أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 50 - صـ 997

جلسة 13 من يوليه سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم بركات - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد الزواوي، د. سعيد فهيم، سعيد فودة - نواب رئيس المحكمة، ومصطفى مرزوق.

(196)
الطعن رقم 2886 لسنة 68 القضائية

(1) نقض "أثر نقض الحكم الجنائي". حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
نقض الحكم الجنائي بالنسبة للمسئول عن الحقوق المدنية. أثره. نقضه بالنسبة للمتهم ولو لم يطعن فيه. م 42 ق 57 لسنة 1959. لازمه. إعادة محاكمة المتهم عن الواقعة في شقها الجنائي. عدم ترتب هذا الأثر على الطعن بالنقض المقام من المدعي بالحق المدني. مؤداه. عدم المساس بحجية الحكم الجنائي إذا لم تطعن النيابة عليه في الميعاد.
(2، 3) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي. دعوى.
(2) جواز رفع الدعوى بالحق المدني إلى المحكمة الجنائية. شرطه. أن تكون تابعة للدعوى الجنائية. اكتساب الحكم النهائي فيها قوة الأمر المقضي أمام المحاكم المدنية ولو كان قابلاً للطعن عليه بطرق الطعن غير العادية.
(3) القضاء ببراءة المطعون ضده من جريمة التزوير التي اتهمه بها الطاعن ورفض الدعوى المدنية المقامة من الأخير. الطعن بالنقض من الطاعن فقط بالنسبة للشق المدني لا يحول دون الفصل في دعوى التعويض المدنية المقامة من المطعون ضده قبله عما لحقه من ضرر أدبي من جراء الاتهام.
(4 - 8) مسئولية. تعويض. حق.
(4) المساءلة عن التعويض. قوامها. خطأ المسئول.
(5) صاحب الحق. استعماله حقه استعمالاً مشروعاً. عدم مسئوليته عما ينشأ عن ذلك من ضرر للغير. اعتبار استعماله للحق استعمالاً غير مشروع. شرطه. انتفاء كل مصلحة له في استعماله. المادتان 4، 5 مدني.
(6) حقا التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة. مؤدى ذلك. عدم مسئولية من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة ابتغاء الإضرار بالخصم.
(7) وصف الفعل بأنه خطأ. من مسائل القانون. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(8) المسئولية عن الإبلاغ عن الجرائم. مناطها. ثبوت كذب البلاغ وصدوره عن سوء قصد أو عن تسرع ورعونة وعدم احتياط.
(9) مسئولية. تعويض. حق. حكم "حجية الحكم" "عيوب التدليل: مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه: ما يعد كذلك".
قرار النيابة بحفظ الأوراق. التظلم منه لدى محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة. من الحقوق المقررة للمدعي بالحق المدني. المادتان 167، 210 إجراءات جنائية. قضاؤها بالبراءة لتشككها في إسناد التهمة إلى المتهم. عدم دلالته بذاته على كذب البلاغ. قضاء الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعن بالتعويض عن إساءة استعمال حق التقاضي تأسيساً على أنه عمد إلى التظلم لدى محكمة الجنايات من قرار النيابة بحفظ البلاغ المقدم منه ضد المطعون ضده وأنها قضت ببراءته لكون الجريمة المبلغ بها منصبة على أمر خارج دائرة سلطانه. خطأ.
1 - لئن كان قضاء الدوائر الجنائية لمحكمة النقض قد استقر على أن نقض الحكم بالنسبة للمسئول عن الحقوق المدنية يمتد أثره إلى المتهم ويقتضي نقضه بالنسبة له وإن لم يقرر بالطعن لاتصال وجه الطعن به إعمالاً للمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وهو ما يستلزم - مراعاة لحسن سير العدالة - إعادة محاكمة المتهم من جديد عن الواقعة في شقها الجنائي حتى تعيد محكمة الموضوع نظر الدعوى كاملة، إلا أن هذا الأثر لا يترتب على الطعن بالنقض المقام من المدعي بالحق المدني فتبقى حجية الحكم الجنائي بمنأى عن المساس إذا ارتضته النيابة ولم تطعن عليه في الميعاد المحدد.
2 - إذ كان المشرع وإن أجاز استثناء رفع الدعوى بالحق المدني إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية ونص صراحة في المادة 266 من قانون الإجراءات الجنائية على أن يتبع في الفصل فيها الإجراءات المقررة في هذا القانون إلا أن ذلك لا يغير من طبيعة هذه الدعوى فتثبت للحكم النهائي الصادر فيها قوة الأمر المقضي أمام المحاكم المدنية ولو كان قابلاً للطعن عليه بطرق الطعن غير العادية.
3 - لما كان الواقع في الدعوى أن الطاعن نسب للمطعون ضده ارتكاب تزوير في ورقة إعلان دعوى مباشرة وضبط عن الواقعة المحضر رقم 2183 سنة 1996 جنايات المنشية وقضت المحكمة الجنائية ببراءته ورفض الدعوى المدنية التي أقيمت عليه من الطاعن تبعاً للدعوى الجنائية ولم يطعن على هذا القضاء إلا من الأخير فيما يتعلق بالشق المدني منه ومن ثم فإنه يكون قد صار نهائياً حائزاً للحجية أمام القاضي المدني ولا يحول الطعن عليه بالنقض دون المضي في نظر الدعوى الراهنة المقامة من المطعون ضده على الطاعن بطلب التعويض عما لحقه من ضرر أدبي من جراء هذا الإبلاغ والفصل فيها.
4 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول.
5 - إذ كانت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني قد نصتا على أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر للغير وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق.
6 - حقا التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم.
7 - وصف الأفعال بأنها خاطئة هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض.
8 - من المقرر أن المسئولية عن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من جرائم لا تقوم إلا إذا أثبت كذب البلاغ وأن التبليغ قد صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط.
9 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض عن إساءة استعمال حق التقاضي على مجرد القول بأنه عمد إلى التظلم لدى غرفة المشورة من قرار النيابة بحفظ البلاغ الذي قدمه ضد المطعون ضده وأن محكمة الجنايات قضت ببراءة الأخير استناداً إلى أن الجريمة المبلغ بها منصبة على أمر يخرج عن دائرة سلطانه مع أن التظلم من قرار النيابة بحفظ الأوراق لدى محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة هو حق مقرر للمدعي بالحق المدني إعمالاً لنص المادتين 167، 210 من قانون الإجراءات الجنائية وأن القضاء بالبراءة لتشكك المحكمة الجنائية في إسناد التهمة لمن نسب إليه الاتهام لا تنهض بذاتها دليلاً على كذب البلاغ فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 475 لسنة 1997 مدني محكمة الإسكندرية الابتدائية على الطاعن بطلب الحكم بإلزامه أن يدفع إليه مبلغ مائة ألف جنيه، وقال بياناً لذلك إن الطاعن نسب إليه - على خلاف الحقيقة - ارتكاب تزوير في ورقة إعلان صحيفة الدعوى المباشرة رقم 2151 سنة 1992 جنح باب شرق وضبط عن الواقعة القضية رقم 2183 سنة 1996 جنايات المنشية التي قضي فيها ببراءته بحكم بات، وإذ لحقه من ذلك ضرر أدبي يقدر التعويض الجابر له بالمبلغ المطالب به فقد أقام الدعوى وبتاريخ 31/ 12/ 1997 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 238 سنة 54 ق وبتاريخ 27/ 5/ 1998 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبالتعويض الذي قدرته. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالأوجه الثلاثة الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه إذ قضى بإلزامه بالتعويض ولم ينتظر نتيجة الفصل في الطعن بالنقض المرفوع منه عن قضاء محكمة الجنايات في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية رغم أن نقض الحكم في الدعوى الأولى يوجب نقضه في الثانية لوحدة الأساس في الدعويين مما قد يترتب عليه أن يتبادل مع المطعون ضده التعويض عن ذات الفعل الواحد بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه ولئن كان قضاء الدوائر الجنائية لمحكمة النقض قد استقر على أن نقض الحكم بالنسبة للمسئول عن الحقوق المدنية يمتد أثره إلى المتهم ويقتضي نقضه بالنسبة له وإن لم يقرر بالطعن لاتصال وجه الطعن به إعمالاً للمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وهو ما يستلزم - مراعاة لحسن سير العدالة - إعادة محاكمة المتهم من جديد عن الواقعة في شقها الجنائي حتى تعيد محكمة الموضوع نظر الدعوى كاملة، إلا أن هذا الأثر لا يترتب على الطعن بالنقض المقام من المدعي بالحق المدني فتبقى حجية الحكم الجنائي بمنأى عن المساس إذا ارتضته النيابة ولم تطعن عليه في الميعاد المحدد، وكان المشرع وإن أجاز استثناء رفع الدعوى بالحق المدني إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية ونص صراحة في المادة 266 من قانون الإجراءات الجنائية على أن يتبع في الفصل فيها الإجراءات المقررة في هذا القانون إلا أن ذلك لا يغير من طبيعة هذه الدعوى فتثبت للحكم النهائي الصادر فيها قوة الأمر المقضي أمام المحاكم المدنية ولو كان قابلاً للطعن عليه بطرق الطعن غير العادية. لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أن الطاعن نسب للمطعون ضده ارتكاب تزوير في ورقة إعلان دعوى مباشرة وضبط عن الواقعة المحضر رقم 2183 سنة 1996 جنايات المنشية وقضت المحكمة الجنائية ببراءته ورفض الدعوى المدنية التي أقيمت عليه من الطاعن تبعاً للدعوى الجنائية ولم يطعن على هذا القضاء إلا من الأخير فيما يتعلق بالشق المدني منه ومن ثم فإنه يكون قد صار نهائياً حائزاً للحجية أمام القاضي المدني ولا يحول الطعن عليه بالنقض دون المضي في نظر الدعوى الراهنة والفصل فيها وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن بباقي سببي الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر بلاغ التزوير الذي قدمه ضده المطعون عليه وتظلمه من قرار النيابة بحفظه خطأ يوجب القضاء عليه بالتعويض بالرغم من أنه كان يستخدم حقاً مشروعاً لا يسأل عن التعويض عنه حتى مع القضاء ببراءة المطعون ضده بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول وكانت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني قد نصتا على أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر للغير وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق وكان حق التقاضي والدفاع من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، وأن وصف الأفعال بأنها خاطئة هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض. كما أنه من المقرر أن المسئولية عن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من جرائم لا تقوم إلا إذا أثبت كذب البلاغ وأن التبليغ قد صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض عن إساءة استعمال حق التقاضي على مجرد القول بأنه عمد إلى التظلم لدى غرفة المشورة من قرار النيابة بحفظ البلاغ الذي قدمه ضد المطعون ضده وأن محكمة الجنايات قضت ببراءة الأخير استناداً إلى أن الجريمة المبلغ بها منصبة على أمر يخرج عن دائرة سلطانه مع أن التظلم من قرار النيابة بحفظ الأوراق لدى محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة هو حق مقرر للمدعي بالحق المدني إعمالاً لنص المادتين 167، 210 من قانون الإجراءات الجنائية وأن القضاء بالبراءة لتشكك المحكمة الجنائية في إسناد التهمة لمن نسب إليه الاتهام لا تنهض بذاتها دليلاً على كذب البلاغ فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم وكان الحكم المستأنف قد انتهى إلى عدم قبول الدعوى وهو ما يتساوى في النتيجة مع رفضها فإنه يتعين القضاء برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف.