مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1386

(127)
جلسة 17 من مارس سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد يسري زين العابدين ويحيى السيد الغطريفي ود. فاروق عبد البر السيد وفريد نزيه تناغو - المستشارين.

الطعن رقم 2824 لسنة 32 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية - سقوطها.
القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء - صرف ترخيص بناء بالمخالفة للقانون.
الأفعال المستمرة التي تستطيل به المدة اللازمة لسقوط الدعوى هي الأفعال التي تتدخل فيها إدارة الجاني تدخلاً مستمراً أو متجدداً - صرف ترخيص بناء بالمخالفة للقانون يعتبر من قبيل الأفعال الوقتية غير المستمرة - تقع هذه المخالفات وتتم بمجرد إصدار الترخيص غير مستوفي الشروط المتطلبة قانوناً - المدة المسقطة للدعوى التأديبية تبدأ من تاريخ إصدار الترخيص بغض النظر عن استمرار الآثار المترتبة على الترخيص المخالف للقانون - أساس ذلك: الآثار لا يعتد بها في تكييف وصف الفعل الذي وقعت به الجريمة ولا يعتبر هذا الفعل من قبيل الأفعال المستمرة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 2/ 7/ 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن السيد مدير النيابة الإدارية بصفته بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 3/ 5/ 1986 في الدعوى رقم 176 لسنة 27 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد 1 -..... 2 -..... والقاضي بتغريم الأول مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وبسقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمحال الثاني وطلبت هيئة قضايا الدولة في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من سقوط الدعوى التأديبية والحكم مجدداً بتوقيع الجزاء المناسب على المطعون ضدهما طبقاً لتقرير الاتهام.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11/ 1/ 1989 والجلسات التالية حيث قررت بجلسة 22/ 2/ 1989 إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا ونظرت المحكمة هذا الطعن بجلسة 8/ 4/ 1989 والجلسات التالية حيث حضر ممثل النيابة الإدارية ومحامي المطعون ضده الثاني وقدم كل منهما مذكرة بدفاعه، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات - والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص في أنه بتاريخ 16/ 2/ 1985 أودعت النيابة الإدارية بقلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية تقريراً باتهام كل من 1 -...... رئيس إدارة مراقبة التنظيم بحي وسط بالدرجة الثانية، ومحال للمعاش 2 -...... رئيس إدارة مراقبة التنظيم بحي وسط بالدرجة الثالثة.
لأنهما في المدة من عام 1976 حتى عام 1980 بحي وسط خالفا القواعد والأحكام المالية بأن قاما باستخراج عدد من تراخيص البناء دون مطالبة أصحابها بمستندات الإسكان ووثائق التأمين وبما يفيد سداد التأمينات الاجتماعية وبشهادات الإيرادات على النحو الموضح بالأوراق وارتكبا بذلك المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 77/ 1 - 3، 78 من القانون رقم 47/ 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهما تأديبيا بالمواد السابقة وتطبيقاً للمواد 80، 82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المشار إليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 بشأن تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمواد 15/ 1، 19/ 1، 20، 21 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وأودعت النيابة الإدارية مع تقرير الاتهام مذكرة بوقائعه وأسانيد ثبوته وملف القضية رقم 707 لسنة 1984 إسكندرية.
وبجلسة 3/ 5/ 1986 قضت المحكمة التأديبية بالإسكندرية بتغريم المحال الأول مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وبسقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمحال الثاني، وأسست المحكمة حكمها على أن الواقعة تتحصل في بلاغ حي وسط إلى النيابة الإدارية بكتابه رقم 1958 في 9/ 6/ 1984 من أن الإدارة العامة للتفتيش المالي بالمديرية المالية قامت بتفتيش على وحدة تراخيص البناء بالحي وأسفر التفتيش عن وجود بعض الملاحظات والمخالفات التي تضمنها التقرير المؤرخ 30/ 1/ 1984 الذي ورد به أن وحدة التراخيص بالحي كانت تصدر تراخيص البناء دون استيفاء بعض المستندات اللازمة مثل وثائق التأمين على الأعمال المرخص بها ومستندات الإسكان التي يجب الاكتتاب فيها وما يدل على سداد ضريبة الأرض الفضاء بالكامل، فتولت النيابة الإدارية التحقيق في هذا الموضوع، وأضافت المحكمة أنه بسؤال..... مدير الشئون المالية والإدارية بالإدارة العامة الهندسية بحي وسط في التحقيق قرر أن المخالفات المشار إليه مسئولية كل من...... و...... حيث يقوم الأول بتلقي طلبات التراخيص واستيفائها من حيث التأمينات ومستندات الإسكان وخلافه، ويقوم الثاني بمراجعة ملف التراخيص بعد استيفاء كافة الجوانب الإدارية والهندسية وهما يعملان بالقسم الإداري من عام 1976 وبسؤال المحال الثاني قرر أن المخالفات المذكورة هي مسئوليته هو والمحال الأول وبسؤال (....) مدير الشئون المالية والإدارية بحي وسط شهد أيضاً وأجاب بمضمون ما سلف، ومن ثم فإن المخالفات المسندة إلى المحال الأول ثابتة في حقه من أقوال كل من (.... و....) وبما جاء بتقرير مدير الشئون المالية السالف الأمر الذي يشكل في حقه ذنباً تأديبياً يستوجب المساءلة وأضافت المحكمة أن المادة 88 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أنه يجوز في المخالفات التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن قد بدء في التحقيق قبل انتهاء الخدمة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها، ولما كان الثابت أن المحال الأول قد أحيل إلى المعاش في 30/ 11/ 1983، ومن ثم فلم تنقض بعد مدة الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة السالفة وكانت المخالفات المنسوبة إليه متعلقة بحقوق مالية للدولة الأمر الذي يجوز معه إقامة الدعوى التأديبية قبله ومحاكمته تأديبياً عن تلك المخالفات، وفي تقرير العقوبة تلاحظ المحكمة أن جهة الإدارة قامت باتخاذ الإجراءات نحو استيفاء المستندات المطلوبة وتحصيل المبالغ المستحقة على أصحاب تلك التراخيص، ومن ثم فإنها تأخذ المتهم الأول بالرأفة وتكتفي بتغريمه بمبلغ خمسة وعشرين جنيهاً بحسبانه من العاملين الذين انتهت خدمتهم وأضافت المحكم أنه بالنسبة للمحال الثاني فإن المادة 91 من القانون سالف الذكر تنص على سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة وتنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء والثابت من الأوراق أن المخالفات المنسوبة
للمحال الثاني بتقرير الاتهام ارتكبت خلال الأعوام من 1976 إلى 1980 واكتشفت بمناسبة قيام المديرية المالية بالتفتيش على أعمال وحدة التراخيص بحي وسط وتضمن تقرير التفتيش المعتمد من مديرية إدارة التفتيش الدوري في 7/ 2/ 1984 تعداداً لهذه المخالفات على وجه التفصيل وأرسل التقرير إلى رئيس حي وسط بكتاب رئيس الإدارة المركزية بالمديرية المالية المؤرخ 14/ 2/ 1984 ثم أحيل التقرير إلى الشئون القانونية في 25/ 3/ 1984 التي ارتأت بمذكرتها المؤرخة 4/ 6/ 1984 إحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية فأحيل إليها بكتاب رئيس حي وسط رقم 1958 في 9/ 6/ 1984 الأمر الذي يبين منه بجلاء أن أول إجراء اتخذ في هذا الموضوع تم بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب تلك المخالفات فتسري في شأنها مدة السقوط المشار إليها وعلى ذلك تكون الدعوى التأديبية بالنسبة للمحال الثاني قد سقطت بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفات المسندة إليه ومن ثم انتهت المحكمة التأديبية بالإسكندرية إلى إصدار حكمها بتغريم المحال الأول بمبلغ خمسة وعشرين جنيهاً وبسقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمحال الثاني.
ومن حيث إن النيابة الإدارية طعنت في هذا الحكم بالطعن الماثل وأسست طعنها على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله ذلك أن المادة 91 من القانون رقم 47/ 78 تقضى بأنه إذا كون الفعل جريمة جنائية فلا تسقط الدعوى التأديبية إلا بسقوط الدعوى الجنائية ولما كانت الوقائع المنسوبة إلى المطعون ضدهما هي مخالفتهما الأحكام والقواعد المالية لقيامهما باستخراج عدد من تراخيص البناء دون مطالبة أصحابها بسندات الإسكان ووثائق التأمين وما يفيد سداد التأمينات الاجتماعية وشهادات الإيراد، وقد نص القانون رقم 106/ 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء في المادة 22 على عقوبة جنائية لمخالفة المادة 8 من ذات القانون التي نصت على أنه "لا يجوز صرف تراخيص البناء أو البدء في التنفيذ بالنسبة للأعمال التي تصل قيمتها إلى عشرة آلاف جنيه فأكثر إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة التأمين التي تغطي المسئولية المدنية للمهندسين والمقاولين عن الأضرار التي تلحق بمالك البناء أو الغير أثناء التنفيذ" وقد انتهت النيابة الإدارية إلى إحالة المطعون ضدهما إلى المحاكمة التأديبية مع إبلاغ النيابة العامة لإجراء شئونها في الواقعة إذ أنها تشكل جريمة عامة مستمرة فلا تسقط الدعوى التأديبية إلا بسقوط الدعوى الجنائية وهى لم تسقط فعلاً، والمحكمة أخذت بهذا النظر بالنسبة للمطعون ضده الأول.... ولا يتصور أن المخالفات تكون واحدة والفترة التي وقعت فيها واحدة بالنسبة للمطعون ضدهما ثم تكيل المحكمة بكيلين لكل من المطعون ضدهما فتعاقب الأول وتسقط الدعوى التأديبية بالنسبة للثاني وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه خالف القانون وجانبه الصواب ويلزم تعديله بالنسبة للمطعون ضده الأول بإنزال الجزاء الرادع والمناسب ضده كما يلزم إلغاء الحكم فيما قضى به سقوط الدعوى التأديبية والقضاء بإنزال الجزاء المناسب على المطعون ضده الثاني، ومن ثم انتهت النيابة الإدارية في تقرير الطعن إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من سقوط الدعوى التأديبية والحكم مجدداً بتوقيع الجزاء المناسب على المطعون ضدهما طبقاً لتقرير الاتهام.
ومن حيث إن المادة 88 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 78 تنص على أنه {لا يمنع انتهاء خدمة العامل لأي سبب من الأسباب عدا الوفاة من محاكمته تأديبياً إذا كان قد بدء في التحقيق قبل انتهاء مدة خدمته}.
ويجوز في المخالفات التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن قد بدء في التحقيق قبل انتهاء الخدمة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها.
وتنص المادة 91 من هذا القانون على أنه {تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة}.
وتنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء.
وإذا تعدد المتهمون فإن انقطاع المدة بالنسبة لأحدهم يترتب عليه انقطاعها بالنسبة للباقين ولو لم تكن قد اتخذت ضدهم إجراءات قاطعة للمدة.
ومع ذلك إذا كون الفعل جريمة جنائية تسقط الدعوى التأديبية بسقوط الدعوى الجنائية، ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المتهمين قدما إلى المحاكمة التأديبية باعتبار أن المخالفات المالية سالفة الذكر المنسوبة إليهما وقعت في الفترة من عام 1976 حتى عام 1980 وفقاً لما ورد بتقرير الاتهام ومذكرة النيابة الإدارية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الكشف عن المخالفات المنسوبة إلى المتهمين المطعون ضدهما بدأ بتقرير الإدارة العامة للتفتيش المالي بالمديرية المالية المؤرخ 30/ 1/ 1984 والمعتمد من مدير إدارة التفتيش الدوري في 7/ 1/ 1984 والمبلغ إلى رئيس حي وسط بكتاب رئيس الإدارة المركزية مدير المديرية المالية بتاريخ 14/ 2/ 1984 وقد أحيل هذا التقرير إلى الإدارة القانونية للتحقيق بتاريخ 25/ 2/ 1984 ثم أحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية بكتاب رئيس حي وسط برقم 1958 بتاريخ 9/ 6/ 1984.
