أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 50 - صـ 625

جلسة 4 من مايو سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ محمد وليد الجارحي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود رضا الخضيري، سعيد شعلة، عبد الباسط أبو سريع - نواب رئيس المحكمة، وعبد المنعم محمود.

(123)
الطعن رقم 4464 لسنة 68 القضائية

(1، 2) مسئولية "المسئولية التقصيرية". دعوى. حق.
(1) استعمال الحق استعمالاً مشروعاً. انتفاء المسئولية عما ينشأ عن ذلك من ضرر. الاستعمال عير المشروع للحق, تحققه بانتفاء كل مصلحة من الاستعمال. م 4، 5 مدني.
(2) حقا التقاضي والدفاع. من الحقوق المباحة. عدم مسئولية من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق أو ذوداً عنه ما لم يثبت انحرافه عنه مع وضوحه إلى اللدد في الخصومة والعنت ابتغاء الإضرار بالخصم.
(3) مسئولية "المسئولية التقصيرية". تعويض. محكمة الموضوع. نقض.
تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ من عدمه. من مسائل القانون. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(4) مسئولية "المسئولية التقصيرية". تعويض. دعوى. حق. حكم "الطعن فيه".
استعمال الطاعنين الحق الذي خوله لهم القانون في الطعن على الحكم الصادر لمصلحة المطعون ضدها بطرق الطعن المقررة قانوناً. عدم كفايته لإثبات انحرافهم عن حقهم المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة.
1 - المقرر طبقاً للمادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق.
2 - المقرر أن حقي التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة، ولا يسئل من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق يدعيه لنفسه أو ذوداً عن هذا الحق إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق وابتغاء الإضرار بالخصم.
3 - المقرر أن وصف محكمة الموضوع للأفعال المؤسس عليها طلب التعويض بأنها خطأ أو نفي هذا الوصف عنها، هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض.
4 - إذ كان البين من الحكم الصادر في الدعوى..... لسنة..... إيجارات شمال القاهرة الابتدائية أن المطعون ضدها قد رفعتها على الطاعنين بطلب الحكم بثبوت علاقة إيجارية بينها والطاعن الأول محلها الشقة المبينة بصحيفة تلك الدعوى وأن الطاعنين دفعوا الدعوى بأن الشقة مؤجرة للطاعن الثالث الذي قدم عقد إيجار مؤرخ....... وإيصالات سداده قيمة استهلاك الكهرباء عن الشقة ذاتها، وإذ قضى في الدعوى بطلبات المطعون ضدها، طعن الطاعنون في الحكم بالاستئناف ثم بطريق النقض، وهو مسلك لا يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف حتى يصبح تعدياً يستوجب الحكم بالتعويض، ولا ينبئ عن أن الطاعنين قصدوا الإضرار بالمطعون ضدها والنكاية بها، فإنه لا يكون إلا مباشرة لحق مقرر في القانون، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واقتصر في نسبة الخطأ إلى الطاعنين على مجرد دفعهم الدعوى سالفة البيان بأن الطاعن الثالث هو مستأجر للشقة المشار إليها واستعمالهم الحق الذي خوله لهم القانون في الطعن على الحكم الصادر في تلك الدعوى لمصلحة المطعون ضدها بطرق الطعن المقررة قانوناً، وهو ما لا يكفي لإثبات انحرافهم عن حقهم المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى 5556 لسنة 1996 مدني شمال القاهرة الابتدائية على الطاعنين بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا إليها مبلغ خمسين ألف جنيه، وقالت بياناً لدعواها إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/ 4/ 1979 استأجرت من الطاعن الأول الشقة المبينة بصحيفة الدعوى واستضافت فيها زوجها الطاعن الثالث، وإذ شجر بينهما خلاف قام بالاستيلاء على العقد المشار إليه فأقامت الدعوى 12903 لسنة 1992 على المؤجر "الطاعن الأول" بطلب ثبوت العلاقة الإيجارية بينهما إلا أنه وبتحريض من زوجته الطاعنة الثانية - شقيقة زوجها - حرر عقد إيجار مصطنع للطاعن الثالث عن الشقة ذاتها إضراراً بها، وقد قضى لها في تلك الدعوى بطلباتها غير أن الطاعنين - من قبيل اللدد في الخصومة - طعنوا على الحكم بالاستئناف ثم بطريق الطعن بالنقض، وإذ لحقها من جراء مسلكهم ذاك أضراراً تقدر تعويضها عنها بالمبلغ المطالب به، فقد أقامت الدعوى. ومحكمة أول درجة حكمت برفض الدعوى. استأنفت المطعون ضدها الحكم بالاستئناف رقم 159 لسنة 2 ق القاهرة، وبتاريخ 29/ 9/ 1998 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنين متضامنين بأن يؤدوا إليها مبلغ عشرين ألف جنيه. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى بها الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، والخطأ في تطبيقه، والقصور في التسبيب، وبياناً لذلك يقولون إن الحكم أقام قضاءه بإلزامهم بالتعويض على سند من أنهم أساءوا استعمال حقهم في التقاضي بأن اصطنع أولهم - بتحريض من زوجته الثانية وشقيقها الثالث - عقد إيجار لهذا الأخير دفعاً لدعواهم وبقصد الإضرار بها، ورغم الحكم لها بطلباتها إلا أنهم طعنوا عليه بالاستئناف ثم بالنقض مما يتوافر به قصد الكيد وإساءة استعمال حق التقاضي وذلك رغم عدم قيام الدليل على توافر هذا القصد، إذ جرى دفاعهم في تلك الدعوى بأن ذلك العقد صحيح تعاقد الطاعن الثالث بمقتضاه مع شركة توزيع الكهرباء في تاريخ معاصر له، وبأنه ما كان يجوز للطاعن الأول أن يحرر عقدي إيجار عن عين واحدة لتجريم هذا الفعل قانوناً، هذا بالإضافة إلى أن استئنافهم للحكم الصادر بثبوت العلاقة الإيجارية للمطعون ضدها، والطعن عليه بالنقض حق كفله لهم القانون لا يتحقق بمجرده قصد الكيد والإضرار بها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن المقرر طبقاً للمادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وأن حقي التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يُسئل من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق يدعيه لنفسه أو ذوداً عن هذا الحق إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت، مع وضوح الحق وابتغاء الإضرار بالخصم، وأن وصف محكمة الموضوع للأفعال المؤسس عليها طلب التعويض بأنها خطأ أو نفي هذا الوصف عنها هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم الصادر في الدعوى 12903 لسنة 1992 إيجارات شمال القاهرة الابتدائية أن المطعون ضدها قد رفعتها على الطاعنين بطلب الحكم بثبوت علاقة إيجارية بينها والطاعن الأول محلها الشقة المبينة بصحيفة تلك الدعوى وأن الطاعنين دفعوا الدعوى بأن الشقة مؤجرة للطاعن الثالث الذي قدم عقد إيجار مؤرخ 1/ 4/ 1979 وإيصالات سداده قيمة استهلاك الكهرباء عن الشقة ذاتها، وإذ قضى في الدعوى بطلبات المطعون ضدها، طعن الطاعنون في الحكم بالاستئناف ثم بطريق النقض، وهو مسلك لا يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف حتى يصبح تعدياً يستوجب الحكم بالتعويض، ولا ينبئ عن أن الطاعنين قصدوا الإضرار بالمطعون ضدها والنكاية بها، فإنه لا يكون إلا مباشرة لحق مقرر في القانون، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واقتصر في نسبة الخطأ إلى الطاعنين على مجرد دفعهم الدعوى سالفة البيان بأن الطاعن الثالث هو مستأجر للشقة المشار إليها واستعمالهم الحق الذي خوله لهم القانون في الطعن على الحكم الصادر في تلك الدعوى لمصلحة المطعون ضدها بطرق الطعن المقررة قانوناً، وهو ما لا يكفي لإثبات انحرافهم عن حقهم المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وهو ما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين القضاء في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف.