مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1515

(142)
جلسة 3 من إبريل سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: رأفت محمد السيد يوسف وفاروق علي عبد القادر وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وعطية الله رسلان أحمد فرج - المستشارين.

الطعن رقم 139 لسنة 33 القضائية

أ - دعوى - الحكم في الدعوى - طرق الطعن في الأحكام - دعوى البطلان الأصلية - حصر المشرع طرق الطعن في الأحكام ووضع لها آجالاً محددة وإجراءات معينة - لا يجوز بحث أسباب العوار التي قد تلحق بالأحكام إلا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة - إذا كان الطعن غير جائز أو استغلق فلا سبيل لإهداره إلا بدعوى البطلان الأصلية - أجاز المشرع لصاحب الشأن الحق في رفع دعوى البطلان الأصلية كجزاء على تحقق أي سبب من أسباب عد الصلاحية الحتمية لهيئة المحكمة التي أصدرت الحكم - المشرع لم يحدد ميعاداً محدداً لرفع هذه الدعوى - الحق في رفعها يسقط بالتقادم الطويل - تطبيق [(1)].
ب - دعوى - الحكم في الدعوى - أسباب عدم الصلاحية.
أسباب عد الصلاحية المنصوص عليها سواء في قانون السلطة القضائية أو قانون المرافعات - تعتبر كلها أسباباً شخصية لا تجاوز شخص القاضي الذي قام به سبب عدم الصلاحية ولا تمتد إلى أعضاء المحكمة الآخرين - وجود مانع لدى الدائرة من الفصل في الدعوى ولم تسبب قرارها وخلا محضر الجلسة من المانع الذي قام لدى الدائرة وحال بينها وبين صلاحيتها للفصل في تلك الدعوى كما لم يتضمن محضر الجلسة أيضاً أسماء أي من السادة أعضاء الدائرة الذين قام بهم سبب عدم الصلاحية - الأثر المترتب على ذلك: المانع الذي قام لدى الدائرة يشمل جميع السادة المستشارين الأعضاء بها - تطبيق.
ج - دعوى - الحكم في الدعوى - الطعن في الأحكام - أسباب عدم الصلاحية.
إذا وجد مانع لدى عضو الدائرة بمحكمة القضاء الإداري أدى إلى عدم نظر الدعوى فلا يجوز له أن يشترك في نظرها إذا طعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا - الأثر المترتب على ذلك: بطلان الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 17/ 11/ 1986 أودع الأستاذ أحمد فؤاد عامر المحامي بصفته وكيلاً عن السيدة ماري رزق عوض بصفتها الممثلة القانونية للشركة المتحدة للبوفيهات والمطاعم السياحية - سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل رقم 139 لسنة 33 ق ضد السيد محافظ المنوفية في الحكمة الصادر من تلك المحكمة بجلسة 8/ 2/ 1986 في الطعن رقم 865 لسنة 31 ق عليا المقام من الشركة الطاعنة ضد المطعون ضده والذي قضى بقبول الطعنين المضمومين رقمي 253 و865 لسنة 31 ق شكلاً وفي موضوعهما برفض الطعن رقم 253 لسنة 31 وإلزام الشركة الطاعنة بمصروفاته، وبإلغاء الحكم المطعون فيه بمقتضى الطعن رقم 865 لسنة 31 ق وبقبول الدعويين رقمي 5289 لسنة 37 ق و1248 لسنة 38 ق شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام الشركة بمصروفات هذا الطعن.
وطلبت الطاعنة في ختام تقرير الطعن، وللأسباب المبينة به، الحكم بإحالة هذا الطعن إلى دائرة أخرى لنظره مجدداً لبطلان الحكم المطعون فيه بطلاناً مطلقاً يتعلق بالنظام العام وللحكم فيه مجدداً مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة.
وبتاريخ / / 198 تم إعلان المطعون ضده بتقرير الطعن لدى هيئة قضايا الدولة.
وتم تحضير الطعن أمام هيئة مفوضي الدولة التي أعدت تقريراً بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم (أولاً وبصفة أصلية) بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع ببطلان الحكم المطعون فيه وبإعادة الطعن رقم 865 لسنة 31 ق عليا إلى المحكمة الإدارية العليا للفصل فيه مجدداً من دائرة أخرى مع إبقاء الفصل في المصروفات (ثانياً وبصفة احتياطية) بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد القانوني مع إلزام الطاعنة المصروفات.
وبجلسة 19/ 4/ 1989 نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون وفيها قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 7/ 6/ 1989 مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع، وأثناء هذا الأجل وبتاريخ 2/ 5/ 1989 أودعت الطاعنة مذكرة بدفاعها انتهت فيها إلى التصميم على الطلبات الواردة بتقرير الطعن وذلك بعد أن أشارت في ختام مذكرتها إلى أن الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل - ببطلانه هذا قد فوت على الشركة الطاعنة درجة من درجات التقاضي بالمخالفة للدستور والقانون الذي جعل درجات التقاضي على مرحلتين وقضاء محكمة النقض قد استقر على أن مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الأساسية للنظام القضائي وأن إخلال محكمة الاستئناف به أثره بطلان حكمها ولو لم يتمسك الطاعن بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة (نقض جلسة 2/ 6/ 1982 في الطعن رقم 1078 لسنة 50 ق)، كما أنه بتاريخ 10/ 5/ 1989 أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها خلصت فيها إلى طلب الحكم (أصلياً) بعدم قبول الطعن لرفعه بعد الميعاد القانوني و(احتياطياً) بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه و(على سبيل الاحتياط الكلي) بعدم قبول الطعن لعدم توافر إحدى الحالات المنصوص عليها بالمادة 146 مرافعات مع إلزام الطاعنة في أي الحالات بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين، وبجلسة 7/ 6/ 1989 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) وحددت لنظره أمامها جلسة 27/ 6/ 1989 وتدوول نظر الطعن بعد ذلك أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبتاريخ 8/ 11/ 1989 أودعت الطاعنة مذكرة ثانية بدفاعها صممت فيها على الطلبات الواردة بتقرير الطعن بعد أن كررت من جديد أن هذه المنازعة أولى بها أن تعود إلى محكمة القضاء الإداري حتى لا يحرم طرفا الخصومة من إحدى درجتي التقاضي لا سيما وأن محكمة القضاء الإداري لم تقل كلمتها في الدعويين وإنما قضت بعدم جواز نظر الدعويين لسابقة الفصل فيهما أي لم تتعرض بشيء لموضوع الخصومة، وأخيراً وبجلسة 6/ 2/ 1990 أودعت الطاعنة حافظة مستندات طويت على صورة رسمية من الحكم الذي أصدرته محكمة النقض بجلسة 17/ 12/ 1989 في الطعن رقم 2216 لسنة 53 ق لصالح الشركة وقد دونت الطاعنة على غلاف تلك الحافظة أن المنازعة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه قد اتصلت بقضاء مجلس الدولة بطريق الإحالة من محكمة استئناف طنطا وقد طعن في حكم محكمة الاستئناف الذي أحال المنازعة إلى محكمة القضاء الإداري أمام محكمة النقض فقضت بنقضه واختصاص المحاكم المدنية بنظر النزاع وأحالت القضية مرة أخرى إلى محكمة استئناف طنطا ووفقاً لنص المادة 271 من قانون المرافعات يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة متى كان ذلك الحكم المنقوض أساساً لها ومن ثم فإن حكم محكمة القضاء الإداري وحكم المحكمة الإدارية العليا محل هذا الطعن قد انهار بصدور حكم النقض المشار إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات - وبعد المداولة.
ومن حيث إنه عن شكل الطعن فإنه من المسلم به أن المشرع حصر طرق الطعن في الأحكام ووضع لها آجالاً محددة وإجراءات معينة وأنه يمتنع بحث أسباب العوار التي قد تلحق بالأحكام إلا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة لها، بحيث إذا كان الطعن غير جائز أو كان قد استغلق فلا سبيل لإهدار تلك الأحكام بدعوى بطلان أصلية وذلك تقديراً لحجية الأحكام باعتبارها عنوان الحقيقة في ذاتها إلا أنه استثناء من هذا الأصل العام وفي أحوال محددة قرر المشرع لصاحب الشأن الحق في رفع دعوى بطلان أصلية كجزاء على تحقق أي سبب من أسباب عدم الصلاحية الحتمية لهيئة المحكمة التي أصدرت الحكم محل هذه الدعوى، إلا أن المشرع لم يحدد ميعاداً محدداً لرفع هذه الدعوى ومن ثم فإن الحق في رفع تلك الدعوى يسقط بالتقادم الطويل المنصوص عليه في المادة 374 من القانون المدني وبناء على ما تقدم فإن الطعن الماثل يكون مقبولاً شكلاً، وبالتالي فإن الدفع المثار من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد ميعاد الستين يوماً المنصوص عليه في المادة 44 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة يكون قائماً على غير أساس من القانون جديراً بالرفض.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن وقائع الطعن تخلص - حسبما هو ثابت بالأوراق - في أنه بتاريخ 21/ 8/ 1983 أقام الممثل القانوني للشركة العربية المتحدة للبوفيهات والمطاعم السياحية الدعوى رقم 5289 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) ضد محافظ المنوفية يطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفه مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من المدعى عليه بإنهاء عقد إيجار الشركة لبرج المنوفية وتسليمه لمن رسا عليه المزاد وفي الموضوع بانعدام هذا القرار وما يترتب عليه من آثار مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وتدوول نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري على النحو الثابت بمحاضر جلساتها وبعد أن قررت المحكمة ضد الدعوى رقم 1248 لسنة 38 ق إلى الدعوى رقم 5289 لسنة 37 ق للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، قضت بجلسة 20/ 1/ 1985 بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
وفي يوم الأربعاء الموافق 6/ 2/ 1985 أودع الأستاذ منصف نجيب سليمان المحامي بصفته وكيلاً عن وكيل الممثلة القانونية للشركة العربية المتحدة للبوفيهات والمطاعم السياحية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 865 لسنة 31 ق ضد محافظ المنوفية في حكم محكمة القضاء الإداري السالف الإشارة إليه.
