أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 50 - صـ 246

جلسة 17 من فبراير سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ أحمد زكي غرابة - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ شكري العميري، عبد الصمد عبد العزيز، عبد الرحمن فكري - نواب رئيس المحكمة، ومحسن فضلى.

(45)
الطعن رقم 2441 لسنة 62 القضائية

(1) قضاة "رد القاضي". تعويض.
حياد القاضي. قوامه. اطمئنان المتقاضي إلى أن القضاء لا يصدر إلا من الحق دون تحيز أو هوى. حقه في رد القاضي عن نظر نزاع بعينه. مناطه. توافر الجدية وعدم استخدامه سبيلاً لعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة. جواز الحكم على طالب الرد بالتعويض. شرطه. تضمن طلب الرد ما ينال من حيدة القاضي وسمعته.
(2، 3) تعويض. مسئولية. محكمة الموضوع. نقض.
(2) استخلاص الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما من سلطة محكمة الموضوع. شرطه. أن يكون سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق.
(3) تكييف الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه. من مسائل القانون. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
1 - إنه لئن كان مبدأ حياد القاضي يتأسس على قاعدة أصولية قوامها وجوب اطمئنان المتقاضى إلى قاضيه وأن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون تحيز أو هوى وحرصت الأحكام التشريعية المنظمة لشئون القضاء على تدعيم وتوفير هذه الحيدة ولم تغتل عن حق المتقاضى إذا كانت لديه أسباب إلى مظنة التأثير في هذه الحيدة أن يجد السبيل ليحول بين من قامت في شأنه تلك المظنة وبين القضاء في دعواه ومن ثم فقد قام حقه في رد القاضي عن نظر نزاع بعينه كحق من الحقوق الأساسية التي ترتبط بحق التقاضي ذاته إلا أنه لما كان هذا الحق من الحقوق قد تعرض لأن تستشري في شأنه ظاهرة إساءة استعماله بالإفراط فيه واستخدامه سبيلاً للكيد في الخصومة واللدد فيها وإطالة أمد الفصل في القضايا دون تحسب لما يؤدي إليه الأمر من إيذاء القضاة في اعتبارهم ومكانتهم ومشاعرهم وجعل نزاهتهم وحيدتهم محل شك من الخصوم وسمعتهم مضغة في الأفواه وإزاء هذا الذي آل إليه الأمر والإسراف في النيل من القضاء مما حدا بالمشرع إلى إجراء تعديل تشريعي للنصوص المنظمة لأوضاع رد القضاة ومخاصمتهم بما يحقق التوازن التشريعي بين المحافظة على حق المتقاضين في رد القضاة إذا توافرت أسبابه وبين تقرير ضوابط دقيقة تجعل من ممارسة هذا الحق منوطاً بتوافر الحيدة والبعد عن العبث والحيلولة دون استخدامه سبيلاً للكيد وعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة.
2 - إذ كان استخلاص الخطأ والضرر ورابطة السببية بينهما وإن كان مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق.
