مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 1897

(184)
جلسة 9 من يونيه سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد يسري زين العابدين ود. إبراهيم علي حسن وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو - المستشارين.

الطعن رقم 989 لسنة 34 القضائية

نيابة إدارية - دورها في مرحلة الطعن (المحكمة الإدارية العليا) (مرافعات).
قبل تعديل المادة (4) من القانون رقم 117 لسنة 1958 كانت النيابة الإدارية تمارس سلطة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في أحكام المحاكم التأديبية عن طريق هيئة قضايا الدولة - الحكم المستحدث بالقانون رقم 12 لسنة 1989 انصرف إلى تخويل النيابة الإدارية التقرير بالطعن في الأحكام المشار إلها أمام المحكمة الإدارية العليا والحضور بالجلسات المحددة لنظر الطعن لمتابعته وإبداء ما تراه فيه فانحسر هذا الدور عن هيئة قضايا الدولة - ليس معنى ذلك أن تصبح النيابة الإدارية جزءاً من تشكيل المحكمة الإدارية العليا - هذا التشكيل حدده قانون مجلس الدولة على سبيل الحصر فلا وجه للتوسع فيه ولا وجه لقياس مركز النيابة الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا على مركز النيابة العامة أمام محكمة النقض إذ لكل جهة من جهات القضاء التنظيم الخاص بها ولا محل لاستعارة الأحكام الواردة من قانون المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات الجنائية إلا فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون مجلس الدولة وبالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية - لا وجه للقياس على دور هيئة مفوضي الدولة لأنها جزء من تشكيل القسم القضائي بمجلس الدولة بوصفها الأمينة على المنازعة الإدارية في تهيئة الدعوى للمرافعة وإبداء الرأي فيها - انفراد المحكمة التأديبية بحكم خاص بتمثيل النيابة الإدارية لسلطة الادعاء ليس معناه إعماله كذلك أمام المحكمة الإدارية العليا - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 28/ 2/ 1988 أودع الأستاذ محمود الطوخي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/...... بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا في الدعوى رقم 1501 لسنة 14 ق بجلسة 27/ 4/ 1987 والقاضي بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه الحكم بقبول طعنه شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية المختصة للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بطنطا للحكم فيها مجدداً من هيئة أخرى.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 8/ 2/ 1989 والجلسات التالية حيث حضر محامي الطاعن ومحامي الحكومة وممثل النيابة الإدارية وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة "موضوع" ونظرت هذه المحكمة الطعن بجلسة 11/ 11/ 1989 والجلسات التالية حسبما هو مبين بمحاضر جلساتها حيث حضر محامي الطاعن وقدم مذكرة بدفاعه كما حضر ممثل النيابة الإدارية وقدم مذكرة طلب فيها الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً لتقديمه بعد المواعيد المقررة قانوناً، كما قدم ممثل النيابة الإدارية مذكرة ثانية طلب فيها الحكم بوجوب تمثيل النيابة الإدارية ضمن تشكيل المحكمة الإدارية العليا باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من تشكيلها عند نظر الطعون على أحكام المحاكم التأديبية وإثبات حضور ممثلها في الحكم بعد أسماء أعضاء الدائرة ليكون الحكم متفقاً وصحيح القانون، كما دفع ببطلان إجراءات نظر الطعن الذي لم تمثل النيابة الإدارية في أي جلسة من جلساته لفقدان المحكمة تشكيلها الصحيح لعدم إدراج ممثل النيابة الإدارية ضمن تشكيل المحكمة في محضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن والمداولة قانوناً.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص في أنه بتاريخ 21/ 5/ 1986 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 1501 لسنة 14 ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا والمتضمنة تقريراً باتهام السيد/........ المدرس بمدرسة الشهيد عبد المنعم رياض الإعدادية مركز تلا - بالدرجة الثالثة لأنه خلال المدة من 25/ 12/ 1985 حتى 16/ 4/ 1986 بدائرة مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنوفية انقطع عن العمل بدون إذن وفي غير حدود الإجازات المصرح بها قانوناً وبناء عليه يكون المتهم المذكور قد ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 62، 78/ 1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 لذلك تطلب النيابة الإدارية محاكمة المتهم المذكور بالمادتين السالفتين والمادتين 80، 82 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 المعدل بالقانون 115/ 1983 والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171/ 1981 والمادتين 15 أولاً، 19/ 1 من القانون رقم 47/ 1972 بشأن مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136/ 1984.
وبجلسة 27/ 4/ 1987 قضت المحكمة التأديبية بطنطا بمجازاة...... بالفصل من الخدمة وقالت المحكمة في أسباب حكمها أن المادة 62 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 تنص على أن لا يجوز العامل أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يستحقها في حدود الإجازات المقررة قانوناً فإذا خالف هذا الحظر وانقطع عن عمله بدون إذن عن غير إجازة يستحقها فإنه يكون قد ارتكب مخالفة إدارية تستدعي مجازاته تأديبياً، وأضافت المحكمة التأديبية بأن من المقرر أنه ما كشفت ظروف انقطاع العامل المتمرد عن عمله بدون إذن عن عزوف وكراهية للوظيفة فإنه لا يكون من الخير الإبقاء على مثل هذا العامل ولا مناص من إنهاء خدمته وذلك أكثر جدوى لمصلحة المرفق من الإبقاء عليه مستهتراً بالوظيفة متمرداً عليها. ولما كانت التهمة المنسوبة إلى المتهم ثابتة في حقه بشهادة....... موظف شئون العاملين بالمدرسة فإن المحكمة تقضي بفصله من الخدمة ومن ثم انتهت المحكمة إلى إصدار حكمها بمجازاة المتهم بالفصل من الخدمة.
وإذ لم يرتض الطاعن هذا الحكم طعن عليه بالطعن الماثل والذي أسسه على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه نظراً لعدم انعقاد الخصومة القضائية في الدعوى التأديبية المحكوم فيها على الوجه الصحيح لعدم إعلان الطاعن بها أو بأي من جلساتها على النحو السليم المعتبر قانوناً ذلك أن إعلانه بقرار الإحالة وبالجلسة المحددة للمحاكمة التأديبية من الإجراءات الجوهرية والضمانات الأساسية لحق الدفاع التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم الصادر في الدعوى وأضاف الطاعن أنه لم يعلن بقرار إحالته إلى المحاكمة التأديبية أو بجلساتها على النحو الصحيح وقد صدر الحكم في غيبته ولم يعلم به إلا في 26/ 1/ 1988 ومن ثم فإن طعنه يكون مقاماً في الميعاد القانوني المقرر من تاريخ علمه اليقيني بهذا الحكم كما أن إغفال إعلانه إعلاناً صحيحاً بالدعوى التأديبية يؤدي إلى بطلان الحكم الصادر فيها مما يتعين معه القضاء بإلغائه وإعادة الدعوى مرة أخرى إلى المحكمة التأديبية للفصل فيها من دائرة أخرى ويحتفظ الطاعن بدفاعه الموضوعي لحين عرض الدعوى التأديبية على المحكمة التأديبية حتى لا تفوت عليه درجة من درجات التقاضي.
ومن ثم انتهى الطاعن إلى طلب الحكم بقبول طعنه شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للحكم فيها مجدداً من دائرة أخرى.
ومن حيث إنه أثناء نظر الطعن أمام هذه المحكمة قدم ممثل النيابة الإدارية مذكرة طلب فيها الحكم بوجوب تمثيل النيابة الإدارية ضمن تشكيل المحكمة الإدارية العليا واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هذا التشكيل وإثبات حضور ممثلها في الحكم بعد أسماء أعضاء هذه المحكمة، ودفع ببطلان إجراءات نظر الطعن في حالة عدم إدراج ممثل النيابة الإدارية ضمن تشكيل المحكمة استناداً إلى نص الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 12/ 1989 وباعتبار تماثل دور النيابة الإدارية ومركزها القانوني مع النيابة العامة في هذا الشأن عند مثولها أمام محكمة النقض.
ومن حيث إنه يتعين الفصل في هذا الدفع قبل الفصل في موضوع الطعن.
ومن حيث إنه من استعراض النصوص التشريعية المتعلقة بهذا الشأن يبين أن المادة الرابعة من القانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه المعدل بالقانون رقم 12/ 1989 تنص على أنه "تتولى النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية ومباشرتها أمام المحاكم التأديبية ولرئيس هيئة النيابة الإدارية الطعن في أحكام المحاكم التأديبية.
ويباشر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا أحد أعضاء النيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل".
وتنص المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 على أنه "يؤلف القسم القضائي من:
( أ ) المحكمة الإدارية العليا.
(ب) محكمة القضاء الإداري.
(جـ) المحاكم الإدارية.
(د) المحاكم التأديبية.
(هـ) هيئة مفوضي الدولة.
وتنص المادة الرابعة من هذا القانون على أنه يكون مقر المحكمة الإدارية العليا في القاهرة ويرأسها رئيس المجلس وتصدر أحكامها من دوائر من خمسة مستشارين وتكون بها دائرة أو أكثر لفحص الطعون وتشكل من ثلاثة مستشارين.
وتنص المادة السابعة من هذا القانون على أن تتكون المحاكم التأديبية من:
1 - المحاكم التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا ومن يعادلهم.
2 - المحاكم التأديبية من المستويات الأول والثاني والثالث ومن يعادلهم.
وتنص المادة التاسعة من هذا القانون على أن يتولى أعضاء النيابة الإدارية الادعاء أمام المحاكم التأديبية.
وتنص المادة 22 من هذا القانون على أن "أحكام المحاكم التأديبية نهائية ويكون الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحوال المبينة في هذا القانون.
ويعتبر من ذوي الشأن في الطعن الوزير المختص ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ومدير النيابة الإدارية.
وعلى رئيس هيئة مفوضي الدولة بناء على طلب من العامل المفصول أن يقيم الطعن في حالات الفصل من الوظيفة".
وتنص المادة 23 على أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم التأديبية وذلك في الأحوال الآتية.
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
2 - إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.
3 - إذا صدر الحكم على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه.
ويكون لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم وذلك مع مراعاة الأحوال التي يوجب عليه القانون فيها الطعن في الحكم.
ومن حيث إن المادة 4 من القانون رقم 117/ 1958 قبل تعديلها بالقانون رقم 12/ 1989 كانت تقتصر على النص على أنه "تتولى النيابة الإدارية مباشرة الدعوى التأديبية أمام المحاكم التأديبية إلا أن القانون رقم 12/ 1989 المشار إليه نص على أن يستبدل بنص هذه المادة النص الجديد الذي يجرى على أن تتولى النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية ومباشرتها أمام المحاكم التأديبية ولرئيس هيئة النيابة الإدارية الطعن في أحكام هذه المحاكم أمام المحكمة الإدارية العليا ويباشر الطعن أمامها أحد أعضاء النيابة الإدارية بدرجة رئيس نيابة على الأقل، فانطوى بذلك النص الجديد للمادة الرابعة من ناحية على ترديد لما ورد في المادة 22 من قانون مجلس الدولة التي أجازت لمدير النيابة الإدارية باعتباره من ذوي الشأن الطعن في هذه الأحكام ومن ناحية أخرى استحدث النص الجديد الوارد بالقانون رقم 12/ 1989 للنيابة الإدارية سلطة مباشرة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا عن طريق أحد أعضائها بدرجة رئيس نيابة على الأقل - فأصبح للنيابة الإدارية بمقتضى هذا النص الحق في التقرير بالطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في أحكام المحاكم التأديبية الصادرة في الدعاوى التأديبية وحق الحضور أمام المحكمة الإدارية العليا لمباشرة هذا الطعن وإبداء وجهة نظرها فيه بعد أن كانت تمارس هذه السلطة بطريق غير مباشر عن طريق هيئة قضايا الدولة التي تختص عملاً بالمادة السادسة من القانون رقم 75 لسنة 1963 بشأن تنظيم هيئة قضايا الدولة المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986 بأن تتوب عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وعلى هذا المقتضى فإن الحكم المستحدث الوارد بالقانون رقم 12/ 1989 انصرف إلى تخويل النيابة الإدارية أن تقوم بذاتها بالتقرير بالطعن في أحكام المحاكم التأديبية أمام المحكمة الإدارية العليا وبالحضور أمام هذه المحكمة بالجلسات المحددة لنظر الطعن لمتابعة الطعن وإبداء ما تراه فيه، وانحسر بذلك هذا الدور عن هيئة قضايا الدولة.
