مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الثاني - (من أول مارس سنة 1990 إلى آخر سبتمبر 1990) - صـ 2081

(202)
جلسة 21 من يوليو سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد يسري زين العابدين ود. إبراهيم علي حسن وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو - المستشارين.

الطعن رقم 1661 لسنة 32 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - تأديب المعار.
علاقة الموظف المعار بجهة عمله الأصلية المعيرة لا تنقطع بإعارته إلى جهة أخرى سواء في الداخل أو الخارج - تظل العلاقة قائمة ومنتجة لآثارها - أثناء فترة إعارة الموظف إلى الخارج يظل ملتزماً بالواجبات التي يقتضيها بقاء علاقته بوظيفته الأصلية التي يشغلها بجمهورية مصر العربية - إذا ما ارتكب أفعالاً أثناء إعارته في الخارج تشكل إخلالاً بهذا الالتزام وتسيء إلى كرامة وظيفته أو سمعة مصر فإن هذه الأفعال تخضع للمساءلة التأديبية أمام السلطات التأديبية المختصة في مصر ومجازاته عنها بالجزاءات المنصوص عليها بقانون العاملين السارية بجمهورية مصر - لا ينال من مساءلة الموظف سبق مجازاته بواسطة الدولة المستعيرة عن طريق إنهاء العقد - إذا كان المسلم به عدم جواز معاقبة الموظف عن ذات المخالفة الإدارية مرتين، فإن مجال إعمال هذا المبدأ هو داخل النظام التأديبي الواحد - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 10/ 4/ 1986 أودع الأستاذ/ محمد عبد المجيد المستشار المساعد بإدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيدين وزير المالية ومدير النيابة الإدارية بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بجلسة 12/ 2/ 1986 في الدعوى رقم 119 لسنة 17 قضائية والقاضي أولاً: بعدم جواز محاكمة المحال عن الوقائع المنسوبة إليه خلال فترة إعارته بالجمهورية العربية اليمنية، ثانياً: ببراءته من باقي المخالفات، وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بمجازاة المطعون ضده طبقاً لمواد الاتهام الواردة بتقرير الاتهام.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12/ 4/ 1986 والجلسات التالية لها حيث حضر محامي هيئة قضايا الدولة وممثل النيابة الإدارية والمطعون ضده وقدم الأخير حافظة مستندات ومذكرة بدفاعه، وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا، ونظرت هذه المحكمة الطعن بجلسة 14/ 10/ 1989 والجلسات التالية حيث حضر ممثل النيابة الإدارية والمطعون ضده وقرر الأخير أنه أحيل إلى المعاش لبلوغه السن القانونية، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقة وأسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعة الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص في أنه بتاريخ 13/ 5/ 1985 أودعت النيابة الإدارية بقلم كتاب المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجلات المحكمة برقم 119 لسنة 27 قضائية وتضمنت هذه الأوراق تقريراً باتهام السيد/...... مدير عام الإدارة العامة للحصر والإقرارات بمصلحة الضرائب لأنه خلال الفترة من 1/ 10/ 1983 وحتى 26/ 1/ 1985 بمصلحة الضرائب وأثناء إعارته بدولة اليمن خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد عمله بدقة وسلك في تصرفاته مسلكاً لا يتفق والاحترام لوظيفته طبقاً للعرف العام وذلك بأن:
1 - أساء إلى عمله الوظيفي بمصلحة الضرائب بمصر بأن رفض خلال إعارته لدولة اليمن تدريب المواطنين والنظراء اليمنيين مما ترك انطباعاً لدى المسئولين بالدولة المشار إليها بأنه غير ملم بمادة الضرائب التي كلف بتدريسها خصوصاً ما تبين من عدم جدوى المحاضرات التي عهد إليه بإلقائها وامتناعه عن إنجاز الأعمال التي طلب منه رئيس المصلحة بالدولة المعار إليها تنفيذها على النحو الموضح بالأوراق.
2 - سلك في تصرفاته مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب لوظيفته أثناء فترة إعارته لدولة اليمن وأساء إلى زملائه من وفد الخبراء المصريين لتدريب العاملين بمصلحة الضرائب اليمنية بأن أقحم نفسه في قضايا سياسية محظور عليه تناولها على النحو الموضح بالأوراق.
3 - لم يحترم رئيسه المباشر ولم يلتزم بالتسلسل الوظيفي على النحو الموضح بالأوراق.
4 - لم يراع قواعد العمل أثناء إعارته بما أساء إلى الجهة المعار منها وداوم على التغيب وترك العمل بدون إذن على النحو الموضح بالأوراق.
5 - قام بأعمال أثناء إعارته تخرج عن المهمة المعار بشأنها بأن حرر مقالات سياسية لجريدة الرأي العام اليمنية على النحو المبين بالأوراق.
6 - أعد مجلدات مبتسرة عن بيانات بعض الممولين بمصلحة الضرائب دون استيفائها بيانات الضرائب التي تم ربطها على كل منهم بما يلقي ظلالاً من الشك على عمل المصلحة التي يعمل بها على النحو المبين بالأوراق.
7 - أفشى أسرار المصلحة بأن قدم بيانات تتعلق بالممولين وأنشطتهم وإقراراتهم الضريبية وأرباحهم إلى المسئولين بالرقابة الإدارية رغم أن هذه البيانات أحاطها قانون الضرائب على الدخل بضمان السرية وحظر على العاملين بمصلحة الضرائب سواء من المختصين بربط وتحصيل الضرائب أو من عداهم إفشاء سرية هذه البيانات إلا في الأحوال المصرح بها قانوناً على النحو المبين بالأوراق.
8 - قدم بيانات إلى جريدة الأهالي والتي تم نشرها تتعلق بالممول وهي البيانات التي أحاطها قانون الضرائب على الدخل بضمان السرية على النحو المبين بالأوراق.
ورأت النيابة الإدارية أن المتهم المذكور يكون قد ارتكب المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المواد 76/ 1، 77/ 7، 78/ 1 من القانون رقم 47/ 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة والمادة 146 من قانون الضرائب على الدخل، وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحال المذكور بالمواد المشار إليها والمادتين 80، 82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115/ 1983 والمادة 12 من القانون رقم 117/ 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171/ 1981 والمادتين 15، 19 من القانون رقم 47/ 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 12/ 2/ 1986 قضت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا أولاً: بعدم جواز محاكمة المحال عن الوقائع المنسوبة إليه خلال فترة إعارته بالجمهورية العربية اليمنية، ثانياً: ببراءته من باقي المخالفات، وأسست المحكمة حكمها على أن وقائع الدعوى تتلخص حسبما يبين من سائر أوراقها أنه بناء على طلب السيد رئيس مصلحة الضرائب قامت النيابة الإدارية بالتحقيق مع المحال في الوقائع المنسوبة إليه والسابق بيانها في تقرير الاتهام وقد انتهت النيابة الإدارية من تحقيقاتها إلى عدم وجود أية مخالفة يمكن نسبتها إلى المحال واقترحت حفظ الأوراق وفقاً لأحكام قانون النيابة الإدارية وقامت بإخطار مصلحة الضرائب بهذه النتيجة في 17/ 2/ 1985 إلا أن وزير المالية أعاد الأوراق إلى النيابة الإدارية في 28/ 2/ 1985 طالباً إحالة المذكور إلى المحاكمة التأديبية وبناء على ذلك وتنفيذاً لحكم المادة 12 من قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 وتعديلاته أقامت النيابة الإدارية هذه الدعوى التأديبية ضد المحال وأضافت المحكمة التأديبية أن المحال تقدم بمذكرة دفع فيها محاميه 1 - ببطلان قرار الإحالة لسبق حفظ الموضوع بقرار النيابة الإدارية بمذكرتها المؤرخة 14/ 2/ 1985.
2 - بعدم الاختصاص بنظر الدعوى بالنسبة للمخالفات المنسوبة إلى المحال خلال فترة إعارته باليمن كما أنه سبق مجازاته عنها بإنهاء عقده وفي الموضوع نفى المحال المخالفات المنسوبة إليه وطلب الحكم ببراءته.
وأضافت المحكمة التأديبية أنه بالنسبة للدفع ببطلان قرار الإحالة فإنه يتضح من نص المادة 12 من قانون إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم 117/ 1958 المعدل بالقانون رقم 171/ 1981 أن رأي النيابة الإدارية بحفظ أوراق التحقيق غير ملزم للجهة الإدارية التي لها أن تطلب من النيابة الإدارية تقديم العامل للمحاكمة التأديبية ويجب على النيابة الإدارية في هذه الحالة أن تستجيب لطلب الجهة الإدارية وتقدم العامل للمحاكمة التأديبية ومن ثم فإن الدفع ببطلان قرار الإحالة الذي انبنى على أنها تمت بناء على طلب الجهة الإدارية بعد أن رأت النيابة الإدارية حفظ التحقيق يكون في غير محله ومن ثم انتهت المحكمة التأديبية إلى رفضه.
كما أضافت المحكمة أنه بالنسبة للدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر المخالفات المنسوبة إلى المحال أثناء إعارته خارج البلاد فإن هذا الدفع مردود عليه بما استقر عليه من خضوع العامل المعار خارج البلاد لأحكام التأديب طبقاً للقوانين المصرية فإن اختصاص الجهة المعار إليها العامل بتأديبه طبقاً لنص المادة 82/ 4 من نظام العاملين بالدولة مناطه أن تكون من الجهات التي تملك قانوناً وضع جزاءات تأديبية مماثلة للجزاءات التي تملكها السلطات التأديبية في الجهاز الإداري وتبعاً لذلك فإن الجهة الأصلية التي يتبعها العامل المعار للخارج تختص بمساءلته تأديبياً عما وقع منه أثناء الإعارة.
وأضافت المحكمة التأديبية أن المحال دفع بعدم جواز نظر الوقائع الخمس الأولى المنسوب صدورها إليه أثناء وجوده في إعارة إلى الجمهورية العربية اليمنية لسبق مجازاته عن هذه المخالفات في البلد المعار إليه بإنهاء عقده فيها، وقد ثبت لدى المحكمة من كتاب مصلحة الضرائب بالجمهورية العربية اليمنية رقم 956 المؤرخ 20/ 2/ 1984 المبلغ للمحال والمتضمن إنهاء خدمته واعتبار العقد المبرم منتهياً أنه قام على أساس عدم التزام المحال بواجبات العمل المنوط به ورفضه تدريب من يعملون معه من الموظفين وعدم احترامه القوانين اليمنية وقيامه بأعمال للغير وهي في مجموعها لا تخرج عن المخالفات المنسوبة للمحال في قرار الاتهام والإجراء المتقدم الصادر ضد المحال في الجمهورية العربية اليمنية المعار إليها وإن أخذ صورة إنهاء الإعارة إلا أنه في الحقيقة يعد بمثابة جزاء وقع على المحال أخذ صورة إنهاء الخدمة في اليمن قبل نهايتها الطبيعية بانتهاء مدتها ومن ثم فإن إنهاء عقد المحال في تلك الظروف يحمل على أنه جزاء وليس إنهاء عادياً للعقد، وقد صدر قرار إنهاء الإعارة من مصلحة الضرائب بالجمهورية العربية اليمنية بسبب ذات الوقائع المطلوب مساءلته عنها تأديبياً، فإنه بصرف النظر عن مدى صحة هذه المخالفات أم لا فقد جوزي عنها المحال وتمثل هذا الجزاء في إنهاء مصلحة الضرائب باليمن العقد المبرم بينها وبينه بسبب تلك المخالفات وقد أضر به هذا الجزاء ضرراً بليغاً فإنه يكون الجزاء الأدنى لما نسبته إليه الجهة المعار إليها وترتيباً على ذلك لا يجوز إعادة مجازاة المحال بتقديمه للمحاكمة التأديبية عن ذات الوقائع التي عوقب من أجلها وانتهت إعارته بسببها لذلك يكون الدفع المبدى من المحال بعدم جواز محاكمته عن الوقائع التي حدثت في بلد الإعارة لسبق عقابه بإنهاء الجهة المعار إليها عقده معها يكون دفعاً سليماً وفي محله وتأخذ به المحكمة الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم جواز محاكمته عن وقائع سبق محاكمته عنها.
وأضافت المحكمة التأديبية أنه بالنسبة للواقعة السادسة المنسوبة إلى المحال من أنه أعد مجلدات مبتسرة عن بيانات بعض الممولين بمصلحة الضرائب دون استيفائها فإن هذا الاتهام ليس عليه دليل يقيني من الأوراق تطمئن إليه المحكمة ذلك أن جهة الإدارة - وزارة المالية - التي طلبت إحالة المذكور إلى المحاكمة التأديبية لم تقدم هذا الاتهام بهذا الوصف وإنما ورد في خطاب السيد وزير المالية رقم 1549 - 12 - 84 المؤرخ 22/ 12/ 1984 أن المذكور أعد مجلدات متضمنة لبيانات خاصة بالممولين لم يراع فيها الناحية الموضوعية وإنما اتبع فيها أسلوباً استفزازياً خارجاً عن نطاق الوظيفة العامة ومن ثم فإن جهة الإدارة وهي الجهة المختصة لم تصف هذه المجلدات بأنها مبتسرة يضاف إلى ذلك أن اللجنة التي شكلت لدراسة هذه البيانات ومراجعتها أخذت ببعض ما ورد بها وانتهت بتوصيات لعلاج بعض الأمور المثارة في تلك المجلدات على أن المحكمة تأخذ في اعتبارها بالنسبة لهذه الواقعة أن هدف المحال مما بذله من جهد كبير في إعداد هذه المجلدات هو كشف ما يكون هناك من قصور وإهمال قد يعرض معه حقوق الخزانة للضياع وتتعرض معه العدالة الضريبية للاهتزاز مما يجب ألا يكون محلاً للمساءلة بأي وجه بل محلاً للتشجيع والإشادة وذلك حرصاً على صحة توزيع الأعباء الضريبية وهي المقوم الأساسي لكل تشريعات الضرائب في شتى أنحاء العالم بوصفها أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية مما يتعين معه الحكم ببراءة المحال من هذه المخالفة.
وأضافت المحكمة التأديبية أنه بالنسبة للواقعة السابعة المنسوبة إلى المحال من أنه أفشى أسرار مصلحة الضرائب بأن قدم بيانات متعلقة بالممولين إلى المسئولين بالرقابة الإدارية رغم سريتها فإنه ليس في الأوراق ما يفيد أن المحال أرسل أية بيانات إلى الرقابة الإدارية رغم سريتها بل الثابت أن ما وصل إلى الرقابة الإدارية من معلومات وبيانات وسجلات متعلقة بهذا الموضوع تم عن طريق النيابة الإدارية بكتابها إلى الرقابة الإدارية رقم 6335 في 2/ 12/ 1984 ومرفق به 9 مجلدات صور ضوئية وذلك هو المستفاد من كتاب وكيل هيئة الرقابة الإدارية رقم 381 في 10/ 1/ 1985 المرسل إلى السيد مدير المكتب الفني للنيابة الإدارية، ومن ثم فإن الواقعة المنسوبة إلى المحال ليس في الأوراق دليل على وقوعها الأمر الذي يتعين معه الحكم ببراءة المحال منها.
وأضافت المحكمة التأديبية أنه بالنسبة للواقعة الثامنة المنسوبة إلى المحال من أنه قدم بيانات تتعلق بالممولين إلى جريدة الأهالي تم نشرها وهي بيانات أحاطها قانون الضرائب على الدخل بالسرية فإن المحال قرر في التحقيقات التي أجريت معه بالنيابة الإدارية أنه لا يعلم شيئاً عما نشر بجريدة الأهالي في 12/ 12/ 1984، كما نفى أيضاً مسئوليته عما نشر في هذه الجريدة في 20/ 4/ 1983، وحيث إن خطاب وزارة المالية الذي طلبت فيه إحالة المذكور للمحاكمة تضمن إنها تستند في إثبات هذا الاتهام ضد المحال إلى شهادة...... و....... في التحقيقات من أن المحال ذكر لها يوم النشر في الجريدة العبارات الآتية: "أهه كله من ده وإذا كانوا جدعان يثبتوا إنني مصدره والجدع يعمل حاجة وينسبها إلى غيره أهو الموضوع نشر باسم..... وأثبتوا مين مصدر هذا الكلام". وذهبت وزارة المالية أنه يستفاد من ذلك أن المحال هو مصدر هذا الكلام". وذهبت وزارة المالية أنه يستفاد من ذلك أن المحال هو مصدر البيانات التي نشرتها جريدة الأهالي، وأضافت المحكمة أن الواضح أن ما شهد به كل من....... و....... لا يقطع على وجه الجزم واليقين بأن المحال هو مصدر هذه البيانات التي نشرت بجريدة الأهالي في 12/ 12/ 1984 فالعبارات التي نسبت إلى المحال على لسان الشاهدين لا تفيد إقراراً أو اعترافاً منه بأنه هو مصدر هذه البيانات إلى الجريدة ومن ثم فهي لا تصلح أساساً للإدانة التأديبية فالمسئولية التأديبية لا تقوم على الشك والتخمين والدليل إذا تسرب إليه الاحتمال فسد الاعتماد عليه في الاستدلال وإذا كان ذلك هو شأن الدليل المستفاد من الشهادة سالفة الذكر فإنها وحدها لا تكفي للإدانة بل يلزم أن تعززها أدلة أخرى حتى يمكن الانتقال بها من مرحلة الشك إلى مرحلة اليقين وهو ما لم يتوافر للأدلة التي قام عليها هذا الاتهام، ومن ثم أضحى الاتهام بغير دليل عليه الأمر الذي يتعين معه الحكم ببراءة المحال من هذه الواقعة.
ومن ثم انتهت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا إلى إصدار حكمها أولاً: بعدم جواز محاكمة المحال عن الوقائع المنسوبة إليه خلال فترة إعارته بالجمهورية العربية اليمنية ثانياً: ببراءته من باقي المخالفات.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية: أولاً: قضى الحكم المطعون فيه بعدم جواز محاكمة المحال عن الوقائع التي نسبت إليه خلال فترة إعارته إلى اليمن على سند من القول بأنه سبق مجازاته عن تلك الوقائع وتمثل ذلك في إنهاء مصلحة الضرائب باليمن للعقد المبرم بينها وبين المحال وتعتبر المحكمة هذا الإنهاء جزاء كاملاً عما نسب إلى المحال من وقائع فلا يجوز إعادة مجازاته بتقديمه للمحاكمة التأديبية عن ذات الوقائع، وما ذهب إليه الحكم المطعون فيه لا يتفق وصحيح حكم القانون ذلك أن إنهاء التعاقد بين مصلحة الضرائب باليمن والمحال لا يعد من الجزاءات التي يجوز توقيعها على العاملين والمحددة على سبيل الحصر طبقاً للمادة 80 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47/ 1978، وبالتالي فإنه كان يجب على المحكمة التأديبية أن تقضي بمجازاة المطعون ضده عن تلك المخالفات دون القضاء بعدم جواز محاكمته عنها ومن ثم يكون قضاؤها في هذا الشأن جاء مخالفاً للقانون. ثانياً: قضى الحكم المطعون فيه ببراءة المحال المطعون ضده من باقي المخالفات بينما الثابت من الأوراق ثبوت تلك المخالفات في جانبه بما لا يدع مجالاً للشك حيث أعد المطعون ضده مجلدات تحوي بيانات تتعلق بالممولين وأنشطتهم وهي بيانات أحاطها قانون الضرائب بالسرية وحظر على العاملين إفشاء سريتها إلا في الأحوال المصرح بها قانوناً، ويعد ما قام به المطعون ضده خروجاً على أحكام السرية الواردة بقانون الضرائب على الدخل فضلاً عن إمداد المطعون ضده جريدة الأهالي ببيانات عن الممولين وقيام هذه الجريدة بنشرها طبقاً للشهادة التي أدلى بها....... و....... في التحقيقات من أن المطعون ضده اعترف بأنه هو الذي أمد الجريدة بتلك البيانات مما يعد مخالفة للقانون الذي حظر إفشاء سرية البيانات المشار إليها، ومن ثم انتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة المطعون ضده طبقاً لتقرير الاتهام.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الأول للطعن، والمتعلق بمدى صحة الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم جواز محاكمة المحال (المطعون ضده) عن الوقائع المنسوبة إليه خلال فترة إعارته للجمهورية العربية اليمنية تأسيساً على سبق مجازاته عنها بقيام مصلحة الضرائب في اليمن بإنهاء العقد المبرم بينها وبينه وانتهت بذلك إعارته إلى هذه المصلحة وهو ما اعتبره الحكم المطعون فيه جزاء كاملاً لا يجوز معه إعادة محاكمته ومجازاته عنه مرة أخرى.
ومن حيث إنه من المقرر أن علاقة الموظف المعار بجهة عمله الأصلية المعيرة لا تنقضي بإعارته إلى جهة أخرى سواء في الداخل أو الخارج بل تظل هذه العلاقة قائمة ومنتجة لآثارها وفقاً لما ينص عليه القانون في هذا الشأن، ومن ذلك ما نص عليه نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والمعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 في المادة 58 من أن السلطة الإدارية المختصة بتعيين العامل هي التي تختص بإعارته للعمل في الداخل أو الخارج ويحدد القرار الصادر بالإعارة مدتها ويكون أجر العامل بأكمله على جانب الجهة المستعيرة ومع ذلك يجوز منحه أجراً من حكومة جمهورية مصر العربية سواء كانت الإعارة في الداخل أو الخارج وذلك بالشروط والأوضاع التي يحددها رئيس الجمهورية، وتدخل مدة الإعارة ضمن مدة اشتراك العامل في نظام التأمين الاجتماعي واستحقاق العلاوة والترقية، ومع ذلك فإنه لا يجوز في غير حالات الإعارة التي تقتضيها مصلحة قومية عليا يقدرها رئيس مجلس الوزراء ترقية العامل المعار إلى درجات الوظائف العليا إلا بعد عودته من الإعارة، وما نصت عليه المادة 59 من هذا القانون من أنه عند إعارة العامل تبقى وظيفته خالية ويجوز في حالة الضرورة شغلها بطريق التعيين أو الترقية إذا كانت مدة الإعارة سنة فأكثر وعند عودة العامل يشغل وظيفته الأصلية إذا كانت خالية أو أية وظيفة خالية من درجة وظيفته أو يبقى في وظيفته الأصلية بصفة شخصية على أن تسوى حالته في أول وظيفة تخلو من نفس درجة وظيفته، وفي جميع الأحوال يحتفظ العامل المعار بكافة مميزات الوظيفة التي كان يشغلها قبل الإعارة.
ومن حيث إن المادة 76 من نظام العاملين المدنيين بالدولة تنص في البند الثالث منها على أنه يجب على العامل أن يحافظ على كرامة وظيفته طبقاً للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب، كما تنص المادة 78/ 1 على أن كل عامل يخرج على مقتضى الواجب في إعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً.
ولما كانت علاقة الموظف المعار بجهة عمله الأصلية هي علاقة دائمة لا تنقطع بمجرد إعارته إلى جهة أخرى سواء في الداخل أو الخارج بل تظل هذه العلاقة قائمة مرتبة لآثارها المنصوص عليها في القانون وفقاً لما سلف فإنه أثناء فترة إعارة الموظف إلى الخارج يظل ملتزماً بالواجبات التي يقتضيها بقاء علاقته بوظيفته الأصلية التي يشغلها بجمهورية مصر العربية ومن ثم فإنه يلتزم بأن يحافظ على كرامة وظيفته هذه بأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب والحرص على سمعة مصر والمصريين في الخارج والبعد عن كل ما يسيء إليها، فإذا ما ارتكب أفعالاً أثناء فترة إعارته في الخارج تشكل إخلالاً بهذا الالتزام وتسيء إلى كرامة وظيفته أو سمعة مصر فإن هذه الأفعال تخضع للمساءلة التأديبية أمام السلطات التأديبية في مصر ويجوز مجازاته عنها بالجزاءات المنصوص عليها قانوناً طبقاً لقوانين العاملين السارية بجمهورية مصر العربية.
ومن حيث إن الثابت في الواقعة المعروضة أن المخالفات المنسوبة إلى المطعون ضده (المحال) أثناء فترة إعارته للعمل بمصلحة الضرائب بالجمهورية العربية اليمنية من شأنها فيما لو ثبت في حقه أن تصمه بالإخلال بالتزامه بالمحافظة على كرامة وظيفته الأصلية بمصر وبالتزامه بالمحافظة على سمعة مصر والمصريين في الخارج والبعد عن كل ما يسيء إليها، فإن هذه المخالفات من شأن ثبوتها أن تخضع للمساءلة التأديبية أمام السلطات التأديبية المختصة بمصر ويجوز محاكمته تأديبياً بمصر طبقاً للقوانين السارية بجمهورية مصر العربية، ولا ينال من جواز مساءلة المطعون ضده تأديبياً بمصر ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه سبق مجازاته بواسطة الجهة المستعيرة باليمن عن طريق إنهاء العقد المبرم بينها وبينه مما أدى لإنهاء إعارته باليمن، ذلك أنه وإن كان من المسلم به عدم جواز معاقبة الموظف عن ذات المخالفة الإدارية مرتين، فإن مجال إعمال هذا المبدأ هو داخل النظام التأديبي الواحد لكنه لا يسري في الحالة المعروضة التي تتميز بتعدد الروابط الوظيفية ما بين رابطة دائمة في الداخل ورابطة مؤقتة في الخارج لكل منهما نظامه التأديبي المستقل كما تتميز بكون المخالفات المرتكبة لها انعكاسها الضار على الاحترام الواجب وكرامة كل من الرابطتين الوظيفيتين المشار إليهما، ومن ثم فإن مجازاة الموظف تأديبياً عن المخالفات التي ارتكبها أثناء فترة إعارته في الخارج بواسطة الجهة الأجنبية المستعيرة بأي جزاء تأديبي حتى بإنهاء خدمته لديها وفقاً للأحكام السارية داخل الرابطة الوظيفية المؤقتة التي تربط بين هذا العامل وتلك الجهة المستعيرة، لا تخل بحق السلطة التأديبية بمصر في مساءلته تأديبياً وفقاً للأحكام المستمدة من الرابطة الوظيفية الأصلية التي تربطها بهذا العامل طالما أن ما ارتكبه من مخالفات في الخارج ينعكس على كرامة وظيفته الأصلية ويسيء إلى سمعة مصر والمصريين بالخارج. ذلك أن الجزاء التأديبي الذي توقعه الجهة الأجنبية المستعيرة لا يمس أساساًَ المركز الوظيفي الأصلي للعامل بمصر أو الحقوق المنبثقة عنه ولا شأن له بالأهداف المرجوة من تشريع العقوبات التأديبية طبقاً للقوانين السارية على العاملين بمصر والمتعلقة بتأمين حسن سير المرافق العامة وحماية الجهاز الإداري للدولة ومن ثم فإن الجزاء الموقع بواسطة الجهة المستعيرة في الخارج لا يخل بمساءلة العامل تأديبياً بمصر وتوقيع الجزاءات التأديبية المنصوص عليها في قانون العاملين المدنيين بالدولة وهي التي لم يسبق توقيعها على العامل المشار إليه، ويضاف إلى ذلك أنه حتى في الداخل إذا ما ارتكب العامل فعلاً معاقباً عليه طبقاً لقانون العقوبات فإن سبق توقيع العقاب الجنائي عليه لا يمنع من مساءلته تأديبياً إذا كان فعله هذا له انعكاسه الضار على كرامة وظيفته أو يعد إخلالاً بواجباتها.
والأخذ بغير ذلك إنما يؤدي إلى تسلب السلطات التأديبية في مصر من واجبها وحقها في مساءلة العامل المعار مهما كانت درجة جسامة المخالفات التي يرتكبها في الخارج أو إخلاله بكرامة وظيفته الأصلية أو إساءته إلى سمعة مصر والمصريين بالخارج ومهما كان ما نسب إلى العامل المذكور يخل بالشرف والثقة الواجب توافرهما فيه وبالتالي يؤثر على صلاحيته لتولي وظيفته الأصلية إذ ستجد هذه السلطة يدها مغلولة في هذا الشأن لمجرد سبق مجازاة العامل بأي جزاء تأديبي بواسطة الجهة المستعيرة وفق أحكام الرابطة الوظيفية المؤقتة في الخارج وهو الأمر غير المستساغ ولا المقبول لمجافاته لما استهدفه المشرع من كفالة حسن سير المرافق العامة وحماية الجهاز الإداري للدولة بمصر بما يستتبعه ذلك من خضوع العاملين للمساءلة التأديبية عن المخالفات التي يرتكبونها سواء داخل الوظيفة أو خارجها وسواء داخل البلاد أو خارجها طالما كان لهذه المخالفات انعكاس سيء على كرامة وظائفهم أو على سمعة مصر أو المصريين بالخارج.
ومن حيث إنه مما يدلل على هذا الوجه من النظر أن المشرع نص في البند الأخير من المادة 82 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 على أن تكون الجهة المنتدب أو المعار إليها العامل أو المكلف بها هي المختصة بالتحقيق معه وتأديبه طبقاً للأحكام سالفة الذكر وذلك عن المخالفات التي يرتكبها خلال فترة الندب أو الإعارة أو التكليف، وقد جرى قضاء هذه المحكمة في تطبيق نص المادة 63 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 ونص المادة 58 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1971 وهم النصان المقابلان لنص المادة 82 سالفة السرد من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978، أن مجال إعمال هذا الحكم الذي يخول الجهة المنتدب أو المعار إليها العامل الاختصاص بتأديبه هو في حالات الندب والإعارة للجهات الحكومية والعامة دون غيرها ذلك لأن المشرع ربط بين السلطات التأديبية وبين الجزاءات التأديبية التي نص عليها حينما حدد اختصاص كل من سلطة منها بتوقيع جزاءات معينة على وجه يتحدد معه أن المشرع حينما خول السلطات التأديبية في الجهات المنتدب أو المعار إليها العامل سلطة تأديبية إنما قصد السلطات التأديبية التي تملك قانوناً الاختصاص بتوقيع جزاءات تأديبية مماثلة للجزاءات التأديبية التي تملك السلطات التأديبية في الجهاز الإداري توقيعها بمعنى أن يكون من شأنها أن تمس أساساً المركز الوظيفي الأصلي للعامل أو الحقوق المنبثقة عنه والتي قد تصل إلى إنهاء الرابطة الوظيفية الأصلية ذاتها فإذا لم يتوافر لها ذلك فإنها لا تحجب السلطة التأديبية في الجهة الأصلية التي يتبعها العامل بوصفها صاحبة الاختصاص الأصيل في مراقبة سلوك العاملين بها ومساءلتهم تأديبياً عما يقترفونه من آثام سواء في نطاق العمل الأصلي أو خارجه إذا كان لها انعكاس على سلوكهم العام في عملهم الأصلي.