وبجلسة 23/ 10/ 1984 عرض الطعن رقم 253 لسنة 31 عليا المقام من الشركة الطاعنة ضد المطعون ضده وآخرين على دائرة فحص الطعون بالدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والعقود الإدارية والتعويضات) فقررت بجلسة 17/ 6/ 1985 إحالته إلى دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة للمحكمة الإدارية العليا (دائرة الإصلاح الزراعي والعقود والتعويضات) لنظره بجلسة 27/ 7/ 1985، كما عرض الطعن رقم 865 لسنة 31 ق أيضاً على دائرة فحص الطعون بالدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا بجلسة 4/ 4/ 1985 فقررت بجلسة 17/ 6/ 1985 إحالة هذا الطعن أيضاً إلى دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة للمحكمة الإدارية العليا.
وبجلسة 3/ 7/ 1985 قررت دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة للمحكمة الإدارية العليا ضم الطعن رقم 865 لسنة 31 ق إلى الطعن رقم 253 لسنة 31 ق ليصدر فيهما حكم واحد، ثم قررت بجلسة 18/ 9/ 1985 إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) وحددت لنظرهما أمامها جلسة 15/ 11/ 1985 وفي هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة (الدائرة الثالثة) إحالة الطعنين إلى الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية (دائرة منازعات الأفراد والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظرهما أمامها جلسة 14/ 12/ 1985 وذلك بعد أن عاد إلى الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا اختصاصها بنظر الطعون الخاصة بالعقود الإدارية والتعويضات.
وتدوول نظر الطعنين رقمي 253 لسنة 31 ق و865 لسنة 31 ق أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 8/ 2/ 1986 أصدرت المحكمة حكمها المشار إليه بصدر هذا الحكم.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى على حكم المحكمة الإدارية العليا سالف الذكر بالبطلان بناء على ما عرضته من أسباب بتقرير الطعن حاصلها بطلان الحكم المطعون فيه بطلاناً مطلقاً يتعلق بالنظام العام إعمالاً للمواد 146/ 5 و147 و150 من قانون المرافعات والمادة 3 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وحسبما استقر قضاء محكمة النقض المشار إليه بتقرير الطعن، وذلك أن الثابت من الاطلاع على الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 865 لسنة 31 ق أن السيد المستشار..... كان عضواً في الدائرة التي أصدرت ذلك الحكم (عضو اليمن الأول فيها وذلك على الرغم من سابقة تنحيه عن نظر الدعويين رقمي 5289 و1248 لسنة 38 ق (محل الطعن رقم 865 لسنة 31 ق المذكور) أمام محكمة القضاء الإداري وسابقة حكمه على نفسه بعدم الصلاحية لنظر تلك الدعويين - فإن الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 865 لسنة 31 ق المشار إليه آنفاً يكون قد وقع باطلاً، وخلصت الطاعنة في تقرير طعنها إلى طلب الحكم ببطلان الحكم المذكور وإلغائه وإحالة الطعن رقم 865 لسنة 31 ق لنظره أمام دائرة أخرى غير تلك التي أصدرت الحكم الباطل والفصل في ذلك الطعن من جديد.
ومن حيث إنه باستعراض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية يتبين أن المادة 146 منه تنص على أنه {يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم في الأحوال الآتية:
1 - ...... 2 - ...... 3 - ...... 4 - .......
5 - إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها}.
كما تنص المادة 147 من القانون المذكور على أنه {يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم.
وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
ومن حيث إن قضاء محكمة النقض قد استقر على أن الحكم القضائي متى صدر صحيحاً يظل منتجاً آثاره فيمتنع بحث أسباب العوار التي تلحقه إلا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة، ولا سبيل لإهدار هذه الأحكام بدعوى بطلان أصلية أو الدفع به في دعوى أخرى، ومن المسلم به استثناء من هذا الأصل العام في بعض الصور القول بإمكان رفع دعوى بطلان أصلية أو الدفع بذلك، إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية بحيث يشوبه عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفته كحكم ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره فلا يستنفد القاضي سلطته ولا يرتب الحكم حجية الأمر المقضي ولا يرد عليه التصحيح لأن المعدوم لا يمكن رأب صدعه. (محكمة النقض في الطعن 1017 لسنة 48 ق جلسة 14/ 2/ 1979 - مجموعة المكتب الفني في خمسين عاماً - الجزء الأول - المجلد الثالث - مبدأ 1498 - صفحة 3577).
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا قد استقر قضاؤها أيضاً على أنه ولئن كانت أحكام المحكمة الإدارية العليا خاتمة المطاف فيما يعرض من أقضية على القضاء الإداري ومن ثم لا يقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن - شأنها في ذلك شأن الأحكام الصادرة من محكمة النقض - وإذا كان الشارع قد أجاز للخصم أن يطلب إلى محكمة النقض إلغاء الحكم الصادر منها إذا قام بأحد أعضاء الهيئة التي أصدرته سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 146 من قانون المرافعات وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى فإن مثل هذه الوسيلة ينبغي إتاحتها للخصم إذا ما وقع البطلان في حكم المحكمة الإدارية العليا لذات السبب وذلك لوحدة العلة التي تقوم على حكمة جوهرية هي توفير ضمانة أساسية لتطمين المتقاضين وصون سمعة القضاء.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم وإذ كان الثابت من الأوراق في الطعن الماثل أن الطاعن سبق أن أقام الدعوى رقم 5289 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) وتحدد لنظرها أمام هذه الدائرة جلسة 25/ 9/ 1983 وتدوول نظرها بعد ذلك أمامها على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 22/ 1/ 1984 قررت الدائرة برئاسة السيد المستشار..... عرض الدعوى على السيد الأستاذ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الإداري لإحالتها إلى دائرة أخرى لوجود مانع لدى الدائرة من الفصل فيها، وبناء على ذلك أحيلت الدعوى إلى دائرة أخرى من دوائر محكمة القضاء الإداري، وتدوول نظرها أمامها إلى أن قضت بجلسة 20/ 1/ 1985 بعدم جواز نظر الدعوى (الدعويين المضمومتين رقمي 5289 لسنة 37 ق و1248 لسنة 38 ق) لسبق الفصل فيها، وذلك على النحو السالف بيانه تفصيلاً.
ولما كان الثابت من الأوراق أن حكم محكمة القضاء الإداري سالف الذكر كان محل الطعن رقم 865 لسنة 31 ق عليا المشار إليه آنفاً، وإذ كان يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 8/ 2/ 1986 في الطعن رقم 865 لسنة 31 ق سالف الذكر أن السيد المستشار... كان عضواً في دائرة منازعات الأفراد والعقود الإدارية والتعويضات التي أصدرت ذلك الحكم، ومن ثم يكون قد قام بالسيد الأستاذ المستشار.... سبب من أسباب عدم الصلاحية للفصل في الطعن رقم 865 لسنة 31 ق عليا لسبق تنحيه عن نظر الدعوى رقم 5289 لسنة 37 قضاء إداري محل الطعن المذكور.
ومن حيث إنه ولئن كانت أسباب عدم الصلاحية سواء نتيجة ظروف عدم الصلاحية الحتمية أو نتيجة ظروف عدم الصلاحية التقديرية، والمنصوص عليها سواء في قانون السلطة القضائية أو قانون المرافعات كلها تعتبر أسباباً شخصية لا تجاوز شخص القاضي الذي قام به سبب عدم الصلاحية، ولا تمتد إلى أعضاء المحكمة الآخرين - فكل أسباب عدم الصلاحية شخصية إلا أن الثابت أن دائرة العقود الإدارية والتعويضات بمحكمة القضاء الإداري برئاسة السيد الأستاذ المستشار...... قررت بجلستها المنعقدة في 22/ 1/ 1984 وجود مانع لدى الدائرة من الفصل في الدعوى إلا أنها لم تسبب قرارها هذا، فقد خلا محضر الجلسة من أية إشارة إلى المانع الذي قام لدى هذه الدائرة وحال بينها وبين صلاحيتها للفصل في تلك الدعوى، كما لم يتضمن محضر الجلسة أيضاً أسماء أي من السادة أعضاء الدائرة الذين قام بهم سبب عدم الصلاحية ومن ثم فإن المانع الذي قام لدى الدائرة يشمل والحالة هذه جميع السادة المستشارين الأعضاء بها.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإنه يكون قد قام في أحد السادة المستشارين الذين شاركوا في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 865 لسنة 31 ق وهو السيد الأستاذ المستشار...... سبب من أسباب عدم الصلاحية للفصل في ذلك الطعن الأمر الذي يتعين معه القضاء ببطلان ذلك الحكم.
