أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 42 - صـ 1823

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد مختار منصور نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد خيري الجندي، محمد بكر غالي، محمد محمد محمود نواب رئيس المحكمة ومصطفى نور الدين فريد.

(287)
الطعن رقم 410 لسنة 56 القضائية

(1) نقض "حالات الطعن". بطلان "بطلان الإجراءات". حكم "بطلان الحكم". بطلان الحكم لوقوع بطلان في الإجراءات. مناطه. أن يؤثر في الحكم.
(2) نقض "أسباب الطعن: بيان الأسباب: السبب المجهل". دفاع.
عدم بيان الطاعن الدفاع الجوهري الذي تضمنته المذكرة المنوه عنها بسبب النعي وأثر استبعادها على الحكم المطعون فيه. نعي مجهل. أثره. عدم قبوله.
(3) دعوى "نظر الدعوى: الدفاع في الدعوى: تقديم المستندات والمذكرات".
جواز إيداع المدعى عليه مذكرة بدفاعه قبل الجلسة الأولى المحددة لنظر الدعوى بثلاثة أيام على الأقل. عدم التزامه أو قلم الكتاب بإعلانها لخصمه. م 65/ 2 مرافعات.
(4) حكم "بطلان الحكم". بطلان "بطلان الإجراءات".
الأصل في الإجراءات أنها روعيت. على من يدعي خلاف ذلك إثباته. (مثال).
(5) دستور. قانون "دستورية القوانين". محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية. عدم بيان الطاعن سنده من النصوص الدستورية أو التشريعية في التمسك بهذا الدفع في صحيفة دعواه. دلالة ذلك. عدم جدية الدفع. (مثال بشأن الدفع بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 170 لسنة 1981).
(6 - 9) قضاة "مخاصمة القضاة". محكمة الموضوع. مسئولية. حكم "تسبيبه: تسبيب كاف".
(6) محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص قصد القاضي الانحراف في عمله طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(7) الخطأ الجسيم الذي يجيز مخاصمة القاضي. مناطه. وقوع القاضي في غلط فاضح أو إهماله إهمالاً مفرطاً. تقدير جسامة الخطأ من سلطة محكمة الموضوع.
(8) عدم مسئولية القاضي كأصل عما يصدر عنه من تصرفات أثناء عمله. الاستثناء. مسئوليته عن التضمينات إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها في أحوال معينة على سبيل الحصر. علة ذلك.
(9) عدم جواز مخاصمة القاضي طالما لم ينص القانون على مساءلته. القياس على نص المادة 175 مرافعات. غير جائز. علة ذلك.
(10) نقض "أسباب الطعن: بيان الأسباب: السبب المجهل".
عدم بيان الطاعن الخطأ الذي يعزوه إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه. نعي مجهل غير مقبول.
1 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الطعن في الحكم لوقوع بطلان في الإجراءات منوط بأن يكون البطلان قد أثر في الحكم.
2 - إذ كان الطاعن لم يبين في سبب النعي ما تضمنته المذكرة المقدمة منه والمصرح بتقديمها خلال فترة حجز الدعوى للحكم - من دفاع جوهري وأثر استبعادها على الحكم المطعون فيه فإن النعي بهذا الوجه يكون مجهلاً ومن ثم غير مقبول.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع أجاز في الفقرة الثانية من المادة 65 من قانون المرافعات للمدعى عليه الذي أعلن بصحيفة افتتاح الدعوى أن يودع مذكرة بدفاعه قبل الجلسة الأولى المحددة لنظر الدعوى بثلاثة أيام على الأقل دون إلزام عليه أو على قلم الكتاب بإعلانها أو إعلام خصمه بها.
4 - إذ كان الثابت أن جلسة 1/ 12/ 1984 كانت الجلسة الأولى التي نظر فيها الطعن وكان الأصل في الإجراءات أنها روعيت ولم يقدم الطاعن دليلاً على أن المذكرة التي أشار إليها قدمت بطريق آخر ينال من صحة إجراءات تقديمها فإنه لا على الحكم إن هو اعتد بما جاء فيها من دفاع ويكون النعي بهذا الوجه على غير أساس.
