مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1852

(180)
جلسة 2 من يونيه سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيرة - المستشارين.

الطعن رقما 2432، 2647 لسنة 33 القضائية

استيلاء - الاستيلاء على العقارات لضمان تموين البلاد (تعويض) (قرار إداري) (عمل مادي) المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 بشأن التموين تضمن تنظيماً متكاملاً يستهدف ضمان تموين البلاد - يقوم هذا التنظيم على أساسين: أولهما:- تنظيم الاختصاصات المقررة لوزير التموين لضمان تحقيق الأهداف وكيفية ممارسة هذه الاختصاصات ومنها اختصاص الاستيلاء على العقارات، وثانيهما: - تنظيم الحقوق التي تنشأ لذوي الشأن ممن تقيد القرارات الصادرة استناداً له من حقوقهم المشروعة في استعمال أو استغلال العقار أو المنقول محل قرار وزير التموين - الاستيلاء يكون مقابل تعويض - استحقاق التعويض مقابل الاستيلاء هو في الواقع والقانون الإجراء اللازم والشرط الجازم الذي لا يقوم القرار بالاستيلاء صحيحاً بدونه - هذا المقابل هو الذي يسبغ على الاستيلاء صفة المشروعية وينأى به عن دائرة الاعتداء على حق الملكية ويفرق بينه وبين الغصب - تقاعس الجهة الإدارية وإصرارها على عدم اتخاذ إجراء يلزم اتخاذه قانوناً بتحديد المقابل عن الاستيلاء وأدائه واستمرار هذا الموقف السلبي ما يزيد على اثني عشر عاماً رغم شكوى أصحاب الشأن ومطالبتهم بتحديد المقابل وأدائه يتمخض عنه اعتداء صارخ وغصب واضح لحق الملكية بعناصره بما ينحدر بقرار الاستيلاء إلى حد الانعدام - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 6 من مايو سنة 1987 أودع الأستاذ محيي الدين راتب المحامي بصفته وكيلاً عن السيد رئيس مجلس إدارة شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا عريضة طعن قيد بجدولها تحت رقم 2432 لسنة 33 القضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الإفراد والهيئات) بجلسة 16 من أبريل سنة 1987 في الدعوى رقم 1947 لسنة 40 القضائية القاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وطلب الطاعن، للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن، الحكم أولاً بقبول الطعن شكلاً. وثانياً وفي الموضوع بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة وبإلغائه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وفي يوم الاثنين الموافق 15 من يونيه سنة 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة بالنيابة عن السيد وزير التموين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في ذات الحكم حيث قيد الطعن بجدول المحكمة تحت رقم 2647 لسنة 33 القضائية، وطلب الطاعن للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن، أولاً وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. وثانياً الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقد أعلن الطعنان قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في كل من الطعنين، ارتأت في كل منهما الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً مع إلزام كل من الطاعنين بمصروفات طعنه.
