أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 50 - صـ 558

جلسة 27 من إبريل سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ محمد وليد الجارحي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود رضا الخضيري، سعيد شعلة، عبد الباسط أبو سريع - نواب رئيس المحكمة، وعبد المنعم محمود.

(111)
الطعن رقم 1505 لسنة 68 القضائية

(1 - 3) دعوى "إجراءات رفع الدعوى" "نظر الدعوى". اختصاص "الاختصاص النوعي: اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية التابعة". دفوع.
(1) الدعوى المدنية. رفعها أمام المحكمة المدنية. سبيله. صحيفة تودع قلم كتاب المحكمة. م 63/ 1 مرافعات. تحريكها وقبولها بطريق الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنائية. سبيله. تكليف المتهم بالحضور أمامها تكليفاً صحيحاً. م 232 أ. ج.
(2) الأصل. نظر المحكمة الجنائية الدعويين الجنائية والمدنية التابعة معاً. الاستثناء. استمرار اختصاصها بنظر الأخيرة إذا انقضت الأولى بعد رفعها لسبب من الأسباب الخاصة بها. م 259 أ. ج.
(3) تحريك الدعوى المدنية بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة الجنح بتكليف صحيح بالحضور. قضاؤها بانقضاء الدعوى الجنائية صلحاً وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية لما يستلزمه الفصل فيها من تحقيق خاص. أثره. اتصال الدعوى المدنية بالمحكمة الأخيرة قانوناً بمقتضى تلك الإحالة دون حاجة إلى سلوك الطريق المرسوم بالمادة 63 مرافعات. الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية لرفعها بغير هذا الطريق. في غير محله.
(4) حكم "حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية". قوة الأمر المقضي. نقض "أسباب الطعن: السبب غير المنتج". تعويض.
فصل الحكم الجنائي في وقائع مغايرة للواقعة موضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه. عدم اكتسابه حجية إلا بالنسبة لتلك الوقائع. انتهاء الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة. النعي على ما حصَّله خطأ من أوراق الدعوى. غير منتج. "مثال في تعويض عن سب وقذف".
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في تفسير العقود". عقد "تفسير العقد".
لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود واستظهار نية المتعاقدين. وجوب اعتدادها بما تفيده العبارات مجتمعة والاستهداء بوقائع الدعوى وظروف تحرير المحرر.
(6) تعويض. مسئولية. محكمة الموضوع. نقض.
تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ من عدمه. من مسائل القانون. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
1 - النص في الفقرة الأولى من المادة 63 من قانون المرافعات على أن "ترفع الدعوى إلى المحكمة بناء على طلب المدعي بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة، ما لم ينص القانون على غير ذلك"، مقصور على الدعاوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم المدنية أما تلك التي يتم تحريكها بطريق الادعاء المباشر أمام المحاكم الجنائية فيحكمها نص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية فيما جرى به من أن "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على...... تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعي بالحقوق المدنية"، ومؤدى هذا النص أن الدعوى المدنية أمام القاضي الجنائي تكون مقبولة إذا تم تكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة تكليفاً صحيحاً.
2 - الأصل أن المحكمة الجنائية تنظر الدعويين الجنائية والمدنية معاً إذ لا تقوم أمامها الدعوى المدنية بمفردها، واستثناءً من هذا الأصل نصت المادة 259 من القانون المشار إليه على أن "انقضت الدعوى الجنائية بعد رفعها لسبب من الأسباب الخاصة بها فلا تأثير لذلك في سير الدعوى المدنية المرفوعة معها" إذ يتحدد اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية بوقت تحريك الدعوى بطريق الادعاء المباشر ولا يتأثر اختصاصها بما قد يطرأ بعد ذلك من أسباب.
3 - إذ كان الثابت في الأوراق أن المطعون ضدها حركت دعواها المدنية قبل الطاعن بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح الزقازيق بتكليف صحيح بالحضور وأنهما مثلا أمام هذه المحكمة وقدما عقد صلح مؤرخ 15/ 11/ 1989 تنازلت فيه المطعون ضدها عن طلباتها في الدعوى الجنائية دون طلب تعويضها عما قالت إنه أصابها من ضرر من جراء واقعة قذف وسب الطاعن لها فقضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح، وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة لما يستلزمه الفصل في طلب التعويض من إجراء تحقيق خاص، حيث قيدت برقم..... لسنة..... مدني الزقازيق الابتدائية، فإن الدعوى تكون قد اتصلت بالمحكمة المدنية قانوناً بمقتضى تلك الإحالة دون حاجة إلى سلوك الطريق الذي رسمته المادة 63 من قانون المرافعات، ويكون الدفع بعدم قبولها لرفعها بغير هذا الطريق في غير محله.
