أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 17 - صـ 450

جلسة 24 من فبراير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وعباس عبد الجواد، وسليم راشد أبو زيد.

(62)
الطعن رقم 12 لسنة 32 القضائية

بيع "بيع الأملاك الخاصة بالدولة". "انعقاده" عقد. "الإيجاب والقبول".
عدم تمام بيع الأملاك الخاصة بالدولة بين مصلحة الأملاك وطالب الشراء إلا بالتصديق عليه من وزارة المالية. هذا التصديق هو القبول بالبيع والإيجاب من راغب الشراء يكون بتقدمه للشراء على أساس سعر معين.
مفاد نصوص المادة السادسة من ديكريتو 3 فبراير سنة 1892 بشأن ضريبة ما يباع من أطيان الحكومة والمادتين 18، 19 من منشور نظارة المالية الصادر بتاريخ 21 أغسطس سنة 1902 أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة لا يتم بين مصلحة الأملاك وبين طالبي الشراء إلا بالتصديق عليه من وزارة المالية إذ أن هذا التصديق هو القبول بالبيع ممن يملكه. ولا يعتبر إعلان هذه المصلحة عن رغبتها في البيع ولا الإجراءات التي تقوم بها لهذا الغرض من مفاوضات مع راغبي الشراء وممارسة على الثمن إيجاباً من جانبها ذلك أن الإيجاب في هذه الحالة، إنما يكون من راغب الشراء بتقدمه للشراء على أساس سعر معين ولا يتم التعاقد إلا بقبول المصلحة بعد ذلك للبيع. وقد اشترطت النصوص المتقدمة أن يصدر التعبير بالقبول من وزارة المالية دون غيرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مصلحة الأملاك الطاعنة رفعت على مورث المطعون ضدهم الدعوى رقم 76 سنة 1950 مدني كلي الزقازيق طلبت فيها الحكم بتثبيت ملكيتها إلى قطعة أرض مساحتها 724 متراً مربعاً موضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى ورفع يده عنها وإزالة ما عليها من غراس أو بناء خلال شهر من تاريخ صدور الحكم وإلا قامت بالإزالة بمصاريف من طرفها ترجع بها عليه مع إلزامه المصروفات والأتعاب وقالت في بيان دعواها إنها تملك قطعة الأرض سالفة الذكر بالمستندات التي أشارت إليها في صحيفة الدعوى وأنها سبق أن أقامت الدعوى رقم 467 سنة 1944 بذات الطلبات - وقد ضمت الدعويان لوحدة الموضوع وأثناء سيرهما توفى المدعى عليه (مورث المطعون ضدهم) فانقطع سير الخصومة ثم عجلت الطاعنة الدعوى ضد الورثة الذين انتهوا في دفاعهم إلى أنه لا حق للطاعنة في دعواها إذ أنها باعت أرض النزاع لمورثهم وحصلت منه نصف الثمن وقدره 420 ج و720 م بإيصال مؤرخ 13/ 3/ 1951 واتفقت معه على تقسيط النصف الباقي وحرر العقد بينهما من أصل واحد متضمناً هذا البيع وأرسل للمصلحة للتوقيع عليه ولم تسلمه للمورث ولذلك لا يجوز لها بوصفها بائعة أن تنقص ما تم من جهتها بإرادتها المنفردة وطلب المطعون ضدهم إلزام الطاعنة بتقديم هذا العقد - وبتاريخ 20/ 2/ 1957 قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعنة بتقديم العقد المحرر بينها وبين مورث المطعون ضدهم بشأن العين موضوع النزاع - ولما قررت الطاعنة أنه ليس هناك عقد بهذا الشأن قضت المحكمة بتاريخ 28/ 10/ 1957 بتوجيه يمين عدم العلم إلى النائب عنها قانوناً وقد أداها بجلسة 12/ 1/ 1958 ثم حكمت المحكمة في 19 من نوفمبر سنة 1958 (أولاً): بتثبيت ملكية مصلحة الأملاك (الطاعنة) للأرض البالغ مساحتها 724 متراً مربعاً المبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى ورفع يد المدعى عليهم (المطعون ضدهم) وإلزامهم المصروفات المناسبة لهذا الطلب من تركة مورثهم توفيق أحمد بغدادي و300 ق أتعاباً للمحاماة. (ثانياً) بإعادة القضية للمرافعة لنظر طلب الإزالة. استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 12 سنة 2 ق وطلبوا إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنة - وبتاريخ 5/ 12/ 1961 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى المستأنف عليها (الطاعنة) وإلزامها بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وبتاريخ 4 من يناير سنة 1962 طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت الرأي فيها بنقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 27 من يناير سنة 1966 وفيها تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على سببين تنعى الطاعنة في السبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك تقول إن هذا الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى على ما قرره من قيام تعاقد بين الطاعنة وبين مورث المطعون ضدهم ببيعها له قطعة الأرض موضوع النزاع ودلل الحكم على ذلك بالمفاوضات التي دارت بين المصلحة وبين مورث المطعون ضدهم حول بيع هذه القطعة وبتحديد المصلحة لمساحتها وتقديرها لثمنها وقيام مورث المطعون ضدهم بدفع مبلغ 420 ج و720 م باعتباره نصف