ومن حيث إن المخالفات المنسوبة إلى المتهمين المطعون ضدهما وقعت في الفترة من عام 1976 حتى عام 1980 فإنه تكون قد انقضت مدة تزيد عن ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب هذه المخالفات حتى تاريخ البدء في إجراءات التحقيق بشأنها إذ لم تبدأ هذه الإجراءات إلا في غضون عام 1984 بعد أن انقضت مدة الثلاث سنوات المشار إليها باعتبار أن إحدى المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهما قد وقعت عام 1980، ومن ثم مضي المدى التي تطلبتها المادة 91 السالفة لسقوط الدعوى التأديبية يعد متوافراً في هذه الواقعة.
ومن حيث إنه بالنسبة لما تثيره الجهة الطاعنة من عدم سقوط الدعوى التأديبية - رغم ما سلف - لعدم سقوط الدعوى الجنائية المتولدة عن بعض المخالفات المرتكبة فإن المادة الثامنة من القانون رقم 106/ 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء تنص على أنه {لا يجوز صرف ترخيص البناء أو البدء في التنفيذ بالنسبة إلى الأعمال التي تصل قيمتها ثلاثين ألف جنيه إلا بعد أن يقدم طالب الترخيص وثيقة تأمين...} وتنص المادة 22 من هذا القانون على عقاب من يخالف أحكام هذه المادة بالحبس وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ومن حيث إن المخالفات المسندة إلى المطعون ضدهما تشتمل على قيامهما بصرف تراخيص بناء في الفترة المشار إليها دون مطالبة أصحابها بوثائق التأمين التي يتعين تقديمها قانوناً، وهو الأمر الذي يثير بالنسبة لهما جريمة جنائية فضلاً عن المخالفة التأديبية فلا تسقط الدعوى التأديبية عن هذا الفعل إلا بسقوط الدعوى الجنائية، طبقاً للمادة 91 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة السالفة، إلا أن الجهة الطاعنة والتي تمسكت في طعنها بعدم سقوط الدعوى التأديبية لهذا السبب لم تقدم للمحكمة التأديبية أو لهذه المحكمة طوال مراحل نظر الدعوى أو الطعن ما يدل على قيام الدعوى الجنائية المشار إليها وعدم سقوطها فلم تقدم الجهة الطاعنة ما يبين ما إذا كانت الدعوى الجنائية قد أقيمت ضد المطعون ضدهما من عدمه أو ما يبين تصرفات النيابة العامة المختصة في شأن ما يثار من اتهام جنائي في هذا الخصوص أو ما يدل على صدور أحكام جنائية سواء بالإدانة أو البراءة الأمر الذي يكون معه تمسك الجهة الطاعنة بعدم سقوط الدعوى الجنائية ادعاء مرسلاً غير مؤيد بدليل خاصة وأن الواقعة بكل ما اشتملت عليه من مخالفات منسوبة إلى المطعون ضدهما لم تكتشف أو يبدأ فيها أي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة إلا بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على وقوعها وقد نصت المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية على انقضاء الدعوى الجنائية في مواد الجنح بمضي ثلاث سنوات من يوم ارتكاب الجريمة الأمر الذي يفترض معه انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة طالما لم تقدم النيابة الإدارية وهي الجهة الطاعنة ما يدل على غير ذلك، كما أنه لا حجة فيما استندت إليه الجهة الطاعنة من أن المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهما هي من قبيل الجرائم المستمرة وبالتالي لا يبدأ سقوط الدعوى التأديبية بشأنها طالما أن حالة الاستمرار قائمة ذلك أنه مردود على هذا النظر بأن الأفعال المستمرة التي تستطيل بها المدة اللازمة لسقوط الدعوى هي تلك الأفعال التي تتدخل فيها إرادة الجاني تدخلاً مستمراً أو متجدداً، بينما المخالفات المسندة إلى المطعون ضدهما هي بخلاف ذلك من قبيل الأفعال الوقتية غير المستمرة فتقع هذه المخالفات وتتم بمجرد إصدار التراخيص المشار إليها غير مستوفاة للمستندات التي يتعين توافرها قانوناً قبل إصدارها، ومن ثم فإن المدة المسقطة للدعوى سواء الجنائية أو التأديبية تبدأ من تاريخ إصدار التراخيص على هذا الوجه المخالف للقانون بغض النظر عن استمرار الآثار المترتبة على ذلك الترخيص المخالف للقانون فهذه الآثار لا يعتد بها في تكييف وصف الفعل الذي وقعت به الجريمة الجنائية أو التأديبية ولا يعتبر هذا الفعل من قبيل الأفعال المستمرة، ومن ثم فإنه يتعين رفض ما أثارته الجهة الطاعنة في هذا الشأن.