4 - إذ كان الثابت في الأوراق أن محكمة جنح الزقازيق قضت في الجنحة (.... لسنة....) ببراءة الطاعن مما أسند إليه من أنه تفوه بعبارات تُعد سباً وقذفاً في حق المطعون ضدها في جلسات المرافعة التي نظرت فيها الدعوى..... لسنة..... مدني الزقازيق الابتدائية بتواريخ 1/ 1/ 1979، 12/ 11/ 1979، 28/ 4/ 1980 وبرفض الدعوى المدنية قبله، وهي وقائع مغايرة للواقعة موضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، ومن ثم فإن الحكم الجنائي لا يحوز حجية إلا بالنسبة للوقائع التي فصل فيها ولا يحول دون مطالبة المطعون ضدها بالتعويض عما أصابها من ضرر من جراء تعدي الطاعن عليها بالسب والقذف في جلسة 21/ 11/ 1984 التي نظرت فيها الجنحة - (الجنحة المنوه عنها آنفاً) - وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة، فإن النعي على ما حصَّله خطأ من أوراق الدعوى من أن هذه الجنحة قضي فيها استئنافياً بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية يكون غير منتج.
5 - المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود واستظهار نية المتعاقدين، إلا أنه لا يجوز لها - وهي تعالج تفسير محرر - أن تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عباراته، وإنما يجب عليها أن تأخذ بما تفيده هذه العبارات مجتمعة، وأن تستهدي في تفسيرها بوقائع الدعوى وبالظروف التي أحاطت بتحرير المحرر.
6 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل القانون التي يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الجنحة المباشرة 5660 لسنة 1988 قسم أول بندر الزقازيق على الطاعن بطلب الحكم بمعاقبته جنائياً مع إلزامه بأن يدفع إليها مبلغ 51 جنيهاً تعويضاً مؤقتاً عما اتهمته به من أنه وجه إليها عبارات تُعد سباً وقذفاً في حقها أثناء مرافعته في الجنحة 2805 لسنة 1984 الزقازيق بجلسة 21/ 11/ 1984، ولدى نظر الدعوى قدمت عقد صلح مؤرخ 15/ 11/ 1989 تنازلت فيه عن المطالبة بتوقيع العقوبة الجنائية. ومحكمة جنح الزقازيق قضت بانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح، وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة، حيث قيدت برقم 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية، وطالبت المدعية بتعويض نهائي مقداره عشرون ألف جنيه، وأقام الطاعن دعوى فرعية على المطعون ضدها بطلب إلزامها بتعويض مساوٍ للمبلغ المطالب به في الدعوى الأصلية عما قال إنه أصابه من أضرار مادية وأدبية من جراء مقاضاتها له. فأقامت المطعون ضدها الدعوى 3252 مدني الزقازيق الابتدائية على الطاعن بطلب إلزامه بأن يدفع إليها مبلغ خمسين ألف جنيه قيمة التعويض الاتفاقي المنصوص عليه في عقد الصلح سالف البيان ومحكمة أول درجة حكمت في الدعوى الأصلية 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون ضدها مبلغ خمسة آلاف جنيه، وبرفض دعواه الفرعية، وفي الدعوى 3252 لسنة 1992 مدني الزقازيق الابتدائية بإلزامه بمبلغ خمسين ألف جنيه. استأنف طرفا النزاع الحكم بالاستئنافين رقمي 2384، 2392 لسنة 39 ق المنصورة. وبتاريخ 26/ 2/ 1998 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منها الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بعدم قبول الدعوى 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية لأنها لم ترفع بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة طبقاً للمادة 63 من قانون المرافعات، وإذ رفضت المحكمة هذا الدفع على سند من أن إيداع الصحيفة بمحكمة الجنح تتحقق به الغاية من الإجراء، في حين أن تحقق الغاية من الإجراء لا تكون إلا بصدد جزاء البطلان ولا يتعداه إلى الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 63 من قانون المرافعات على أن "ترفع الدعوى إلى المحكمة بناء على طلب المدعي بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة، ما لم ينص القانون على غير ذلك" مقصور على الدعاوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم المدنية أما تلك التي يتم تحريكها بطريق الادعاء المباشر أمام المحاكم الجنائية فيحكمها نص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية فيما جرى به من أن "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على...... تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعي بالحقوق المدنية"، ومؤدى هذا النص أن الدعوى المدنية أمام القاضي الجنائي تكون مقبولة إذا تم تكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة تكليفاً صحيحاً، والأصل أن المحكمة الجنائية تنظر الدعويين الجنائية والمدنية معاً إذ لا تقوم أمامها الدعوى المدنية بمفردها، واستثناءً من هذا الأصل نصت المادة 259 من القانون المشار إليه على أن "إذا انقضت الدعوى الجنائية بعد رفعها لسبب من الأسباب الخاصة بها فلا تأثير لذلك في سير الدعوى المدنية المرفوعة معها" إذ يتحدد اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية بوقت تحريك الدعوى بطريق الادعاء المباشر ولا يتأثر اختصاصها بما قد يطرأ بعد ذلك من أسباب. لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق أن المطعون ضدها حركت دعواها المدنية قبل الطاعن بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح الزقازيق بتكليف صحيح بالحضور وأنهما مثلا أمام هذه المحكمة وقدما عقد صلح مؤرخ 15/ 11/ 1989 تنازلت فيه المطعون ضدها عن طلباتها في الدعوى الجنائية دون طلب تعويضها عما قالت إنه أصابها من ضرر من جراء واقعة قذف وسب الطاعن لها، فقضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح، وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة لما يستلزمه الفصل في طلب التعويض من إجراء تحقيق خاص، حيث قيدت برقم 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية، فإن الدعوى تكون قد اتصلت بالمحكمة المدنية قانوناً بمقتضى تلك الإحالة دون حاجة إلى سلوك الطريق الذي رسمته المادة 63 من قانون المرافعات، ويكون الدفع بعدم قبولها لرفعها بغير هذا الطريق في غير محله، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني من أسباب الطعن مخالفة الثابت بالأوراق، وبياناً لذلك يقول إن الحكم أهدر حجية الحكم الجنائي الصادر في الجنحة رقم 2805 لسنة 1984 الزقازيق ببراءته من الاتهام بسب وقذف المطعون ضدها بقالة إن الحكم الصادر في هذه الجنحة استقر استئنافياً على عدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية مما لا يحول بين المحكمة والفصل في الدعوى المدنية، هذا بالإضافة إلى أن المحكمة لم تطلع على محضر جلسة 21/ 11/ 1984 التي قالت المطعون ضدها أنه وجه إليها فيها عبارات السب والقذف، مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي بشقيه في غير محله، ذلك أن الثابت في الأوراق أن محكمة جنح الزقازيق قضت في الجنحة المنوه بذكرها في سبب الطعن ببراءة الطاعن مما أُسند إليه من أنه تفوه بعبارات تُعد سباً وقذفاً في حق المطعون ضدها في جلسات المرافعة التي نظرت فيها الدعوى 104 لسنة 1978 مدني الزقازيق الابتدائية بتواريخ 1/ 1/ 1979، 12/ 11/ 1979، 28/ 4/ 1980 وبرفض الدعوى المدنية قبله، وهي وقائع مغايرة للواقعة موضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، ومن ثم فإن الحكم الجنائي لا يحوز حجية إلا بالنسبة للوقائع التي فصل فيها ولا يحول دون مطالبة المطعون ضدها بالتعويض عما أصابها من ضرر من جراء تعدي الطاعن عليها بالسب والقذف في جلسة 21/ 11/ 1984 التي نظرت فيها الجنحة 2805 لسنة 1984 الزقازيق، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة الصحيحة، فإن النعي على ما حصله خطأ من أوراق الدعوى من أن هذه الجنحة قضي فيها استئنافياً بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية، يكون غير منتج. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - أن المحكمة اطلعت على محضر الجلسة سالفة الذكر وأثبتت ما ورد فيه وخلصت - بأسباب سائغة - إلى أن اتهام الطاعن في تلك الجنحة بقذف وسب المطعون ضدها لا يجوز له التخلص منه بإثبات صحة الوقائع المسندة إليه وإعادة ترديد العبارات ذاتها موضوع محاكمته وذلك صوناً للأعراض، فإن النعي بهذا السبب يكون هو الآخر على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث من أسباب الطعن الخطأ في فهم الواقع في الدعوى، إذ أقام قضاءه بإلزامه بمبلغ التعويض الاتفاقي المنصوص عليه في عقد الصلح المبرم بينه والمطعون ضدها على سند من إقامته دعوى فرعية بطلب إلزامها بأن تدفع إليه تعويضاً عما أصابه من أضرار من جراء إساءة استعمالها حق التقاضي برفع الدعوى 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية يعتبر إخلالاً بما التزم به في ذلك العقد من عدم رفع أية دعوى ترتبط بالنزاع موضوعه في حين أن التزامه كان مقصوراً على عدم رفع دعاوى مبتدأة يجدد بها ذلك النزاع الذي انتهى صلحاً، ولم يكن مقصوداً به حرمانه من مقاضاتها إذا تعسفت هي وبدأت بمقاضاته، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود واستظهار نية المتعاقدين، إلا أنه لا يجوز لها - وهي تعالج تفسير محرر - أن تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عباراته، وإنما يجب عليها أن تأخذ بما تفيده هذه العبارات مجتمعة، وأن تستهدي في تفسيرها بوقائع الدعوى وبالظروف التي أحاطت بتحرير المحرر، كذلك فإن من المقرر أيضاً - في قضاء هذه المحكمة - أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل القانون التي يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض. ولما كان البين من عقد الصلح المؤرخ 15/ 11/ 1989 المبرم بين طرفي النزاع، ومن وقائع الدعوى والظروف التي حرر فيها هذا العقد - وحصلها الحكم المطعون فيه - أنه رغبة من هذين الطرفين في وضع حد لما تكرر صدوره من الطاعن من نسبة أفعال إلى المطعون ضدها تعد قذفاً في حقها مع تدليله على صحتها، ومن تناولها بعبارات تجاوز حقه في الدفاع - أبرما ذلك العقد صوناً لعرض الأخيرة ودرأً لمسئولية الأول، وأنه التزم في العقد بكافة مصروفات الدعاوى التي كانت مرددة بينهما، وبتعويض خصيمته بمبلغ خمسين ألف جنيه إذا أقام هو أو أحد من قبله أية دعاوى أو قدم مستندات ترتبط بالمسألة المتصالح عليها، كما نص في البند الخامس من العقد على حق المطعون ضدها في الاستمرار في دعواها واعتبار الصلح كأن لم يكن إذا أخل الطاعن بالتزاماته الواردة فيه. لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق ومن استقراء مراحل النزاع أن المطعون ضدها - ودون أن يخل الطاعن بالتزاماته الواردة في عقد الصلح سالف البيان - استأنفت السير في دعواها المدنية 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية وطلبت إلزام الطاعن بأن يدفع إليها مبلغ عشرين ألف جنيه تعويضاً عما أصابها من أضرار من جراء الوقائع وعبارات القذف والسب ذاتها موضوع عقد الصلح، وأن الطاعن أبدى في هذه الدعوى طلباً عارضاً بإلزامها بأن تدفع إليه تعويضاً مساوياً للتعويض الذي تطالبه به لتعسفها في استعمال حق التقاضي فردت المطعون ضدها على هذا الطلب بإقامة الدعوى 3252 لسنة 1992 مدني الزقازيق الابتدائية بطلب إلزامه بمبلغ التعويض الاتفاقي المنصوص عليه بعقد الصلح المشار إليه.
وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه غفل عن ذلك كله ووقف عند البند السادس من بنود هذا العقد وفسر عباراته دون أن يعتد بما تفيده باقي عبارات العقد، ولم يفطن إلى أن النص على اعتبار عقد الصلح كأن لم يكن من شأنه سقوط الشرط الجزائي الوارد فيه، وإلى أن المطعون ضدها هي التي عاودت إثارة المسألة المتصالح عليها باستمرارها في السير في دعواها المدنية 4124 لسنة 1990 مدني الزقازيق الابتدائية، وإلى أن ما طلبه الطاعن من تعويضه عن رفع هذه الدعوى لا ينطوي على إخلال بالتزامه الوارد في عقد الصلح، لأنه لا يتضمن إثارة للمسائل المتصالح عليها، فإن الحكم يكون قد مسخ نصوص هذا العقد، وخالف قواعد التفسير المقررة في القانون مما يوجب نقضه نقضاً جزئياً في هذا الخصوص.
وحيث إن موضوع هذا الشق من قضاء الحكم صالح للفصل فيه، ولما تقدم فإنه يتعين القضاء في موضوع الاستئناف رقم 2384 لسنة 39 ق المنصورة المقام من الطاعن بما ورد في المنطوق.