أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 42 - صـ 1859

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الحناوي (نواب رئيس المحكمة) ومحمد محمود عبد اللطيف.

(292)
الطعنان رقما 693، 703 لسنة 54 القضائية

(1) تزوير "الادعاء بالتزوير".
الادعاء بالتزوير. وجوب التقرير به في قلم الكتاب. عدم سلوك هذا السبيل. أثره. لمحكمة الموضوع الحق في اعتبار العقد صحيحاً ما دامت لم تر من ظروف الدعوى أنه مزور. قضاء المحكمة بصحة العقد وفى الموضوع معاً. لا خطأ. م 49، 58 إثبات.
(2) إيجار: "إيجار الأماكن". صورية.
طعن المستفيد من الامتداد القانوني لعقد الإيجار بالصورية على العقد الصادر من مورثه لغيره تحايلاً على أحكام القانون. جواز إثباته بكافة طرق الإثبات.
1 - المقرر وفقاً لصريح نص المادة 44 من قانون الإثبات - وفى قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز للمحكمة إن تقضي بصحة المحرر أورده أو سقوط الحق في إثبات صحته وفى الموضوع معاً، بل يجب أن يكون قضاءها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاثة استهداف ألا يحرم الخصم الذي تمسك بالمحرر المقضي بتزويره أو بسقوط الحق في إثبات صحته أو الخصم المحكوم ضده بصحة الورقة من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً جديداً بأن الادعاء بالتزوير كان مقبولاً ومنتجاً في النزاع - إلا أنه لا مجال لإعمال هذه القاعدة إذا كانت المحكمة لم تر فيما ساقه الطاعن من قرائن على مجرد ادعائه بتزوير السند دون سلوك طريق الادعاء بالتزوير ما يقنعها باستعمال الرخصة المخولة لها في المادة 58 من ذات القانون في القضاء برده وبطلانه. لما كان ذلك. وكان المشرع قد نظم في المواد من 49 إلى 58 من قانون الإثبات طريق الادعاء بالتزوير وأوجب في المادة 49 منه أن يكون ذلك الادعاء بتقرير في قلم الكتاب، وكان المقرر أنه يجب على مدعي التزوير أن يسلك في الادعاء، الأوضاع المنصوص عليها في تلك المادة وما بعدها من قانون الإثبات كي ينتج الادعاء أثره القانوني، وكان الثابت أن الطاعنة وإن أثارت أمام محكمة الموضوع أن المحرر المؤرخ 15/ 2/ 1977 من صنع المطعون ضده الأول إلا أنها لم تسلك سبيل الادعاء بالتزوير الذي رسمه القانون فلا وجه لتطبيق حكم المادة 44 من هذا القانون، وبالتالي فلا تثريب على المحكمة قانوناً إن هي قضت في موضوع الدعوى على اعتبار أن هذا المحرر صحيحاً ولم تر من ظروف الدعوى وفقاً للمادة 58 سالفة البيان أنه مزور.
2 - طعن المستفيد بالامتداد القانوني لعقد الإيجار وفقاً لأحكام التشريعات الاستثنائية في العقد الصادر من مورثه - المستأجر الأصلي - لغيره بالصورية وأنه قصد به الاحتيال على أحكام القانون إضراراً بحقه، فإن إثبات هذا الاحتيال يكون جائزاً بكافة طرق الإثبات، ولو أدى ذلك إلى إهدار حجية العقد الصادر من مورثه لهذا الغير.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعنة الدعوى رقم 828 لسنة 1978 مدني عابدين الجزئية بطلب الحكم في مواجهة باقي المطعون ضدهم بعدم تعرضها له في الحجرة التي يشغلها من الشقة المبينة بصحيفة الدعوى وتمكينه من الانتفاع بها ولوازمها، وقال بياناً لذلك إن مورث الطرفين..... استأجر هذه الشقة واتخذ هو منها حجرة كمكتب لإجراء الحسابات الخاصة بالعقارات القائم بإدارتها من أملاك المورث وظل يشغلها من سنة 1949 حتى وفاة المورث في 2/ 4/ 1978، وعقب وفاته نازعته الطاعنة في الانتفاع بتلك الحجرة فأقام الدعوى بالطلبين سالفي البيان. ندبت المحكمة خبيراً، وبعد أن أودع تقريره حكمت برفض الدعوى استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 231 لسنة 1980 مدني جنوب القاهرة الابتدائية فحكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة الجزئية قيمياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة جنوب القاهرة فقيدت أمامها برقم 3441 لسنة 1982، ثم قضت المحكمة للمطعون ضده الأول بمطلبه في الدعوى. طعنت الطاعنة في هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1322 لسنة 100 قضائية. وبتاريخ 7/ 1/ 1984 حكمت بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين الماثلين رقمي 693، 703 سنة 54 قضائية وأودعت النيابة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعنين، وإذ عرض الطعنان على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرهما وفيها قررت ضم الطعن الثاني للطعن الأول والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني من الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك تقول إنه قضى برفض ادعائها بتزوير المحرر المؤرخ 15/ 2/ 1977 الذي احتج به المطعون ضده عليها وفى الموضوع معاً خلافاً لما تقضي به المادة 44 من قانون الإثبات التي توجب أن يكون نظر الادعاء بالتزوير سابقاً على الفصل في موضوع الدعوى، وقد أدى ذلك إلى حرمانها من إبداء أوجه دفاعها الأخرى، مما يعيب الحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأنه وإن كان من المقرر وفقاً لصريح نص المادة 44 من قانون الإثبات - وفى قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصحة المحرر أورده أو سقوط الحق في إثبات صحته وفى الموضوع معاً، بل يجب أن يكون قضاءها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاث استهداف ألا يحرم الخصم الذي تمسك بالمحرر المقضي بتزويره أو بسقوط الحق في إثبات صحته أو الخصم المحكوم بصحة الورقة قبله من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً جديداً بأن الادعاء بالتزوير كان مقبولاً ومنتجاً في النزاع - إلا أنه لا مجال لإعمال هذه القاعدة إذا كانت المحكمة لم تر فيما ساقه الطاعن من قرائن على مجرد ادعائه بتزوير السند دون سلوك طريق الادعاء بالتزوير ما يقنعها باستعمال الرخصة المخولة لها في المادة 58 من ذات القانون في القضاء برده وبطلانه. لما كان ذلك. وكان المشرع قد نظم في المواد من 49 إلى 58 قانون الإثبات طريق الادعاء بالتزوير، وأوجب في المادة 49 منه أن يكون ذلك الادعاء بتقرير في قلم الكتاب، وكان المقرر أنه يجب على مدعي التزوير أن يسلك في الادعاء الأوضاع المنصوص عليها في تلك المادة وما بعدها من قانون الإثبات كي ينتج الادعاء أثره القانوني، وكان الثابت أن الطاعنة وإن أثارت أمام محكمة الموضوع أن المحرر المؤرخ 15/ 2/ 1977 من صنع المطعون ضده الأول إلا أنها لم تسلك سبيل الادعاء بالتزوير الذي رسمه القانون فلا وجه لتطبيق حكم المادة 44 من هذا القانون، وبالتالي فلا تثريب على المحكمة قانوناً إن هي قضت في موضوع الدعوى على اعتبار أن هذا المحرر صحيحاً ولم تر من ظروف الدعوى وفقاً للمادة 58 سالفة البيان أنه مزور، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة بالسببين الخامس من الطعن الأول والتاسع من الطعن الثاني القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفى بيان ذلك تقول أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بصورية الورقة المؤرخة 15/ 2/ 1977 صورية تدليسية للتحايل على أحكام القانون، واستندت في ذلك إلى عدة قرائن متساندة منها احتفاظ المطعون ضده الأول بنسختي العقد دون المورث المتعاقد معه إذ قدمهما للمحكمة، وعدم تقديمه دليلاً على سداده أجرة عين النزاع ومقابل استهلاك الكهرباء عدا أجرة شهر مارس سنة 1978 وقيمة استهلاك الكهرباء عن ذات الشهر وكلاهما باسم المورث عن الشقة برمتها، وتناقضه في بيان الحجرة التي يشغلها إذ تضمن الاتفاق الذي يحتج به شغله للحجرة البحرية إلا أنه عند المعاينة التي أجراها الخبير أرشده المطعون ضده الأول لحجرة مغايرة، كما نفى الشهود وحارس العقار أمام الخبير حيازة المطعون ضده الأول لأية حجرة في الشقة محل النزاع، كما أن هذا الاتفاق فيما تضمنه من التأجير من الباطن يتعارض مع الشرط الوارد بعقد الإيجار الأصلي الذي يحظر على المستأجر ذلك، ومع ذلك فقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى القول بأنها لم تتمسك بالصورية على نحو جازم، ولم يتناول بالبحث والتمحيص ما ساقته من القرائن، أما مجرد قوله أن هذه القرائن غير كافية، فلا يكفي لحمل قضائه مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه من المقرر أنه إذا طعن المستفيد