وترتيباً على ما سلف فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى بسقوط الدعوى التأديبية بمضي المدة بالنسبة للمطعون ضده الثاني فإنه يكون قد أصاب في هذا الشق من قضائه صحيح القانون وقد ثبت على النحو السالف مضي المدة اللازمة لسقوط الدعوى التأديبية طبقاً للمادة 91 السالفة دون أن تنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة كما استبان مما سلف أيضاً فساد ادعاء الجهة الطاعنة بعدم سقوط الدعوى التأديبية لارتباطها بدعوى جنائية قائمة.
ومن حيث إنه ولئن أصاب الحكم المطعون فيه في قضائه بالنسبة للمطعون ضده الثاني إلا أنه أخطأ في تطبيق القانون في قضائه بالنسبة للمطعون ضده الأول حينما أوقع به جزاء تأديبياً تأسيساً على أن الدعوى التأديبية لم تسقط بالنسبة له - وعن ذات الوقائع والمخالفات المنسوبة إلى المطعون ضده الثاني - لعدم مضي مدة خمس سنوات على تاريخ انتهاء خدمته طبقاً للمادة 88 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وذلك أن المادة 88 المشار إليها نصت في فقرتها الثانية على أنه يجوز في المخالفات التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة إقامة الدعوى التأديبية ولو لم يكن قد بدء في التحقيق قبل انتهاء الخدمة وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها إلا أن هذا النص لا يؤخذ أو يطبق بمعزل عن باقي النصوص التي أوردها المشرع في هذا القانون بشأن سقوط الدعوى التأديبية وجواز أو عدم جواز إقامتها وإنما تكمل هذه النصوص كلها بعضها بعضاً باعتبارها منبثقة من مفهوم واحد غير متعارض.
فالمبدأ العام في سقوط الدعوى التأديبية أوردته المادة 91 من هذا القانون السالفة الذكر التي نصت على سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة - بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة طالما لم تنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة فإذا انقطعت هذه المدة بأي إجراء من الإجراءات المشار إليها تسري مدة جديدة لسقوط الدعوى التأديبية ابتداء من آخر إجراء قاطع. وجاء الحكم الوارد بالمادة 91 فتناول حكم المادة 91 فترة وجود الموظف العام في الخدمة، بينما تناول حكم المادة 88 الفترة التالية لانتهاء خدمة الموظف العام فنص على المدة القصوى التي يجوز فيها ملاحقة الموظف العام تأديبياً بعد انتهاء خدمته وقصر هذه المدة على خمس سنوات بحيث لا يجوز بعد مضي هذه المدة على انتهاء خدمة الموظف العام ملاحقته تأديبياً، ومن ثم فلا ينصرف الحكم الخاص بالمدة المحددة لملاحقة الموظف العام تأديبياً الوارد في المادة 88 إلى ترتيب ميعاد جديد لسقوط الدعوى التأديبية - هو خمس سنوات - مغاير للميعاد الوارد في المادة 91 - ثلاث سنوات - والذي هو المبدأ العام في هذا الشأن وإنما جاء هذا الحكم مكملاً للحكم الذي يمثل الأصل العام في سقوط الدعوى التأديبية بحيث تسقط الدعوى التأديبية بمضي ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة طالما لم تنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وذلك سواء كانت المخالفة إدارية أم مالية فإذا انتهت خدمة الموظف العام وكانت مدة الثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة ما زالت لم تكتمل بعد أي لم تسقط الدعوى التأديبية قبله بمضي المدة المشار إليها فإنه لا يجوز ملاحقته تأديبياً بالنسبة للمخالفات الإدارية إلا إذا كان قد بدء التحقيق معه قبل انتهاء مدة خدمته أما بالنسبة للمخالفات المالية فإنه لا يجوز ملاحقته تأديبياً إلا لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهاء الخدمة، وهذه الملاحقة التأديبية بعد انتهاء الخدمة إنما تفترض بطبيعة الحال توافر شرط أساسي هو ألا تكون الدعوى التأديبية قد سقطت أصلاً بمضي المدة أي سقطت بمضي مدة الثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة وفقاً للمبدأ العام الوارد في المادة 91 والذي يفيد منه الموظف العام سواء أثناء مدة الخدمة أو بعد انتهائها ذلك أن المشرع قد قصد من ترتيب هذا الحكم ألا يظل سيف العقاب مسلطاً مدة طويلة دون حسم فهو يمثل ضمانة أساسية للعاملين تحول دون اتخاذ الجهة الإدارية ارتكاب العامل لمخالفة معينة وسيلة إلى تهديده إلى أجل غير مسمى عن طريق تسليط سيف الاتهام عليه في أي وقت تشاء كذلك قصد به حث الجهة الإدارية على الكشف عن المخالفات واتخاذ الإجراءات التأديبية خلال أجل معين قد يترتب على تجاوزه ضياع معالم المخالفة واختفاء أدلتها، ومن ثم فإن صالح العاملين وصالح المرفق العام يقتضيان إقامة الدعوى التأديبية خلال هذا الأجل وهو ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة وإلا سقط الحق في إقامتها والسقوط في هذا المجال من النظام العام فيسري بالنسبة للعاملين سواء أثناء مدة خدمتهم أو بعد انتهائها إذ لا تتضاءل قيمة الاعتبارات التي ارتقت بهذا الحكم إلى مستوى أحكام النظام العام عند انتهاء خدمة العامل أو الموظف العام بل إنه إذا ما سقطت الدعوى التأديبية بمضي المدة المقررة للسقوط بالنسبة للعامل أو الموظف القائم بالخدمة فإن اعتبارات سقوطها تتوافر من باب أولى بالنسبة للعامل أو الموظف الذي انتهت خدمته وانقطعت صلته بالوظيفة العامة بحسب الأصل ومن غير المستساغ في المنطق القانوني أن يكون انتهاء الخدمة سبباً لإنشاء مدة جديدة لسقوط الدعوى التأديبية تزيد على المدة المقررة لسقوطها أصلاً.
وترتيباً على ما سلف فإن الدعوى التأديبية بالنسبة للمطعون ضدهما تسقط لمضي أكثر من ثلاث سنوات على ارتكاب المخالفات المنسوبة إليها دون اتخاذ إجراء قاطع للمدة قبلهما، وهذا السقوط وهو من أحكام النظام العام يسري سواء بالنسبة للمطعون ضده الأول الذي انتهت خدمته أو بالنسبة للمطعون ضده الثاني الذي مازال موجوداً بالخدمة ولئن كان الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون في شقه القاضي بسقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمطعون ضده الثاني حسبما سلف إلا أنه قد أخطأ في تطبيق القانون في شقه القاضي بمجازاة المطعون ضده الأول الذي انتهت خدمته إذ أن الثابت من الأوراق أن المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضدهما هي واحدة بذاتها وقد انقضت المدة المسقطة للدعوى التأديبية بشأنها وهي مدة ثلاث سنوات دون اتخاذ إجراء قاطع لها من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة بالنسبة لأي من المطعون ضدهما الأمر الذي كان يتعين معه على المحكمة التأديبية الحكم بسقوط الدعوى التأديبية بمضي المدة أيضاً بالنسبة للمطعون ضده الأول شأنه شأن المطعون ضده الثاني.
ومن حيث إن المطعون ضده الأول لم يطعن في هذا الحكم وإنما طعنت فيه النيابة الإدارية وحدها فإنها لا تضار بطعنها ولا يفيد منه المطعون ضده الأول رغم خطأ الحكم القاضي بمجازاته على النحو السالف.
ومن حيث إن الطعن لم يستند على أساس صحيح من القانون أو الواقع فإنه يتعين القضاء برفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.