ومن حيث إن المشرع في الحكم الذي أورده في البند الأخير من المادة 82 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الحالي الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 لم يخرج عن مضمون الحكم المقابل الوارد في المادة 63 من القانون رقم 46/ 1964 والمادة 58 من القانون رقم 58/ 1971، بل أكد المعنى الذي سبق أن استخلصته هذه المحكمة في قضاءها السابق المشار إليه، حينما ربط المشرع في المادة 82 المشار إليها بين تخويل الجهة المنتدب أو المعار إليها العامل سلطة تأديبية وبين تطبيق كافة أحكام التأديب الواردة في نصوص هذا القانون (رقم 47/ 1978) بنصه صراحة على أن هذه الجهة تجرى التحقيق مع العامل وتأديبه طبقاً للأحكام سالفة الذكر أي طبقاً لأحكام التأديب الواردة في هذا القانون، وهو مما يؤكد أن الندب أو الإعارة المشار إليهما في هذه المادة هي الندب والإعارة للجهات الحكومية العامة وهي التي تسري فيها أحكام هذا القانون. ومن ثم فإنه في الحالة المعروضة المتعلقة بإعارة العامل - المطعون ضده - لجهة أجنبية بالخارج فإن الحكم السالف المتعلق بتخويل الجهة المستعيرة سلطة تأديب هذا العامل لا يعد منطقياً في هذه الحالة فلا ينفي حق السلطة التأديبية بمصر في ممارسة اختصاصاتها ومساءلة هذا العامل تأديبياً طالما كانت الوقائع المنسوبة إليه في الخارج فيما لو ثبت يكون لها انعكاسها الضار على كرامة وظيفته الأصلية أو بالثقة والاعتبار الواجب توافرهما فيه أو بسمعة مصر والمصريين بالخارج.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه خالف هذا الوجه من النظر حينما قضى في البند الأول منه بعدم جواز محاكمة المحال - المطعون ضده - تأديبياً عن المخالفات التي ارتكبها أثناء إعارته في الخارج استجابة للدفع الذي أبداه المحال في هذا الشأن تأسيساً على سبق مجازاته عنها في الخارج، فإن الحكم المطعون فيه يعد مخالفاً للقانون في شقه هذا الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه في هذا الشق وبرفض الدفع المشار إليه.
ومن حيث إنه مع جواز محاكمة المطعون ضده تأديبياً بمصر عن المخالفات التي ارتكبها أثناء إعارته باليمن طبقاً لما سلف، فإنه بالنسبة لمدى ثبوت ارتكابه لهذه المخالفات المشار إليها بتقرير الاتهام، فالثابت من الأوراق أن الأساس الذي استندت إليه الجهة الإدارية للقول بوقوع هذه المخالفات هو ما ورد بكتاب السيد رئيس مصلحة الضرائب باليمن الموجه للسيد وزير المالية بمصر من أنه يؤخذ على المطعون ضده عدم استجابته في تدريب اليمنيين وعدم جدوى المحاضرات التي يلقيها وتدخله في قضايا سياسية باليمن وقيامه بغير الأعمال المكلف بها وعدم احترامه التسلسل الرئاسي وإساءته إلى زملائه وهو ما دعا مصلحة الضرائب باليمن إلى إنهاء تعاقدها معه طبقاً لكتاب مصلحة الضرائب باليمن المؤرخ 16/ 5/ 1984، وبسؤال السيد/...... مدير عام الإدارة العامة للتحقيقات بمصلحة الضرائب بمصر في تحقيقات النيابة الإدارية أشار إلى أن مصلحة الضرائب باليمن لم تفصل أو تحدد الوقائع التي تستند إليها في اتهامها للمطعون ضده بالاتهامات السالفة، كما لم تحدد مصلحة الضرائب باليمن كيفية تدخل المذكور في القضايا السياسية باليمن، كما لا يوجد لدى المصلحة بمصر ما يدل على عدم أداء المذكور لواجباته الوظيفية باليمن أو عدم احترم المذكور لرئاساته هناك سوى ما ورد بكتاب مصلحة الضرائب باليمن المشار إليه، أما بالنسبة للمقالات التي حررها المذكور بجريدة الرأي العام اليمنية فإنها لا تمس السياسة بطريقة مباشرة ولا تمس سمعة مصر ولا تسيء إليها إنما تتعلق بموضوعات في الاقتصاد والضرائب. كما أنه لا يوجد لدى مصلحة الضرائب بمصر المحاضرات التي ألقاها المذكور باليمن حتى يمكنها الحكم على جدواها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن المطعون ضده حصل على تصريح من وزير المالية باليمن إبان إعارته إليها لنشر مقالات متعلقة بالاقتصاد والضرائب بالصحف اليمنية، وكان الثابت أن ما نشره المذكور بتلك الصحف يتعلق بموضوعات مصرح له بالنشر عنها دون أن تمس المسائل السياسية أو تنال من سمعة مصر بالخارج، فإن اتهام المذكور بالقيام بأعمال تخرج عن وظيفته أو إساءته إلى زملائه