ومن حيث إن القانون رقم 12/ 1989 وإن خول النيابة الإدارية الحق في التقرير بالطعن أمام هذه المحكمة على النحو السالف إلا أن نصوص هذا القانون المعدل للقانون 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وكذا نصوص قانون مجلس الدولة قد خلت من اعتبار النيابة الإدارية في هذا الخصوص جزءاً من تشكيل المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعون في أحكام المحاكم التأديبية وغني عن البيان أن النصوص المتعلقة بتشكيل المحاكم وعضويتها على اختلاف أنواعها ودرجاتها والواردة في التشريعات المنظمة لجهات القضاء إنما تنظم تشكيل كل محكمة وعضويتها بطريق الحصر والتحديد بما لا محل معه للتوسع فيه أو قياس تشكيل جهة قضاء أو محكمة على جهة قضاء أخرى، وبما يمتنع على التوسع في التوسع في التفسير ومن ثم فلا وجه لقياس مركز النيابة الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا على مركز النيابة العامة أمام محكمة النقض. إذ لكل جهة من جهات القضاء التنظيم الخاص بها والوارد في تشريعاتها هذا فضلاً عن اختلاف النصوص التشريعية التي تحدد مركز كل من النيابة العامة والنيابة الإدارية ودور كل منهما في هذا الشأن وقد استقر قضاء هذه المحكمة كأصل عام على أنه لا محل لاستعارة الأحكام الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية إلا فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون مجلس الدولة وبالقدر الذي لا يتعارض نصاً وروحاً مع نظام مجلس الدولة وأوضاع القضاء وطبيعة المنازعة الإدارية.
ومن حيث إن نظام مجلس الدولة وأوضاعه الخاصة تتأبى على اعتبار ممثل النيابة الإدارية جزءاً من تشكيل المحكمة الإدارية العليا ذلك أنه طبقاً للمادة الثالثة من قانون مجلس الدولة السالفة فإن القسم القضائي بمجلس الدولة مشكل من المحكمة الإدارية العليا على قمته يليها محكمة القضاء الإداري فالمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية ومن هيئة مفوضي الدولة، وقد جرت نصوص هذا القانون على بيان تشكيل كل محكمة من المحاكم وعضويتها على سبيل الحصر والتحديد فتصدر المحكمة الإدارية العليا أحكامها من دوائر من خمسة مستشارين وتكون بها دائرة أو أكثر لفحص الطعون وتشكل من ثلاثة مستشارين كما أنه من الملاحظ على تشكيل القسم القضائي بمجلس الدولة شموله لهيئة مفوضي الدولة، والتي تؤلف طبقاً للمادة السادسة من هذا القانون من أحد نواب رئيس المجلس رئيساً ومن عدد كاف من المستشارين والمستشارين المساعدين والنواب والمندوبين ويكون مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري من درجة مستشار مساعد على الأقل وبينما ورد النص على دور مفوضي الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية فإن النص عليه لم يرد بشأن المحاكم التأديبية وإنما نص المشرع في المادة التاسعة على أن يتولى أعضاء النيابة الإدارية الادعاء أمام المحاكم التأديبية كما أنه تطبيقاً لذلك الاتجاه أيضاً فإن المادة 27 من هذا القانون الوارد في الفصل الثالث (أولاً) المتعلق بالإجراءات أمام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية نصت على أن تتولى هيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة ويودع المفوض بعد إتمام تهيئة الدعوى تقريراً يحدد فيه الوقائع والمسائل القانونية التي يثيرها النزاع ويبدي رأيه مسبباً ويفصل المفوض في طلبات الإعفاء من الرسوم وقد نصت المادة 48 الواردة في الفصل الثالث (رابعاً) والمتعلق بالإجراءات أمام المحكمة الإدارية العليا على أنه مع مراعاة ما هو منصوص عليه بالنسبة إلى المحكمة الإدارية العليا يعمل أمامها بالقواعد والإجراءات المنصوص عليها في الفصل الثالث (أولاً) من الباب الأول من هذا القانون - وهي المشار إليها سالفاً، وعلى ذلك فإن دور هيئة مفوضي الدولة المنصوص عليه في المادة 27 الواردة في هذا الفصل قائم أمام المحكمة الإدارية العليا.