3 - أن تكييف الفعل به إذا كان خطأ ونفي هذا الوصف عنه فهو من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة هذه المحكمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين وآخر لم يختصم في الطعن أقاموا على المطعون ضده الدعوى رقم 7596 لسنة 1988 مدني محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي لهم مبلغ مائة ألف من الجنيهات تعويضاً عن الأضرار الأدبية التي لحقتهم وقالوا بياناً لذلك إنه حال نظرهم كقضاة، لنزاع قضائي بين المطعون ضده ومطلقته في الدعوى رقم 13532 لسنة 1983 مدني محكمة جنوب القاهرة الابتدائية عمد الأول إلى ردهم عن نظرها بالدعوى رقم 6105 لسنة 1987 مدني محكمة جنوب القاهرة الابتدائية على قول منه أنه قد استشعر انحيازهم للأخيرة وعدم استطاعتهم الحكم في الدعوى بغير ميل إلى طرف دون آخر لما اتخذوه من إجراءات في الدعوى على خلاف ما تقضي به قواعد الإثبات الموضوعية. وإذ كان طلب الرد قد قضى برفضه لأنه ليس من بين الحالات التي يجوز فيها رد القضاء وبات الحكم في شأنه حائزاً لقوة الأمر المقضي وقد نالتهم من جرائه أضراراً أدبية كبيرة إذ أنه من شأنه المساس بحيدتهم وبسمعتهم ونزاهتهم التي يجب أن يتحلوا بها كقضاة فقد أقاموا الدعوى - حكمت المحكمة بإلزام المطعون ضده بأن يؤدي لهم مبلغ خمس عشرة ألف من الجنيهات - استأنف الطاعنان والمطعون ضده هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 6517، 7213 لسنة 108 ق القاهرة وبعد أن أمرت المحكمة بضمهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد حكمت بتاريخ 17/ 2/ 1992 باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطرفيها القاضي...... والمطعون ضده للتصالح بينهما وفي موضوع الاستئنافين قصراً على أطرافه الباقين (الطاعنان والمطعون ضده) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض لكل من الطاعنين ورفض دعواهما – طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى بها الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال والتناقض وبياناً لذلك يقولان إنه لما كان مؤدى الحكم برفض طلب الرد والقضاء على طالبه بالغرامة المقررة قانوناً إساءة طالبه لحقه في استعماله وإساءته لاستعمال حقه في التقاضي بحسبانه أنه من الحقوق العامة التي كفلها الدستور بما يدل على ثبوت الخطأ في جانبه وهو ما أقاما الدعوى على أساسه فإن الحكم مع تسليمه بأن القضاء برفض طلب المطعون ضده ردهما وتغريمه قد حاز قوة الأمر المقضي وهو ما يعني قناعته بعدم صحة أسباب الرد قد خلص إلى القول بعدم توافر الخطأ في جانبه على قول منه بأن أسباب الرد لا ترقى إلى مرتبة الخطأ الموجبة للتعويض دونه أن يعمل أثر ذلك القضاء والتفت عن دفاعهما في هذا الصدد مع مساس طلب الرد وما ورد به بسمعتهما وحيدتهما ونزاهتهما كقضاة بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أنه لئن كان مبدأ حياد القاضي يتأسس على قاعدة أصولية قوامها وجوب اطمئنان المتقاضي إلى قاضيه وأن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون تحيز أو هوى وحرصت الأحكام التشريعية المنظمة لشئون القضاء على تدعيم وتوفير هذه الحيدة ولم تغتل عن حق المتقاضى إذا كانت لديه أسباب إلى مظنة التأثير في هذه الحيدة أن يجد السبيل ليحول بين من قامت في شأنه تلك المظنة وبين القضاء في دعواه ومن ثم فقد قام حقه في رد القاضي عن نظر نزاع بعينه كحق من الحقوق الأساسية التي ترتبط بحق التقاضي ذاته إلا أنه لما كان هذا الحق من الحقوق قد تعرض لأن تستشري في شأنه ظاهرة إساءة استعماله بالإفراط فيه. واستخدامه. سبيلاً للكيد في الخصومة وللدد فيها وإطالة أمد الفصل في القضايا دون تحسب لما يؤدي إليه الأمر من إيذاء القضاة في اعتبارهم ومكانتهم ومشاعرهم