مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1454

(135)
جلسة 24 من مارس سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد يسري زين العابدين ويحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 74 لسنة 35 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية - تفسير عبارة المحاكم التأديبية (مجالس التأديب).
ينبغي في تفسير عبارة المحاكم التأديبية التي نص القانون على أن يطعن في أحكامها أمام المحكمة الإدارية العليا وقد وردت عامة غير مخصصة ومطلقة غير مقيدة - أخذها بأوسع الدلالات وأعمها وأكثرها شمولاً - المشرع حين عبر بالمحاكم التأديبية أراد بها الاستغراق والعموم - يتناول ذلك كل ما نصت عليه القوانين من مجالس للتأديب باعتبارها تؤدي وظيفة المحاكم التأديبية ويمكن تشبيهها بالمحاكم وتشبيه قراراتها بالأحكام - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 29 من أكتوبر 1988 أودع الأستاذ/ صادق حسن المحامي نائباً عن الأستاذ/ محمد زكي الدمرداشي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 74 لسنة 35 القضائية في حكم مجلس تأديب العاملين بمحكمة الزقازيق الابتدائية الصادر بجلسة 31 من أغسطس 1988 في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 87 الزقازيق والقاضي بمجازاة الطاعن بإحالته إلى المعاش.
وقد طلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التأديب المطعون فيه وصرف جميع مستحقاته وفي الموضوع بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني ارتأت فيه للأسباب المبينة به الحكم بقبول الطعن شكلاً ووقف تنفيذ قرار مجلس التأديب المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه فيما تضمن من معاقبة الطاعن بالإحالة إلى المعاش وبراءته مما نسب إليه.
وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14/ 12/ 1988 وتدوول نظره وفقاً للثابت بمحاضر جلسات تلك الدائرة إلى أن قررت بجلسة 27/ 12/ 1989 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 20/ 1/ 1990 وبهذه الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 10/ 3/ 1990 وبها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 24/ 3/ 1990 لإتمام المداولة - حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية أصدر بتاريخ 27/ 1/ 1987 قراراً بإحالة/..... (الطاعن) والموظف بنيابة الزقازيق للأحوال الشخصية نفس إلى مجلس التأديب والذي تحدد له جلسة 16/ 2/ 1987 وندب لرئاسته السيد الأستاذ/ فتحي العيسوي الرئيس بالمحكمة وذلك لما ثبت من تحقيقات الجنحة رقم 3370 لسنة 86 أول الزقازيق والحكم الجنائي الصادر فيها بحبس المتهم..... ستة أشهر مع الشغل والنفاذ لأنه بتاريخ 30/ 6/ 1986:
1 - اختلس مبلغ 3100 دولار من محمد عبد المنعم هشهش أثناء ركوبه أتوبيس عام، وقضى ببراءته بالحكم رقم 9803 لسنة 1986 جنح مستأنف الزقازيق لعدم كفاية الأدلة.
2 - إن حكم البراءة سالف الذكر بني على عدم كفاية الأدلة مما لا يبرئ المتهم من دنس الاتهام ورجسه وإن ما نسب إلى المتهم يعد خروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي.
3 - إن ما تردى فيه المذكور يتعارض مع ما يفرضه عليه القانون من أن يكون أهلاً للثقة والأمانة الواجب توافرها في الموظف العام.
وبجلسة 31 من أغسطس 1988 قرر مجلس التأديب معاقبة..... بإحالته إلى المعاش وأقام مجلس التأديب قضاءه على إنه بالاطلاع على صورة الحكم الاستئنافي رقم 9803 لسنة 86 جنح مستأنف تبين أنه قد انتهى إلى قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة إليه وأن المحكمة الاستئنافية قد انتهت في أسباب حكمها إلى أنها تتشكك في صحة إسناد الاتهام المسند إلى المتهم لعد كفاية الأدلة ضده، وأنه لدى تداول الأوراق بالجلسات قدم المتهم شهادة في القضية رقم 3884 لسنة 80 جنح قسم أول الزقازيق ثابت منها أنه بتاريخ 25/ 5/ 85 بدائرة قسم أول الزقازيق شرع في سرقة المبلغ النقدي المملوك لمحمد سالم حسن وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو إلقاء القبض عليه وبجلسة 31/ 12/ 1986 عوقب المتهم بحبسه سنة مع الشغل والنفاذ فعارض وقضى في المعارضة بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم وانتهى مجلس التأديب بناء على ما تقدم إلى أن الثابت من الأوراق أن...... الموظف بنيابة الزقازيق للأحوال الشخصية قد اتهم أكثر من مرة في تهمة مخلفة بالشرف والأمانة وهي السرقة والشروع فيها وإن كان القضاء الجنائي قد انتهى إلى القضاء ببراءته لعدم كفاية أدلة الاتهام إلا أن الثابت من الأوراق أن الموظف المذكور خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وأتى أعمالاً من شأنها الحط من كرامة وهيبة الوظيفة ويتمثل هذا في اتهامه أكثر من مرة في وقائع ارتكاب السرقات وهو ما يتعين معه معاقبته عملاً بالمادتين 78، 80 فقرة أولى بند 10 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة بإحالته إلى المعاش.
ومن حيث إن مبنى الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وذلك لعدم سلامة الاتهام الموجه للطاعن ولعدم سلامة إجراءات المحاكمة التأديبية أمام مجلس تأديب العاملين بمحكمة الزقازيق الابتدائية لبطلان قرار الإحالة ولبطلان قرار الاتهام وفقاً لمذكرة الطاعن المقدمة أمام هيئة مفوضي الدولة بهذه المحكمة.
ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان قرار إحالة الطاعن إلى المحاكمة التأديبية أمام مجلس تأديب محكمة الزقازيق الابتدائية وذلك استناداً إلى أن الذي أقام الدعوى التأديبية ضده هو رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية فإنه وإن كان قرار الإحالة للمحاكمة التأديبية صدر في 27/ 1/ 1987 من رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية فإن الثابت من الأوراق أن المحامي العام لنيابات الزقازيق قد تدخل لدى مجلس التأديب في 10/ 5/ 1987 طالباً اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الطاعن ومن ثم فإن الدعوى التأديبية تكون مقامة بناء على طلبه ويكون تحريك الدعوى التأديبية ضد موظفي النيابات وفقاً لما تتطلبه المادة 168 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية قد تم بناء على طلب من الجهة المختصة بذلك وهي النائب العام (رئيس النيابة بالنسبة لموظفي النيابات، ويكون الدفع الصادر عن الطاعن ببطلان قرار إحالته على غير سند من القانون).
ومن حيث إنه عن الدفع ببطلان قرار الاتهام لمخالفته لنص المادة 169 من القانون سالف الذكر الذي يقضي بأن تتضمن أوراق الاتهام والتي تعلن بأمر رئيس مجلس التأديب التهمة أو التهم المنسوبة للمتهم وبياناً موجزاً بالأدلة عليها واليوم المحدد للمحاكمة وذلك بمقولة إن إعلان الاتهام قد صدر من رئيس المحكمة وليس من رئيس مجلس التأديب فإنه بالاطلاع على الأوراق تبين أن إعلان الطاعن بالتهمة وفقاً لنص المادة 169 سالفة الذكر قد تم بناء على طلب إدارة التحقيقات وفقاً للثابت بمحضر الإعلان الذي تم في 29 يناير 1987 ومن ثم فإنه لا يكون للدفع المبدى من الطاعن أي أساس من الواقع مما يتعين رفضه.
ومن حيث إن المحكمة تلتزم بالتعرض لشكل قرار مجلس التأديب المطعون عليه وسلامة الإجراءات المتطلبة قانوناً لإصداره وذلك قبل التعرض لموضوع قرار مجلس التأديب.
ومن حيث إن القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية ينص في المادة 167 منه على أن يشكل مجلس التأديب... في المحاكم الابتدائية والنيابات من رئيس المحكمة ورئيس النيابة أو من يقوم مقامهما وكبير الكتاب، ويستبدل به كبير المحضرين عند محاكمة أحد المحضرين ورئيس القلم الجنائي عند محاكمة أحد كتاب النيابات...
ومن حيث إنه قد تم تشكيل مجلس التأديب بمحكمة الزقازيق الابتدائية وانعقد اعتباراً من 2/ 3/ 1988 برئاسة السيد الأستاذ/ فتحي العيسوي رئيس المحكمة وعضوية السيد الأستاذ/ المحمدي مراد وكيل النيابة، والسيد/ أنيس قاسم رئيس القلم الجنائي وأصدر قراره في 31/ 8/ 1988 بمعاقبة الطاعن بإحالته إلى المعاش إلا أن المبين من الاطلاع على مسودة قرار مجلس التأديب المشار إليه أنها موقعة من رئيس مجلس التأديب وحده...
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة مستقر على أنه ينبغي في تفسير عبارة (المحاكم التأديبية) التي نص القانون على أن يطعن في أحكامها أمام المحكمة الإدارية العليا - وقد وردت عامة غير مخصصة ومطلقة غير مقيدة - أخذها بأوسع الدلالات وأعمها وأكثرها شمولاً، فإن المشرع حين عبر بالمحاكم التأديبية أراد بها الاستغراق والعموم ولا شك أن ذلك العموم يتناول كل ما نصت القوانين على قيامه من مجالس للتأديب باعتبارها تؤدي وظيفة المحاكم التأديبية تماماً ويمكن تشبيهها بالمحاكم وتشبيه قراراتها بالأحكام وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن يسري عليها ما يسري على الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية.
ومن حيث إن قانون المرافعات ينص في المادة 175 منه على أنه يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق بالحكم وإلا كان الحكم باطلاً.
ومن حيث إن المقصود بالقضاة في هذا النص المدلول الموضوعي للقاضي أي من شارك في إصدار الحكم وهو بهذا المدلول يشمل أعضاء مجلس التأديب الذين يشاركون مع رئيس مجلس التأديب في نظر الدعوى التأديبية والمداولة في الحكم الصادر فيها وتوقيع مسودتها.
ومن حيث إن مؤدى ذلك وجوب أن يكون قرار مجلس التأديب موقعاً من رئيس مجلس التأديب وأعضائه فمن ثم فإنه يترتب على نقص واحد أو أكثر من توقيعات أعضاء مجلس التأديب اعتبار قراره باطلاً.
ومن حيث إنه من مقتضى ما تقدم، وطالما كانت مسودة القرار الصادر من مجلس التأديب المطعون فيه خالية من توقيع عضوي المجلس - واقتصر التوقيع عليها من رئيس المجلس وحده، فإن هذا القرار يكون باطلاً مما يتعين معه القضاء بإلغائه وعلى ألا يحول ذلك دون جواز إعادة محاكمة الطاعن تأديبياً أمام مجلس التأديب المختص بهيئة أخرى.
ومن حيث إن هذا الطعن معفى من الرسوم لما تقضي به المادة 90 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 باعتباره طعناً في حكم تأديبي.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع ببطلان قرار مجلس التأديب المطعون فيه.