مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1713

(164)
جلسة 5 من مايو سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيره - المستشارين.

الطعن رقم 29 لسنة 35 القضائية

أ - دعوى - الحكم في الدعوى - الأشكال في التنفيذ.
المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة من مجلس الدولة تخضع للقواعد المقررة في قانون المرافعات بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية - قاضي التنفيذ المختص بنظر هذه المنازعات هو محاكم مجلس الدولة كل في حدود اختصاصها - المنازعة المتعلقة بتنفيذ حكم صادر من محكمة القضاء الإداري هي فرع من أصل المنازعة التي فصل فيها هذا الحكم - قاضي الأصل هو قاضي الفرع - نتيجة ذلك: لا تدخل هذه المنازعة في اختصاص قاضي التنفيذ بالمحاكم المدنية - يكون رفع الأشكال للمحكمة المدنية عديم الأثر في وقف تنفيذ الحكم - القاعدة في قبول الأشكال سواء كان بطلب وقف تنفيذ الحكم أو بطلب الاستمرار في تنفيذه أن يكون سببه قد جد بعد صدور الحكم أي أن يكون مبناه وقائع لاحقة لصدوره وليست سابقة عليه - رفع أشكال من المحكوم ضده ولو إلى محكمة غير مختصة لا يعتبر بذاته عقبة طارئة في سبيل تنفيذ الحكم تبرر رفع أشكال مقابل من جانب المحكوم له - امتناع أو رفض الجهة الإدارية المحكوم ضدها عن تنفيذ الحكم يشكل قراراً سلبياً يجوز طلب وقف تنفيذه وإلغائه والتعويض عنه - تطبيق.
دعوى - الحكم في الدعوى - الأشكال في التنفيذ.
إذا كان ما أقيم ابتداء في صورة إشكال مقابل بطلب الاستمرار في التنفيذ إلا أنه قدم مذكرة نفى فيها صراحة عن المنازعة صفة الإشكال وكشف فيها عن استهدافه بها مجابهة موقف الجهة الإدارية في امتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ولجوئها إلى رفع إشكال في تنفيذه أمام القضاء المدني وتذرعها بأثر موقف لهذا الإشكال فإنه يعني بدعواه ليس إشكالاً مقابلاً أو معكوساً قائماً على محض الإشكال المرفوع من الجهة الإدارية أو امتناعها عن تنفيذ الحكم حتى يصح الزعم بعدم ارتكانه إلى عقبة لاحقة لصدور الحكم، وإنما في حقيقتها انتهاء طعن في القرار السلبي الصادر من الجهة الإدارية بالامتناع عن تنفيذ الحكم وذلك بطلب وقف تنفيذه بصفة مستعجلة صدوراً عن رغبته في تنفيذه عاجلاً وإلغائه موضوعاً - أساس ذلك: العبرة في تكييف الدعوى بحقيقة الطلبات وصدق المرامي - متى اعتبرت المنازعة طعناً في قرار سلبي بالامتناع فإنها لا تخضع للمواعيد المقررة لدعاوى الإلغاء - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 13 من أكتوبر سنة 1988 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السيد وزير الزراعة بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 29 لسنة 35 القضائية ضد السيد/ عبد العزيز أحمد سعيد في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 16 من أغسطس سنة 1988 في الدعوى رقم 4417 لسنة 42 القضائية المقامة من المطعون ضده على الطاعن بصفته، والقاضي بقبول الأشكال وفي موضوعه بالاستمرار في تنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه وبإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن أن تأمر دائرة فحص الطعون بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبعدم قبول الدعوى وبإلزام المطعون ضده بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى وبإلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن جلسة 6 من فبراير سنة 1989 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وجرى تداوله بالجلسات على الوجه الثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 31 من مارس سنة 1990 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات - وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن رفع خلال الميعاد القانوني واستوفى أوضاعه المقررة فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 31 من مايو سنة 1988 رفع المطعون ضده الدعوى رقم 4417 لسنة 42 القضائية على الطاعن بصفته أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وطلب في عريضة الدعوى الحكم بصفة مستعجلة بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من ذات المحكمة بجلسة 24 من مايو سنة 1988 في الدعوى رقم 3320 لسنة 42 القضائية بوقف تنفيذ قرار السيد وزير الزراعة رقم 1370 لسنة 1987 فيما تضمنه من فرض طريقة التشغيل الآلي على مصانع الطوب، وكذا الحكم بعدم الاعتداد بأي إشكال في التنفيذ مرفوع من الجهة الإدارية أمام القضاء المدني، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وذكر أن محكمة القضاء الإداري أصدرت ذلك الحكم، وطعنت الجهة الإدارية فيه أمام المحكمة الإدارية العليا ورفعت إشكالاً في تنفيذه أمام محكمة الأمور المستعجلة وأعلنت في الصحف أن هذا الإشكال يوقف تنفيذه، الأمر الذي يخول للطاعن رفع إشكال بطلب الحكم بصفة مستعجلة بالاستمرار في تنفيذه وبعدم الاعتداد بأي أشكال مرفوع أمام المحكمة المدنية غير المختصة.
