أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 40 - صـ 301

جلسة 18 من مايو 1989

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة، د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي ومحمد شهاوي.

(208)
الطعن رقم 740 لسنة 52 القضائية

(1) نقض "صحيفة الطعن". بطلان. موطن.
وجوب اشتمال صحيفة الطعن على بيان موطن الخصم. م 253 مرافعات. الغرض منه تحقيق الغاية من الإجراء. لا بطلان. م 20 مرافعات.
(2) إثبات "الإدعاء بالتزوير". تزوير "الحكم في الإدعاء بالتزوير". حكم "إصدار الحكم". دعوى "الإدعاء بالتزوير". دفوع. "المصلحة في الدفع".
قاعدة عدم جواز الحكم بصحة الورقة أو تزويرها وفي الموضوع معاً. م 44 إثبات مقررة لمصلحة الخصم الذي يحكم عليه في الإدعاء بالتزوير. علة ذلك.
(3) تحكيم "مشارطة التحكيم". بطلان.
التحكيم. ماهيته. اقتصاره على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين. لازمه. تحديد نطاق التحكيم. علة ذلك. جواز إتمام هذا التحديد أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم شرطه. مخالفة هذه الأحكام. أثرها.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تفسير العقد". تحكيم.
محكمة الموضوع. سلطتها في فهم نصوص مشارطة التحكيم وتعريف المقصود منها. شرطه. تبيان الاعتبارات المقبولة التي دعتها إلى الأخذ بما ثبت لديها والعدول عما سواه.
(1) إذا نصت المادة 253 من قانون المرافعات على أن تشتمل صحيفة الطعن على بيان موطن الخصم فقد استهدفت إعلام ذوي الشأن به حتى يتسنى إعلانه بالأوراق المتعلقة بسير الطعن فإذا ما تحققت هذه الغاية التي تغياها المشرع من الإجراء فلا يحكم بالبطلان تطبيقاً لنص المادة 20 من هذا القانون.
2 - مفاد نص المادة 44 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 أنه لا يجوز الحكم بصحة الورقة أو بتزويرها وفي الموضوع معاً بل يجب أن يكون القضاء في الإدعاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، إلا أنه لما كانت الغاية التي توخاها المشرع من هذا النص لا شأن لها بالنظام العام إذ هي تتعلق بصالح الخصوم، استهدافاً بألا يحرم الخصم الذي تمسك بالورقة وحكم بتزويرها أو الخصم الذي ادعى التزوير وأخفق في إدعائه من تقديم ما يكون لدية من دفوع وأوجه دفاع وأدلة قانونية ادخرها لمواجهة خصمه في موضوع الدعوى. ومن ثم فإن صاحب المصلحة في تعييب الحكم بالإخلال بحق الدفاع إذا ما خالف تلك القاعدة يكون هو الخصم الذي حكم عليه في الإدعاء بالتزوير سواء كان قد تمسك بالورقة وقضى بتزويرها أو كان ادعى التزوير وأخفق في ادعائه.
3 - التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات، قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية، وما تكفله من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور حتماً على ما تنصرف إرادة المحتكمين على عرضه على هيئة التحكيم، ولا يصح تبعاً إطلاق القول في خصومه بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وقد أوجبت المادة 822 من قانون المرافعات السابق المنطبقة على واقعة الدعوى - المقابلة للمادة 501 من القانون الحالي - أن تتضمن مشارطة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين، ويتسنى رقابة مدى التزامهم حدود ولايتهم، وأجاز المشرع في نفس المادة أن يتم هذا التحديد أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم، مما يستلزم موافقة المحتكمين عليه كشرط لتمامه، وقد رتب القانون البطلان جزاء على مخالفة هذه الأحكام.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم نصوص مشارطة التحكيم وتعرف ما قصد منها دون التقيد بألفاظها بحسب ما تراه أدنى إلى نية أصحاب الشأن مستهدية في ذلك بوقائع الدعوى وظروفها، ولا رقابة عليها في ذلك ما دامت قد بينت الاعتبارات المقبولة التي دعتها إلى الأخذ بما ثبت لديها والعدول عما سواه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن وأعضاء هيئة التحكيم المشكلة من المطعون ضدهما الثاني والثالث الدعوى رقم 3180 لسنة 1968 مدني القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف النفاذ المشمول به حكم المحكمين رقم 9 لسنة 1968 القاهرة الابتدائية، وفي الموضوع ببطلان هذا الحكم، وقال بياناً لدعواه أنه بموجب عقد شركة تاريخه 1/ 11/ 1964 وسجل برقم 129791 سجل تجاري القاهرة تكونت شركة تضامن بينه وبين الطاعن تحت اسم"....." بحق النصف لكل منهما واتخذت من الشقة المؤجرة منهما..... مقراً لها، وبتاريخ 18/ 11/ 1967 عدل عقد الشركة فأصبح اسم الشركة "......" وعهد إلى الطاعن بحق الإدارة منفرداً ثم فوجئ بتاريخ 3/ 6/ 1968 بقيام الأخير بتغيير الاسم التجاري للشركة إلى "........" وبإخراج منقولاتها ومنعه من الدخول إلى مقرها بالقوة فأبلغ الشرطة بذلك وتحرر عن الواقعة محضر الأحوال رقم 54 لسنة 1968 قسم عابدين وواجه الطاعن البلاغ بأن ما قام به من أعمال كان تنفيذاً لحكم المحكمين آنف الذكر بناءً على مشارطة تحكيم بين الطرفين وأن قاضي الأمور الوقتية أمر بوضع الصيغة التنفيذية على هذا الحكم بتاريخ 9/ 6/ 1968، في حين أن مشارطة التحكيم وحكم المحكمين المنفذ به قد شابهما البطلان لمخالفتهما نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية بشأن التحكيم، فمشارطة التحكيم قد خلت من تحديد موضوع النزاع المطلوب فضه عن طريق المحكمين وحدث تزوير مادي في بياناتها عن طريق الإضافة أما حكم المحكمين فيبين من عنوانه أنه قرار وليس حكماً، وقد تضمن ما يفيد سبق الفصل في بعض أوجه النزاع من عضوين فقط مع أن القانون يوجب أن يكون عدد المحكمين وتراً، كما خرج المحكمون عن مشارطة التحكيم بقضائهم بفصله من الشركة وحرمانه من الانتفاع بالشقة المؤجرة لها وقصر اسمها التجاري على الطاعن وحده وبما ورد بأسبابه من اتهامه باختلاس مبلغ ستة عشر ألف جنيه من أموال الشركة، وشاب هذا الحكم العديد من أوجه القصور منها خلوه من بيان أسانيده في إلزامه بالمبالغ التي قضى بها لمصلحة الطاعن وعدم إشارته إلى منازعة الطرفين في حساب "دار بارادي للطباعة" بالإضافة إلى عدم صلاحية المحكمين للفصل في النزاع لعدم حيدتهم. لهذا فقد أقام الدعوى ليحكم بطلباته. وبتاريخ 4 من إبريل سنة 1970 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 1921 لسنة 87 قضائية القاهرة وادعى بتزوير مشارطة التحكيم ندبت المحكمة خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير لبحث هذا الإدعاء كما أحالت الدعوى إلى التحقيق في خصومه وبعد إجراءه حكمت بتاريخ 18 من يناير سنة 1982 برفض الإدعاء بالتزوير وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان حكم المحكمين رقم 9 لسنة 1968 القاهرة الابتدائية واعتباره كأن لم يكن. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ودفع المطعون ضده الأول ببطلان الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض هذا الدفع وبنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره فيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدي من المطعون ضده الأول أن صحيفة الطعن لم يرد بها بيان عن موطنه بالزمالك وأن ما ورد بها من وجود محل إقامة له بشارع الأهرام بالجيزة غير صحيح، وذلك من شأنه بطلان الطعن طبقاً للمادة 253 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا الدفع مردود ذلك بأن المادة 253 من قانون المرافعات إذ نصت على أن تشتمل صحيفة الطعن على بيان موطن الخصم فقد استهدفت إعلام ذوي الشأن به حتى يتسنى إعلانه بالأوراق المتعلقة بسير الطعن فإذا ما تحققت هذه الغاية التي تغياها المشرع من الإجراء فلا يحكم بالبطلان تطبيقاً لنص المادة 20 من هذا القانون، لما كان ذلك وكان الثابت أن صحيفة الطعن قد تضمنت بياناً عن موطن المطعون ضده الأول ولما لم يحصل الإعلان وتبين أن له موطناً آخر تم إعلانه عليه فأودع مذكرة في الميعاد القانوني بالرد على الطعن وهو من شأنه أن يحقق الغاية التي ينشدها القانون ومن ثم يكون الدفع ببطلان الطعن على غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعي الطاعن بأولهما على الحكم المطعون مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول أنه قضى في إدعاء المطعون ضده الأول بالتزوير برفضه وحكم في الموضوع معاً خلافاً لنص المادة 44 من قانون الإثبات الذي يوجب أن يكون القضاء في الإدعاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى.