الثمن المقدر لها وبالمكاتبات الإدارية الداخلية التي تبودلت بين فروع المصلحة الطاعنة عن هذا البيع في حين أن هذه كلها إجراءات تمهيدية للبيع الذي لا يتم ولا ينفذ إلا بالتصديق عليه من وزير المالية طبقاً لصريح نص المادة 18 من لائحة بيع الأملاك الأميرية الحرة الصادرة في سنة 1902 والذي يستلزم هذا التصديق عن كل بيع سواء حصل بالمزاد أو بعطاءات داخل مظاريف أو بالممارسة مما يفيد أن قبول المصلحة للبيع لا يتم إلا بحصول ذلك التصديق وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بالإجراءات المتقدمة للقول بتمام التعاقد بين الطاعنة ومورث المطعون ضدهم على بيعها له قطعة الأرض موضوع النزاع فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة على ما قرره من أن الإيصال المؤرخ 13/ 3/ 1951 قد تضمن قيام مورث المطعون ضدهم بدفع مبلغ 420 ج و720 م للمصلحة الطاعنة باعتبار هذا المبلغ نصف ثمن الصفقة موضوع النزاع وأن هذا الإيصال يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لصدوره من المصلحة المذكورة ولأنه يجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال فيمكن تكملة هذا الدليل بالقرائن القضائية. ثم ذكر الحكم القرائن التي رآها مكملة لهذا الإيصال في الإثبات وانتهى إلى قوله "ومن حيث إنه يبين من عرض المصلحة المستأنف عليها (الطاعنة) الأرض المتنازع بشأنها على مورث المستأنفين (المطعون ضدهم) وقيام المورث بدفع معجل الثمن على أساس النصف حسبما يبين من الكتاب المؤرخ 27/ 11/ 1957 والمشار إليه آنفاً أن هناك إيجاباً قد صدر من المصلحة ببيع الأرض موضوع الدعوى إلى المورث وأن هذا الأخير قد قبل هذا العرض وأدى نصف الثمن المستحق فعلاً ومن ثم يكون البيع قد انعقد بين طرفي الخصومة بتوافر أركانه من رضاء ومبيع وثمن ولا يغير من ذلك كون البائعة جهة حكومية ذلك أن البيع بطريق الممارسة يخضع للقواعد العامة". ولما كان الديكريتو الصادر في 3 من فبراير سنة 1892 الخاص بضريبة ما يباع من أطيان الحكومة قد نص في المادة السادسة منه على "أن يكون بيع الأطيان بحسب الشروط والقيود المنصوص عليها في اللوائح والقرارات والمنشورات المتبعة الآن أو التي يصدرها ناظر المالية فيما بعد" وقد نصت المادة 18 من المنشور رقم 100 الصادر من نظارة المالية بتاريخ 21 من أغسطس سنة 1902 في شأن شروط وقيود بيع أملاك الميري الحرة على أن "كل بيع يلزم أن يتصدق عليه من نظارة المالية سواء كان قد حصل بالمزاد أو بواسطة عطاءات داخل مظاريف مختوم عليها أو بالممارسة ما عدا الحالة المختصة ببيع القطع الناتجة عن زوائد التنظيم التي لا يتجاوز مجموع الثمن المقدر لها عشرة جنيهات عن كل قطعة فهذه القطع هي فقط التي يجوز بيعها بدون تصديق النظارة - ويبلغ تصديق النظارة إلى المشترين بمعرفة المديريات والمحافظات ذات الشأن في الإعلانات التي يطلب منهم فيها سداد باقي الثمن وما يتبعه" - كما نصت المادة 19 من ذات المنشور على أنه "إذا رغب المشتري قبل التصديق من نظارة المالية على البيع سداد باقي الثمن وما يتبعه أو جزء منه يسوغ قبوله منه على سبيل الأمانة" ومفاد ما تقدم أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة للدولة لا يتم بين المصلحة الطاعنة وبين طالبي الشراء إلا بالتصديق عليه من وزارة المالية إذ أن هذا التصديق هو القبول بالبيع ممن يملكه ولا يعتبر إعلان المصلحة عن رغبتها في البيع ولا الإجراءات التي تقوم بها لهذا الغرض من مفاوضات مع راغبي الشراء وممارسة على الثمن إيجاباً من جانبها كما ذهب الحكم المطعون فيه خطأ بل أن الإيجاب يكون في هذه الحالة من راغب الشراء بتقدمه للشراء على أساس سعر معين ولا يتم التعاقد بينه وبين المصلحة إلا بقبول المصلحة بعد ذلك للبيع وقد استلزمت النصوص المتقدمة في تعبير المصلحة عن إرادتها بالقبول أن يصدر من وزارة المالية دون غيرها - أما قبول المصلحة استلام المبلغ الذي دفعه المطعون ضده على اعتبار أنه جزء من الثمن الذي انتهت إليه الممارسة فإنه لا يعتبر قبولاً من المصلحة للتعاقد إذ نصت المادة التاسعة عشرة من المنشور سالف الذكر والذي صدر بالاستناد إلى السلطة المخولة لوزير المالية في ديكريتو 3 من فبراير سنة 1892 على أن قبول هذا المبلغ يكون على سبيل الأمانة ليس إلا - ولما كان الثابت والذي لا نزاع فيه أن وزارة المالية لم تصادق على بيع قطعة الأرض محل النزاع إلى مورث المطعون ضدهم فإن هذا البيع لا يكون قد انعقد بين المصلحة الطاعنة وبين مورث المطعون ضدهم ويكون الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر واعتبر أن البيع قد تم وأسس على ذلك قضاءه برفض دعوى الطاعنة مخطئاً في القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث وجه الطعن الآخر.