أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 50 - صـ 689

جلسة 18 من مايو سنة 1999

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ رفعت محمد عبد المجيد - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ علي محمد علي، محمد درويش، عبد المنعم دسوقي، وأحمد الحسيني - نواب رئيس المحكمة.

(138)
الطعن رقم 2718 لسنة 67 القضائية

(1) حكم "بطلان الحكم" "حجية الأمر المقضي". انعدام.
الحكم القضائي. الأصل. امتناع بحث أسباب العوار التي تلحقه إلا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة. الاستثناء. إمكان رفع دعوى بطلان أصلية أو الدفع بذلك. شرطه. تجرد الحكم من أركانه الأساسية.
(2، 3) قضاة "مخاصمة القضاة".
(2) بحث مدى تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها. لازمه. استعراض أسباب المخاصمة وأدلتها وما قد يستتبعه من تناول موضوعها. لا تأثير لذلك على ما تنتهي إليه المحكمة لدى نظرها موضوع المخاصمة.
(3) دعوى مخاصمة أحد مستشاري محكمة النقض. دعوى تعويض موضوعية تنظر على درجة واحدة من إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة مستشارين. عدم خضوعها للقواعد والإجراءات الخاصة بالطعن بالنقض إلا بالقدر اللازم لذلك. عدول الدائرة عن مبدأ سابق. لا يستلزم العرض على الهيئة العامة لمحكمة النقض.
(4) حكم "قوة الأمر المقضي".
اكتساب الحكم قوة الأمر المقضي. أثره. منع الخصوم من العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو واقعية جديدة.
1 - المقرر أنه ولئن كان الحكم القضائي متى صدر صحيحاً يظل منتجاً آثاره فيمتنع بحث أسباب العوار التي تلحقه إلا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة ولا سبيل لإهدار هذا الحكم بدعوى بطلان أصلية أو الدفع به في دعوى أخرى إلا أنه استثناءً من هذا الأصل العام، في بعض الصور، القول بإمكان رفع دعوى بطلان أصلية أو الدفع بذلك كما إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية بحيث يشوبه عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفته كحكم ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره فلا يستنفد القاضي سلطته ولا يرتب الحكم حجية الأمر المقضي ولا يرد عليه تصحيح لأن المعدوم لا يمكن رأب صدعه.
2 - المقرر أنه لا يتأتى لمحكمة المخاصمة في المرحلة الأولى بحث مدى تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها إلا باستعراض أسباب المخاصمة وأدلتها وما قد يستتبعه ذلك من تناول موضوع المخاصمة بالقدر اللازم للوصول إلى تلك الغاية باعتبار أنه ليس من شأن هذا البحث وذلك الاستعراض من تأثير على ما قد تنتهي إليه هذه المحكمة لدى نظرها موضوع المخاصمة.
3 - النص في المادة الثالثة من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية وفي الفقرة الثانية من المادة 496 من قانون المرافعات وفي المادة 500 من هذا القانون مفاده أن دعوى مخاصمة أحد مستشاري محكمة النقض باعتبارها دعوى تعويض موضوعية إنما تنظر على درجة واحدة استثناءً من الأصل العام لقواعد الاختصاص ومن إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة مستشارين ومن ثم فهي لا تخضع في نظرها للقواعد والإجراءات الواردة في المواد 248 وحتى 272 من قانون المرافعات الخاصة بالطعن بالنقض إلا بالقدر الذي يستلزمه كونها قمة السلطة القضائية كما لا تخضع بالتبعية لتلك الإجراءات التي نصت عليها المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 في شأن العرض على الهيئة العامة لمحكمة النقض عند العدول عن مبدأ سابق.
4 - من شأن صدور الحكم صحيحاً - بعد أن ارتفعت عنه قالة الانعدام على نحو ما سلف بيانه - أن يظل منتجاً آثاره باعتباره حائزاً لقوة الأمر المقضي فيمتنع على نفس الخصوم فيه العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المخاصم أقام دعوى المخاصمة رقم 2718 لسنة 67 ق أمام محكمة النقض على السادة المستشارين رئيس وأعضاء دائرة الأحوال الشخصية بها الذين أصدروا في 5 أغسطس سنة 1996 الحكم برفض الطعنين المرفوعين منه رقمي 475 و481 لسنة 65 ق أحوال شخصية والطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية المقام من النيابة العامة وذلك بطلب الحكم أولاً: بتعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها. ثانياً: ببطلان تصرف هؤلاء المستشارين المتمثل في حكمهم سالف الذكر. ثالثاً: وبإلزامهم بأن يؤدوا إليه مبلغ خمسة جنيهات على سبيل التعويض النهائي وقال بياناً لذلك إن السيد...... المحامي وآخرون أقاموا الدعوى رقم 591 لسنة 1993 أحوال شخصية الجيزة الابتدائية عليه وعلى زوجته للحكم بالتفريق بينهما تأسيساً على أنه نشر كتباً وأبحاثاً ومقالات تتضمن كفراً صريحاً عد بها مرتداً عن دين الإسلام مما يتعين معه طلب التفريق. حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى. استأنف المدعوون هذا الحكم بالاستئناف رقم 287 لسنة 111 ق القاهرة وبتاريخ 14 يونيه سنة 1995 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف والتفريق بين المخاصم وزوجته فطعنا على هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 475 و481 لسنة 65 ق وطعنت عليه النيابة العامة بالطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية فأصدرت بشأنها الهيئة المخاصمة حكمها محل دعوى المخاصمة الماثلة وقد قدمت النيابة العامة مذكرة فيها دفعت بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها في دعوى المخاصمة رقم 8569 لسنة 66 ق. وإذ عرضت القضية على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرها وفيها أمرت المحكمة بضم ملف الدعوى الأخيرة وصرحت للمخاصم وللنيابة العامة بتبادل المذكرات حيث تمسك المخاصم فيها برفض الدفع المثار من النيابة العامة وبقبول دعوى المخاصمة الماثلة لانعدام الحكم الصادر في دعوى المخاصمة رقم 8569 ق وتجرده من أركانه الأساسية لصدوره من دائرة مشكلة من خمسة مستشارين وليس من الهيئة العامة للمواد المدنية بعد أن عدلت عن مبدأ سابق وتصدى حكمها لموضوع الدعوى ببحث الخطأ المهني الجسيم عند تعرضه لمدى تعلق المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها ولرفضها ضم دعوى المخاصمة السابقة ومن ثم فقد زالت حجيته المؤدية إلى ما تمسكت به النيابة من عدم جواز نظر هذه الدعوى كما تمسك أيضاً بعدم دستورية المادتين 495/ 2 و497 فقرة أخيرة من قانون المرافعات وطلب وقف الدعوى إلى حين تقديم ما يفيد الطعن بعدم دستورية هاتين المادتين أمام المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إنه عن الدفع الذي تمسك به المخاصم من انعدام الحكم الصادر في دعوى المخاصمة السابقة رقم 8569 لسنة 66 ق فإنه من المقرر أنه ولئن كان الحكم القضائي متى صدر صحيحاً يظل منتجاً آثاره فيمتنع بحث أسباب العوار التي تلحقه إلا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة ولا سبيل لإهدار هذا الحكم بدعوى بطلان أصلية أو الدفع به في دعوى أخرى إلا أنه استثناءً من هذا الأصل العام، في بعض الصور، القول بإمكان رفع دعوى بطلان أصلية أو الدفع بذلك كما إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية بحيث يشوبه عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفته كحكم ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره فلا يستنفد القاضي سلطته ولا يرتب الحكم حجية الأمر المقضي ولا يرد عليه تصحيح لأن المعدوم لا يمكن رآب صدعه، وكان من المقرر أنه لا يتأتى لمحكمة المخاصمة في المرحلة الأولى بحث مدى تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها إلا باستعراض أسباب المخاصمة وأدلتها وما قد يستتبعه ذلك من تناول موضوع المخاصمة بالقدر اللازم للوصول إلى تلك الغاية باعتبار أنه ليس من شأن هذا البحث وذلك الاستعراض من تأثير على ما قد تنتهي إليه هذه المحكمة لدى نظرها موضوع المخاصمة، وكان البين من أسباب الحكم الصادر في دعوى المخاصمة السابقة أنها لم تتناول موضوع المخاصمة إلا بالقدر اللازم للفصل في مدى تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها فإن ذلك من الحكم ليس من شأنه أن يفقده ركن من أركانه الأساسية، وكان النص في المادة الثالثة من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية على أن "تؤلف محكمة النقض من.... وتصدر الأحكام من خمسة مستشارين...." وفي الفقرة الثانية من المادة 496 من قانون المرافعات على أنه "إذا كان القاضي المخاصم مستشاراً بمحكمة النقض تولت الفصل في جواز المخاصمة إحدى دوائر هذه المحكمة في غرفة مشورة" وفي المادة 500 من هذا القانون على أنه "لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في دعوى المخاصمة إلا بطريق النقض" مفاده أن دعوى مخاصمة أحد مستشاري محكمة النقض باعتبارها دعوى تعويض موضوعية أنها تنظر على درجة واحدة استثناءً من الأصل العام لقواعد الاختصاص ومن إحدى دوائر المحكمة المشكلة من خمسة مستشارين ومن ثم فهي لا تخضع في نظرها للقواعد والإجراءات الواردة في المواد 248 وحتى 272 من قانون المرافعات الخاصة بالطعن بالنقض إلا بالقدر الذي يستلزمه كونها قمة السلطة القضائية كما لا تخضع بالتبعية لتلك الإجراءات التي نصت عليها المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 في شأن العرض على الهيئة العامة لمحكمة النقض عند العدول عن مبدأ سابق وعلى ذلك فإن تمسك المخاصم بأن قضاء حكم المخاصمة السابق ينطوي على غصب لولاية الهيئة العامة للمواد المدنية بعد أن خالف في قضائه مبدأ من المبادئ التي استقرت عليها دوائر محكمة النقض - أياً كان وجه الرأي فيه - ليس من شأنه أن يجرده من أركانه الأساسية وهو ما ينسحب حكمه أيضاً إلى تخطئة المخاصم له لعدم استجابته إلى طلب ضم دعوى المخاصمة الماثلة إليه باعتبار أن ذلك من المسائل التي تستقل بتقديرها محكمة المخاصمة بصفتها محكمة موضوع. لما كان ذلك، وكان الحكم في دعوى المخاصمة السابقة رقم 8569 لسنة 66 ق بتاريخ 8 يوليو سنة 1997 قد صدر بين نفس الخصوم في دعوى المخاصمة الماثلة رقم 2718 لسنة 67 ق وبذات الطالبات، وكان من شأن صدور ذلك الحكم صحيحاً - بعد أن ارتفعت عنه قالة الانعدام على نحو ما سلف بيانه - فإنه يظل منتجاً آثاره باعتباره حائزاً لقوة الأمر المقضي فيمتنع على نفس الخصوم فيه العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها، فإن الدفع الذي أثارته النيابة العامة بعدم جواز نظر دعوى المخاصمة الماثلة لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 8569 لسنة 66 ق يكون قد صادف محله ومن ثم يتعين إجابتها إليه باعتباره من الدفوع المتعلقة بالنظام العام وفقاً لحكم المادة 116 من قانون المرافعات، وإذ انتهت هذه المحكمة إلى الأخذ بهذا الدفع فإن تمسك المخاصم بعدم دستورية المادتين 495/ 2، 497 فقرة أخيرة من قانون المرافعات وطلبه وقف الدعوى إلى حين الطعن عليهما أمام المحكمة الدستورية العليا يضحى غير منتج ومن ثم غير مجد.