ومن حيث إنه عن الدفع المثار من هيئة قضايا الدولة بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه تأسيساً على أن رفض الطعن رقم 253 لسنة 31 ق أدى إلى إلغاء الحكم المطعون فيه بالطعن رقم 865 لسنة 31 ق وقد حاز كل منهما قوة الشيء المحكوم فيه وأن التعرض لأي منهما منفرداً يتعارض وحجية الشيء المحكوم فيه - فإن هذا القول مردود بأن الثابت من الأوراق كما سلف البيان تفصيلاً أن الطعن الماثل هو في حقيقة الأمر دعوى بطلان أصلية ولما كانت الشركة الطاعنة لم يسبق لها أن أقامت مثل هذه الدعوى أمام القضاء الإداري ضد نفس الخصوم وبنفس الطلبات ولذات السبب ومن ثم فإن حجية الأمر المقضي به المنصوص عليها في المادة 101 من القانون رقم 25 لسنة 1968 بإصدار قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية تعد منتفية في هذه الحالة ويكون الدفع بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه بالتالي قائماً على غير أساس من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن طلب الشركة الطاعنة إعادة المنازعة إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها حتى لا يحرم طرفا الخصومة من إحدى درجتي التقاضي لاسيما وأن تلك المحكمة لم تقل كلمتها في الدعوى وإنما قضت بعدم جواز نظر الدعويين لسابقة الفصل فيهما أي أنها لم تتعرض بشيء لموضوع الخصومة - فإن هذا القول مردود بأنه لما كان الثابت من الأوراق أن المنازعة صالحة للفصل فيها من الناحية الموضوعية وأنه طبقاً لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا يكون لهذه المحكمة سلطة الفصل في النزاع دون ثمة ما يدعو إلى إعادته إلى محكمة أول درجة الصادر منها الحكم المقضي بإلغائه.
ومن حيث إنه عن إعادة الطعن رقم 865 لسنة 31 ق عليا إلى المحكمة الإدارية العليا للفصل فيه مجدداً من دوائر أخرى مع إبقاء الفصل في المصروفات فإنه لما كانت هذه الدائرة الثالثة من دوائر المحكمة الإدارية العليا هي مختصة حالياً بنظر الطعون في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في مجال العقود الإدارية ومن ثم فإنها تكون هي المختصة دون غيرها بالفصل في الطعن المذكور وحددت لنظره أمامها جلسة 15/ 5/ 1990 ولا يغير من ذلك ما تثيره الشركة الطاعنة من أنه بصدور حكم محكمة النقض في الطعن رقم 2216 لسنة 53 المشار إليه آنفاً لصالحها فإن حكم محكمة القضاء الإداري وحكم المحكمة الإدارية العليا محل الطعن الماثل يكونان قد انهارا تماماً بصدور ذلك الحكم عملاً بنص المادة 271/ 1 من قانون المرافعات التي تقضي بأنه {يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها} هذا القول من جانب الشركة الطاعنة مردود بأن ما انتهى إليه حكم محكمة النقض سالف الذكر بشأن تحديد الطبيعة القانونية للعقد محل النزاع واعتباره عقداً مدنياً وليس عقداً إدارياً ومن ثم يختص القضاء المدني بنظر المنازعات الناشئة عنه، هذا الحكم لا يقيد القضاء الإداري هذا فضلاً عن أن الإحالة قد تمت وفقاً للمادة 110 من قانون المرافعات، ومن ثم فقد أصبح القضاء الإداري مختصاً بنظر الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفض الدفع بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه وببطلان الحكم المطعون فيه وحددت جلسة 15/ 5/ 1990 لنظر الطعن رقم 865 لسنة 31 ق عليا وأبقت الفصل في المصروفات.


[(1)] يراجع حكم محكمة النقض في الطعن رقم 1017 لسنة 48 ق الصادر بجلسة 14/ 2/ 1979.