أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 34 - ص- 873

جلسة 31 من مارس سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عاصم المراغي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يوسف أبو زيد نائب رئيس المحكمة، مصطفى صالح سليم، إبراهيم زغو ومحمد لبيب المرصفي.

(179)
الطعن رقم 447 لسنة 42 القضائية

1 - حكم "إصدار الحكم" "بطلان الحكم". قضاة "ولاية القاضي". إثبات "عبء الإثبات".
سماع القاضي للمرافعة واشتراكه في المداولة وتوقيعه على مسودة الحكم. جواز تخلفه عن حضور النطق به, وجوب ألا يكون تخلفه بسبب زوال صفته. علة ذلك. وجوب استمرار ولايته حتى النطق بالحكم. على من يدع زوال الصفة عبء الإثبات.
2 - وكالة. محكمة الموضوع.
تحديد ما إذا كانت الوكالة بأجر أو بغير أجر. من مسائل الواقع التي تستقل بها المحكمة الموضوع.
3،4 - وكالة. مسئولية.
3 - الوكيل بأجر. مسئوليته عن التقصير الجسيم ولو كان قد اعتاده في شئونه الخاصة.
4 - مسئولية الوكيل بأجر عن استقالته في وقت غير مناسب أو إغفاله القيام بجميع الأعمال المستعجلة. إعفاؤه منها. شرطه. ثبوت أن ما فرط منه كان بسبب خالج عن إرادته أو لم يكن في وسعه الاستمرار في أداء مهمته إلا إذا عرض مصالحه لخطر شديد.
5 - وكالة. محكمة الموضوع.
تقدير ما إذا كان الوكيل بأجر قد أهمل في تنفيذ الوكالة أو تنحي في وقت غير لائق وبغير عذر مقبول. من سلطة محكمة الموضوع.
6 - محكمة الموضع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير الأدلة والمستندات. لها أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
7 - فوائد. قروض. بنوك.
قرض المصارف. ماهيته. عمل تجاري بالنسبة للمصرف وللمقترض مهما كانت صفته أو الغرض الذي خصص له القرض.
8 – التزام "الحلول".
الوفاء مع الحلول. حلول الموفي محل الدائن في حقه بما له من خصائص. لا عبرة بطبيعة علاقة الموفي بمن اتفق معه على الحلول.
1 - مفاد نصوص المواد 167 و170 و178 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يتعين أن يبين في الحكم أن القاضي الذي لم يحضر النطق به قد اشترك في المداولة ووقع على مسودته وإلا كان الحكم باطلاً، وهو بطلان متعلق بأسس النظام القضائي أي بالنظام العام فالطاعن بهذا البطلان جائز في أي وقت بل إن على المحكمة أن تتعرض له من تلقاء نفسها، كما يجب أن يكون المانع القهري الذي يجيز الاستغناء عن حضور القاضي شخصياً مانعاً مادياً كالمرض أما إذا كان راجعاً إلى زوال صفته سواء بالوفاة أو بالاستقالة أو بالنقل مع إبلاغه رسمياً من وزارة العدل بالمرسوم الصادر بنقله فإن ذلك يوجب إعادة الدعوى للمرافعة إذا يتعين أن تظل ولاية القضاء ثابتة للقاضي حتى النطق بالحكم إلا أن القانون لم يوجب لزوم الإفصاح في الحكم عن بيان المانع الذي حال دون حضور القاضي تلاوته وكل ما اشترطه هو وجوب توقيعه على مسودة الحكم وهو ما نصت عليه المادة 170 من قانون المرافعات وعلى من يدعي أن بالقاضي مانع يرجع إلى زوال صفته أن يقدم الدليل على مدعاه.
2 - تحديد ما إذا كانت الوكالة مأجورة أو غير مأجورة هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من مسائل الواقع التي تبت فيها محكمة الموضوع بما لها من سلطة في التعرف على حقيقة ما أراده المتعاقدان مستعينة بعبارات التوكيل وظروف الدعوى وملابساتها دون ما رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك طالما كان استخلاصها سائغاً ومستمداً من وقائع ثابتة لها أصلها الثابت في الأوراق.
3 - نص الفقرة الثانية من المادة 704 من القانون المدني يلزم الوكيل المأجور أن يبذل دائما عناية الرجل العادي بصرف النظر عن مبلغ عنايته بشئونه الخاصة لأن الاتفاق على مقابل يتضمن حتماً التعهد من جانب الوكيل بأن يبذل في رعاية مصالح الموكل العناية المألوفة فلا يغتفر له إلا التقصير اليسير ويحاسب دائما على التقصير الجسيم ولو كان قد اعتاده في شئونه الخاصة فهو يسأل عن تقصيره لحادث بفعله أو بمجرد إهماله، فإذا لم يتخذ عند تنفيذ الوكالة الاحتياطات التي تقتضيها رعاية مصالح الموكل أصبح مسئولا قبله عن تعويض ما يصيبه من ضرر من جراء هذا الإهمال، وتقرر مسئولية الوكيل في هذه الحالة دون حاجة لإعذاره مقدماً لأن مسئولتيه متفرعة عن التزامه بتنفيذ الأعمال الموكل بها تنفيذاً مطابقاً لشروط عقد الوكالة.
4 - لئن كان من حق الوكيل أن يقيل نفسه من الوكالة إذا ناء بعبئها أو رغب عن الاستمرار في تنفيذها إلا أن المشرع لم يطلق الأمر لهوى الوكيل يتنحى متى أراد وفي أي وقت شاء بل أنه قيد هذا الحق بقيود ضمنها نص المادة 716 من القانون المدني، فإذا لم يراع الوكيل في تنحيه الشروط والأوضاع التي يحتمها كان ملزماً بالتعويضات قبل الموكل، كما إذا أهمل - بالرغم من تنحيه - القيام بجميع الأعمال المستعجلة التي يخشى من تركها على مصلحة الموكل (م 717 من القانون المدني) ولا يعفى الوكيل من المسئولية عن عزل نفسه في وقت غير مناسب أو إغفال السهر على مصالح الموكل المستعجلة إلا أن يثبت أن ما فرط إنما كان بسبب خارج عن إرادته أو إذا أثبت أنه لم يكن في وسعه أن يستمر في أداء مهمته إلا إذا عرض مصالحه لخطر شديد على سند من أنه لا يستساغ أن يفرض على الوكيل تضحية مصالحه الخاصة في سبيل السهر على مصالح الموكل.
5 - تقدير ما إذا كان الوكيل المأجور قد أهمل في تنفيذ الوكالة أو تنحى في وقت غير لائق وبغير عذر مقبول هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من مسائل الواقع التي تبت فيها محكمة الموضوع دون ما رقابه لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق.
6 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير الأدلة والمستندات أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت متحملة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لا تخالف الثابت في الأوراق.
7 - القروض التي تعقدها المصارف تعتبر بالنسبة للمصرف المقرض عملاً تجارياً بطبيعته وفقاً لنص المادة الثانية من قانون التجارة والمقرر في قضاء هذه المحكمة اعتبار القروض التي تعقدها البنوك في نطاق نشاطها المعتاد عملاً تجارياً مهماً كانت صفة المقترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض.