وطلبت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن بصفته الحكم برفض الإشكال مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة استناداً إلى أن الجهة الإدارية أقامت إشكالاً في تنفيذ الحكم أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، وهذا الإشكال يوقف التنفيذ حتى يفصل فيه، ثم أقام المطعون ضده الإشكال الماثل دون أن يطرح فيه على المحكمة وقائع جديدة لاحقة لصدور الحكم موضوع الإشكال، والقاعدة أنه يتعين لقبول الإشكال أن يكون سببه قد جد بعد صدور الحكم، وعقب المطعون ضده بمذكرة جاء فيها أن المنازعة ليست إشكالاً في التنفيذ وإنما هي منازعة في شرعية إشكال التنفيذ المرفوع من الجهة الإدارية أمام جهة قضائية غير مختصة ولائياً وامتناع هذه الجهة عن تنفيذ الحكم بحجة هذا الإشكال المصطنع ووضعها الشمع الأحمر على مصانع الطوب تحدياً لذلك الحكم، وقضت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في جلسة 16 من أغسطس سنة 1988 بقبول الإشكال وفي موضوعه بالاستمرار في تنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه وبإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وأقامت قضاءها على أن الإشكال استوفى أوضاعه القانونية فيكون مقبولاً شكلاً، وإنه إذا كان الإشكال المبدى من المحكوم ضده هو الصورة الطبيعية للإشكال إلا أنه يجوز للمحكوم له أن يقيم إشكالاً بطلب الاستمرار في تنفيذ الحكم إن اعترضت تنفيذه مشاكل أو عقبات ويسمى الإشكال في هذه الحالة بالإشكال المعكوس وقد صدر الحكم موضوع الإشكال الماثل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ولم يثبت من الأوراق أن دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا أمرت بوقف تنفيذه طبقاً للمادة 50 من قانون مجلس الدولة في الطعن الذي أقامته الجهة الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا، الأمر الذي يوجب الحكم بالاستمرار في تنفيذه لصالح المستشكل طالب التنفيذ.
ومن حيث إن الطعن بني على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأنه يتعين لقبول الإشكال أن يكون قائماً على أسباب جديدة لاحقة لصدور الحكم المستشكل في تنفيذه وهو ما لم يستند إليه الإشكال الماثل، ولأن امتناع المحكوم ضده عن تنفيذ الحكم لا يعتبر بذاته عقبة جديدة تبرر رفع إشكال من جانب المحكوم له، ولأن المادة 50 من قانون مجلس الدولة لا تحول دون إعمال أثر الإشكال في وقف تنفيذ الحكم حتى تفصل المحكمة المختصة فيه.
ومن حيث إنه ولئن كانت منازعات التنفيذ المتعلقة بالأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة تخضع للقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية، إذ قضى القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة في المادة 3 من مواد إصداره بتطبيق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، إلا أن قاضي التنفيذ المختص بنظر هذه المنازعات هو محاكم مجلس الدولة كل في حدود اختصاصها، لأن المنازعة المتعلقة بتنفيذ حكم صادر من القضاء الإداري هي فرع من أصل المنازعة التي فصل فيها هذا الحكم والقاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وبذا لا تدخل هذه المنازعة في اختصاص قاضي التنفيذ بالمحاكم المدنية ويكون رفعها إليه عديم الأثر في وقف تنفيذ الحكم، وإذا كانت القاعدة في قبول الإشكال سواء كان بطلب وقف تنفيذ الحكم أو بطلب الاستمرار في تنفيذه أن يكون سببه قد جد بعد صدور الحكم، أي أن يكون مبناه وقائع لاحقة لصدور الحكم وليست سابقة عليه، على اعتبار أنه ينصب على إجراءات التنفيذ وحتى لا يكون طعناً في الحكم بغير الطريق القانوني، إلا أن رفع إشكال في تنفيذ الحكم من جانب المحكوم ضده ولو إلى محكمة غير مختصة لا يعتبر بذاته عقبة طارئة في سبيل تنفيذ الحكم تبرر رفع إشكال مقابل من جانب المحكوم له حيث يتم الفصل في هذا الإشكال المرفوع من المحكوم ضده وفقاً لأحكام القانون، كما أن امتناع المحكوم ضده عن تنفيذ الحكم أو رفضه هذا التنفيذ مهما كان جلياً أو عمدياً لا يعد عقبة طارئة تبرر رفع إشكال مقابل من جانب المحكوم له حيث شرع القانون أحكام التنفيذ الجبري لقهر المحكوم ضده على التنفيذ، غير أن هذا الامتناع أو الرفض من جانب الجهة الإدارية المحكوم ضدها عن تنفيذ الحكم يشكل قراراً إدارياً سلبياً يجوز وقف تنفيذه وإلغائه والتعويض عنه، وعلى هذا فإن رفع الجهة الإدارية المحكوم ضدها إشكالاً في التنفيذ ولو إلى محكمة غير مختصة لا يبرر للمحكوم له رفع إشكال مقابل كما أن امتناعها عن التنفيذ ورفضها ولو كان جلياً أو عمدياً لا يشفع للمحكوم له في رفع هذا الإشكال المقابل، وإنما يقتضي اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري وينطوي على قرار سلبي يجوز الطعن فيه بطلب وقف تنفيذه وإلغائه.
