أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 50 - صـ 256

جلسة 17 من فبراير سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ أحمد زكي غرابه - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد أبو الحجاج، شكري العميري، عبد الرحمن فكري - نواب رئيس المحكمة، ومحسن فضلى.

(47)
الطعن رقم 5153 لسنة 67 القضائية

(1) تعويض "الخطأ". مسئولية.
قضاء المحكمة الجنائية ببراءة المبلغ من جريمة البلاغ الكاذب لعدم توافر أركانها. التزامها ببحث مدى توافر الخطأ المدني المستوجب للتعويض. مؤداه. الخطأ المدني الناجم عن جريمة البلاغ الكاذب اعتباره مطروحاً على المحكمة الجنائية من خلال الدعوى المدنية التابعة. قضاؤها برفضها. قضاء ضمني بانتفاء الخطأ بكافة صوره. أثره. امتناع معاودة المدعي بالحق المدني إثارة هذه المسألة بدعوى لاحقة أمام القضاء المدني.
(2) استئناف "الطلبات الجديدة".
الطلب الجديد الذي لا يجوز إبداؤه أمام محكمة الاستئناف. م 235 مرافعات. ماهيته. الطلب الذي يختلف مع الطلب المبدى أمام محكمة أول درجة في موضوعه وإن تطابق معه في نوعه.
(3) تعويض "مسئولية".
الركن المادي لجريمة السب. ماهيته. عبارات السب ذاتها جواز التعويض عنها. شرطه.
1 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن المحكمة الجنائية إذا قضت - في دعوى البلاغ الكاذب - ببراءة المبلغ استناداً إلى عدم توافر ركن من أركان البلاغ الكاذب، فيجب عليها بحث مدى توافر الخطأ المدني المستوجب للتعويض إذ التسرع في الاتهام والرعونة وعدم التبصر فيه، خطأ مدني يستوجب التعويض، مما مفاده أن الخطأ المدني الناجم عن جريمة البلاغ الكاذب بكافة صوره يكون مطروحاً على المحكمة الجنائية من خلال الدعوى المدنية التبعية، فإن هي قضت برفض هذه الدعوى كان ذلك منها فصلاً ضمنياً - وبصورة حتمية - بانتفاء الخطأ بكافة صوره مما يمتنع معه على المدعي بالحق المدني معاودة إثارة هذه المسألة بدعوى لاحقة يقيمها أمام القضاء المدني. وإذ كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم الصادر في الجنحة رقم 23046 سنة 1994 الرمل أنه نفى عن المطعون ضدها القصد الجنائي وأن الأوراق قد خلت مما يفيد كذبها فيما أبلغت بالمحاضر الثلاثة وانتهى إلى براءتها ورفض الدعوى المدنية، فإن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المقضي المانعة للطاعن من معاودة طلب التعويض عن البلاغ الذي احتوته المحاضر المشار إليها سلفاً، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي عليه - في هذا الخصوص - يكون على غير أساس.
2 - من المقرر - على ما تقضي به المادة 235 مرافعات - أنه لا يجوز قبول طلبات جديدة أمام الاستئناف، والطلب يعد جديداً إذا كان يختلف مع الطلب المبدى أمام أول درجة في موضوعه - حتى وإن تطابق معه في نوعه.
3 - إذ كان الركن المادي لجريمة السب هو عبارات السب ذاتها، ومن ثم تصلح كل منها لأن تكون محلاً للعقوبة والتعويض متى تبين من ظروف حصولها والملابسات التي اكتنفتها توفر ذاتية متميزة لها تغاير الفعل المادي لغيرها بما جعل من كل عبارة جريمة مستقلة بأركانها التي تميزها عن الأخرى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه في الدعوى الفرعية بالتعويض على ما نسبه إلى الطاعن من عبارات السب التي احتواها تحقيق مكتب العمل في 10/ 9/ 1994، رغم أن المطعون ضدها لم تستند إليها - كأساس لدعواها - إلا أمام محكمة الاستئناف بينما استندت أمام أول درجة كأساس لطلب التعويض إلى وقائع تختلف في ظروف حصولها وكنهها عما ارتكنت إليه أمام الدرجة الثانية، الأمر الذي تكون معه المحكمة الاستئنافية قد قبلت طلباً جديداً أبدي أمامها لأول مرة بالمخالفة لمبدأ التقاضي على درجتين، مما يعيب حكمها في الدعوى الفرعية بالتعويض بالخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدها الدعوى رقم 4758 لسنة 1995 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية طالباً الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليه خمسين ألف جنيه، وقال في بيانها إن الأخيرة كانت تعمل محامية بشركة سنتاريتا للأمن الغذائي التي يعمل هو بها مديراً للشئون القانونية، وقد أبلغت الشرطة بانقطاعها عن العمل في 14/ 8/ 1994 وأن الشركة رفضت قبول استقالتها وإخلاء طرفها، وأنه لدى توجهها إلى الشركة تعدى عليها صاحبها والطاعن بالسب والقذف والتهديد أمام رهط من موظفيها، وقد ضمنت هذه الادعاءات محاضر إدارية ثلاث بأرقام 12287/ 94، 13097/ 94، 13100/ 1994 قسم الرمل، ولما كانت المطعون ضدها قد ابتغت بإبلاغها السلطات بهذه الوقائع المكذوبة مجرد التشهير بالطاعن والإساءة لمركزه الاجتماعي والوظيفي، على النحو الذي أضر به، فقد أقام دعواه للحكم بما سلف من الطلبات، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماع شاهدي الطاعن أبدت المطعون ضدها طلباً عارضاً بإلزام الطاعن بأن يؤدي لها مبلغ ثلاثمائة ألف جنيه تعويضاً عما نالها من ضرر من جراء ألفاظ السب والقذف التي احتوتها المحاضر المشار إليها آنفاً. أحالت المحكمة الدعوى الفرعية للتحقيق وبعد سماعها شهود الطرفين قضت بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي للطاعن مبلغ خمسمائة جنيه وبرفض الدعوى الفرعية. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 2157 لسنة 53 ق كما استأنفته المطعون ضدها لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم 2409 لسنة 53 ق. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت في 26/ 11/ 1997 برفض الاستئناف الأول وفي الثاني بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضدها ألف جنيه تعويضاً عن الضرر الأدبي طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه - جزئياً - فيما قضى به في الاستئناف رقم 2409 لسنة 53 ق. وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالشق الثالث من الوجه الثاني من السبب الثالث والشق الثاني من السبب الرابع. والوجه الأول من السبب الخامس، الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيانها يقول إنه تمسك بعدم حجية الحكم الصادر في الجنحة رقم 23046 لسنة 94 الرمل - ببراءة الطعون ضدها من تهمة الإبلاغ الكاذب - لاختلاف أساس التعويض فيها عن أساسه في الدعوى الراهنة، فهو في الجنحة التعويض عن البلاغ الكاذب، بينما هو في الدعوى الماثلة اتخاذ المطعون ضدها من تكرار البلاغ الكاذب مطيه للتشهير به والإساءة له، غير أن الحكم المطعون فيه اعتد بحجية الحكم المشار إليه، ملتفتاً عن دفاع الطاعن، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن المحكمة الجنائية إذا قضت - في دعوى البلاغ الكاذب - ببراءة المبلغ استناداً إلى عدم توافر ركن من أركان البلاغ الكاذب، فيجب عليها بحث مدى توافر الخطأ المدني المستوجب للتعويض إذ التسرع في الاتهام والرعونة، وعدم التبعد فيه، خطأ مدني يستوجب التعويض، مما مفاده أن الخطأ المدني الناجم عن جريمة البلاغ الكاذب بكافة صوره يكون مطروحاً على المحكمة الجنائية من خلال الدعوى المدنية التبعية، فإن هي قضت برفض هذه الدعوى كان ذلك منها فصلاً ضمنياً - وبصورة حتمية - بانتفاء الخطأ بكافة صوره مما يمتنع معه على المدعي بالحق المدني معاودة إثارة هذه المسألة بدعوى لاحقة يقيمها أمام القضاء المدني. وإذ كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم الصادر في الجنحة رقم 23046 سنة 1994 الرمل أنه نفى عن المطعون ضدها القصد الجنائي وأن الأوراق قد خلت مما يفيد كذبها فيما أبلغت بالمحاضر الثلاثة وانتهى إلى براءتها ورفض الدعوى المدنية، فإن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المقضي المانعة للطاعن من معاودة طلب التعويض عن البلاغ الذي احتوته المحاضر المشار إليها سلفاً، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي عليه - في هذا الخصوص - يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالشق الثاني من الوجه الثاني من السبب الثالث خطأ الحكم المطعون فيه في الإسناد إذ نسب إلى الحكم الصادر في الجنحة رقم 23046 لسنة 1994 الرمل واقعة التحقيق الذي أجراه مفتش مكتب العمل يوم 10/ 9/ 1994 رغم أن الحكم لم يذكرها أو يشر إليها.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه خلوه من نسبة الواقعة المذكورة بوجه النعي إلى الحكم الجنائي المشار إليه، بل أنه قطع في أسبابه بعكس ذلك، وبنى عليه تعرضه لها كأساس الدعوى الفرعية.
وحيث إن الطاعن ينعى بالأسباب الأول والثاني والوجه الثاني من السبب الرابع الخطأ في تطبيق القانون والبطلان والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب، وفي بيانها يقول إن المطعون ضدها أقامت دعواها الفرعية أمام أول درجة على أساس مما نسبته إليه من وقائع سب وقذف احتوتها المحاضر الإدارية أرقام 12287، 13097، 13100 سنة 1994 الرمل، وقد قضت محكمة أول درجة برفضها، غير أنها أسست استئنافها لهذا القضاء على ما نسبته إلى الطاعن من سب وقذف احتواه محضر مكتب العمل المؤرخ 10/ 9/ 1994، وهو ما لم يكن مطروحاً على محكمة أول درجة مما يعد طلباً جديداً، وإذ عول الحكم المطعون فيه في قضائه على هذا الطلب ملتفتاً عن دفاع الطاعن في هذا الشأن. فإنه يكون معيباً متعيناً نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر - على ما تقضي به المادة 235 مرافعات - أنه لا يجوز قبول طلبات جديدة أمام الاستئناف، والطلب يعد جديداً إذا كان يختلف مع الطلب المبدى أمام أول درجة في موضوعه - حتى وإن تطابق معه في نوعه - بحيث كان يمكن رفع دعوى جديدة بدون الاحتجاج بحجية الحكم السابق، وإذ كان ذلك، وكان الركن المادي لجريمة السب هو عبارات السب ذاتها، ومن ثم تصلح كل منها لأن تكون محلاً للعقوبة والتعويض متى تبين من ظروف حصولها والملابسات التي اكتنفتها توفر ذاتية متميزة لها تغاير الفعل المادي لغيرها بما يجعل من كل عبارة جريمة مستقلة بأركانها التي تميزها عن الأخرى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه في الدعوى الفرعية بالتعويض على ما نسبه إلى الطاعن من عبارات السب التي احتواها تحقيق مكتب العمل في 10/ 9/ 1994، رغم أن المطعون ضدها لم تستند إليها - كأساس لدعواها - إلا أمام محكمة الاستئناف بينما استندت أمام أول درجة كأساس لطلب التعويض إلى وقائع تختلف في ظروف حصولها وكنهها عما ارتكنت إليه أمام الدرجة الثانية، الأمر الذي تكون معه المحكمة الاستئنافية قد قبلت طلباً جديداً أبدي أمامها لأول مرة بالمخالفة لمبدأ التقاضي على درجتين، مما يعيب حكمها في الدعوى الفرعية بالتعويض بالخطأ في تطبيق القانون بما يتعين نقضه - في هذا الخصوص - دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن والمتعلقة بالدعوى الفرعية.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه - ولما تقدم - وكان القضاء بعدم قبول الطلب الجديد - محل الدعوى الفرعية - يستوي في نتيجته مع رفض الدعوى، بما يتعين معه رفض الاستئناف رقم 2409 سنة 53 ق وتأييد الحكم المستأنف.