أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 45 - صـ 1348

جلسة 7 من نوفمبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود مكي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ إلهام نجيب نوار، سيد محمود يوسف، لطف الله ياسين جزر نواب رئيس المحكمة ويوسف عبد الحليم.

(253)
الطعن رقم 3596 لسنة 63 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن" "ترك المستأجر العين المؤجرة".
تعبير المستأجر عن إرادته التخلي عن العين المؤجرة. جواز أن يكون صريحاً أو ضمنياً باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على انصراف قصده إليه.
(2، 3) حكم "عيوب التدليل: فساد الاستدلال". إثبات "البينة".
(2) فساد الاستدلال. ماهيته.
(3) الأصل. البينة على من ادعى. النوايا. ماهيتها. تكشفها ظروف الحال. علة ذلك. ترك المستأجر العين المؤجرة دون سداد أجرتها وعدم إعلان المؤجر برغبته في الاحتفاظ بها. أثره. للمؤجر إنهاء عقد الإيجار.
1 - لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة إنه وإن كان تعبير المستأجر عن إرادته في التخلي عن إجارة العين المؤجرة كما قد يكون صريحاً يصح أن يكون ضمنياً بأن يتخذ موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته عن انصراف قصده إلى إحداث هذا الأثر القانوني.
2 - فساد الاستدلال هو عيب يشوب منطوق الحكم في فهم الواقع المطروح عليه في الدعوى ويمس سلامة استنباطه فيقوده إلى نتيجة لا تتلاءم من المقدمات المطروحة عليه.
3 - الأصل أن البينة على من يدعي خلاف الظاهر، وكانت النوايا أمراً داخلياً مستتراً تكشف عنه ظروف الحال وكان يكفي المؤجر لاعتبار أن المستأجر قد أنهى عقد الإيجار أن يترك العين مدة طويلة دون أن يسدد أجرتها أو يعلنه برغبته في الاحتفاظ بالعين المؤجرة. فلا تثريب على المؤجر وعلى الطاعن أن اعتبرا أن ذلك العقد قد انتهى ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قبل من المطعون ضده الأول مناقشة دلالة مسلكه هذا بعد مضي أكثر من عشرين سنة وصحة فهم المؤجر لحقيقة إرادة المستأجر وعول على قوله المرسل بأنه كان يُضمر التمسك بالعقد رغم عدم تنفيذه لالتزاماته أو إعلان هذا الرغبة وما لابس ذلك من إبعاد له حيث يغلب الاعتقاد بعدم العودة فإنه يكون مشوباً بفساد الاستدلال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن المطعون ضده الثاني الدعوى رقم 14101 لسنة 1984 إيجارات جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بطرد الطاعن من المحل المبين بالأوراق والتسليم تأسيساً على أنه استأجره من المطعون ضده الثاني منذ عام 1956 وظل حائزاً له حتى أُبعد عن البلاد سنة 1963 ولما سمحت له السلطات بالعودة للبلاد تبين استيلاء الطاعن على المحل مدعياً استئجاره من المطعون ضده الثاني رغم أن عقده ما زال قائماً ومن ثم أقام الدعوى، حكمت المحكمة له بطلباته فاستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 9443 لسنة 104 ق القاهرة. وبتاريخ 4/ 4/ 1993 قضت المحكمة بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ذلك أنه أقام قضاءه على أن عقد المطعون ضده الأول ظل قائماً حتى رفع دعواه سنة 1984 رغم أنه لم يسدد الأجرة ولم يتخذ مظهراً أو إجراءً ينبئ عن تمسكه بقيام العلاقة الإيجارية التي وافق مالك العقار على إنهائها بتأجيره عين النزاع للطاعن بتاريخ 30/ 11/ 1963 مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك إنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة إنه وإن كان تعبير المستأجر عن إرادته في التخلي عن إجارة العين المؤجرة كما قد يكون صريحاً يصح أن يكون ضمنياً بأن يتخذ موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته عن انصراف قصده إلى إحداث هذا الأثر القانوني، وكان فساد الاستدلال هو عيب يشوب منطق الحكم في فهم الواقع المطروح عليه في الدعوى ويمس سلامة استنباطه فيقوده إلى نتيجة لا تتلاءم من المقدمات المطروحة عليه، وكان الثابت في الأوراق إنه لا خلاف بين الطرفين على أن المطعون ضده الأول ترك عين النزاع منذ إبعاده سنة 1963 ولم يسدد أجرتها منذ هذا التاريخ ولم يعلن المؤجر بعزمه على التمسك بالعقد أو يتخذ أي إجراء ينبئ عن ذلك، وكان الأصل أن البينة على من يدعي خلاف الظاهر، وكانت النوايا أمراً داخلياً مستتراً تكشف عنه ظروف الحال وكان يكفي المؤجر لاعتبار أن المستأجر قد أنهى عقد الإيجار أن يترك العين مدة طويلة دون أن يسدد أجرتها أو يعلنها برغبته في الاحتفاظ بالعين المؤجرة فلا تثريب على المؤجر وعلى الطاعن أن اعتبرا أن ذلك العقد قد انتهى ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قبل من المطعون ضده الأول مناقشة دلالة مسلكه هذا بعد مضي أكثر من عشرين سنة وصحة فهم المؤجر لحقيقة إرادة المستأجر وعول على قوله المرسل إنه كان يُضمر التمسك بالعقد رغم عدم تنفيذه لالتزامات أو إعلان هذا الرغبة وما لابس ذلك من إبعاد له حيث يغلب الاعتقاد بعدم العودة فإنه يكون مشوباً بفساد الاستدلال بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن. لما تقدم وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه.