أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 851

جلسة 29 من مارس سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يحيى العموري نائب رئيس المحكمة، أحمد كمال سالم، سعد بدر وجرجس إسحق.

(175)
الطعن رقم1880 لسنة 49 القضائية

1 - محكمة الموضوع "سلطتها في التفسير".
تفسير الاتفاقات والمشارطات والمحررات من سلطة محكمة الموضوع بما تراه أوفى إلى نية عاقديها ما دامت لم تخرج عن المعنى الذي تحتمله عباراتها.
2 - عقد "الرضاء" "انعقاد العقد"
اتفاق الطرفين على المسائل الجوهرية وإرجاء مسائل تفصيلية. أثره. تمام العقد ما لم يعلق ذلك على الاتفاق عليها. للطرفين اللجوء للقضاء للفصل في المسائل التفصيلية.
3 - إثبات "طرق الإثبات": "الاستجواب" محكمة الموضوع.
الاستجواب. تصرف قانوني. توافر أركانه. واقع. لمحكمة الموضوع تحصيله. التحدي لأول مرة أمام محكمة النقض بعدم توافر هذه الأركان. غير مقبول.
1 - المقرر - وعلى ما جرى به قضاء النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير الاتفاقات والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها مستهدية في ذلك بظروف الدعوى وملابساتها ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت لا تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات الاتفاق.
2 - إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية واحتفاظهما بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها اعتبر العقد قد تم، وإذا قام بينهما خلاف على المسائل التي أرجئ الاتفاق عليها كان لهما أن يلجأ إلى المحكمة للفصل فيه.
3 - المقرر أنه وإن كان يشترط في الاستجواب - باعتباره تصرفاً قانونياً - أن يكون صادراً ممن له أهلية التصرف في الحق محل الاستجواب، إلا أن تحصيل الأركان اللازمة له هو من الأمور التي يخالطها واقع مما يترك تحصيله لمحكمة الموضوع ومن ثم لا يقبل التحدي بعدم توافر هذه الأركان - ومنها أهلية التصرف في الحق - لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك وكانت الأوراق قد خلت مما يفيد سبق تمسك الطاعن بهذا النعي أمام محكمة الموضوع ومن ثم فإنه يعد سبباً جديداً لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 6399 سنة 1976 مدني كلي جنوب القاهرة ضد الطاعن وآخر بطلب الحكم بإلزام أولهما بتقديم كشف حساب مؤيد بالمستندات عن إيراد ما تم عرضه وتوزيعه من الأفلام الثمانية التي أنتجها المطعون ضده بإلزام الطاعن بغرامة تهديدية في حالة عدم تقديم الحساب ثم عدل طلباته إلى إلزامه بدفع مبلغ 172000 جنيهاً كتعويض عما أصابه من أضرار نتيجة إخلال الطاعن بتعاقده، وقال بياناً لدعواه أنه تعاقد مع المطعون ضده الأول على إنتاج أفلام على نفقته على أن يتولى الأخير توزيعها دخل البلاد وخارجها نظير نصف إيراداتها وأن يتقاضى هو مبلغ 2800 جنيه عن كل منها مقابل تنازله عن حق استغلاله بطريق النشر بالتليفزيون، وقد قام المطعون ضده بإنتاج الثمانية أفلام وسلمها إليه سنة 1962 إلا أنه لم يقم بتنفيذ التزامه بتوزيعها عدا واحدا منها تم عرضه بالداخل مما حدا به إلى إقامة الدعوى رقم 6768 سنة 1976 مستعجل جزئي القاهرة خلص منها الخبير إلى تقدير تكاليف إنتاجها بمبلغ 112000 جنيهاً وإلى أن نصف إيرادها يقدر بمبلغ 60000 جنيهاً فأقام دعواه بطلباته سالفة البيان، وقضت محكمة الدرجة الأولى برفضها فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 3313 سنة 95 ق القاهرة، وبتاريخ 24/ 6/ 79 حكمت محكمة الاستئناف بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضده الثاني وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 40000 جنيهاً كتعويض، طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذا المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أن البند الخامس من العقد تضمن شرطاً واقفاً هو قيان الاتفاق بين المتعاقدين على طريق توزيع الأفلام سينمائياً داخل البلاد وتليفزيونياً خارجها وبالرغم من تسليم الحكم بهذا النظر إلا أنه عاد واعتبر الالتزام منجزاً، مخالفاً بذلك المادة 268 من القانون المدني بمقولة أن الطاعن قام بالتوزيع فعلاً في حين أن هذا التوزيع يعتبر إيجاباً يتعين أن يقابله قبول صحيح من جانب المطعون ضده حتى يتثنى القول بأن إرادتهما قد انصرفت إلى إنهاء آثار هذا الشرط، كما اعتبر الحكم المطعون فيه من ناحية أخرى قيام أحد قطاعات التليفزيون بهذا التوزيع تحقيقاً للشرط الواقف وبذلك أنشأ الحكم شرطاً جديداً في حين أن الشرط الذي انصرفت إليه إرادة المتعاقدين هو أن اتفاقهما على التوزيع لا يكون نافذاً قبل اتفاقهما على طريقة التوزيع وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف أيضاً نص المادة 147 من القانون المدني بتعديله العقد دون اتفاق بين الطرفين.