وقد تحدد لنظر الطعن رقم 2432 لسنة 33 القضائية أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21 من سبتمبر سنة 1987 وتدوول نظره أمامها بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر، وبجلسة 2 من مايو سنة 1988 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 2647 لسنة 33 القضائية عليا للطعن رقم 2432 لسنة 33 القضائية عليا ليصدر فيهما حكم واحد، واستمر تداول الطعنين أمامها بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر حتى قررت بجلسة 19 من يونيه سنة 1989 إحالة الطعنين للمحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظرهما جلسة 7 من أكتوبر سنة 1989 حيث تأجل نظرهما إدارياً لجلسة 18 من نوفمبر سنة 1989 وتم إخطار الخصوم بتاريخ الجلسة، وبها نظرت المحكمة الطعنين وتدوول نظرهما أمامها بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر حتى قررت بجلسة 24 من مارس سنة 1990 إصدار الحكم بجلسة 5 من مايو سنة 1990 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات - وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية فيتعين قبولهما شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن السيد/ سيد سيد أحمد محمد أقام عن نفسه وبصفته حارساً قضائياً على تركة المرحوم سيد أحمد محمد بتاريخ 2 من فبراير سنة 1986 الدعوى رقم 1974 لسنة 40 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) طالباً أولاً وبصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ قرار وزير التموين السلبي بالامتناع عن إصدار قرار بإلغاء القرار رقم 374 الصادر في 7/ 10/ 1973 بالاستيلاء على قطعة الأرض الموضحة بالقرار وثانياً وفي الموضوع الحكم بإلغاء القرار السلبي المشار إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي مبلغ 100000 جنيه تعويضاً عما لحقه من ضرر خلافاً لمقابل الانتفاع بواقع ستة جنيهات عن المتر المربع شهرياً بدءاً من تاريخ الاستيلاء حتى رد الأرض إليه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 7 من أكتوبر سنة 1973 أصدر السيد وزير التموين القرار رقم 374 لسنة 1973 بالاستيلاء فوراً على قطعة أرض فضاء مملوكة لورثة المرحوم سيد أحمد محمد المعين المدعي حارساً قضائياً عليها والبالغ مساحتها ما يزيد على أربعة آلاف متر مربع كائنة بالقطع 5، 5 أ، 5 ج عطفة نصر 12 و14 شارع عبيد بزمام ترعة جزيرة بدران قسم روض الفرج، على أن تسلم لشركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، ولم يتضمن القرار تحديد مدة هذا الاستيلاء، وقال المدعي بأن استطالة مدة الاستيلاء من سنة 1973 وحتى تاريخ إقامة الدعوى مما ينحدر بالقرار إلى الغصب إذ أن الاستيلاء، وبافتراض صحته ابتداء، يجب أن يكون موقوتاً وإلا تحول إلى نزع ملكية بغير الطريق الذي رسمه القانون لذلك، واستطرد المدعي بأنه قام بتاريخ 22 من يناير سنة 1985 بإنذار الشركة برد الأرض المستولى عليها، حيث لا تزيد مدة الاستيلاء عن سنتين، مع التنبيه عليها بدفع مقابل الانتفاع منذ تاريخ الاستيلاء بواقع ستة جنيهات شهرياً للمتر المربع الواحد إلا أن الشركة أبت الاستجابة إلى ما تضمنه الإنذار، فكان أن بادر المدعي إلى توجيه إنذار للسيد وزير التموين بطلب إلغاء القرار رقم 374 لسنة 1973 المشار إليه إلا أن الإنذار لم يجد استجابة، وانتهى المدعي إلى أنه لما كانت أقصى مدة متاحة للاستيلاء هي سنتان حسبما ورد بقانون نزع الملكية، فإنه ومن باب أولى لا يجوز أن يتجاوز الاستيلاء بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 هذه المدة، وفضلاً عن ذلك وإذ ترتب على القرار بالاستيلاء واستمراره قائماً حرمان الملاك من التصرف في الأرض محل الاستيلاء التي لا يقل ثمن المتر المربع الواحد بها عن ألفي جنيه فإن ذلك يقوم سنداً لمطالبته بتعويضه بمبلغ مائة ألف جنيه بخلاف مقابل الانتفاع بالأرض بواقع ستة جنيهات للمتر المربع شهرياً من تاريخ الاستيلاء وحتى إعادة الأرض إليه، وأوضح المدعي توافر ركن الاستعجال نظراً لنكول السيد وزير التموين عن إصدار قرار بإلغاء القرار 374 لسنة 1973 وانتهى إلى الطلبات المشار إليها، وبجلسة 16 من