أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 50 - صـ 1190

جلسة 30 من نوفمبر سنة 1999

برئاسة السيد المستشار/ محمد وليد الجارحي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عبد الباسط أبو سريع - نائب رئيس المحكمة، عبد المنعم محمود، مدحت سعد الدين وعز العرب عبد الصبور.

(233)
الطعن رقم 4347 لسنة 68 القضائية

(1) دعوى "شروط قبول الدعوى: الصفة، المصلحة". دفوع "الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة". نظام عام. نقض "أسباب الطعن".
الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة. تعلقه بالنظام العام. م 3 مرافعات المعدلة بق 81 لسنة 1996. إثارة الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. شرطه. ألا يستلزم الفصل فيه بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى. التحقق من ملكية طرفي النزاع للعقارين المرتفق والمرتفق به. عنصر واقعي يستلزم تحقيقه للفصل في الدفع. أثره. عدم قبول التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2 - 6) دعوى "الدفاع الجوهري". ارتفاق. ملكية "الحقوق المتفرعة عن حق الملكية: حق الارتفاق". التزام. محكمة الموضوع. بطلان "بطلان الأحكام". حكم "عيوب التدليل: القصور في التسبيب".
(2) قيود البناء. م 1018 مدني. ماهيتها. حقوق ارتفاق عينية تتبع العقار. انتقالها معه إلى كل من آلت إليه ملكيته. عدم اعتبارها التزامات شخصية. أثره. انتقال العقار ذاته محملاً بما له أو عليه من حقوق الارتفاق المقررة على العقارات الأخرى. مؤداه. للحكم أن يستقي من مصدر صحيح في الأوراق أن العقارين المرتفق والمرتفق به محملان بتلك الحقوق مهما تعدد البائعون أو المشترون.
(3) استخلاص الحكم المطعون فيه استخلاصاً سائغاً من تقرير الخبير أن المالكة الأصلية للأرض التي أقام عليها الطاعن البناء موضوع النزاع ضمنت عقد البيع الصادر منها قيداً يمنع تجاوز ارتفاع البناء حداً معيناً وأن الطاعن خالف ذلك. لا قصور.
(4) إغفال الحكم بحث دفاع جوهري للخصم. قصور في أسباب الحكم الواقعية. مقتضاه. بطلانه. مؤداه. التزام المحكمة بنظر أثر الدفاع المطروح عليها في الدعوى وتقدير مدى جديته. اتسامه بالجدية. أثره. وجوب فحصه للوقوف على أثره في قضائها وإلا كان حكمها قاصراً.
(5) قيود البناء الاتفاقية. اعتبارها حقوق ارتفاق متبادلة لفائدة جميع العقارات التي تقام في حي معين. مؤداه. صيرورة كل قطعة من الأرض مرتفقاً لها لمنفعة جميع القطع الأخرى في الحي ذاته. مخالفة غالبية الملاك لها. أثره. تحلل باقي الملاك من الالتزام بها. م 1018 مدني. علة ذلك.
(6) تمسك الطاعن بوقوع مخالفات عديدة لقيود البناء الاتفاقية مماثلة ارتكبها ملاك آخرون لعقارات في الحي نفسه الذي يقع به عقاره المخالف. دفاع جوهري. التفات الحكم عنه دون بحثه وتمحيصه. قصور مبطل.
1 - إذ كان الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة - باعتبارها شرطاً في المصلحة - قد أصبح من النظام العام إعمالاً لحكم المادة الثالثة من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 81 لسنة 1996، إلا أن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض مشروطة بألا يستلزم الفصل فيه بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى. وإذ كان الفصل في الدفع المثار يستلزم تحقيق عنصر واقعي هو التحقق من ملكية طرفي النزاع للعقارين المرتفق والمرتفق به، فإنه لا يقبل من الطاعن التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - النص في الفقرة الأولى من المادة 1018 من القانون المدني على أن "إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء عليه كيف شاء، كأن يمنع من تجاوز حد معين في الارتفاع بالبناء أو في مساحة رقعته، فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود" - يدل على أن هذه القيود لا تمثل التزامات شخصية ترد في عقود البيع، وإنما هي حقوق ارتفاق عينية تتبع العقار وتنتقل معه إلى كل من آلت إليه ملكيته، باعتبارها مقررة لتكاليف مستمرة ينطبق عليها النص، ومن ثم فإن العقار ذاته ينتقل محملاً بما له أو عليه من حقوق الارتفاق المقررة على العقارات الأخرى، وبالتالي فحسب الحكم أن يستقي من مصدر صحيح في أوراق الدعوى أن العقارين المرتفق والمرتفق به محملان بتلك الحقوق مهما تعدد البائعون أو المشترون.
3 - إذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه استخلص من تقرير الخبيرة المندوبة في الدعوى أن شركة المعادي - المالكة الأصلية لقطعة الأرض التي أقام عليها الطاعن البناء موضوع النزاع - ضمنت عقد البيع الصادر منها قيداً يمنع من تجاوز ارتفاع البناء خمسة عشر متراً بما يعادل أربعة طوابق، وأن الطاعن خالف هذا القيد، وإذ كان هذا الاستخلاص سائغاً له أصل ثابت في الأوراق، فإن النعي بهذا الوجه (القصور في التسبيب) يكون على غير أساس.
4 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً، ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها، إذ يعتبر ذلك الإغفال قصوراً في أسباب الحكم الواقعية يقتضي بطلانه، بما مؤداه أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر في أثره في الدعوى فإن كان منتجاً فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسماً بالجدية، مضت إلى فحصه لتقف على أثره في قضائها، فإن لم تفعل كان حكمها قاصراً.
5 - قيود البناء الاتفاقية المنصوص عليها في المادة 1018 من القانون المدني تعتبر حقوق ارتفاق متبادلة مقررة لفائدة جميع العقارات التي تقام في حي معين، إذ يترتب عليها أن تصبح كل قطعة من الأرض مرتفقاً بها لمنفعة جميع القطع الأخرى في الحي ذاته، بحيث إذا خالفها غالبية الملاك أصبح الآخرون في حل من الالتزام بها لانتفاء سبب هذا الالتزام والحكمة منه.
6 - إذ كان الثابت في الأوراق، وفي تقرير الخبيرة المندوبة في الدعوى أن الطاعن وإن كان قد خالف قيود البناء سالفة الذكر (قيود البناء الاتفاقية) إلا أن هناك مخالفات عديدة مماثلة ارتكبها ملاك آخرون لعقارات تقع في الحي نفسه الذي يقع به عقار الطاعن الذي تمسك بذلك أمام محكمة الموضوع، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع، ولم يعن ببحثه وتمحيصه، ولم يرد عليه بما يفنده، مع أنه دفاع جوهري يترتب على تحقيقه - إذا صح - تغير وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون قد عابه قصور مبطل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى 6021 لسنة 1992 مدني جنوب القاهرة الابتدائية على الطاعن وباقي المطعون ضدهم - بطلب الحكم بإلزامه بإزالة الطابق الخامس وما يعلوه من طوابق العقار المبين في صحيفة دعواه، وبأن يدفع إليه مبلغ خمسمائة ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار التي لحقت به، وقال بياناً لذلك إنه يمتلك العقار رقم 14 بشارع 6 بالمعادي المجاور للعقار رقم 10 ملك الطاعن من الجهة القبلية بالعقد المسجل 134 لسنة 1990 شهر عقاري القاهرة، وإذ أقام هذا الأخير في ملكه بناء جاوز في الارتفاع الحدود المنصوص عليها قانوناً، وبالمخالفة لشروط الترخيص الممنوح له من حي المعادي بإقامة طابق أرضي منخفض وأربعة طوابق متكررة، مما يشكل إهداراً لحقوق الارتفاق التي نشأت بين العقارين طبقاً للمادة 1018 من القانون المدني، فقد أقام الدعوى. ومحكمة أول درجة - بعد أن ندبت خبيراً أودع تقريره - حكمت بإلزام الطاعن بأن يؤدي إلى المطعون ضده المذكور مبلغ ستين ألف جنيه. استأنف الطاعن الحكم بالاستئنافين رقمي 10655، 10923 لسنة 114 ق القاهرة، كما استأنفه المطعون ضده الأول بالاستئناف رقم 10965 لسنة 114 ق القاهرة، وبعد أن ضمت محكمة الاستئناف الاستئنافات الثلاثة قضت بتاريخ 12/ 8/ 1998 بزيادة مبلغ التعويض إلى مائتي ألف جنيه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب يثير الطاعن بالسبب الأول منها دفعاً بعدم قبول الدعوى لرفعها من وعلى غير ذي صفة على سند من أن المطعون ضده الأول لم يقدم سند ملكيته للعقار المدعي بأن حق ارتفاق تقرر لصالحه، ولا سند ملكية الطاعن للعقار المرتفق به.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه وإن كان الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة - باعتبارها شرطاً في المصلحة - قد أصبح من النظام العام إعمالاً لحكم المادة الثالثة من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 81 لسنة 1996، إلا أن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض مشروطة بألا يستلزم الفصل فيه بحث عناصر واقعية لم تكن تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم في الدعوى، وإذ كان الفصل في الدفع المثار بهذا السبب من أسباب الطعن يستلزم تحقيق عنصر واقعي هو التحقق من ملكية طرفي النزاع للعقارين المرتفق والمرتفق به، فإنه لا يقبل من الطاعن التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالوجه الأول من السبب الثاني القصور في التسبيب، وبياناً لذلك يقول إن الحكم لم يبين سنده فيما انتهى إليه من أنه - الطاعن - تملك قطعة أرض فرضت عليها قيود من شركة المعادي، إذ خلت الأوراق من سند ملكيته أو كونه صادراً له من هذه الشركة، أو تضمن مثل تلك القيود، الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 1018 من القانون المدني على أن "إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء عليه كيف شاء، كأن يمنع من تجاوز حد معين في الارتفاع بالبناء أو في مساحة رقعته، فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود" - يدل على أن هذه القيود لا تمثل التزامات شخصية ترد في عقود البيع، وإنما هي حقوق ارتفاق عينية تتبع العقار وتنتقل معه إلى كل من آلت إليه ملكيته، باعتبارها مقررة لتكاليف مستمرة ينطبق عليها النص، ومن ثم فإن العقار ذاته ينتقل محملاً بما له أو عليه من حقوق الارتفاق المقررة على العقارات الأخرى، وبالتالي فحسب الحكم أن يستقي من مصدر صحيح في أوراق الدعوى أن العقارين المرتفق والمرتفق به محملان بتلك الحقوق مهما تعدد البائعون أو المشترون. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استخلص من تقرير الخبيرة المندوبة في الدعوى أن شركة المعادي - المالكة الأصلية لقطعة الأرض التي أقام عليها الطاعن البناء موضوع النزاع - ضمنت عقد البيع الصادر منها قيداً يمنع من تجاوز ارتفاع البناء خمسة عشر متراً بما يعادل أربعة طوابق، وأن الطاعن خالف هذا القيد، وإذ كان هذا الاستخلاص سائغاً له أصل ثابت في الأوراق، فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالوجه الثاني من السبب الثاني مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن ملاك العقارات في المنطقة التي يقع فيها العقار محل النزاع نزلوا عن قيود الارتفاع وألفوا مخالفتها فأقاموا أبنية بالمخالفة لها، وهو ما أكدته الخبيرة المندوبة في الدعوى في ملحق تقريرها، وانتهى إليه الحكم الصادر في الدعوى 4870 لسنة 1999 مدني جنوب القاهرة الابتدائية الذي أودع صورة منه ضمن حافظة مستنداته أمام محكمة أول درجة، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لهذا الدفاع الجوهري وغفل عن تمحيصه، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً، ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها، إذ يعتبر ذلك الإغفال قصوراً في أسباب الحكم الواقعية يقتضي بطلانه، بما مؤداه أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر في أثره في الدعوى فإن كان منتجاً فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسماً بالجدية، مضت إلى فحصه لتقف على أثره في قضائها، فإن لم تفعل كان حكمها قاصراً، وأن قيود البناء الاتفاقية المنصوص عليها في المادة 1018 من القانون المدني تعتبر حقوق ارتفاق متبادلة مقررة لفائدة جميع العقارات التي تقام في حي معين، إذ يترتب عليها أن تصبح كل قطعة من الأرض مرتفقاً بها لمنفعة جميع القطع الأخرى في الحي ذاته بحيث إذا خالفها غالبية الملاك أصبح الآخرون في حل من الالتزام بها لانتفاء سبب هذا الالتزام والحكمة منه. لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق، وفي تقرير الخبيرة المندوبة في الدعوى أن الطاعن وإن كان قد خالف قيود البناء سالفة الذكر إلا أن هناك مخالفات عديدة مماثلة ارتكبها ملاك آخرون لعقارات تقع في الحي نفسه الذي يقع به عقار الطاعن، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع، ولم يُعن ببحثه وتمحيصه، ولم يرد عليه بما يفنده، مع أنه دفاع جوهري يترتب على تحقيقه - إذا صح - تغير وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون قد عاره قصور مبطل يوجب نقضه لهذا الوجه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.