وجعل نزاهتهم وحيدتهم محل شك من الخصوم وسمعتهم مضغة في الأفواه وإزاء هذا الذي آل إليه الأمر والإسراف في النيل من القضاء مما حدا بالمشرع إلى إجراء تعديل تشريعي للنصوص المنظمة للأوضاع رد القضاة ومخاصمتهم بما يحقق التوازن التشريعي بين المحافظة على حق المتقاضين في رد القضاة إذا توافرت أسبابه وبين تقرير ضوابط دقيقة تجعل من ممارسة هذا الحق منوطاً بتوافر الحيدة والبعد عن العبث والحيلولة دون استخدامه سبيلاً للكيد وعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة وإذ كان حق الالتجاء إلى القضاء من الحقوق العامة التي كفلها الدستور لكل مواطن إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التي تلحق به بسبب إساءة استعمال هذا الحق ومن ثم فقد حق للقاضي الذي تقرر برده أن يلجأ إلى القضاء للحكم على طالب الرد بالتعويض إعمالاً للقواعد العامة التي تقضي بمساءلة من انحرف في استعمال حق التقاضي عن الأضرار التي نجمت عن ذلك ويتحقق الخطأ عن ذلك إذا ما تضمنه طلب الرد بما حواه أو أبدى فيه من دفاع على ما ينال من نزاهة القاضي وحيدته وسمعته وإذا كان استخلاص الخطأ والضرر ورابطة السببية بينهما وإن كان مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق وأن تكييف الفعل به إذا كان خطأ ونفى هذا الوصف عنه فهو من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض للطاعنين على المطعون ضده على سند من أن الثابت من الأوراق وخاصة الحكم الصادر في دعوى الرد أن الأسباب التي بنى عليها المطعون ضده طلب الرد ليست من الأسباب الواردة بنص المادة 148 من قانون المرافعات وأن هذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي إلا أن الثابت من باقي أوراق الدعوى أنه ما تقدم بطلبه إلا لما استشعره من ميل المحكمة بخصيمته في الدعوى الأخيرة أخذاً مما اتبعته المحكمة المطلوب ردها من إجراءات في إثبات تلك الدعوى وأن أسبابه لا يتوافر بها ركن الخطأ الموجب للتعويض لتعلقه باستعمال الحق في التقاضي ما دام لم يقصد به الكيد وهو استخلاص غير سائغ ولا تؤدي إلى ما انتهى إليه ذلك أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد انحرف عن حيادة الصواب في استعمال حقه في التقاضي وأنه قصد الكيد للطاعنين إذ أن ما انتهى إليه الحكم الصادر في طلب الرد من خلو أوراق الدعوى من دليل على أسبابه وبأنها ليست من الأسباب التي حصرها المشرع في المادة 148 من قانون المرافعات فضلاً عن أن الحكم أثبت أن المطعون ضده لم يثبت له صحة اعتراضه على حكم التحقيق وأنه جاء قولاً مرسلاً ويخالف الثابت بالأوراق بما قرره بنفسه من أن قاضي التحقيق قد أدرج له بعد ذلك طلبه بمحضر الجلسة مؤداها أن المطعون ضده بالتجائه إلى استعمال حقه في طلب ردهما بهذه المثابة لم يكن القصد منه سوى الإساءة إليهما والتشكيك على نزاهتهما وحيدتهما وسمعتهما كقضاة وهو ما يستهدف به إقراره في عقد الصلح المؤرخ 18/ 12/ 1991 المقدم منه لإنهاء النزاع بينه وبين أحد أعضاء الدائرة التي طلب ردها عن نظر الدعوى المنعقدة بينه وبين مطلقته وأصبح ورقة من أوراق الدعوى من أن ما أورده بطلب الرد وهو ما يسري الطاعنين القيام الرد على ذات الأسباب التي نظمها طلب الرد واستقام عليها دفاع المطعون ضده الرد كان محض زعم وكيد ولم يكن له ما يبرره واقعاً أو قانوناً وإنما تم بإيعاذ من الدفاع عنه الذي لم يبصره بالعاقبة بما يفيد أن قصد الكيد كان واقعاً سلفاً وهو جميعاً ما يتوافر به ركن الخطأ التقصيري ومن شأنه إلحاق الضرر الأدبي بهما كقضاة ويكون الحكم المطعون فيه بمخالفة لهذا النظر قد عابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم وكان الحكم المستأنف في محله فإنه يتعين الحكم في موضوع الاستئنافين رقمي 6517، 7213 لسنة 108 ق القاهرة برفضهما.