب عدم الصلاحية.
4 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير عبارات العقد وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط الواقع منها وصولاً إلى تكييفه التكييف الصحيح مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها ما دامت لم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي يحتمله عبارات العقد أو تخرج بالمعنى الظاهر لهذه العبارات إلى معنى أخر لا يستساغ فيها.
5 - إذا وجبت المادة 253 من قانون المرافعات أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض بذاتها على بيان الأسباب التي بني عليها الطعن - قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً وافياً نافياً عنها الغموض والجهالة وأن يبين فيها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يراد التحدي به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً ولا غناء عن ذلك حتى لو أحال الطاعن إلى ورقة أخرى قدمت في الطعن ذاته.
6 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون فإذا تخلفوا عن اتخاذ هذا الإجراء كان طعنهم في هذا الخصوص مفتقراً إلى دليله.
7 - ولئن كانت الأحكام العامة في القانون المدني، إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة، وما نصت عليه المادة 158 منه تجيز في العقود الملزمة للجانبين الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بما يؤدي إلى وقوع الفسخ في هذه الحالة نفاذاً لذلك الاتفاق بقوة القانون وحرمان المتعاقد بذلك من ضمانين إذ يقع الفسخ حتماً دون أن يكون للقاضي خيار في أمره، بل ويتحقق ذلك دون حاجة إلى التقاضي ما لم ينازع المدين في وقوع موجب الفسخ وإن كانت مهمة القاضي تقف في هذه الحالة عند حد التحقق من عدم الوفاء بالالتزام المقرر اعتبار الفسخ حاصلاً فعلاً إلا أنه تحقيقاً للتوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين للأماكن التي تسري عليها أحكام القوانين الاستثنائية المنظمة للإيجار، رأى المشرع التدخل بتعيين أسباب الإخلاء بأحكام آمرة ومتعلقة بالنظام العام أوردها على سبيل الحصر في القانون رقم 49 لسنة 1977 ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981 مما مفاده أن المشرع إن لم يصادر حق المتعاقدين في الاتفاق على الشرط الصريح الفاسخ في عقد الإيجار إلا أنه أورد عليه قيوداً تتطلب لإعماله ألا يتعارض مع القواعد الموضوعية الآمرة في تلك القوانين الاستثنائية أو استبقاء الضوابط اللازمة لإعماله في هذه القوانين، فلا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر متى كان خاضعاً لأحكام التشريع الاستثنائي إلا لسبب من الأسباب المبينة بهذا التشريع، فإن كان عقد الإيجار قد تضمن شرطاً صريحاً فاسخاً تعين أن يكون تحقق هذا الشرط وفق ما نص عليه التشريع الاستثنائي من ضوابط.
8 - الحكم القطعي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هو ذلك الذي يضع حداً للنزاع في جملته أو في جزء منه أو في مسالة متفرعة عنه بفصل حاسم لا رجوع من فيه من جانب المحكمة التي أصدرته.
9 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توزيع العمل على دوائر المحكمة مسألة تنظيمية وليس من شأن ذلك التوزيع أن يخلق نوعاً من اختصاص تنفرد به دائرة دون أخرى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 3245 لسنة 1983 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية على الشركة المطعون ضدها بطلب الحكم بصفة مستعجلة بتمكينه من إصلاح الخلل والتلفيات في أسوار الأرض المبينة بالصحيفة، وفي الموضوع بطرد المطعون ضدها من العين محل النزاع وتسليمها له، وقال بياناً لها، أنه بموجب عقد مؤرخ 5/ 3/ 1963 استأجرت منه المطعون ضدها قطعة أرض فضاء مسورة لاستعمالها ورشة سمكرة وطلاء للسيارات وحظيرة لإيوائها "جراج" إلا أنها أخلت بالتزاماتها العقدية بأن وضعت بها مواد ملتهبة وتأخرت في الوفاء بالأجرة فأنذرها بالسداد واعتبار العقد مفسوخاً فطلبت مهلة للانتقال من العين المؤجرة إلا أنها لم تفعل مما يجعل يدها عليها يد غاصب ومن ثم أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. قضت المحكمة بتاريخ 1/ 11/ 1983 بعدم جواز نظر الشق المستعجل لسابقة الفصل فيه في الدعوى رقم 406 لسنة 1983 مستعجل القاهرة وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لأداء المهمة المبينة بمنطوق الحكم، ثم عادت بعد ذلك وحكمت في موضوع الدعوى برفضها - استأنف الطاعن الحكم الأول أمام محكمة استئناف القاهرة برقم 6173 لسنة 100 ق، ثم استأنف الحكم الثاني أمام ذات المحكمة برقم 3149 لسنة 101 قضائية وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 20/ 6/ 1984 بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة - فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعي الطاعن بالوجه الأول من السببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والبطلان، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بعدم صلاحية رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم الابتدائي لأنه سبق أن رفض طلب إصدار أمر أداء بالأقساط المستحقة كمقابل انتفاع للعين محل النزاع وقرر تسوية الحساب بين طرفي النزاع في الدعوى المطعون في حكمها بقضاء تمهيدي أصدرته المحكمة بما يمتنع عليه معه الفصل في طلب الطرد المستند إلى انفساخ العقد لعدم سداد الأجرة أو التأخر فيه عن الموعد المحدد في العقد إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع وقضى بتأييد الحكم المستأنف رغم بطلانه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن النص في المادة 146 من قانون المرافعات على أن "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية....." إذا ما كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتبها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى الشهادة فيها" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المعول عليه في إبداء الرأي الموجب لعدم صلاحية القاضي إفتاء كان أو مرافعة أو قضاء أو شهادة هو أن يقوم القاضي بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية - تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، مخافة أن يتشبث برأيه الذي يكشف عنه عمله المتقدم حتى ولو خالف مجرى العدالة وضناً بأحكام القضاء من أن يعلق بها استرابة من جهة شخص القاضي لدواع يذعن لها عادة أغلب البشر. وكان النص في المادة 204 من قانون المرافعات الواردة في الباب الخاص بأوامر الأداء على أنه "إذا رأى القاضي ألا يجيب الطالب إلى كل طلباته كان عليه أن يمتنع عن إصدار الأمر وأن يحدد جلسة لنظر الدعوى أمام المحكمة مع تكليف الطالب بإعلان خصمه إليها". يدل على أن المشرع أوجب على القاضي متى رأى عدم توافر شروط إصدار الأمر بالأداء في الدين موضوع المطالبة، أو رأى ألا يجيب الطالب لبعض طلباته أن يمتنع عن إصداره، ويحدد جلسة لنظر الدعوى أمام المحكمة، وإذ كان رفض القاضي إصدار أمر بالأداء لا يوجب القانون تسبيبه فإن هذا الرفض لا ينبئ بذاته عن تكوين القاضي رأياً خاصاً في موضوع الحق، ومن ثم فإنه لا يفقد صلاحيته للفصل في النزاع حول الحق موضوع الطلب - لما كان ذلك - وكان طلب استصدار أمر أداء بالأقساط المستحقة كمقابل انتفاع لا يمنع من نظر دعوى الطرد لعدم سداد الأجرة أو التأخر فيه عن الميعاد المحدد بعقد الإيجار لاختلاف الموضوع والسبب في كل منهما، فإن رفض القاضي إصدار أمر أداء بأقساط مقابل الانتفاع لا يتوافر به سبب من أسباب عدم الصلاحية - لما كان ذلك - وكان قضاء المحكمة بندب خبير لبيان الأجرة القانونية للعين المؤجرة والتي هي محل نزاع بين طرفي العقد في دعوى الطرد لعدم سداد الأجرة أو التأخر فيه، وما سدد منها أو لم تسدد لا يكشف بذاته عن رأي المحكمة في موضوع الدعوى لأن تقرير الخبير لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات يخضع لتقديرها بما لا يحول بين المحكمة وبين الفصل في الدعوى بعد ذلك فإن دفاع الطاعن على ما ورد في وجهي النعي لا يكون دفاعاً جوهرياً تلتزم المحكمة بالرد عليه لافتقاره إلى أساس قانوني سليم وبالتالي يضحى النعي بوجهيه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الأول والوجه من الثاني إلى السادس والوجه الثامن من السبب الثاني مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والقصور في التسبيب والإخلاء بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول أن الأرض الفضاء لا تخضع لأحكام القانون الاستثنائي ولا يضير من طبيعتها أن تكون مسورة أو بها إنشاءات أقامها المستأجر أو مستأجر سابق عليه ما دامت قيمتها الإيجارية لم تتغير، إلا أن الحكم خالف هذا النظر دون أن يعرض لإقرار ممثل الشركة المطعون ضدها في المحضر رقم 596 لسنة 1984 إداري البلدية بأن العين محل النزاع أرض فضاء أو المعاينة التي تمت فيه أو إقرارها بكتابها المؤرخ 25/ 1/ 1979 بطلب مهلة للانتقال من العين المؤجرة لعدم صلاحيتها رغم أن ذلك يسوغ له إثباته بكافة طرق الإثبات، كما لم يعرض الحكم لدفاعه بأن هذه الأرض محددة في العقد بحدود أربع مما لا ينص في عقود إيجار الأماكن مع أنه دفاع جوهري وعول على ما جاء بالبند 40 من عقد الإيجار في حين أنه بند مطبوع واستدل على ما ذهب إليه من أنها ليست أرض فضاء من وجود بعض تركيبات بها أقامها المستأجر السابق على الشركة المطعون ضدها وباعها له.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير عبارات العقد وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط الواقع منها وصولاً إلى تكييفه التكييف الصحيح مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها ما دامت لم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات العقد أو تخرج بالمعنى الظاهر لهذه العبارات إلى معني آخر لا يستساغ فيها - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن عقد إيجار العين محل النزاع انصب على مكان يخضع لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية على ما قرره من أن "الثابت من الاطلاع على العقد المبرم بين طرفي الاستئناف في 5/ 2/ 1963 أنه قد نص في بنده السابع على بعض الأحكام بشأن هدم المحل المؤجر كله وكذا عند حصول خلل بالمحل المؤجر أو هدم بعضه أو عمل ترميمات كبرى به، كما نص في البند الثالث والثلاثين منه على واجبات البواب المعين بالمكان المؤجر وأنها تنحصر في تنظيف الأعيان المؤجرة والمحافظة على أبنيتها وأخشابها ونص كذلك في البند الرابع والثلاثين منه على التركيبات الكهربائية وذيل العقد لكشف جرد نوه البند الثاني من العقد عن استلام الشركة المستأجرة لها.... وقد تضمن البند الأربعين في فقرته الأولى إقراراً صريحاً من طرفي التعاقد....... بأن هذه الأجرة - وهي المتعاقد عليها مخفضة بنسبة 20% المنصوص عليها في القانون رقم 55 لسنة 1958 الذي أضاف المشرع بمقتضاه