أبريل سنة 1987 حكمت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات، وأقامت قضاءها على أن حقيقة طلبات المدعي هي طلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير التموين السلبي بالامتناع عن رد قطعة الأرض المستولى عليها بالقرار رقم 374 لسنة 1973 ومساحتها أربعة آلاف متر مربع المملوكة لورثة المرحوم سيد أحمد محمد الواقعة بجزيرة الوراق رقم 10 جرار فصل أول وثالث بالقطع 5 أ، 5 ج عطفة نصر، 12 و14 شارع عبيد بزمام ناحية ترعة جزيرة بدران قسم روض الفرج، كذلك الحكم له بإلزام وزير التموين بأن يؤدي إليه مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض ومقابل انتفاع بواقع ستة جنيهات للمتر المربع شهرياً منذ بدء الاستيلاء في أكتوبر سنة 1973 وعن قبول الدعوى شكلاً أورد الحكم المطعون فيه أن القرار السلبي بالامتناع لا يتقيد بميعاد مما تكون معه الدعوى مقبولة شكلاً، وعن ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ أورد الحكم المطعون فيه أنه ولئن كان القرار رقم 374 لسنة 1973 قد صدر دون تحديد مدة الاستيلاء إلا أن هذه المدة تتحدد بالقدر الذي يمكن الإدارة من تدبير أمرها، إما بتوفير عقار بديل أو بنزع ملكية العقار الذي استولت عليه إن تحققت لها حاجتها الدائمة له، وعلى ذلك وإذا كان البادئ من ظاهر الأوراق أن الإدارة تستخدم العقار المستولى عليه كمأوى لسيارات الشركة المستولى على العقار لصالحها منذ بدء الاستيلاء سنة 1973 وحتى تاريخ إقامة الدعوى، ولما كان هذا الاستخدام دائماً تطبيقه لا يصدق عليه وصف التأقيت، فقد كان عليها أن تدبر مكاناً بديلاً أو تنزع ملكية العقار مقابل تعويض عادل بالتطبيق لأحكام قانون نزع الملكية رقم 577 لسنة 1954، خاصة وأن العقار استمر في حوزتها لمدة تزيد على ثلاثة عشر سنة ومن ثم تكون ملزمة بالتطبيق لأحكام القانون برد العقار لملاكه وإذا امتنعت عن الرد عند طلب ذلك من ذوي الشأن فتكون متقاعسة عن اتخاذ إجراء يوجب عليها القانون اتخاذه، مما يتوفر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ، وبين الحكم المطعون فيه توافر ركن الاستعجال أيضاً على أساس أن الاستمرار في امتناع جهة الإدارة عن رد العقار تترتب عليه آثار يتعذر تداركها تتمثل في حرمان ملاك العقار من الانتفاع المشروع بالعقار المملوك لهم دون مبرر.
ومن حيث إن الطعن رقم 2432 لسنة 33 القضائية عليا المقام من شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون للأسباب الآتية: أولاً: من حيث الشكل فإنه وبافتراض صحة تكييف الطلبات في الدعوى بأنها إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن رد العقار المستولى عليه فالثابت أن المطعون ضده تظلم من هذا القرار بتاريخ 15 من يوليه سنة 1975 وبالتالي كان يتعين حساب المواعيد التي يتعين مراعاتها اعتباراً من التاريخ المشار إليه، وتكون الدعوى المقامة في 2 من فبراير سنة 1986 قد أقيمت بعد الميعاد مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها شكلاً، وثانياً: ومن حيث الموضوع يقوم الطعن على إن القرار رقم 374 لسنة 1973 أصبح حصيناً من الإلغاء، وأنه في حقيقته ليس قراراً بالاستيلاء على عقار أو مصادرة له وإنما هو أداة تمكنت بها الإدارة من استئجار قطعة الأرض موضوع النزاع وبالتالي تصبح العلاقة بين الملاك وبين الإدارة هي علاقة إيجار تخضع لأحكام القانون المدني وتدلل الشركة الطاعنة على ذلك بالحكم الصادر في الدعوى رقم 555 لسنة 81 مدني كلي جنوب القاهرة التي أقامها المطعون ضده ضد الشركة - وعلى ذلك، كما ورد بالطعن، فإن الإدارة يمتنع عليها التعرض لهذه العلاقة الإيجارية ويكون القرار رقم 374 لسنة 1973 قد انتهى بتحقيق الغرض منه، وفضلاً عن ذلك فإنه ليس من أساس القول بوجود قرار سلبي حيث إن اختصاص وزير التموين والتجارة الداخلية لا يمتد إلى المساس بالعلاقة الإيجارية القائمة بين الشركة الطاعنة وملاك الأرض المستولى عليها، وأخيراً أورد الطعن أن طلب وقف التنفيذ لا تتوفر له شروط القضاء به إذ أن ملكية المطعون ضده لم تمس ولم ينل منها القرار رقم 374 لسنة 1973، إذ أن ما أنتجه القرار ينحصر في إقامة علاقة إيجارية محلها الأرض موضوع النزاع.
