أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 40 - صـ 388

جلسة 25 من مايو سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة، د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي وعبد العال السمان.

(224)
الطعن رقم 2763 لسنة 56 القضائية

(1، 2) إيجار "الأراضي الزراعية". إصلاح زراعي. بطلان. نظام عام "المسائل المتعلقة بالنظام العام: القواعد الآمرة". قانون. ملكية "نطاق الملكية".
(1) القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام. ماهيتها.
(2) حق الملكية. نطاقه. المادتين 802، 806 مدني. مؤداه، للمالك أن يؤجر ملكه، وله اختيار مستأجره وطلب إخلائه منه متى انتهت المدة المتفق عليها. الاستثناء. تقييد هذا الحق وامتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية. المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 وتعديلاته. انتفاء هذه القيود إذا تخلى المستأجر عن الأرض المؤجرة له. لازمه عدم جواز تقاضي المستأجر أي مقابل نقدي أو عيني. مخالفة ذلك. أثره. البطلان.
1 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى ولو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص بجرمها أو لم يرد.
2 - الأصل أن للمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه مراعياً في ذلك ما تقضي به القواعد وللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة عملاًَ بالمادتين 802، 806 من القانون المدني. مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الشيء الذي يملكه، وأن يختار مستأجره، وأن يطلب إخلاء المستأجر منه متى انتهت المدة المتفق عليها، وأن يستعمله في أي وجه مشروع يراه، غير أن الشارع رأى بمناسبة إصدار المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي وما لحقه من تعديلات الخروج على هذا الأصل فقضى بامتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية وتقييد حق المالك في طلب إنهائها وإخلاء المستأجر منها وذلك بالنسبة للحالات التي وردت في القانون آنف الذكر تحقيقاً للمصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لمستأجري هذه الأراضي مما لازمه أنه متى رغب المستأجرون في ترك الأرض المؤجرة إليهم انتفت القيود التي وضعها الشارع بهذا القانون استثناءاً من الأصل المقرر لحقوق ملاك الأراضي وتحقق بالتالي الوجه المقابل المتمثل في المصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الملاك في استرداد أراضيهم من مستأجريها دون مقابل حماية لحقوقهم المتفرعة عن حقهم في الملكية، ومن ثم فلا يجوز للمستأجر الذي يتخلى عن الأرض الزراعية المؤجرة له أن يسلب مالكها حق ملكية جزء منها لقاء هذا التخلي أو يقاسمه في ذلك الحق أو أن يتقاضى بأية صورة مقابلاً لتخليه عن الأرض سواء أكان المقابل نقداً أو عيناً وكل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلاً بطلاناً يقوم على اعتبارات متصلة بالنظام العام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعن الدعوى رقم 2633 سنة 1983 الزقازيق الابتدائية بطلب إبطال عقد البيع المؤرخ 30/ 8/ 1982 المتضمن بيعها له مساحة 20 س 8 ط أرضاً زراعية مبينة به على سند من أنه لم يدفع ثمناً لقاء هذا البيع وأنها أبرمت هذا العقد تحت إكراه مقابل تنازله عن باقي مساحة الأرض المؤجرة منها إليه، وأقام الطاعن الدعوى رقم 5437 لسنة 83 أمام محكمة الزقازيق الابتدائية على المطعون ضدها بطلب القضاء له بصحة ونفاذ العقد سالف الذكر لقاء ثمن مقداره ستة آلاف جنيه، استناداً إلى أن عقد البيع انعقد صحيحاً وتوافرت أركان انعقاده وامتنعت البائعة دون مسوغ عن تنفيذ التزامها بنقل ملكية المبيع إليه، ومحكمة أول درجة بعد أن قررت ضم الدعوى الثانية إلى الدعوى الأولى قضت في 28 من يناير سنة 1986 ببطلان عقد البيع وبرفض دعوى صحة ونفاذ هذا العقد. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 268 لسنة 29 قضائية لدى محكمة استئناف المنصورة "مأمورية الزقازيق" وبتاريخ 3 ديسمبر سنة 1986 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أعتبر أن عقد البيع الذي حصل بمقتضاه من المطعون ضدها على مساحة 20 س 8 ط من الأرض المؤجرة إليه منهما بدون عرض مقابل رده إليها باقي المساحة المؤجرة باطل لمخالفة ذلك الاتفاق للنظام العام مع أنه اتفاق لا يؤثمه القانون ولا ينطوي على افتئات على حق المطعون ضدها في الملكية، بل يتضمن تصرفاً صحيحاً بعرض يتمثل في حرمانه من حق الانتفاع بزراعة المساحة المتنازل عنها هذا إلى أن الحكم لم يعرض لما تمسك به من عدم جواز إثبات صورية الثمن الوارد بالعقد بغير الكتابة رغم ما لهذا الدفاع من دلالة على صحة اقتضاء البائعة للثمن، وهو ما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص بجرمها أو لم يرد، وإذ كان الأصل أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستقلاله والتصرف فيه مراعياً في ذلك ما تقضي به القوانين واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة عملاًَ بالمادتين 802، 806 من القانون المدني، مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الشيء الذي يملكه، وأن يختار مستأجره، وأن يطلب إخلاء المستأجر منه متى انتهت المدة المتفق عليها، وأن يستعمله في أي مشروع يراه، غير أن الشارع رأى بمناسبة إصدار المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي وما لحقه من تعديلات الخروج على هذا الأصل فقضى بامتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية وتقييد حق المالك في طلب إنهائها وإخلاء المستأجر منها وذلك بالنسبة للحالات التي وردت في القانون آنف الذكر تحقيقاً للمصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لمستأجري هذه الأراضي مما لازمه أنه متى رغب المستأجرون في ترك الأرض المؤجرة إليهم انتفت القيود التي وضعها الشارع بهذا القانون استثناءً من الأصل المقرر لحقوق ملاك الأراضي وتحقيق بالتالي الوجه المقابل المتمثل في المصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الملاك في استرداد أراضيهم من مستأجريها دون مقابل حماية لحقوقهم المتفرعة عن حقهم في الملكية، ومن ثم لا يجوز للمستأجر الذي يتخلى عن الأرض الزراعية المؤجرة له أن يسلب مالكها حق ملكية جزء منها لقاء هذا التخلي أو يقاسمه في ذلك الحق أو أن يتقاضى بأية صورة مقابلاً لتخليه عن الأرض سواء أكان المقابل نقداً أم عيناً وكل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلاً بطلاناً يقوم على اعتبارات متصلة بالنظام العام، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر واستخلص سائغاً أن سبب الاتفاق الذي أسبغ عليه الطرفان وصف البيع مخالف للنظام العام وهو ما يوافق صحيح القانون، وكان لا يجدي للطاعن النعي على الحكم إغفاله بحيث ما تمسك به من عدم جواز إثبات الثمن الوارد بالعقد بغير الكتابة وأن البيع تم بعرض متى انتهى الحكم صحيحاً إلى انتفاء قيام البيع بأركانه المعرفة في القانون وأن الاتفاق الذي انعقد بين طرفي التداعي طرفي باطل لمخالفة سببه للنظام العام ومن ثم يكون النعي برمته على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.