5 - إذ كان المشرع قد ناط بالمحكمة التي يبدى أمامها الدفع بعدم الدستورية تقدير مدى جديته فإن تبينت أنه غير جدي رفضته، وكان الحكم المطعون فيه قد قدر عدم جدية هذا الدفع الذي أبداه الطاعن لعدم بيان سنده أو أساس تمسكه به من نصوص دستورية أو تشريعية في صحيفة دعواه وانتهى لرفضه، فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير المحكمة لجدية الدفع ومن ثم غير مقبول.
6 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة المخاصمة السلطة التامة في استخلاص قصد القاضي الانحراف في عمله إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي طالما أقامت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة كافية لحمله.
7 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ المهني الجسيم الذي يجيز مخاصمة القاضي هو الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً ويستوي أن يتعلق بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في ملف الدعوى، وتقدير مبلغ جسامة الخطأ يعتبر من المسائل الواقعية التي تدخل في التقدير المطلق لمحكمة الموضوع.
8 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في قانون المرافعات على أحوال معينة أوردها على سبيل الحصر يسأل فيها القاضي عن التضمينات، والحكمة التي توخاها المشرع في ذلك هي توفير الطمأنينة للقاضي في عمله وإحاطته بسياح من الحماية يجعله في مأمن من كيد العابثين اللذين يحاولون النيل من كرامته وهيبته برفع دعاوى كيدية لمجرد التشهير به، ومن ثم لا يجوز مقاضاته بالتضمينات عن التصرفات التي تصدر منه إبان عمله إلا في هذه الأحوال.
9 - النص في الفقرة الثالثة من المادة 494 من قانون المرافعات تشترط لجواز المخاصمة أن يكون القانون قد نص على مسئولية القاضي عن المخالفة وعن التعويض عنها، ولا يصح القياس في هذه الحالة على حكم المادة 175 من قانون المرافعات التي تقرر مسئولية القاضي عن التعويض في حالة عدم إيداع مسودة الحكم ملف الدعوى عند صدوره لأن تقرير مسئولية القاضي عن أعماله بدعوى المخاصمة وهو على ما سلف القول استثناءً ورد في القانون في حالات معينة على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها.
10 - إذ كان الطاعن لم يبين الخطأ الذي وقع فيه الحكم وموضعه منه وأثره على ما انتهى إليه من قضاء فإن هذا النعي يكون مجهلاً غير مقبول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام دعوى المخاصمة رقم 6431 سنة 101 ق أمام محكمة استئناف القاهرة قبل المطعون ضدهم طالباً الحكم بتعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قيدها وبقبولها وإحالتها إلى إحدى الدوائر المختصة لنظر موضوعها والحكم بقبول المخاصمة وإلزامهم بالتعويضات المناسبة. وقال بياناً لها إنه كان قد طعن على قرار نيابة قصر النيل الصادر في الشكوى رقم 2676 سنة 1982 إداري قصر النيل بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية. وبتاريخ 26/ 5/ 1983 أصدرت دائرة محكمة الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة المشكلة من المستشارين المطعون ضدهم حكماً قضى أولاً: بعدم جواز الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثالثة..... ثانياً: برفض الدفع بعدم جواز الطعن بالنسبة للمطعون ضدهما الأول والثاني وبقبول الطعن بالنسبة لهما شكلاً وفي موضوع الطعن برفضه وتأييد الأمر المطعون فيه، ولما كان هذا الحكم قد صدر نتيجة غش وغدر وخطأ مهني جسيم كما أنه يوجب مسئولية القاضي قانوناًً والحكم عليه بالتعويضات فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 12/ 12/ 1985 قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة وتغريم المخاصم مائة جنيه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استبعد المذكرة المقدمة منه والمصرح بتقديمها خلال فترة حجز الدعوى للحكم لأنها لم تعلن أو تسلم صورتها للمطعون ضدهم - المخاصم ضدهم - مع أن قلم الكتاب يعتبر محلاً مختاراً لهم مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع الذي يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا الوجه غير مقبول ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الطعن في الحكم لوقوع بطلان في الإجراءات منوط بأن يكون البطلان قد أثر في الحكم وإذ كان الطاعن لم يبين في سبب النعي ما تضمنته المذكرة السالف بيانها من دفاع جوهري وأثر استبعادها على الحكم المطعون فيه فإن النعي بهذا الوجه يكون مجهلاً ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته أن المطعون ضدهم قدموا مذكرة بجلسة 1/ 12/ 1984 وناقش ما جاء بها من دفاع وعول في قضائه مع أن أياً منهم لم يحضر في هذه الجلسة سواءً بشخصه أو بوكيل عنه فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا الوجه مردود ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع أجاز في الفقرة الثانية من المادة 65 من قانون المرافعات للمدعى عليه الذي أعلن بصحيفة افتتاح الدعوى أن يودع مذكرة بدفاعه قبل الجلسة الأولى المحددة لنظر الدعوى بثلاثة أيام على الأقل دون إلزام عليه أو على قلم الكتاب بإعلانها أو إعلام خصمه بها إذ كان الثابت أن جلسة 1/ 12/ 1984 كانت الجلسة الأولى التي نظر فيها الطعن وكان الأصل في الإجراءات أنها روعيت ولم يقدم الطاعن دليلاً على أن المذكرة التي أشار إليها قدمت طريق آخر ينال من صحة إجراءات تقديمها فإنه لا على الحكم إن هو اعتد بما جاء فيها من دفاع ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إنه أبدى أمام المحكمة دفعاً بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 170 سنة 1981 بتعديل بعض نصوص قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنه من النص على عدم جواز الطعن بالنقض في قرار غرفة المشورة - محل المخاصمة - إلا أن الحكم رفض هذا الدفع على سند من أنه غير جدي لعدم بيان الأسباب التي يستند إليها مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا السبب غير مقبول ذلك أنه لما كان المشرع قد ناط بالمحكمة التي يبدى أمامها الدفع بعدم الدستورية تقدير مدى جديته فإن تبينت أنه غير جدي رفضته، وكان الحكم المطعون فيه قد قدر عد جدية هذا الدفع الذي أبداه الطاعن لعدم بيان سنده أو أساس تمسكه به من نصوص دستورية أو تشريعية في صحيفة دعواه وانتهى لرفضه، فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير المحكمة لجدية الدفع ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بعدم جواز المخاصمة على خلو الأوراق من دليل على انحراف أي من المطعون ضدهم في أداء واجبه بسوء نية قاصداً هذا الانحراف وإذ كان سوء النية في حد ذاته أمراً خفياً لا يمكن استظهاره بعمل مادي وإنما يستنتج من مجموعة الإجراءات المتعددة الصارخة في الخطأ فإن الحكم يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال على نفي سوء نية المطعون ضدهم بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا الوجه غير مقبول ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة المخاصمة السلطة التامة في استخلاص قصد القاضي الانحراف في عمله إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي طالما أقامت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة كافيه لحمله، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض أسباب المخاصمة انتهى إلى نفي قصد الانحراف عن المستشارين المخاصمين على سند مما قرره في أسبابه من أنه "بمطالعة أوراق الدعوى يتبين أنها جاءت برمتها خالية من دليل أو مما يستظهر منه توافر الانحراف بسوء نية وكان هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه سائغاً وكافياً لحمل قضائه في هذا الخصوص فإن ما يثيره الطاعن بهذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقديرها للأدلة المطروحة مما لا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه عرف الخطأ الجسيم الذي ارتكبه القاضي بغلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً، وانتهى الحكم إلى أن ما أسنده الطاعن إلى المطعون ضدهم وبفرض صحته وثبوته لم يتوفر عن سوء النية المستلزم، ولا يرقى في الجسامة المتطلبة لإعمال الفقرة آنفة البيان، وإذ كان هذا الذي أورده الحكم ينطوي على خلط بين أركان وشروط توافر الخطأ المهني الجسيم وأركان وشروط حالات