بالامتداد القانوني لعقد الإيجار وفقاً لأحكام التشريعات الاستثنائية في العقد الصادر من مورثه - المستأجر الأصلي - لغيره بالصورية وأنه قصد به الاحتيال على أحكام القانون إضراراً بحقه، فإن إثبات هذا الاحتيال يكون جائزاً بكافة طرق الإثبات، ولو أدى ذلك إلى إهدار حجية العقد الصادر من مورثه لهذا الغير. ولما كانت الطاعنة قد تمسكت في مذكرة دفاعها المقدمة لمحكمة الاستئناف بجلسة 8/ 11/ 1983 بأن المحرر المؤرخ 15/ 2/ 1977 الذي نسب المطعون ضده الأول صدوره إليه من مورث الطرفين متضمناً تأجيره له الحجرة محل النزاع، صوري صورية مطلقة وأنه قصد به الإضرار بها وحرمانها من الاستقرار بشقة النزاع التي امتد إليها عقد إيجارها بعد وفاة زوجها المستأجر الأصلي بتاريخ 2/ 4/ 1978، واستدلت على ذلك بأن هذا الاتفاق لم يوضع موضع التنفيذ وساقت على ذلك عدة قرائن منها أن المطعون ضده الأول لم يقم بتنفيذ التزاماته الواردة به، فلم يساهم في أداء أجرة الشقة محل النزاع ومقابل استهلاك الكهرباء منذ تاريخ تحرير الاتفاق، وأنه لم يشغل الحجرة المتنازع فيها منذ زواجه قبل عشرين عاماً وإقامته على وجه الاستقرار مع أسرته في مسكن آخر، وأن الخبير المنتدب من محكمة عابدين الجزئية قد خلص في تقريره أخذاً من أقوال الشهود ومن بينهم أشقاء المطعون ضده الأول وحارس العقار إلى عدم حيازته لتلك الحجرة، وأن أقوال المطعون ضده الأول قد تناقضت بشأن تحديد موقع حجرة النزاع فبينما ذكر في صحيفة افتتاح دعواه بأنها تقع إلى الجهة البحرية - أشار في المعاينة التي أجراها الخبير المنتدب إلى حجرة أخرى مغايرة لها - وأن إدعاءه بأنه ظل يشغل الحجر محل النزاع منذ سنة 1949 من شأنه امتداد عقد الإيجار الأصلي إليه دون حاجه إلى المحرر المنسوب صدوره إلى المورث وأنه لا يسوغ أن يقدم المستأجر الأصلي على تأجير غرفة من مسكن الزوجية إلى المطعون ضده الأول أو غيره خاصة وأن عقد إيجاره ينطوي على شرط يحظر عليه ذلك، وأن المطعون ضده الأول كان يحتفظ لنفسه بنسختي المحرر المنسوب إلى المورث وقدمها إلى المحكمة مع أن الالتزامات والحقوق المتبادلة الواردة به كانت تستلزم احتفاظ المورث بإحدى النسختين إثباتاً لحقوقه والتزامات المطعون ضده الأول قبله - لما كان ذلك فإن المحكمة تكون إزاء طعن بالصورية التدليسية على المحرر المؤرخ 15/ 2/ 1977 احتيالاً على أحكام القانون، من شأنه لو صح إهدار حجية هذا المحرر المنسوب إلى مورث الطاعنة فيما تضمنه من تأجيره الحجرة محل النزاع إلى المطعون ضده الأول، لأن عقد الإيجار الصوري لا وجود له قانوناً ولا يرتب أثراً، مما كان يتعين معه على محكمة الموضوع أن تتناول هذا الطعن وأدلته بالبحث والتحميص وصولاً إلى بيان وجه الحق في الدعوى، أما وقد ذهب الحكم المطعون فيه في أسبابه إلى أن الطاعنة لم تتمسك على نحو جازم بالطعن بالصورية لبيان ماهيتها ثم أطلق القول في عبارة مجملة بأن ما ساقته الطاعنة من القرائن على الصورية غير كاف لإثباتها فذلك ما لا يصلح سنداً لقضائه كما لا يشفع له في ذلك القول باستقلال محكمة الموضوع بتقدير القرائن القضائية وإطراح ما لا ترى الأخذ به منها، لأن محل هذا القول أن تكون المحكمة قد أطلعت على تلك القرائن وأخضعتها لتقديرها. وإذاً فمتى كان البين من الحكم أن المحكمة لم تعن ببحثها فإن حكمها يكون قاصراً قصوراً يبطله، هذا إلى أنه لا يسوغ للمحكمة أن تقف عند حد القول بعدم اطمئنانها إلى ما انتهى إليه الخبير بشأن عدم حيازة المطعون ضده الأول الحجرة محل النزاع لإسناده إلى أقوال شهود لم يحلفوا اليمين وأن تكتفي بذلك دون أن تستدل على حقيقة الواقع بشأن مسألة الحيازة المتنازع فيها، وبيان مدى صحة القرينة المتعلقة بنفي حيازة الأخير لتلك الحجرة خاصة وأن الطاعنة تستند فيها إلى مصدر أخر هو تناقض المطعون ضده الأول ذاته بشأن تحديد الحجرة في الشقة محل النزاع التي يدعي أن حيازته انصبت عليها استناداً إلى المحرر المطعون عليه بالصورية - ومن ثم فإن الحكم المطعون عليه يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه دون حاجه لبحث بقية أسباب هذا الطعن والطعن الأخر المنضم إليه.