مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) صـ 1267

(112)
جلسة 3 من مارس سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد يسري زين العابدين نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: يحيى السيد الغطريفي ود. فاروق عبد البر السيد وأحمد شمس الدين خفاجى وفريد نزيه تناغو - المستشارين.

الطعن رقم 419 لسنة 34 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية - دور المحكمة في بحث الأدلة.
ما يرد بتقرير الاتهام هو ادعاء بارتكاب المتهم المخالفة التأديبية - لما كانت البينة على من ادعى فإنه يكون على جهة الاتهام أن تكشف عن الأدلة التي انتهت منها إلى نسبة الاتهام إلى المتهم - على المحكمة التأديبية أن تمحص هذه الأدلة لإحقاق الحق من خلال استجلاء مدى قيام كل دليل كسند على وقوع المخالفة بيقين في ضوء ما يسفر عنه التحقيق من حقائق وما يقدمه المتهم من أوجه دفاع - أساس ذلك: إذا كان الأصل في الإنسان البراءة فلا يجوز للمحكمة أن تستند إلى ادعاء لم يتم تمحيص مدى صحته في إسناد الاتهام إلى المتهم - أساس ذلك: تقرير الإدانة لا بد وأن يبنى على القطع واليقين وهو ما لا يكفي في شأنه مجرد ادعاء لم يسانده أو يؤازره ما يدعمه ويرفعه إلى مستوى الحقيقة المستقاة من الواقع الناطق بقيامها المفصح عن تحققها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق العاشر من يناير سنة 1988 أودع الأستاذ غبريال إبراهيم الغبريال المحامي نائباً عن الأستاذ عبد الرازق الشرقاوي المحامي عن كل من:....... و....... و....... و....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 419 لسنة 34 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 14 من نوفمبر سنة 1987 في الدعوى التأديبية رقم 473 لسنة 29 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعنين والقاضي بمجازاة كل منهم بخصم خمسة عشر يوماً من أجره.
وطلب الطاعنون، للأسباب الموضحة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه وبراءة الطاعنين من المخالفات المنسوبة إلى كل منهم.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي موضوع الطعن برفضه.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 22 من مارس سنة 1989 وبجلسة 28 من يونيو سنة 1989 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، فنظرته بجلسة 21 من أكتوبر سنة 1989، وبجلسة 13 من يناير سنة 1990 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 27 من يناير سنة 1990 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم السبت الموافق الثالث من مارس سنة 1990 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق بالحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه في 20 من مايو سنة 1987 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 473 لسنة 29 القضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية منطوية على تقرير باتهام:
1 - مدير الشئون الإدارية بحي المنتزه، ومدير إدارة الملاهي السابق، من الدرجة الثانية.
2 - المفتش المالي والإداري بحي المنتزه، ومفتش إدارة الملاهي السابق، من الدرجة الثانية.
3 - مفتش المتابعة والميزانية بحي المنتزه، ومفتش إدارة الملاهي السابق، من الدرجة الثالثة.
4 - المفتش المالي الإداري بحي المنتزه، ومفتش الملاهي السابق، من الدرجة الثالثة.
5 - مراجع الحسابات بحي المنتزه، ومفتش إدارة الملاهي السابق، من الدرجة الثالثة.
لأنهم خلال عام 1986 بحي المنتزه بمحافظة الإسكندرية لم يؤدوا عملهم بدقة وخالفوا القواعد والأحكام المالية مما كان من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن:
الأول: تقاعس في اتخاذ الإجراءات الواجبة لتنفيذ قرار مصلحة الضرائب رقم 1101 لسنة 1985 بشأن فرض ضريبة الملاهي على وحدات خلع وتأجير ملابس وأدوات البحر - على الوحدات القائمة على البحر الميت بأبي قير وأهمل في الإشراف على مرؤوسيه من مفتشي الإدارة وتوجيههم نحو تحصيل هذه الضريبة، ولم يعرض على رؤسائه ما قد يعترض التحصيل من مشاكل لمواجهتها مما ترتب عليه عدم تحصيل الضريبة المستحقة والتي قدرت بمبلغ مائتي ألف جنيه.
من الثاني إلى الخامس: أهملوا اتخاذ إجراءات حصر وربط وتحصيل ضريبة الملاهي من وحدات خلع وتأجير الملابس وأدوات البحر القائمة على البحر الميت بأبي قير تطبيقاً لقرار مصلحة الضرائب سالف الذكر مما أدى إلى عدم تحصيل هذه الضريبة والتي قدرت بمبلغ مائتي ألف جنيه.
ورأت النيابة الإدارية أن المذكورين ارتكبوا المخالفة الإدارية والمالية المنصوص عليها في المواد 76/ 1، 77/ 3، 4، 78/ 1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المذكورين تأديبياً بالمواد 80، 82 من القانون المشار إليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادتين 15/ 1، 19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984.
وبجلسة 14 من نوفمبر سنة 1987 قضت المحكمة التأديبية بالإسكندرية بمجازاة كل من المحالين بخصم أجر خمسة عشر يوماً من راتبه.