ومن حيث إنه لئن كان المطعون ضده رفع دعواه ابتداء في صورة إشكال مقابل بطلب الاستمرار في التنفيذ، وهو ما سايرته فيه محكمة القضاء الإداري بحكمها المطعون فيه، إلا أنه قدم في الدعوى مذكرة نفى فيها صراحة عن المنازعة صفة الإشكال وكشف فيها عن استهدافه بها مجابهة موقف الجهة الإدارية في امتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ولجوئها إلى رفع إشكال في تنفيذه أمام القضاء العادي وتذرعها بأثر موقف تزعمه لهذا الإشكال في التنفيذ، وكل هذا يعني أن الدعوى ليست حسب ظاهرها ابتداء مجرد إشكال مقابل أو معكوس قائم على محض الإشكال المرفوع من الجهة الإدارية أو امتناعها عن تنفيذ الحكم حتى يصح الزعم بعدم ارتكانه إلى عقبة لاحقة لصدور الحكم، وإنما هي في حقيقتها انتهاء طعن في القرار الإداري السلبي الصادر من الجهة الإدارية بامتناعها عن تنفيذ الحكم وذلك بطلب وقف تنفيذه بصفة مستعجلة صدوراً عن رغبة المطعون ضده في تنفيذ الحكم عاجلاً وكذا بطلب إلغائه موضوعاً كأصل لازم قيامه حتى يقترن به هذا الطلب العاجل، لأن العبرة في تكييف الدعوى بحقيقة الطلبات وصدق المرامي، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد جانب الصواب إذ جنح إلى تكييف الدعوى بأنها إشكال مقابل أو معكوس وفصل فيها على هذا الأساس بقبول الإشكال وبالاستمرار في تنفيذ الحكم مما يوجب الحكم بإلغائه وبإنزال حكم القانون على الدعوى وفقاً لتكييفها الصحيح.
ومن حيث إن الدعوى بهذا التكييف الحق تمثل طعناً في قرار سلبي مما يحررها من المواعيد المقررة لدعاوى الإلغاء، كما أنها استوفت أوضاعها المقررة، فإنها تكون مقبولة شكلاً، وإذا كان الثابت أنها لم تتهيأ بعد للفصل في شقها الموضوعي وهو طلب إلغاء القرار السلبي بالنظر إلى عدم تقديم تقرير من هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني فيها مما يحول في التصدي لها دون بلوغ حد الفصل في هذا الشق الموضوعي فإنه لا مناص من الاقتصار في هذا التصدي على الشق المستعجل وهو طلب وقف تنفيذ القرار السلبي الصادر من الجهة الإدارية بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المطعون ضده، ولما كان البادي من ظاهر الأوراق أن هذا الحكم واجب التنفيذ قانوناً، ولم تأمر دائرة فحص الطعون في المحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذه في الطعن الذي أقامته الجهة الإدارية، ولا يثمر في وقف تنفيذ ذلك الإشكال الذي رفعته الجهة الإدارية إلى قاضي التنفيذ بالمحاكم المدنية واستندت إليه وحده في الامتناع عن التنفيذ بحجة أنه منتج لأثره في إتباع هذا الوقف وهي حجة داحضة على التفصيل المتقدم، فإن هذا الامتناع يكون حسب ظاهر الأوراق مخالفاً للقانون مما يوفر ركن الجدية اللازم للقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فضلاً عن تحقق ركن الاستعجال بالنظر إلى ما يترتب على ذلك من آثار يتعذر تداركها تتمثل في عدم تنفيذ الحكم الصادر لصالح المطعون ضده وبالتالي غل يده عن استغلال مضرب الطوب فيما رصد له وبناء عليه يتعين القضاء بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري تمهيداً للفصل في شقها الموضوعي بعد تحضيره وفقاً للقانون.
ومن حيث إن الجهة الإدارية خسرت الطلب المستعجل وكذا الطعن فإنها تلزم بمصروفاتهما.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت الجهة الإدارية بمصروفات الطلب المستعجل والطعن، وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في الطلب الموضوعي بعد تحضيره قانوناً.