8 - القاعدة الأساسية في الوفاء مع الحلول سواء في ظل القانون المدني السابق - م 505/ 607 - أو الحالي م 329 منه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الدين في الحلول يظل قائماً بعد الوفاء دون أن يستبدل به دين جديد أي أن الموفي يحل محل الدائن في حقه ذاته بما له من خصائص فإذا كان تجارياً انتقال إلى الموفي بهذه الصفة بغض النظر عن طبيعة علاقة الأخير بمن اتفق معه على الحلول، ويعتبر من توابع الحق الفوائد فتنتقل إلى الموفي بسعرها المعين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق - تتحصل في أن....... أقام الدعوى رقم 3931 سنة 71 مدني كلي القاهرة ضد البنك الطاعن وبنك الائتمان العقاري بطلب الحكم بانقضاء دين الحكومة حرف ج لسقوطه بالتقادم وبراءة ذمته من هذا الدين وفوائده، وقال بياناً لذلك أنه بموجب عقد قرض مضمون برهن رسمي تاريخه 2/ 7/ 1925 اقترض من البنك الطاعن 21000 جنيه وضماناً لهذا الدين رهن لهذا البنك العقارات المبينة بالصحيفة. وبتاريخ 30/ 5/ 1930 باع المدين الراهن العقارات المرهونة لآخرين تعهدوا بسداد الدين وفوائده للبنك المرتهن، وبعد البيع قبل الدين في التسوية طبقاً للقانون رقم 7 لسنة 1933 وحلت الحكومة ممثلة في وزارة الخزانة محل البنك الطاعن في ثلث الدين المضمون بالرهن وسمي هذا الجزء بالدين حرف ج، ثم لما توقف المشترون عن سداد أقساط الدين اتخذ البنك الطاعن عن نفسه وبصفته نائباً عن الحكومة إجراءات نزع الملكية العقارات المرهونة، وبتاريخ 8/ 1/ 1936 رسى مزادها نهائياً على آخرين وفي شهر مايو سنة 1936 أخطر البنك الطاعن الحكومة بأن الثمن الذي رسى به المزاد لا يكفي إلا للوفاء بدينه، وبتاريخ 26/ 7/ 1936 تقدم البنك الطاعن بطلب تحرير قائمة التوزيع النهائية. وإذ كان قد انقضى منذ هذا التاريخ وحتى تاريخ إنذار الحكومة للمدين الراهن في 16/ 9/ 1951 أكثر من خمس عشرة سنة فقد أقام الأخير الدعوى بطلباته السابقة, وفي جلسة 10/ 3/ 1953 طلب المطعون ضده بصفته قبوله خصماً في الدعوى، وبعد أن قبلت المحكمة تدخله طلب الحكم بإلزام البنك بأن يدفع له مبلغ 12987.336 جنيه وذلك في حالة الحكم للمدين الراهن طلباته في الدعوى الأصلية. وبتاريخ 6/ 2/ 1963 قضت المحكمة ل-...... بطلباته في الدعوى الأصلية وبتحديد جلسة لنظر دعوى الضمان الفرعية وبعد أن عدل المطعون ضده طلباته إلى طلب الحكم بإلزام البنك الطاعن وبنك الائتمان العقاري بأن يدفعا له ما حكم بتقادمه من دين الحكومة وفوائده بواقع 9% حتى السداد - قضت المحكمة بتاريخ 21/ 12/ 1964 في الدعوى الفرعية بإلزام البنك الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 13981.148 جنيه وفوائده بواقع 9% ابتداء من أول يناير سنة 1954 وحتى صدور هذا الحكم ورفضت ما عدا ذلك من طلبات. استأنف البنك الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 360 سنة 82 قضائية. وبتاريخ 25/ 4/ 1972 قضت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة إلى الفوائد بجعلها 7% من أول يناير سنة 1954 وحتى تاريخ صدور ذلك الحكم وتأييده فيما عدا ذلك. طعن البنك الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. قدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى البنك الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه بالبطلان. ويقول بياناً لذلك أن الحكم قد خلا من بيان المانع - الذي منع المستشار ......... الذي سمع المرافعة واشترك في المداولة ووقع على مسودة الحكم - من حضور تلاوته والنطق به مما يعجز محكمة النقض عن معرفة ما إذا كان هذا المانع مادياً لا تزول به ولاية القاضي كالمرض أم قانونياً تزول به ولايته بالاستقالة أو بإحالته للمعاش. وهو قصور في بيان جوهري من بيانات الحكم بحسبان أنه يتعين أن تظل ولاية القضاء ثابتة للقاضي حتى النطق به مما يشوب الحكم المطعون فيه بالبطلان ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه لئن كان مفاد نص المواد 167 و170 و138 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يتعين أن يبين في الحكم القاضي الذي لم