بإقحام نفسه في قضايا سياسية محظور عليه تناولها يعد فاقداً للأساس القانوني أو الواقعي الذي يسنده، كما أنه من ناحية أخرى فقد خلت الأوراق والتحقيقات مما يثبت الاتهامات التي وجهتها مصلحة الضرائب اليمنية للمذكور، ولا يعد مجرد الكتاب الموجه من هذه المصلحة إلى جهة عمل المطعون ضده بمصر الذي جاء فيه سرد لهذه الاتهامات كافياً للتيقن من صحة وقوعها خاصة وأن توجيه هذه الاتهامات لم يقترن بالوقائع والأفعال المحددة التي يمكن الاستدلال بها والتحقق من وقوعها، كما لم يقترن كتاب مصلحة الضرائب باليمن بأي تحقيقات أجرتها في هذا الشأن أو ببيان للأدلة التي تستند إليها في توجيه هذه الاتهامات، ومن ثم فلا مناص من الحكم ببراءة المطعون ضده من المخالفات المنسوبة إليه إبان إعارته باليمن ما دامت الأوراق قد خلت من الأدلة الكافية للتيقن من صحة وقوعها.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الثاني من أوجه الطعن والمتعلق بقضاء الحكم المطعون فيه ببراءة المطعون ضده من المخالفات المنسوبة إليه التي ارتكبها بمصر بعد عودته من اليمن وهي المخالفات السابقة الثابتة بتقرير الاتهام فإن الثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه استند في تبرئة المطعون ضده من هذه المخالفات إلى أسبابه المشار إليها سالفاً، والتي استخلصتها المحكمة التأديبية استخلاصاً سائغاً من التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية والأوراق المرفقة بالدعوى، وانتهت فيها - بحق - إلى عدم توافر الأدلة اليقينية لوقوع هذه المخالفات في حق المحال - المطعون ضده - ومن ثم لا تثريب على المحكمة التأديبية فيما قضت من براءة المذكور من هذه الاتهامات.
وفضلاً عن ذلك فإن الثابت من التحقيقات والأوراق بالنسبة للمجلدات التي أعدها المطعون ضده واشتملت على بعض بيانات عن الممولين أن قيام المذكور بإعدادها كان تنفيذاً لتعليمات من السيد وزير المالية صدر بها كتابه رقم 1497 المؤرخ 21/ 4/ 1982 الموجه إلى رئيس مصلحة الضرائب بحصر أصحاب العمارات الشاهقة المشيدة حديثاً من ذوي النشاط التجاري أو المهني وتحديد موقفهم الضريبي، وقد قام رئيس المصلحة بإخطار رئيس الإدارة المركزية للمعلومات بذلك بكتابه رقم 803 في 12/ 12/ 1982 وتم إخطار الإدارة العامة للحصر والتي يرأسها المطعون ضده لتنفيذ ذلك فقام المذكور بوضع هذه التعليمات موضع التنفيذ رغم ضخامة العمل المشار إليه وما يتبع ذلك من الجهد المضني الذي يبذل لإنجازه، كما أن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن المطعون ضده بعد أن أعد تلك المجلدات قام بإرسالها إلى رئاسته بمصلحة الضرائب للنظر فيها، وقد كان القصد الواضح من إعدادها - حسبما أشار الحكم المطعون فيه بحق - هو محاولة حصر الممولين المشار إليهم والتحقق من مدى محاسبتهم ضرائبياً وهو الأمر المتصل بالمحافظة على حقوق الخزانة العامة وتحقق العدالة الضريبية ولم يثبت على أي وجه من الوجوه أن المطعون ضده أفشى للغير البيانات التي حظرت المادة 146 من قانون الضرائب على الدخل رقم 157 لسنة 1981 على العاملين بمصلحة الضرائب إفشاء سريتها، ولم يثبت على وجه الخصوص أن المطعون ضده أمد جريدة الأهالي أو غيرها بالبيانات المشار إليها وجاءت الأدلة التي قدمتها الجهة الإدارية والمتمثلة في أقوال...... و...... بتحقيق النيابة الإدارية قاصرة عن إثبات هذا الأمر وكل ما توافر في هذا الشأن مجرد شبهات بأن يكون المطعون ضده هو الذي قام بذلك ولما كانت أحكام الإدانة إنما تبنى على الجزم اليقيني دون الشكوك والشبهات فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من القضاء ببراءة المطعون ضده من الاتهامات المشار إليها يعد مستنداً إلى أساس صحيح في القانون والواقع مما يتعين معه رفض هذا الوجه من أوجه الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع أولاً: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم جواز محاكمة المحال عن الوقائع المنسوبة إليه خلال فترة إعارته للجمهورية العربية اليمنية، وبرفض الدفع المبدى من المحال بعدم جواز محاكمته عن هذه الوقائع، وفي موضوعها ببراءته من الاتهامات المشار إليها. ثانياً: برفض الطعن فيما عدا ذلك.