وحيث إن هذا النعي بسببيه في غير محله ذلك أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير الاتفاقات والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية عاقديها مستهدية في ذلك بظروف الدعوى وملابساتها ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت لا تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات الاتفاق، وإذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها اعتبر العقد قد تم، وإذا قام بينهما خلاف على المسائل التي أرجئ الاتفاق عليها كان لهما أن يلجأ إلى المحكمة للفصل فيه لما كان ذلك وكان النص في البند الخامس من العقد موضوع النزاع أن الطرفين قد اتفقا على أن يقوم الطرف الأول بتوزيع الأفلام موضوع هذا العقد سينمائياً داخل وخارج الجمهورية العربية المتحدة وتليفزيونياً خارجها، ويتم ذلك بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، فقد دل ذلك على انعقاد العقد وتمامه فعلاً بين الطرفين على إسناد عملية التوزيع للطاعن وذلك دون توقف على حصول اتفاق آخر بينهما بشان الطريقة التي يتم بها التوزيع، إذ أن هذا الأمر يعد - وبالنظر لظروف التعاقد وملابساته - من قبيل المسائل التفصيلية التي تتصل بتنفيذ العقد والتي احتفظ الطرفان ببحثها في حينه حتى إذا ما اتفقا بشأنها جرى التنفيذ عليها وإلا رفعا ما اختلفا فيه إلى المحكمة المختصة، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي قد ذهب على خلاف هذا النظر إلى القول بأن التعاقد معلق على شرط واقف وهو الاتفاق على طريقة التوزيع، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلغاء هذا القضاء المخالف لما ساقه على ذلك من قوله "وكان المستأنف عليه الثاني قد قام بالفعل بموجب المستند المقدم منه والمؤرخ 14/ 5/ 1977 بالتوزيع دون أن يتم اتفاق بينه وبين المستأنف على التوزيع ودون اعتراض من الأخير على ذلك - ومن الواضح من التعاقد أنه وقد ألقى على المستأنف عليه الثاني مهمة توزيع الأفلام المشترك فيها مع المستأنف فإنه كان عليه أن يبدأ بدعوة المستأنف بالاتفاق على طريقة التوزيع وهو لم يفعل ذلك ولم يتخذ إجراءات التوزيع في حينها رغم صلاحية الأفلام المسلمة له للعرض مما سبب أضراراً للمستأنف... ولما كان ما تقدم فإن محكمة الدرجة الأولى حيث انتهت إلى وجود شرط معلق عليه التعاقد - وهو الاتفاق على التوزيع - يكون قد جانبها الصواب لأنه وإن ورد في العقد إلا أن المتفق عليها من مهمة المستأنف على التوزيع قد جدت بالفعل وإذ هو قعد عن ذلك بما سبب الإضرار بالمستأنف فهو ملزم بجبرها ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المستأنف" لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون - فيما ذهب وانتهى إليه في هذا الصدد - قد خالف القانون أو خرج عن المعنى الذي تحتمله عبارات الاتفاق وانصرفت إليه إرادة المتعاقدين ومن ثم يكون النعي عليه بهذين السببين على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث بطلان الإجراءات وفي بيان ذلك يقول أن محكمة الاستئناف إذ أمرت باستجواب الخصوم فقد أجرت استجواب محامي الطاعن نيابة عنه في حين أنه لا يملك منه التصرف القانوني في الحق المتنازع عليه ولا ينوب عن الطاعن فيه وهو ما وقع به إجراء الاستجواب باطلا وبالمخالفة للمادة 107 من قانون الإثبات.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر أنه وإن كان يشترط في الاستجواب باعتباره تصرفاً قانونياً - أن يكون صادراً ممن له أهلية التصرف في الحق محل الاستجواب، إلا أن تحصيل الأركان اللازمة له هو من الأمور التي يخالطها واقع مما يترك تحصيله لمحكمة الموضوع ومن ثم لا يقبل التحدي بعدم توافر هذه الأركان - ومنها أهلية التصرف في الحق لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الأوراق قد خلت مما يفيد سبق تمسك الطاعن بهذا النعي أما محكمة الموضوع ومن ثم فإنه يعد سبباً جديداً لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع الخطأ في تطبيقا القانون وفي بيان ذلك يقول أنه وإن كان لم يستظهر الخطأ العقدي - بالتفاته عن الظروف والملابسات التي تم فيها توزيع الأفلام - إلا أن عدم تحقق الشرط الواقف ينفي قيام ثمة خطأ في جانبه وهو ما ينفي به الركن الأساسي للمسئولية التعاقدية التي يقوم عليها طلب التعويض - وإذا قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك بالتعويض فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود ابتداء مما سلف بيانه في الرد على السببين الأول والثاني من فساد القول بأن التعاقد معلق على شرط واقف - هذا إلى أنه لما كان من المقرر أن استخلاص الخطأ الموجب للتعويض هو من أمور الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع ما دام استخلاصها سائغاً ومردوداً لأصله الثابت بالأوراق ومؤدياً كما انتهت إليه، وكان من المقرر كذلك أن عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي يعتبر بذاته خطأ يستوجب مسئوليته، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص توافر الخطأ في جانب الطاعن ودلل على ثبوته في حقه بما ساقه من أسباب سائغة مؤدية لما انتهى إليه وكافية لحمل قضائه ومن ثم فإن النعي عليه بما ورد في هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلا موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.