الغش والتدليس والغدر، وكان الحكم قد أطرح بغير سند ما جاء بأسباب المخاصمة دالاً على وقوع الخطأ الجسيم من المطعون ضدهم فإنه يكون معيباً بالقصور في تطبيق القانون الذي يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ المهني الجسيم الذي يجيز مخاصمة القاضي هو الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً ويستوي أن يتعلق بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في ملف الدعوى، وتقدير مبلغ جسامة الخطأ يعتبر من المسائل الواقعية التي تدخل في التقدير المطلق لمحكمة الموضوع، وإذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد الوقائع وحصل أدلة المخاصمة وأسبابها خلص إلى استبعاد قصد الانحراف وسوء النية وانتهى إلى عدم توافر الشق الأول من المادة 494/ 1 من قانون المرافعات، ثم أضاف القول إن أسباب المخاصمة لا تنطوي على إهمال مفرط من المطعون ضدهم لخلو الأوراق من دليل على ذلك وانتهى إلى أنه اقتنع بحقيقة مؤداها إن الأوراق قد تجردت من دليل على توافر شروط إعمال الفقرة الأولى من المادة 494 من قانون المرافعات بشقيها وأورد دعامة لاستبعاد كل شق على حده دون ثمة خلط بين الحالتين وبأسباب تكفي لحمل قضائه فإن ما يثيره الطاعن بهذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير مدى جسامه الخطأ الذي بني عليه الطاعن مخاصمته ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قرر في مجال نفي مسئولية الهيئة المخاصمة طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 494 من قانون المرافعات أن الأوراق برمتها ليس فيها ما يؤدي إلى الحكم بالتعويضات ضدها، رغم أنه قدم المستندات الدالة على الضرر الذي أصابه مما يعيب الحكم بمخالفة القانون والثابت بالأوراق ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا الوجه مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في قانون المرافعات على أحوال معينة أوردها على سبيل الحصر يسأل فيها القاضي عن التضمينات، والحكمة التي توخاها المشرع في ذلك هي توفير الطمأنينة للقاضي في عمله وإحاطته بسياج من الحماية يجعله في مأمن من كيد العابثين اللذين يحاولون النيل من كرامته وهيبته برفع دعاوى كيدية لمجرد التشهير به، ومن ثم لا يجوز مقاضاته بالتضمينات عن التصرفات التي تصدر منه إبان عمله إلا في هذه الأحوال.... وإن النص في الفقرة الثالثة من المادة 494 من قانون المرافعات تشترط لجواز المخاصمة أن يكون القانون قد نص على مسئولية القاضي عن المخالفة وعن التعويض عنها، ولا يصح القياس في هذه الحالة على حكم المادة 175 من قانون المرافعات التي تقرر مسئولية القاضي عن التعويض في حالة عدم إيداع مسودة الحكم ملف الدعوة عند صدوره لأن تقرير مسئولية القاضي عن أعماله بدعوى المخاصمة وهو على ما سلف القول استثناءً ورد في القانون في حالات معينة على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها وإذ لم يبين الطاعن النص القانوني الذي يستند إليه في مسئولية الهيئة المخاصمة طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 494 سالفة البيان والمخالفة المنسوبة إليها والنص على التعويض عنها والتي يتعين بالقطع أن تكون غير الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة، مما يكون معه النعي بهذا الوجه قد جاء على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الرابع من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن الحكم خلط بين الأوامر والأحكام القضائية التي تصدر من المحاكم بسلطتها القضائية وطبق المبادئ التي تسري على الأحكام على الأمر الصادر من الهيئة المخاصمة ومنها أن الأصل في الإجراءات أنها أتبعت وعلى من يدعي العكس إقامة الدليل، وهي كلها أمور إن صحت بالنسبة للأحكام القضائية فإنها لا تسري في شأن القرارات التي تصدرها غرفة المشورة التي يتعين عليها أن تلتزم بشأنها صحيح قانون الإجراءات الجنائية مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بهذا الوجه غير مقبول ذلك أنه لما كان الطاعن لم يبين الخطأ الذي وقع فيه الحكم وموضعه منه وأثره على ما انتهى إليه من قضاء فإن هذا النعي يكون مجهلاً غير مقبول.