يحضر النطق به قد اشترك في المداولة ووقع على مسودته وإلا كان الحكم باطلاً، وهو بطلان متعلق بأمر النظام القضائي أي النظام العام فالطعن بهذا البطلان جائز في أي وقت بل إن على المحكمة أن تتعرض له من تلقاء نفسها، كما يجب أن يكون المانع القهري الذي يجيز الاستغناء عن حضور القاضي شخصياً مانعاً مادياً كالمرض أما إذا كان راجعاً إلى زوال صفته سواء بالوفاة أو بالاستقالة أو بالنقل مع إبلاغه رسمياً من وزارة العدل بالمرسوم الصادر بنقله فإن ذلك يوجب إعادة الدعوى للمرافعة إذا يتعين أن تظل ولاية القضاء ثابتة للقاضي حتى النطق بالحكم. إلا أن القانون لم يوجب لزوم الإفصاح في الحكم عن بيان المانع الذي حال دون حضور القاضي تلاوته وكل ما اشترطه هو وجوب توقيعه على مسودة الحكم وهو ما نصت عليه المادة 170 من قانون المرافعات، وعلى من يدعي أن بالقاضي مانع يرجع إلى زوال صفته أن يقدم الدليل على مدعاه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تضمن أن القاضي الذي لم يحضر النطق به - وهو السيد المستشار..... قد اشترك في المداولة ووقع على مسودة الحكم فإنه يكون قد تضمن البيانات التي أوجب المشرع تضمينها له ولما كان البنك الطاعن لم يقدم الدليل على أن المانع الذي أقام لدى القاضي المذكور يوم النطق بالحكم يرجع إلى زوال صفته فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن البنك الطاعن ينعى بالسببين الثانية والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي استخلاص الواقع والفساد في الاستدلال من ثلاثة وجوه وفي بيان الوجه الأول يقول أن الحكم أقام قضاءه بمسئوليته عن التعويض على أساس أن وكالته عن المطعون ضده في تحصيل وقبض دين الحكومة المسمى بالدين حرف ج كانت وكالة بأجر في حين أنها بحكم المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 1933 مجانية لا تلزم البنك الطاعن إلا بما يلزم به في شئونه الخاصة ولا تتسع لاتخاذ إجراءات نزع ملكية عقارات غير مرهونة.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن تحديد ما إذا كانت الوكالة مأجورة أو غير مأجورة هو - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من مسائل الواقع التي تبت فيها محكمة الموضوع بما لها من سلطة في التعرف على حقيقة ما أراده المتعاقدان مستعينة بعبارات التوكيل وظروف الدعوى وملابساتها دون ما رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك طالما كان استخلاصها سائغاً ومستمداً من وقائع ثابتة لها أصلها الثابت في الأوراق، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع البنك الطاعن بأن الوكالة كانت مجانية ورد عليه بقوله: "أن الاتفاق تم على أن يدفع الحكومة حصة من الدين تحل فيها محل البنك وكان من ضمن شروطها أن يقوم البنك بما كلف به..." وكان يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه أورد في هذا الخصوص قوله "وحيث إن الثابت أن البنك العقاري المصري - الطاعن - أهمل في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل دين الحكومة حتى سقط بالتقادم وقضت هذه المحكمة.. ببراءة ذمة المدين منه وذلك بالرغم من أنه مكلف قانوناً باتخاذ ما يلزم لتحصيل ذلك الدين بالوكالة عن الحكومة - المطعون ضده بصفته - تطبيقاً للاتفاق المعقود بينهما في نصه في المادة 11.. ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استظهر ما عناه المتعاقدان من نصوص الاتفاق المرفق بالقانون رقم 7 سنة 1933 مستخلصاً من عباراته ومن الظروف التي أحاطت بتحريره أن وكالة البنك الطاعن عن الحكومة في تحصيل ديونها الناشئة عن القانون المشار إليه هي وكالة بمقابل - وكالة مأجورة - بما منحته الحكومة - المطعون ضده بصفته - للبنك الطاعن من حصة في الدين تحل محله فيها مقابل أن يقوم البنك بتحصيل هذه الحصة لحسابها بالوكالة عنها، واستند الحكم فيما حصله إلى اعتبارات سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، فإن ما يثيره البنك الطاعن بهذا الوجه لا يعدوا أن يكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع وتنحسر عنه رقابة محكمة النقض.