والمستخلص من ذلك أنه بينما تتولى النيابة الإدارية الادعاء أمام المحاكم التأديبية في الدعاوى التأديبية والتي لا تمثل فيها هيئة مفوضي الدولة، فإنه على خلاف ذلك تعتبر هيئة مفوضي الدولة جزءاً من تشكيل القسم القضائي بمجلس الدولة وتمثل لدى المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية بوصفها الهيئة الأمينة على المنازعة الإدارية وعاملاً أساسياً في تهيئتها للمرافعة وإبداء الرأي القانوني فيها، وبذلك تنفرد المحاكم التأديبية بالحكم الخاص بتمثيل النيابة الإدارية لسلطة الادعاء في تشكيلها وبغياب تمثيل هيئة مفوضي الدولة في تشكيلها ولا محل لمد هذا الحكم الخاص بالمحاكم التأديبية على المحكمة الإدارية العليا واعتبار ممثل النيابة الإدارية ممثلاً لسلطة الادعاء أمامها وجزءاً من تشكيلها لافتقار هذا الأمر إلى السند القانوني الصحيح ذلك أن المحكمة الإدارية العليا لا تجرى الإجراءات فيها على نمط الإجراءات التي نص عليها قانون مجلس الدولة أمام المحاكم التأديبية من استجواب للعامل المقدم للمحاكمة التأديبية وسماع الشهود من العاملين وغيرهم وقيام النيابة الإدارية بالادعاء أمامها إلى غير ذلك من إجراءات المحاكمة التأديبية وإنما نص قانون مجلس الدولة صراحة في المادة 48 منه على أنه مع مراعاة ما هو منصوص عليه بالنسبة للمحكمة الإدارية العليا فإنه يعمل أمامها بالقواعد والإجراءات المنصوص عليها أمام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية ومن ثم فلا مجال لمد الحكم الخاص بتمثيل النيابة الإدارية في تشكيل المحاكم التأديبية وسحبه على المحكمة الإدارية العليا وفضلاً عن ذلك فالمحكمة الإدارية العليا تختص بالنظر في الطعون المقامة أمامها في أحكام محكمة القضاء الإداري والمحاكم التأديبية باعتبارها محكمة تعقيب على هذه الأحكام فهي تزن الحكم بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة غير مقيدة في ذلك بأسباب الطعن أو طلبات الخصوم والذي يتأبى على النظام القانوني الذي يخضع لع تشكيل هذه المحكمة القول بتغيير تشكيلها باختلاف الطعون التي تنظرها بحيث يتسع هذا التشكيل ليضم النيابة الإدارية كلما نظر أمامها طعن في حكم تأديبي والطبيعي أن تشكيل المحكمة الإدارية العليا بوصفها محكمة للتعقيب على الأحكام هو تشكيل ثابت لا يتغير بتغير الطعون التي تنظرها سواء في أحكام المحاكم التأديبية أو غيرها من الأحكام وهذا التشكيل تمثل فيه هيئة مفوضي الدولة بوصفها الأمينة على المنازعة الإدارية وجزءاً من القسم القضائي بمجلس الدولة دون أن يعتبر ممثل النيابة الإدارية جزءاً من تشكيل المحكمة في أي حال من الأحوال.
كما أنه من ناحية أخرى فإن الحكم المستحدث الذي أورده القانون رقم 12/ 1989 بتخويل رئيس هيئة النيابة الإدارية الطعن في أحكام المحاكم التأديبية على أن يباشر الطعن أمام المحكمة أحد أعضاء النيابة الإدارية بدرجة رئيس نيابة على الأقل يجد تطبيقه الصحيح في تخويل هيئة النيابة الإدارية حق الطعن في أحكام المحاكم التأديبية ومباشرة هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية بذاتها دون نيابة هيئة قضايا الدولة عنها، وفي ذلك ما يحقق متابعة النيابة الإدارية للطعون في أحكام المحاكم التأديبية وإبداء وجهة نظرها فيها بما يحقق الصالح العام إعمالاً لما رآه المشرع من ملاءمة قيام النيابة الإدارية بهذا الدور دون حاجة لتمثيلها بواسطة هيئة قضايا الدولة، ومن الجدير بالذكر أن الاعتبارات التي استهدفها المشرع من استحداث هذا الحكم لا تستلزم حتماً ولا تتعلق بالضرورة باعتبار النيابة الإدارية جزءاً من تشكيل المحكمة الإدارية العليا وإنما تتحقق باستخدام النيابة الإدارية للسلطات التي خولها لها المشرع صراحة في القانون رقم 12/ 1989 المشار إليه والتي تنصرف إلى تقرير حقها في الطعن في أحكام المحاكم التأديبية والحضور أمام هذه المحكمة لمباشرة الطعن ومتابعته دون وساطة هيئة قضائية أخرى، ومن ثم فلا محل لتحميل نصوص هذا القانون أكثر مما تحتمل وتفسيرها بما يؤدي إلى اعتبار النيابة الإدارية جزءاً من تشكيل المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه يبين مما سلف أن الدفع الوارد بمذكرة ممثل النيابة الإدارية والمتعلق ببطلان إجراءات نظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لعدم إدراج ممثل هيئة النيابة الإدارية ضمن تشكيل هذه المحكمة غير مستند إلى أساس صحيح من القانون فإنه يكون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة للطعن الماثل فإن المادة 34 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تقضي بأن يقوم قلم كتاب المحكمة التأديبية بإعلان ذوي الشأن بقرار الإحالة وتاريخ الجلسة في محل إقامة المعلن إليه في محل عمله وحكمة هذا النص هي توفير الضمانات الأساسية للعامل المقدم إلى المحاكمة التأديبية للدفاع عن نفسه ولدرء الاتهام عنه وذلك بإحاطته علماً بأمر محاكمته بإعلانه بقرار إحالته إلى المحكمة التأديبية المتضمن بيان المخالفات المنسوبة إليه وتاريخ الجلسة المحددة لمحاكمته ليتمكن من المثول أمام المحكمة للإدلاء بما لديه من إيضاحات وتقديم ما يعن له من بيانات أو مستندات وما إلى ذلك مما يتصل بحق الدفاع ويرتبط بمصلحة جوهرية لذوي الشأن وإذا كان إعلان العامل المقدم إلى المحاكمة التأديبية وإخطاره بتاريخ الجلسة المحددة لمحاكمته إجراء جوهرياً فإن إغفال هذا الإجراء أو إجراءه بالمخالفة للقانون على وجه لا تتحقق معه الغاية منه من شأنه وقوع عيب شكلي في إجراءات المحاكمة يؤثر في الحكم ويؤدي إلى بطلانه.
ومن حيث إن قانون المرافعات المدنية والتجارية وإن أجاز في المادة 13 منه إعلان الأوراق القضائية في مواجهة النيابة العامة إلا أن مناط صحة هذا الإعلان أن يكون موطن المعلن إليه غير معلوم في الداخل أو الخارج وهو ما لا يتأتى إلا باستيفاء كل جهد في سبيل التحري عن موطن المواد إعلانه وإلا كان الإعلان باطلاً.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن أعلن في مواجهة النيابة العامة بمقولة أنه خارج البلاد دون أن تبذل جهة الإدارة أي جهد جدي في سبيل التحري عن محل إقامته بالخارج سواء بالاتصال بإدارة وثائق السفر والهجرة أو بالاستعلام عن ذلك من أقاربه أو زملائه أو جيرانه أو رجال الإدارة بالناحية، فإن الإعلان في مواجهة النيابة العامة في هذه الحالة يعد باطلاً، وهذا البطلان يؤثر بدوره في الحكم ويؤدي إلى بطلانه ولما كان الطاعن لم يعلم بأمر محاكمته ولم يثبت من الأوراق علمه بالحكم المطعون فيه والصادر في غيبته في تاريخ آخر غير التاريخ الذي ذكره بتقرير طعنه فإن هذا الطعن يكون قد أودع في الميعاد مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن البطلان الذي عاب إجراءات المحاكمة التأديبية يؤدي إلى بطلان الحكم الصادر فيها على النحو السالف ذكره فإن هذا الحكم يكون خليقاً بالإلغاء مع إعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للحكم فيها مجدداً من دائرة أخرى حتى لا تفوت درجة من درجات التقاضي.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة أولاً: برفض الدفع المبدى من هيئة النيابة الإدارية ببطلان تشكيل المحكمة.
ثانياً: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بطنطا للحكم فيها مجدداً من هيئة أخرى.


[(1)] راجع الطعن رقم 1059 لسنة 34 ق بجلسة 2/ 12/ 1989 - بشأن تحديد دور النيابة الإدارية قبل وبعد صدور القانون رقم 12 لسنة 1989 ومدى جواز تدخل الإدارة إلى جانبها في مرحلة الطعن