وحيث إن النعي مردود بأنه وإن كان مفاد نص المادة 44 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 أنه لا يجوز الحكم بصحة الورقة أو بتزويرها وفي الموضوع معاً بل يجب أن يكون القضاء في الإدعاء بالتزوير سابقاً على الحكم موضوع الدعوى، إلا أنه لما كانت الغاية التي توخاها المشرع من هذا النص لا شأن لها بالنظام العام إذ هي تتعلق بصالح الخصوم، استهدافاً بألا يحرم الخصم الذي تمسك بالورقة وحكم بتزويرها أو الخصم الذي ادعى التزوير وأخفق في إدعائه من تقديم ما يكون لديه من دفوع وأدلة قانونية ادخرها لمواجهة خصمه في موضوع الدعوى. ومن ثم فإن صاحب المصلحة في تعييب الحكم بالإخلال بحق الدفاع إذا ما خالف تلك القاعدة يكون هو الخصم الذي حكم عليه في الإدعاء بالتزوير سواء كان قد تمسك بالورقة وقضى بتزويرها أو كان قد ادعى التزوير وأخفق في إدعائه. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن هو الذي تمسك بالورقة موضوع الإدعاء بالتزوير وأن المطعون ضده الأول هو الذي سلك سبيل هذا الإدعاء أمام محكمة الاستئناف التي قضت لصالح الطاعن برفض الإدعاء بالتزوير فإن مصلحة الأخير تنتفي في إثارة عيب يتصل بإخلال المحكمة بحق الدفاع لخصمه بعدم قصر حكمها على الفصل في الإدعاء بالتزوير دون التصدي للفصل في موضوع النزاع طبقاً للقاعدة في المادة 44 من قانون الإثبات مما يغدو معه النعي بهذا السبب غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وفي ذلك يقول أنه أقام قضاءه ببطلان حكم المحكمين على أن المستفاد من عبارات مشارطة التحكيم والوقائع التي سردتها هيئة التحكيم في حكمها أن موضوع النزاع الذي اتجهت إرادة الطرفين لحله عن طريق التحكيم يتعلق بإدارة الشركة القائمة بينهما وتصفية حساباتها في مرحلتي الإدارة السابقة التي تولاها كل منهما وإيجاد طريقة مثلى للإدارة، وأن إرادتهما لم تنصرف إلى حل الشركة أو عزل أحد الشركاء وأن ما أبداه الطاعن من هذه الطلبات في مرافعته أمام هيئة التحكيم لا اعتداد به لعدم موافقة المطعون ضده الأول على عرض هذه الأمور على التحكيم، هذا في حين أن الثابت من مشارطة التحكيم أن الطرفين اتفقا على الفصل في النزاع القائم بينهما حول الشركة عن طريق التحكيم بعد دراسة كل جوانبه والاستماع إلى دفاع كل منهما والإطلاع على مستنداته كما انعقدت هيئة التحكيم مرتين وتوصلت في المرة الأولى إلى حل مؤقت هو أن يكون مكتب الشركة مناصفة بين الطرفين كما طلب منها المطعون ضده الأول في المرة الثانية عمل جرد تفصيلي لتحديد سلطات المدير وأثبت الأخير في المشارطة أن الطاعن قدم طلبات مضادة والمعني بها تلك الطلبات التي أبداها في بالمرافعة أمام هيئة التحكيم وتنحصر في طلب فصل المطعون ضده الأول من الشركة وحرمانه من الانتفاع بالشقة المؤجرة لها وإلزامه برد مبلغ ستة عشر ألف جنيه، ولما كان من الجائز تحديد موضوع النزاع أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم وكان الطرف الأخر لم يعترض على طلباته آنفة الذكر كما أن توقيع الطرفين على محضر الجلسة الذي أثبت فيه هذه الطلبات يفيد موافقتهما على الفصل فيها عن طريق هيئة التحكيم فلا يعتبر قضاء الهيئة فيها خروجاً منها على مشارطة التحكيم خلافاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات، قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية، وما تكفله من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور حتماً على ما تنصرف إرادة المحتكمين على عرضه على هيئة التحكيم، ولا يصح تبعاً إطلاق القول في خصومه بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وإذ أوجبت المادة 822 من قانون المرافعات السابق المنطبقة على واقعة الدعوى - المقابلة للمادة 501 من القانون الحالي - أن تتضمن مشاركة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين، ويتسنى رقابة مدى التزامهم حدود ولايتهم، وأجاز المشرع في نفس المادة أن يتم هذا التحديد أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم، مما يستلزم موافقة المحتكمين عليه كشرط لتمامه، وكان القانون قد رتب البطلان جزاءً على مخالفة هذه الأحكام. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على قوله: "أن مشارطة التحكيم قد بينت موضوع التحكيم في عبارات النزاع. القائم بينهما بشأن الشركة المقامة بموجب الاتفاق المحرر في 1/ 11/ 1964 المعدل بالعقد المؤرخ 18/ 11/ 1967 على أن يشمل التحكيم شركة...... وذلك دون تحديد واضح ودقيق للنقاط التي سيتعين على المحكمين الفصل فيها فمن ثم تعين البحث في هذه العبارات وغيرها مما ورد بالأوراق عن حقيقة إرادة الطرفين لاستجلاء المقصود بالمشارطة...... ولما كان المستفاد من العبارات الأخرى في المشارطة ومن أسباب حكم المحكمين أن النزاع بين الطرفين نشب بسبب الإدارة واتهام كل منهما للآخر باختلاس مبالغ خلال فترة إدارته ومن ثم فقد كان اتفاقهما على التحكيم لتصفية حساب الإدارتين بطريق الجرد ثم وضع الطريق المثلى للإدارة..... دون أن يمتد ذلك إلى تصفية الشركة أو عزل أحد الشركاء ولا يغير من ذلك ما أبداه المستأنف ضده الطاعن - من طلبات إلى هيئة التحكيم أثناء المرافعة لأن تلك الطلبات لم تكن محلاً لموافقة المستأنف - المطعون ضده الأول - وقبوله التحكيم بشأنها ولكنه أبدى وجهة نظره في طلبات أخرى تتمثل في مشروع أمثل لإدارة الشركة. وحيث إنه لما كان ذلك وكان حكم المحكمين لم يعن بالفصل في النزاع حول الإدارة وتحديد حساب كل إدارة من الطرفين...... بل تجاوز موضوع التحكيم إلى الحكم بإخراج المستأنف من الشركة وقصر اسمها التجاري على المستأنف ضده مع إسقاط حق المستأنف في الانتفاع بالشقة المشغولة بالشركة فضلاً عن إلزامه لصالح المستأنف ضده دون الشركة التي لها شخصيتها الاعتبارية....... قبل أن يتم تصفيتها ودون أن يكون الاتفاق على التحكيم شاملاً لهذه الأمور، فمن ثم يكون المحكمون قد تردوا في خطأ مبطل لعملهم هو تجاوز المشارطة الأمر الذي يترتب عليه بطلان حكمهم، متى كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم نصوص مشارطة التحكيم وتعرف ما قضى منها دون التنفيذ بألفاظها بحسب ما تراه أدنى إلى نية أصحاب الشأن مستهدية في ذلك بوقائع الدعوى وظروفها، ولا رقابة عليها في ذلك ما دامت قد بينت الاعتبارات المقبولة التي دعتها إلى الأخذ بما ثبت لديها والعدول عما سواه وكانت محكمة الاستئناف قد استخلصت في حدود سلطتها التقديرية للأسباب السائغة التي أوردتها واستقتها مما تضمنته عبارات مشارطة التحكيم ومن ظروف النزاع التي سردها حكم المحكمين أن الموضوع الذي انصرفت إليه إرادة المحتكمين إلى عرضه على التحكيم بخصوص نزاعهما حول الشركة ينحصر في مسألة الإدارة وتصفية الحسابات بينهما في الفترة السابقة وإيجاد طريقة مثلى لإدارتها في المرحلة المقبلة فحسب، دون غيرها من أمور تصفيتها أو إخراج أحد الشركاء منها، وأن اتفاقاً لم يتم بين المحتكمين أثناء المرافعة أمام هيئة التحكيم لعرض هذه الأمور الأخيرة على التحكيم التي طلبها الطاعن أثناء المرافعة حيث أعرض المطعون ضده الأول عنها ولم يوافق عليها بما أبده من طلبات مغايرة، لما كان ذلك فإن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من أن تصدي هيئة التحكيم بالفصل في طلبات الطاعن التي أبداها أمامها بما يخرج عن مشارطة التحكيم ينطوي على تجاوز منها لحدود ولايتها مما يبطل حكمها ومن ثم يكون سديداً أو موافقاً لصحيح حكم القانون. ولا يقبل من الطاعن التحدي بأن المطعون ضده الأول قد قبل طلباته الأخيرة استدلالاً من توقيعه عليها في محضر جلسة هيئة التحكيم طالما لم يقدم لمحكمة النقض صورة رسمية من هذا المحضر لبيان حقيقة ما استدل به عليه فيغدو نعيه بذلك مجرداً عن الدليل، ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.