وحيث إن مبني الطعن بالوجه الثاني أن الحكم الطعون فيه خلص إلى أن البنك الطاعن ارتكب أخطاء في تنفيذ الوكالة هي إخطاره بنك الائتمان العقاري الذي حل محله في تحصيل وقبض الدين - بتاريخ غير صحيح لبدء مدة التقادم هو 23/ 11/ 1936، وحبسه مستندات ذلك الدين عن البنك المذكور، وأنه بفرض انتهاء الوكالة بتنحي البنك الطاعن عنها فقد كان عليه اتخاذ ما يلزم من الإجراءات لمنع سقوط الدين بالتقادم في حين أن هذه الوكالة قد انتهت إما بانتهاء نزع ملكية العقارات المرهونة في 26/ 7/ 1936 بحسبان أن البنك الطاعن يعزف عن المضي في ملاحقة دائنيه شخصياً في غير هذه العقارات أو بتنحيه عن هذه الوكالة في 24/ 4/ 1943 لدى إخطاره المطعون ضده بعدم إمكانه اتخاذ إجراءات نزع ملكية عقارات غير مرهونة، وفي كلا الحالين كان انتهاء الوكالة قبل اكتمال مدة تقادم الدين في 26/ 7/ 1951. وأنه بفرض خطأ البنك الطاعن في التحصيل تدارك هذا الخطأ بمراجعة هذا البيان والتحقق من صحته سيما وأن حلول ذلك البنك محله كان في 19/ 5/ 1951 كما كان استلامه أوراق الدين في 22/ 5/ 1951 وكلا التاريخين سابق على تاريخ اكتمال مدة التقادم في 26/ 7/ 1951.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن نص الفقرة الثانية من المادة 704 من القانون المدني يلزم الوكيل المأجور أن يبذل دائماً عناية الرجل العادي بصرف النظر عن مبلغ عنايته بشئونه الخاصة، لأن الاتفاق على مقابل يتضمن حتماً التعهد من جانب الوكيل بأن يبذل في رعاية مصالح الموكل العناية المألوفة فلا يغتفر له إلا التقصير اليسير ويحاسب دائماً على التقصير الجسيم ولو كان قد اعتاده في شئونه الخاصة فهو يسأل عن تقصيره الحادث بفعله أو بمجرد إهماله، فإذا لم يتخذ عند تنفيذ الوكالة الاحتياطات التي تقتضيها مصالح الموكل أصبح مسئولاً قبله عن تعويض ما يصيبه من ضرر من جراء هذا الإهمال، وتتقرر مسئولية الوكيل في هذه الحالة دون حاجة لإعذاره مقدماً لأن مسئولتيه متفرعة عن التزامه بتنفيذ الأعمال الموكل بها تنفيذاً مطابقاً لشروط عقد الوكالة. وإذا كان من حق الوكيل أن يقيل نفسه من الوكالة إذا ناء بعبئها أو رغب عن الاستمرار في تنفيذها إلا أن المشرع لم يطلق الأمر لهوى الوكيل يتنحى متى أراد وفي أي وقت شاء بل أنه قيد هذا الحق بقيود ضمنها نص المادة 716 من القانون المدني التي نصت على أنه إذا كانت الوكالة بأجر فإن الوكيل يكون ملزماً بتعويض الموكل عن الضرر الذي لحقه من جراء التنازل في وقت غير مناسب وبغير عذر مقبول" فإذا لم يراع الوكيل في تنحيه الشروط والأوضاع التي يحتمها كان ملزماً بالتعويضات قبل الموكل، كما إذا - أهمل - بالرغم من تنحيه - القيام بجميع الأعمال المستعجلة التي يخشى من تركها على مصلحة الموكل (م 717 من القانون المدني)، ولا يعفى الوكيل من المسئولية عن عزل نفسه في وقت غير مناسب أو إغفاله السهر على مصالح الموكل المستعجلة إلا أن يثبت أن ما فرط فيه إنما كان بسبب خارج عن إرادته أو أثبت أنه لم يكون في وسعه أن يستمر في أداء مهمته إلا إذا عرض مصالحه لخطر شديد على سند من أنه لا يستساغ أن يفرض على الوكيل تضحية مصالحه الخاصة في سبيل السهر على مصالح الموكل. وتقدير ما إذا كان الوكيل المأجور قد أهمل في تنفيذ الوكالة أو تنحى في وقت غير لائق وبغير عذر مقبول هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من مسائل الواقع التي تبت فيها محكمة الموضوع دون ما رقابه لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه أورده قوله: "وحيث إنه بفرض أن البنك الطاعن - قد أخطر الحكومة بتنازله عن الوكالة فإن لم يكن من الجائز له أن يتخلف عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع سقوط الدين بالتقادم إذ يجب على الوكيل عند انتهاء الوكالة بالتطبيق لنص المادة 717/ 1 مدني أن يصل بالأعمال التي بدأها في حالة لا تتعرض معها للتلف، ولم يقف الأمر في الدعوى عند حد تخلف البنك الطاعن عن اتخاذا الإجراءات اللازمة لتحصيل الدين بل تجاوز ذلك إلى الاستمساك بالمستندات الخاصة بالدين تحت يده حتى بعد تكليف - بنك الائتمان - بتحصيل الدين بدلاً منه فضلاً عن خطئه في تحديد ميعاد بدء التقادم في خطابه ويعتبر إهمال - البنك الطاعن - اتخاذ الإجراءات الموكل باتخاذها لتحصيل الدين موضوع الدعوى من قبيل الإخلال بالتزامه التعاقدي باعتباره وكيلاً أي من قبيل الخطأ العقدي.. ولا جدال في أن خطأ - البنك الطاعن - هو الذي أدى إلى سقوط الدين موضوع الدعوى بالتقادم حيث سكت ولم يتخذ أي إجراء ليقطع مدة تقادم الدين محتفظاً تحت يده بمستنداته حتى بعد تكليفه بإرسالها - لبنك الائتمان - ولحق وزارة الخزانة من جراء ذلك الضرر الموجب لمسئوليته - البنك الطاعن - عن التعويض ولما كانت هذه التقريرات سائغة ولها مأخذها من الأوراق فإن ما يثيره البنك الطاعن بهذا الوجه يكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه استخلص من عبارة وردت عرضاً في خطاب البنك الطاعن المؤرخ 9/ 6/ 1951 عن تاريخ بدء سريان التقادم وأنه 23/ 11/ 1936 بدلاً من 26/ 7/ 1936 أن هذا البنك حبس مستندات الدين عن بنك الائتمان بينما هذه العبارة لا تنصرف إلى دين جورج صيدناوي بل إلى ديون أخرى.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير الأدلة والمستندات أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت متحملة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لا تخالف الثابت في الأوراق، ولما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه قد ضمن تقريراته قوله: "وحيث تبين من الاطلاع على الخطابين المودعين حافظة الحكومة - 24 دوسيه - أن أولهما مرسل بتاريخ 19/ 5/ 1951 من بنك الائتمان العقاري إلى البنك الطاعن - أخطره فيه بأن الدين موضوع الدعوى مع ديون أخرى ديون نزع ملكية وأن ضمان الدين موضوع الدعوى كان بتاريخ 7/ 5/ 1935 حسبما ثبت لمندوبه الذي انتقل إلى - البنك الطاعن - حيث علم بتاريخ الضمان المذكور أما الخطاب الثاني فمرسل بتاريخ 9/ 6/ 1951 من البنك الطاعن إلى بنك الائتمان يخطره فيه بأن ميعاد بدء التقادم بالنسبة للدين موضوع الدعوى هو 23/ 11/ 1936 وأنه طلب من الحكومة إعفاءه من إدارة الدين ولكنها لم تجر جواباً رداً عليه بل وطالب - البنك الطاعن - أن يتقدم بنك الائتمان من جانبه لوزارة المالية لتسارع بالرد على طلب الإعفاء من إدارة الدين، ويستفاد من مضمون هذين الخطابين أنه حتى 9/ 6/ 1951 لم تكن مستندات الدين موضوع الدعوى قد أرسلت لبنك الائتمان ليتمكن من تحصيل الدين وإلا لما طلب - البنك الطاعن - معاونته في الحصول على رد الحكومة على طلب إعفائه من إدارة الدين....". وكان الخطابان المشار إليهما آنفاً بما ورد فيهما من بيانات يحتملان المعنى الذي خلص إليه الحكم من أن البنك الطاعن حبس ذات مستندات الدين محل النزاع عن بنك الائتمان فإن ما يثيره البنك الطاعن بوجه النعي بغيه الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها محكمة الموضوع يكون جدلاً موضوعياً غير مقبول أمام محكمة النقض.