وأقامت المحكمة قضاءها على ثبوت ما ورد بتقرير الاتهام في حق المحالين جميعاً وذلك من واقع ما شهد به المراقب المالي لحي المنتزه من أن كل شواطئ البحر الميت بها الكثير من الوحدات الخاصة بتأجير ملابس وأدوات البحر وإن لم تكن مملوكة للمحافظة، إذ أن الواقعة المنشئة للضريبة هي وجود النشاط ذاته على الطبيعة.
وبنى الطاعنون طعنهم على أن الحكم المطعون فيه صدر معيباً وذلك استناداً إلى أسباب يتقدمها أن الطاعنين لم يرتكبوا أي خطأ تأديبي، ذلك أن منطقة البحر الميت بأبي قير لا توجد بها وحدات خلع ملابس، لأنها لا تستخدم في الاستحمام، وإنما يردها الرواد لشراء الأسماك من الصيادين الذين يعملون بهذه المناطق ويبيعون الأسماك طازجة أو يقدمونها مجهزة على موائد ذات شماس مقامة لهذا الغرض.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الموضوع أن وقائع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه تخلص في أن المراقب المالي لحي المنتزه تقدم بمذكرة لرئيس الحي ضمنها أنه صدر قرار رئيس مصلحة الضرائب رقم 1011 لسنة 1985 بإضافة وحدات خلع وحفظ الملابس والشماسي والكراسي وغيرها من الأدوات والأشياء التي يستعملها رواد الشواطئ نظير أجر إلى الجدول (ب) الملحق بالقانون رقم 221 لسنة 1951 الخاص بفرض ضريبة على المسارح وغيرها من محال الترفيه والملاهي وبمراجعة محاضر جنح الملاهي تبين عدم تحصيل الضريبة أو تحرير محضر وتقارير مرور من قبل مفتش إدارة الملاهي، وذلك بالنسبة لشواطئ البحر الميت بأبي قير وبلغ مقدار الضريبة التي لم يتم تحصيلها مبلغ مائتي ألف جنيه نتيجة لعدم تنفيذ القرار المشار إليه، وأجرت الجهة الإدارية تحقيقاً في الوقائع انتهت منها إلى إحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية التي أجرت تحقيقاً انتهت منه إلى ما ورد بتقرير الاتهام.
ومن حيث إن ما يرد بتقرير الاتهام إنما هو ادعاء بارتكاب المتهم للمخالفات التأديبية ولذلك فإنه تطبيقاً للقاعدة الأصولية القاضية بأن البينة على من ادعى يكون على جهة الاتهام أن تسفر عن الأدلة التي انتهت منها إلى نسبة الاتهام إلى المتهم، ويكون على المحكمة التأديبية أن تمحص هذه الأدلة لإحقاق الحق من خلال استجلاء مدى قيام كل دليل كسند على وقوع المخالفة بيقين في ضوء ما يسفر عنه التحقيق من حقائق وما يقدمه المتهم من أوجه دفاع، وذلك كله في إطار المقرر من أن الأصل في الإنسان البراءة ومقتضى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تستند إلى ادعاء لم يتم تمحيص مدى صحته في إسناد الاتهام إلى المتهم ذلك أن تقرير الإدانة لا بد وأن يبنى على القطع واليقين وهو ما لا يكفي في شأنه مجرد ادعاء لم يسانده أو يؤازره ما يدعمه ويرفعه إلى مستوى الحقيقة المستقاة من الواقع الناطق بقيامها المفصح عن تحققها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعنين على ما أبداه المراقب المالي لحي المنتزه من أن شواطئ البحر الميت بها عشرات الوحدات لتأجير الملابس وأدوات البحر في حين أن المحالين قد أنكروا ذلك، ولم يرد بالتحقيق ما يثبت ادعاء المراقب المالي وينفي دفاع المحالين، بل على العكس من ذلك فقد دعم المحالون ما أكدوه من عدم وجود هذه الوحدات على أرض الواقع بمستندات من بينها صورة ضوئية من كتاب إدارة ضريبة الملاهي بحي المنتزه إلى إدارتي العقود والمشتريات والشواطئ بخصوص الاستفسارات عن وحدات خلع الملابس داخل نطاق حي المنتزه وصورة ضوئية من كتاب إدارة العقود والمشتريات متضمنة بأن وحدات خلع الملابس داخل الحي وليس من بينها أية وحدة بشاطئ البحر الميت ومن بينها صورة تقرير معاينة محرر من الطاعنين يفيد أنها لم تسفر عن وجود أية وحدات خلع ملابس بمنطقة البحر الميت.
ومن حيث إن ما ادعاه المراقب المالي لحي المنتزه على ما تقدم لم تسانده أقوال شهود أو تؤكده دلائل أخرى، فإن استخلاص إدانة الطاعنين من خلال هذا الادعاء رغم إنكار الطاعنين يكون استخلاصاً غير سائغ.
ومن حيث إنه مما يعيب أياً من القرار التأديبي والحكم التأديبي أن يكون مستخلصاً استخلاصاً غير سائغ من عيون الأوراق فإن الحكم المطعون فيه وقد احتوى هذا العيب يكون واجب الإلغاء.
ومن حيث إنه ليس في الأوراق ما يقطع بثبوت الاتهام المنسوب إلى الطاعنين في حقهم فإنه يتعين القضاء ببراءتهم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ببراءة الطاعنين من الاتهامات المنسوبة إليهم.