ومن حيث إن الطعن رقم 2647 لسنة 33 القضائية عليا المقام من السيد وزير التموين يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أنه ساير المدعي في تكييف دعواه بأنها بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن رد الأرض المستولى عليها لصالح الشركة، في حين أن القرار السلبي بالامتناع لا يقوم إلا إذا قام الالتزام بإصداره على جهة الإدارة، وليس ما يلزم الإدارة في واقعة المنازعة الماثلة بإصدار القرار برد الأرض المستولى عليها، إذ طالما استمرت دواعي إصدار القرار، وتقدير ذلك مرده إلى جهة الإدارة، استمر قيام القرار بالاستيلاء صحيحاً، ومن ناحية أخرى فليس صحيحاً ما أخذ به الحكم المطعون فيه من المقابلة التي أجراها بين أحكام الاستيلاء في تطبيق أحكام كل من القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة والمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945، فالاستيلاء بالتطبيق للمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 لا يتقيد بمدة زمنية وإنما يستمر قائماً وصحيحاً طالما استمرت دواعيه. وأخيراً أوضح الطاعن أن الحكم فاته التكييف الصحيح للدعوى باعتبار أن حقيقة ما كان يرمي إليه المدعي هو الحصول على ريع مقابل الانتفاع بالأرض إذ لم يحصل على شيء من ذلك لعدم تقدير اللجنة المختصة له الأمر الذي يمكن حقاً للمطعون ضده الالتجاء بشأنه إلى القضاء المختص بالتطبيق لحكم المادتين 47 و48 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 7 من أكتوبر سنة 1973 أصدر وزير التموين والتجارة الداخلية القرار رقم 374 لسنة 1973 بالاستيلاء على قطعة أرض بمدينة القاهرة لصالح شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، ونص القرار في المادة (2) على تسليم الأرض محل الاستيلاء، ومساحتها أربعة آلاف متر مربع والمملوكة لورثة المرحوم سيد أحمد محمد إلى شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، وبتاريخ 14 من يناير سنة 1981 أقام بعض الملاك وهم سيد عبد العال سيد أحمد وحسن عبد العال وجمال عبد العال والسيدة/ فايزة عبد العزيز الدعوى رقم 555 لسنة 1981 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، مطالبين شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، الصادر لصالحها قرار الاستيلاء بمقابل انتفاع القدر الذي يملكونه في الأرض محل الاستيلاء ومساحته 800 متر مربع وقدروا هذا المقابل بمبلغ مائة مليم شهرياً فيكون جملة المبلغ المطالب به عن ذلك اعتباراً من تاريخ الاستيلاء في 10 من أكتوبر سنة 1973 وحتى تاريخ إقامة الدعوى مبلغ 7680 جنيهاً، وقد تدخل في تلك الدعوى المطعون ضده بصفته، إلا أن تلك المحكمة قضت بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1984 بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعين بالمصروفات تأسيساً على أن المشرع قد أناط بالمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، للجان إدارية خاصة تقدير التعويض المستحق عن الاستيلاء الحاصل طبقاً لأحكام المرسوم بقانون المشار إليه، فلا يكون لغير