المادة 5 مكرراً إلى القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين وكان هذا الذي قرره الحكم يتفق مع عبارات العقد الواضحة ويؤدي إلى ما انتهى إليه من أن محل العقد منشأة مبنية تخضع لتشريعات إيجار الأماكن المتعاقبة وقام قضاؤه على أسباب سائغة تكفي لحمله فلا عليه أن يتتبع بعد ذلك كل حجة أو قول للطاعن وأن يرد عليها استقلالاً طالما أن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها المحكمة وأوردت دليها الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها ومن ثم يضحى النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجهين الثالث والخامس من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن عرض الشركة المطعون ضدها للأجرة عليه جاء ناقصاً لأنه لم يتضمن الزيادة التي قررها القانون رقم 136 لسنة 1981 والتي يترتب على عدم سدادها ما يترتب على التأخير في سداد الأجرة الأصلية، كما تضمن ذلك العرض شرطاً تعسفياً إلا أن الحكم اعتد بهذا العرض واعتبره مبرئاً لذمتها.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن المادة 253 من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض بذاتها على بيان الأسباب التي بني عليها الطعن - قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً وافياً نافياً عنها الغموض والجهالة وأن يبين فيها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يراد التحدي به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً ولا غناء عن ذلك حتى لو أحال الطاعن إلى ورقة أخرى قدمت في الطعن ذاته، لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يورد في صحيفة طعنه بالنقض وجه عدم صحة إنذارات العرض أو مقدار المبالغ المستحقة على الشركة المطعون ضدها وما لم تعرضه منها أو مقدار الزيادة التي قررها القانون رقم 136 لسنة 1981 وما كان يجب تعرضه منها، كما لم يبين بها الشرط التعسفي ووجه العسف فيه حتى يتسنى الوقوف على مدى صحة ما يتحدى به، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون مجهلاً وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الرابع من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 4466 لسنة 1983 مدني كلي جنوب القاهرة قضى بمديونية الشركة المطعون ضدها في مبلغ يقل عن 000،250 جنيه إلا أن الحكم المطعون فيه قضى ببراءة ذمتها من الدين المذكور رغم نهائية الحكم سالف الذكر فأهدر بذلك ما لهذا الحكم من قوة الأمر المقضي.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون فإذا تخلفوا عن اتخاذ هذا الإجراء كان طعنهم في هذا الخصوص مفتقراً إلى دليله، إذ كان الثابت أن الطاعن لم يقدم ما يدل على نهائية الحكم الصادر في الدعوى رقم 4466 لسنة 1983 مدني كلي جنوب القاهرة حتى يتسنى التحقق من صحة ما ينعاه في هذا الخصوص على الحكم المطعون فيه ومن ثم يضحى النعي مفتقراً لدليله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجوه السادس والسابع والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر من السبب الأول مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن العقود التي تتضمن شرطاً صريحاً فاسخاً تنفسخ بمجرد حلول آجال الوفاء بالأجرة دون الوفاء بها، ولا يؤثر على هذا الفسخ الوفاء بها بعد ذلك إلا أن الحكم المطعون فيه لم يفرق بين العقود التي تشتمل على شرط صريح فاسخ وغيرها من العقود التي لا تشتمل على مثل هذا الشرط في إمكان الوفاء بالأجرة إلى ما قبل قفل باب المرافعة في الدعوى وخلط بين تحقق الشرط الصريح الفاسخ وبين قرارات وحالات التنكيس التي تقوم على قرار من جهة الإدارة ولم يرتب على عدم الإخطار بالهدم فسخ العقد، وحصر أسباب الإخلاء فيما نصت عليه المادة 18 من القانون رقم 136 رغم وجود أسباب غيرها توجب الإخلاء، واعتبر أن وضع مواد قابلة للالتهاب بالعين محل النزاع من قبيل إساءة استعمالها وليست حالة من الحالات التي توجب الفسخ التي وردت في البند 26 من العقد.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن ولئن كانت الأحكام العامة في القانون المدني، إعمالاً لمبدأ سلطان الإدارة، وما نصت عليه المادة 158 منه تجيز في العقود الملزمة للجانبين الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بما يؤدي إلى وقوع الفسخ في هذه الحالة نفاذاً لذلك الاتفاق بقوة القانون وحرمان المتعاقد بذلك من ضمانين إذ يقع الفسخ حتماً دون أن يكون للقاضي خيار في أمره، بل ويتحقق ذلك دون حاجة إلى التقاضي ما لم ينازع المدين في وقوع موجب الفسخ وإن كانت مهمة القاضي تقف في هذه الحالة عند حد التحقق من عدم الوفاء بالالتزام ليقرر اعتبار الفسخ حاصلاً فعلا ًإلا أنه تحقيقاً للتوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين للأماكن التي تسري عليها أحكام القوانين الاستثنائية المنظمة للإيجار، ورأى المشرع التدخل بتعيين أسباب ا لإخلاء بأحكام آمره ومتعلقة بالنظام العام أوردها على سبيل الحصر في القانون رقم 49 لسنة 1977 ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981 مما مفاده أن المشرع إن لم يصادر حق المتعاقدين في الاتفاق على الشرط الصريح الفاسخ في عقد الإيجار إلا أنه أورد عليه قيوداً تتطلب لإعماله ألا يتعارض مع القواعد الموضوعية الآمرة في تلك القوانين الاستثنائية أو استبقاء الضوابط اللازمة لإعماله في هذه القوانين، فلا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر متى كان خاضعاً لأحكام التشريع الاستثنائي إلا لسبب من الأسباب المبينة بهذا التشريع، فإن كان عقد الإيجار قد تضمن شرطاً صريحاً فاسخاً تعين أن يكون تحقق هذا الشرط وفق مما نص عليه التشريع الاستثنائي من ضوابط - لما كان ذلك - وكانت العين موضوع النزاع ما يخضع للتشريع الاستثنائي على النحو السالف بيانه في الرد على الوجه الثاني من السبب الأول والأوجه الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والثامن من السبب الثاني، وإذ لم يدع الطاعن تحقق أياً من الشروط الفاسخة الصريحة المشار إليه بأوجه النعي وفق ما نص عليه التشريع الاستثنائي من ضوابط فإن النعي على الحكم المطعون فيه بعدم إعماله الأثر الفوري لتلك الشروط يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثامن من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم التمهيدي الصادر من محكمة الدرجة الأولى بأن العين محل النزاع أرض فضاء وأصبح الحكم نهائياً ومن ثم لا يجوز لمحكمة الموضوع بدرجتيها أن تعاود مناقشة ذلك إلا أن الحكم المطعون فيه أهدر هذه الحجية.
وحيث إن النعي غير صحيح، ذلك أن الحكم القطعي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ذلك الذي يضع حداً للنزاع في جملته أو في جزء منه أو في مسالة متفرعة عنه بفصل حاسم لا رجوع فيه من جانب المحكمة التي أصدارته، وإذ كان ما أورده الحكم التمهيدي الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 10/ 11/ 1983 في خصوص ندب خبير لم يتضمن قضاء قطعياً في ماهية العين المؤجرة وما إذا كانت أرض فضاء أم مبنية بل البين من الحكم أنه كلف الخبير بيان رأيه في هذا الخصوص. فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه السابع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي بعدم جواز نظر الشق المستعجل لسابقة الفصل فيه بالحكم رقم 456 لسنة 1983 مستعجل جزئي القاهرة رغم اختلاف السبب في الدعويين إذ السبب في هذه الدعوى هو تنفيذ قرار التنكيس الصادر من جهة الإدارة بينما السبب في الشق المستعجل في الدعوى المطعون في حكمها هو شروط عقد الإيجار ونص المادة 570 من القانون المدني.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أن البين من الصورة الضوئية لصحيفة الدعوى رقم 406 لسنة 1983 مدني مستعجل القاهرة، والحكم الصادر فيها أن الطاعن طلب إخلاء الشركة المطعون ضدها من العين المؤجرة استناداً إلى البندين رقمي 7/ 3، 5، 26 وقرار التنكيس الصادر برقم 31 سنة 1981 وهي ذات الأسباب التي بني عليها الطاعن طلب إخلاء الشركة المطعون ضدها في الشق المستعجل من الدعوى المطعون في حكمها، ومن ثم فإن تأييد الحكم المطعون فيه للحكم الابتدائي فيما قضى به من عدم جواز نظر الدعوى بالنسبة لهذا الشق منها - لسابقة الفصل فيه يكون قد بني على سببه الصحيح ويضحى النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي على الوجه التاسع من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم ذهب في قول مجمل ومرسل إلى أن الشركة المطعون ضدها قد سددت الأجرة محل التداعي قيمة ومدة دون بيان لجملة المبالغ المستحقة عليها وتلك التي أوفت بها بما في ذلك المصاريف الفعلية.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أحال في أسبابه إلى مدونات الحكميين الابتدائيين بالنسبة لبيان واقعات الدعوى، وكان هذان الحكمان قد أوردا في مدوناتهما بيان الأشهر التي ينسب الطاعن إلى المطعون ضدها تأخرها في سداد أجرتها والقيمة الإيجارية الشهرية المتفق عليها في عقد الإيجار، وكذلك بيان ما قامت المطعون ضدها بوفائه من تلك الأجرة وغيرها والوسيلة التي أوفت بمقتضاها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص من ذلك إلى أن المطعون ضدها أوفت بالأجرة المستحقة عن المكان المؤجر حتى نهاية يونيه سنة 1984 مجاوزة في سدادها الأجرة المطالب بها سواء في القدر أو المدة محل الطلب فإن النعي عليه في هذا الصدد بقصور التسبب يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول أنه تقدم بمذكرة أثناء فترة حجز الدعوى للحكم أورد بها أوجه بطلان الحكم المستأنف والتي من بينها عدم صلاحية الهيئة التي أصدرت الحكم الأخير إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لها في مدوناته أو يرد على ما تضمنته من دفاع جوهري رغم أنها مقدمة في الميعاد.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه متى كان الطاعن لم يبين في تقرير الطعن أوجه الدفاع التي ضمنها مذكرته التي قدمها أثناء حجز الاستئناف للحكم والتي ينعى على الحكم المطعون فيه إغفال الرد عليها، فإن النعي على الحكم بهذا الشق من السبب يكون مجهلاً وبالتالي غير مقبول، أما ما ينعاه التي أصدرت الحكم المستأنف فهو ليس دفاعاً جوهرياً على ما سلف بيانه في الرد على الوجه الأول من السببين الأول والثاني مما لا يعيب الحكم إغفال الرد عليه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه بطلان الإجراءات والتناقض، وفي بيان ذلك يقول أن محكمة الاستئناف انتهت في قضائها إلى أن العين المؤجرة تخضع لقانون إيجار الأماكن مما يجعل الدعوى من اختصاص إحدى دوائر الإيجارات إلا أن المحكمة فصلت فيها رغم أن الشركة المطعون ضدها طلبت إحالتها إلى دائرة الإيجارات لهذا السبب.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توزيع العمل على دوائر المحكمة مسألة تنظيمية وليس من شأن ذلك التوزيع أن يخلق نوعاً من اختصاص تنفرد به دائرة دون أخرى بما يضحى معه النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك يقول أن رئيس الدائرة هاجمه وعنفه لتسليمه حافظة المستندات مع أصل وصورة المذكرة الأولى إلى أمين السر ولم يسلمها له وحجز الدعوى للحكم في ذات الجلسة مما يبطل الحكم طبقاً للمادة 146/ 2 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان الطاعن لا يذهب في وجه النعي إلى ما يدعيه منسوب إلى رئيس الدائرة لتسليمه حافظة المستندات ومذكرة الدفاع إلى أمين السر بالجلسة يصح أن يعتبر خصومة من أي نوع بينه وبين رئيس الدائرة تمنع من نظر الدعوى على ما توجبه المادة 146/ 2 من قانون المرافعات فإن النعي على الحكم بالبطلان في هذا الوجه يكون في غير محله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.