وحيث إن البنك الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه فيما قضى به من فوائد متجمد الفوائد ومن فوائد أكثر من رأس المال وفي بيان ذلك يقول أن هذا الحكم ساير الحكم الابتدائي في قضائه بمبلغ 4451.159 جنيه باقي أصل الدين حتى 31/ 12/ 35، ومبلغ 884.807 جنيه جملة الأقساط المتأخرة حتى هذا التاريخ ومبلغ 8644.852 جنيه فوائد تأخيرية بواقع 9% مضافة إلى رأس المال عن المدة من 31/ 12/ 1935 - حتى 31/ 12/ 53 وعدل الحكم المطعون فيه الفائدة إلى 7% اعتباراً من أول يناير سنة 54 وحتى تاريخ الحكم في 21/ 12/ 1954 فيكون قد قضى بفوائد على متجمد الفوائد وبفوائد أكثر من رأس المال مخالفاً بذلك الحظر المنصوص عليه في المادة 332 من القانون المدني بما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن القانون المدني القديم - الذي عقد القرض المضمون بالرهن الرسمي في ظله - لم يكن يحول دون تقاضي الفوائد على متجمد الفوائد أو تجاوز مجموعها رأس المال ولا تقاضي على متجمدة الفوائد ما دامت مستحقة لمدة سنة أو تزيد، إلا أن نص المادة 232 من القانون الحالي - المعمول به اعتباراً من 15/ 10/ 1949 استحدث حكماً جديداً مؤداه أن المشرع حظر أمرين أولهما منع تقاضي فوائد على متجمد الفوائد. وثانيهما منع تجاوز الفوائد لرأس المال، بيد أنه أخرج من هذا الحظر ما تقضي به القواعد العادات التجارية، والمقصود بالعادة التجارية التي تعنيها الفقرة الأخيرة من المادة هي ما اعتاده المتعاملون في التعامل. وإذا كانت القروض التي تعقدها المصارف تعتبر بالنسبة للمصرف المقرض عملاً تجارياً بطبيعته وفقاً لنص المادة الثانية من قانون التجارة فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة اعتبار القروض التي تعقدها البنوك في نطاق نشاطها المعتاد عملاً تجارياً مهماً كانت صفة المقترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض. ولما كانت القاعدة الأساسية في الوفاء مع الحلول سواء في ظل القانون المدني السابق - م 505/ 607 - أو الحالي - م 329 منه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الدين في الحلول يظل قائماً بعد الوفاء دون أن يستبدل به دين جديد أي أن الموفي يحل محل الدائن في حقه ذاته بما له من خصائص فإذا كان تجارياً انتقال إلى الموفي بهذه الصفة بغض النظر عن طبيعة علاقة الأخير بمن اتفق معه على الحلول، ويعتبر من توابع الحق الفوائد فتنتقل إلى الموفي بسعرها المعين. لما كان ذلك، وكان القرض الذي عقده..... المضمون برهن رسمي في 2/ 7/ 1925 يعد عملاً تجارياً بالنسبة للبنك الطاعن مهما كانت صفة المقترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض، فإنه أيضاً يعد عملاً تجارياً بالنسبة للمطعون ضده بصفته الذي حل محل هذا البنك في ثلثه المسمي والدين حرف ج بالنسبة لهذا الثلث ويحق له أن يتقاضى عنه فوائد على متجمد الفوائد ولو جاوز مجموع ما يتقاضاه من فوائد هذا الدين. وإذا التزم الحكم المطعون فيه هذه النظر فإن يكون صائباً قانوناً ويكون النعي على غير أساس. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.