تلك اللجان اختصاص تقدير المقابل المستحق عن الاستيلاء، وبكتاب مؤرخ 3 من ديسمبر سنة 1987 أفادت محافظة القاهرة المطعون ضده بالطعن الماثل - ورداً على تضرره من عدم تقدير مقابل الانتفاع من الأرض المستولى عليها بالقرار رقم 374 لسنة 1973 - بأن المحافظة لا شأن لها بذلك، كما أبدى المطعون ضده بالمذكرة المقدمة بجلسة 20 من يونيه سنة 1988 بأنه وجه بتاريخ 15 من يوليه 1985 إنذاراً إلى السيد وزير التموين ولشركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية ولرئيس لجنة التعويضات بمحافظة القاهرة ضمنه طلب إلغاء القرار رقم 374 لسنة 1973 مع تقدير مقابل الانتفاع بالأرض المستولى عليها بموجب القرار المشار إليه، إلا أنه لم يتلق رداً على إنذاره (حافظة مستندات المطعون ضده التي طويت على الإنذارات المشار إليها) وبتاريخ 26 من سبتمبر سنة 1988 وجهت الشركة إنذاراً إلى المطعون ضده بصفته ضمنته أنها بموجب القرار رقم 374 لسنة 1973 وضعت يدها على الأرض محل المنازعة وأصبح القرار المشار إليه مصدراً لعقد إيجار بينها وبين ملاك تلك الأرض، وإذ لم تحدد قيمة الأجرة بمعرفة لجنة التعويضات المختصة بمحافظة القاهرة وكان من الجائز تحديد هذه القيمة باتفاق الطرفين ولما كان المطعون ضده قد سبق له أن تقدم للشركة بتاريخ 28/ 4/ 1977 بطلب حساب قيمة الإيجار بمثل قيمة الإيجار عن الأرض المجاورة التي تستأجرها الشركة من شركة النيل للنقل النهري وكانت هذه القيمة هي 85 جنيهاً لمساحة تجاوز أحد عشر ألف متر مربع، لكل ذلك تفيد الشركة بأنها توافق على العرض المقدم إليها من المطعون ضده وترفض تقدير القيمة الإيجارية للأرض محل المنازعة بمبلغ 42.500 جنيهاً شهرياً وعرضت الشركة رفق الإنذار مبلغ 7650 جنيهاً تمثل القيمة الإيجارية من تاريخ الاستيلاء حتى 30/ 9/ 1988 وقد تسلم المطعون ضده بصفته المبلغ المشار إليه مع التحفظ بحقه في المطالبة بباقي مقابل الانتفاع وبإلغاء القرار رقم 374 لسنة 1973 موضوع الدعوى 1974 لسنة 40 القضائية، كما بادر المطعون ضده بتاريخ 5 من أكتوبر سنة 1988 بتوجيه إنذار للشركة يفيد تحفظه بأن استلامه المبلغ المعروض عليه لا يمس مطالبته القضائية موضوع الدعوى رقم 1974 لسنة 40 القضائية، كما نفى المطعون ضده بالإنذار المشار إليه قيام علاقة إيجارية بين ملاك الأرض والشركة، كما نفى الاتفاق على تقدير القيمة الإيجارية مبيناً إنه إذا كان قد تقدم بالعرض الذي تقول به الشركة سنة 1977 بشأن تحديد القيمة الإيجارية وأدائها إلا أن هذا العرض رفض من قبل الشركة فلا يكون ثمة وجه لإحياء العرض بعد فوات ما يزيد عن 10 سنوات ومن بعد أن رفضته الشركة في حينه وبتاريخ 26 من سبتمبر سنة 1987 أصدر وزير التموين القرار رقم 592 لسنة 1987 الذي نص في المادة (1) على تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1947 لسنة 40 القضائية فيما تضمنه من وقف تنفيذ قرار الاستيلاء على الأرض محل المنازعة لصالح شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية لحين الفصل في الطعن رقم 2432 لسنة 33 عليا وكذا الشق الموضوعي من الدعوى المشار إليها.
ومن حيث إن المادة 32 من الدستور الصادر في 11 من سبتمبر سنة 1971 تنص على أن {الملكية الخاصة تتمثل في رأس المال غير المستغل وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية دون انحراف أو استغلال ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب} كما تنص المادة (34) من الدستور على أن الملكية الخاصة مصونة لا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون، وحق الإرث فيها مكفول (كما تنص المادة 802 من القانوني المدني على أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون، حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه) ومفاد ما تقدم من أحكام، على ما ذهبت المحكمة الدستورية العليا، أنه ولئن كان تنظيم الحقوق من سلطة المشرع التقديرية إلا أنه في تنظيمه لحق الملكية في إطار وظيفتها الاجتماعية، ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو يؤثر على بقائه وإنما يتعين على المشرع الالتزام، في هذا الشأن، بالقواعد الأصولية التي أرساها الدستور أساساً لما يوضع من تنظيم تشريعي (الحكم الصادر بجلسة 2 من فبراير سنة 1980 في الدعوى رقم 91 لسنة 4 القضائية دستورية) كما ذهبت تلك المحكمة إلى أن المشرع الدستوري لم يقصد أن يجعل من حق الملكية حقاً عصياً يمتنع على التنظيم التشريعي الذي يقتضيه الصالح العام استناداً إلى حكم المادة (32) المشار إليها من الدستور التي تؤكد طبيعة الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة ودورها في خدمة المجتمع، وبالتالي يكون للمشرع الحق في تنظيمها على النحو الذي يراه محققاً للصالح العام. (الحكم الصادر بجلسة 21 من يونيه سنة 1986 في الدعويين رقمي 139 و140 لسنة 5 القضائية دستورية).
ومن حيث إنه باستعراض أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين يبين أنه تضمن تنظيماً متكاملاً يستهدف ضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية وغيرها لتحقيق العدالة في توزيعها، ويقوم هذا التنظيم على أساسين أولهما تنظيم الاختصاصات المقررة لوزير التموين لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من المرسوم بقانون المشار إليه وكيفية ممارسة هذه الاختصاصات ومنها اختصاص الاستيلاء على العقارات على نحو ما فصلته أحكام المادة (1) من المرسوم بقانون المشار إليه، وثانيهما تنظيم الحقوق التي تنشأ لذوي الشأن ممن تقيد القرارات الصادرة استناداً له من حقوقهم المشروعة في استعمال أو استغلال العقار أو المنقول محل القرار الذي يصدر من وزير التموين في هذا الشأن، فقد نصت المادة (1) من المرسوم بقانون المشار إليه على أنه (يجوز لوزير التموين لضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية وغيرها من مواد الحاجيات الأولية وخدمات الصناعة والبناء ولتحيق العدالة في توزيعها أن يتخذ بقرارات يصدرها بموافقة لجنة التموين العليا بعض التدابير الآتية:......
(5) الاستيلاء على أية واسطة من وسائط النقل أو أية مصلحة عامة أو خاصة أو أي معمل أو مصنع أو محل صناعي أو عقار أو أي منقول أو أي شيء من المواد الغذائية أو المستحضرات الصيدلية والكيماوية وأدوات الجراحة والمعامل وكذلك تكليف أي فرد بتأدية أي عمل من الأعمال...) ونصت المادة (44) على أن (ينفذ الاستيلاء المنصوص عليه في المادة الأولى بند (5) من هذا المرسوم بقانون الاتفاق الودي فإن تعذر الاتفاق طلب أداؤه بطريق الجبر، ولمن وقع عليهم طلب الأداء جبراً الحق في تعويض أو جزاء يحدد على الوجه الآتي..... ونصت المادة (47) على أن (تحدد الأثمان والتعويضات والجزاءات المشار إليها في المادة (44) بواسطة لجان تقدير يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصها قرار من وزير التموين....) كما نصت المادة (48) على أن (تقدم المعارضة في قرارات لجان التقدير إلى المحكمة الابتدائية المختصة بناء على طلب ذوي الشأن خلال أسبوع من تاريخ إخطارهم بخطاب مسجل بتلك القرارات.... وتحكم المحكمة على وجه الاستعجال ولا يجوز الطعن في حكمها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية.
ومن حيث إنه ولئن كان لهذه المحكمة قضاء بأنه لا مجال لإعمال حكم تأقيت الاستيلاء بمدة ثلاثة سنوات، على نحو ما ورد بالقانون رقم 557 لسنة 1954 بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة أو التحسين، على ما يتم من استيلاء بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، وإنما يدور القرار بالاستيلاء، الصادر استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون المشار إليه، في قيامه حقاً واستمراره صدقاً مع توافر دواعي إصداره واستمرارها وجوداً وعدماً على النحو المقرر بالمرسوم بقانون المشار إليه، إلا أنه يبقى دائماً أن أساس مشروعية الاستيلاء استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 إنما مرده إلى صدور القرار بذلك في إطار التنظيم المقرر قانوناً وعلى الأخص أن يكون الاستيلاء مقابل تعويض يحدد ويؤدى على النحو المنصوص عليه بالمرسوم بقانون المشار إليه. وبذلك يتحقق التوازن الذي أقامه المرسوم بقانون المشار إليه. في إطار تنظيمه للقيود التي يجيزها لحق الملكية كوظيفة اجتماعية، بين إجازة صدور القرار بالاستيلاء على عقار أو منقول مملوك للأفراد وبين حماية حق الملكية المقرر دستورياً وقانونياً بتحديد المقابل المستحق لزاماً والمفروض دائماً عن القرار الصادر بالاستيلاء، كل ذلك حتى لا يخرج القرار بالاستيلاء عن حدود المشروعية ويتمخض عدواناً وغصباً لحق الملكية أو لعنصر من عناصرها.
ومن حيث إنه وأياً ما يكون من صدق توافر الحالة الواقعية التي تبرر صدور قرار وزير التموين رقم 374 لسنة 1973 بالاستيلاء على الأرض موضوع المنازعة الماثلة استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، فوقائع المنازعة الماثلة تنطق بأنه رغم تمام تنفيذ القرار بالاستيلاء في أكتوبر سنة 1972 فإن جهة الإدارة، واعتباراً من تاريخ الاستيلاء، لم تقم بأي إجراء يفرضه المرسوم بقانون ويحتمه في شأن تحديد وأداء المقابل المستحق قانوناً لملاك الأرض محل القرار بالاستيلاء، بل إن العروض التي تقدم بها المطعون ضده بصفته بعد تمام الاستيلاء في شأن تقدير قيمة التعويض المستحق لم تلق استجابة من الشركة التي صدر القرار بالاستيلاء لصالحها. والثابت أيضاً أنه رغم الإنذار الرسمي الموجه من المطعون ضده بصفته إلى كل من السيد وزير التموين والشركة المذكورة في غضون سنة 1985 بصدد تقدير قيمة التعويض المستحق وأدائه على نحو ما يفرضه المرسوم بقانون على جهة الإدارة، فلم يلق ذلك أية استجابة ولم تعر الجهة الإدارية ذلك أي التفات، فإذا كان ذلك وكان استحقاق التعويض مقابل الاستيلاء هو في الواقع والقانون الإجراء اللازم والشرط الجازم الذي لا يقوم القرار بالاستيلاء صحيحاً بدونه إذ أن هذا المقابل الذي حرص المشرع بالمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المشار إليه على تحديده وأدائه مقابل الاستيلاء هو الذي يسبغ على الاستيلاء صفة المشروعية وينأى به من دائرة الاعتداء على حق الملكية ويفرق بينه وبين الغصب، وعلى ذلك فإن مسلك الجهة الإدارية، في واقعة المنازعة الماثلة، ينطق صارخاً بأن القرار بالاستيلاء وأن اتخذ من أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 سنداً لإصداره، إلا أنه يكشف عن عدم مشروعيته بتقاعس الجهة الإدارية بل إصرارها على عدم اتخاذ إجراء يلزم اتخاذه قانوناً بتحديد المقابل عن الاستيلاء وأدائه على النحو المقرر بالمرسوم بقانون المشار إليه. وإذا استمر هذا المسلك السلبي، في واقعة المنازعة الماثلة ما يزيد على اثني عشر عاماً رغم شكوى أصحاب الشأن ومطالبتهم الجهة الإدارية بتحديد هذا المقابل وأدائه وحتى إقامة الدعوى في 2 من فبراير سنة 1986 فإن قيام الاستيلاء واستمراره بالمخالفة لأصل من أصول التنظيم القانوني الذي يجيزه وبالأخص دون تحديد التعويض المستحق عن هذا الاستيلاء وأدائه لأصحاب الشأن على الوجه المبين بالمادتين (44) و(48) من المرسوم بقانون المشار إليه، يتمخض اعتداء صارخاً وغصباً واضحاً لحق الملكية بعناصره المقررة لملاك الأرض موضوع النزاع بما ينحدر بالاستيلاء إلى حد الانعدام فلا يكون طلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن رد الأرض محل القرار بالاستيلاء بعد إذ لحق بالقرار رقم 374 لسنة 1973 وهو سند الاستيلاء، ما يجعله منحدراً إلى حد الانعدام، وهو حقيقة تكييف طلبات المدعي (المطعون ضده بالطعن الماثل) بالدعوى باستكناه نيته ومقصوده من وراء ما أبداه من طلبات بها مقيداً بميعاد بل يبقى قائماً ومقاماً بقى الاعتداء وتحقق الغصب لحق الملكية.
ومن حيث إنه لا يغير مما سبق قيام الشركة الصادر لصالحها القرار بالاستيلاء بأداء مبلغ 7650 جنيهاً للمطعون ضده بصفته بتاريخ 26 من سبتمبر سنة 1988 بعد صدور الحكم المطعون فيه وخلال نظر هذه المحكمة للطعن الماثل، بمقولة إنه يمثل التعويض المستحق لملاك الأرض اعتباراً من تاريخ الاستيلاء حتى 30/ 9/ 1988، ذلك أن مقابل الاستيلاء لم يتم تحديده على الوجه المحدد قانوناً، بل قامت الشركة المذكورة بحساب هذا المقابل مستندة إلى ما كان المطعون ضده قد سبق أن اقترحه أساساً لتحديد مقابل الاستيلاء بالعرض الذي تقدم به سنة 1977 ولم يلق استجابة لدى الشركة أو الجهة الإدارية مصدرة القرار بالاستيلاء، وليس في أداء هذا المقابل سنة 1988 ما يضفي شرعية على الاستيلاء الذي لحق به العوار واتصف بالغصب والعدوان. فما لحق القرار رقم 374 لسنة 1973 بالاستيلاء على الأرض من انعدام لا يصححه أي إجراء تال بتحديد التعويض المستحق أو أدائه بعد أن أصبح القرار عدماً والمعدوم لا يعود، وفضلاً عن ذلك فإن ما أورده المطعون ضده من تحفظ صريح عند استلامه المبلغ المشار إليه سنة 1988 إنما هو قاطع الدلالة في اعتراضه على أسس تقدير التعويض، وهو بعد لم يتم تحديده وفق ما تنص عليه أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المشار إليه كما يكشف في صراحة تامة عن تمسكه بطلباته بالدعوى وبالحكم الصادر بشأنها، محل الطعن الماثل.
ومن حيث إنه بالترتيب على ما سبق جميعه، يكون الحكم المطعون فيه قد صادف صحيح حكم الواقع فيما انتهى إليه من قضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وهو القرار السلبي بالامتناع عن رد الأرض المستولى عليها بالقرار رقم 374 لسنة 1973 إلى ملاكها وأنه وإن كان قد أقام قضاءه فيما يتعلق باستظهار ركن الحجية في طلب وقف التنفيذ على غير ما أورده هذا الحكم فإن هذه المحكمة تكتفي في هذا الشأن بأن تحل أسبابها محل الأسباب التي قام عليها الحكم المطعون فيه، وإذا كان ذلك وكان الطعنان الماثلان غير قائمين على أساس صحيح من القانون فإنه يتعين القضاء برفضهما.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها إعمالاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وألزمت كل طاعن بمصروفات طعنه.