أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 688

جلسة 24 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وعباس عبد الجواد، وإبراهيم علام.

(94)
الطعن رقم 134 لسنة 32 القضائية

( أ ) حكم. "حجية الأحكام". دعوى. "التظلم من أمر تقدير".
لا حجية للحكم إلا فيما فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب المتصلة به اتصالاً وثيقاً والتي لا يقوم المنطوق بدونها. اقتصار الحكم المطعون فيه الصادر في التظلم في أمر تقدير صادر من مجلس نقابة المحاسبين على تقدير أتعاب المحاسب. عدم تناوله تصفية الحساب بين الطرفين أو واقعة التخالص. عدم حجية هذا الحكم في شأن التخالص المدعى به عن الطاعن ولا يحول دون رفعه بعد ذلك دعوى ببراءة ذمته من الأتعاب التي قدرها الحكم المذكور.
(ب) الإشكال في التنفيذ. دعوى. "دعوى براءة الذمة".
وصف الحكم دعوى براءة الذمة بأنها إشكال وتطبيقه عليها الأحكام المقررة للإشكال في التنفيذ مع أنها دعوى موضوعية. خطأ في القانون.
1 - لا حجية للحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب المتصلة به اتصالاً وثيقاً والتي لا يقوم المنطوق بدونها فإذا كان الحكم الصادر في التظلم من أمر تقدير صادر من مجلس نقابة المحاسبين قد اقتصر على تقدير أتعاب المطعون ضده (المحاسب) عن جميع الأعمال التي قام بها في سنوات النزاع وليس في أسبابه ما يشير إلى أنه تناول تصفية الحساب بين الطرفين أو أنه خصم ما سبق أن أداه الطاعن للمطعون ضده من الأتعاب ولم تكن واقعة التخالص عنها محل مجادلة من أحد من الخصوم أو بحث من المحكمة في دعوى التظلم، فإن هذا الحكم لا يجوز حجية في شأن التخالص المدعى به من الطاعن ولا يحول دون طلبه براءة ذمته من الأتعاب التي قدرها الحكم المذكور بدعوى يرفعها بعد صدوره.
2 - وصف الحكم دعوى براءة الذمة بأنها إشكال وتطبيقه عليها الأحكام المقررة للإشكال في التنفيذ مع أنها دعوى موضوعية، خطأ في القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده تقدم في 24 من سبتمبر سنة 1957 إلى نقابة المحاسبين والمراجعين طالباً تقدير أتعابه عن الأعمال التي قام بها لصالح الطاعن في السنوات من سنة 1943 إلى سنة 1953 - وفي 30 من أكتوبر سنة 1958 قرر مجلس النقابة (أولاً) رفض الدفع بالتقادم المبدى من الطاعن (ثانياً) تقدير أتعاب المطعون ضده عن السنوات من سنة 1943 إلى سنة 1946 بمبلغ ألف جنيه يخصم منها المسدد وقدره ستمائة جنيه (ثالثاً) تقدير أتعابه عن الأعمال التي قام بها في سنة 1947 بمبلغ 250 ج يخصم منها المسدد وقدره مائة جنيه. (رابعاً) تقدير أتعابه عن الأعمال التي قام بها في سنتي 1948، 1949 بمبلغ 150 ج (خامساً) رفض ما عدا ذلك من الطلبات مع إلزام الطاعن بالمصروفات المناسبة - تظلم الطاعن من هذا القرار أمام محكمة القاهرة الابتدائية طالباً إلغاء أمر التقدير المذكور واعتباره كأن لم يكن وقيد تظلمه برقم 4540 سنة 1958 مدني كلي القاهرة وتمسك فيه بسقوط حق المطعون ضده بالتقادم بالنسبة لما طلبه من أتعاب عن السنوات من 1943 إلى سنة 1946 لانقضاء أكثر من خمس سنوات على آخر عمل قام به وذلك طبقاً لنص المادة 36 من القانون رقم 394 لسنة 1955 وأضاف أن ما دفعه إلى المطعون ضده من أتعاب وقدره سبعمائة جنيه يزيد على ما يستحقه منها - كما تظلم المطعون ضده بدوره من قرار مجلس النقابة السالف الإشارة إليه وقيد تظلمه برقم 4901 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة وطلب فيه تأييد قرار النقابة بشأن تقدير أتعابه عن السنوات من 1943 إلى 1946 بمبلغ ألف جنيه يخصم منها المسدد وقدره ستمائة جنيه وتعديله بالنسبة لتقدير أتعابه عن أعماله في سنة 1947 وجعلها مبلغ ثلاثمائة جنيه يخصم منها المسدد وقدره مائة جنيه وتقدير أتعابه عن الأعمال التي قام بها في السنوات من سنة 1948 إلى سنة 1953 بمبلغ 500 ج وعن التخفيض الذي حققه للطاعن في تقديرات لجان الطعن بمبلغ 700 ج. وبجلسة 2 من سبتمبر سنة 1959 قررت محكمة أول درجة ضم التظلمين ليصدر فيهما حكم واحد وفي 14 من يونيه سنة 1960 حكمت فيهما أولاً بقبول كل من المعارضتين شكلاً. ثانياً وفي موضوعهما: 1 - برفض الدفع بسقوط حق المحاسب زكريا أحمد الشامي في المطالبة بأتعابه. 2 - بتقدير أتعاب المحاسب عن جميع الأعمال التي قام بها لصالح موكله رينية صوصة في جميع السنوات التي باشر فيها أعماله المذكورة بمبلغ سبعمائة جنيه. 3 - إلزام كل من الطرفين بجزء من المصاريف بحق النصف لكل منهما مع المقاصة في أتعاب المحاماة. 4 - رفض ما عدا ذلك من الطلبات - وقام المطعون ضده بإعلان هذا الحكم إلى الطاعن ثم نبه عليه في 19 من سبتمبر سنة 1960 بسداد مبلغ السبعمائة جنيه المقدرة في ذلك الحكم فبادر الطاعن في 22 سبتمبر سنة 1960 برفع إشكال أمام قاضي الأمور المستعجلة قيد برقم 9137 سنة 1960 مستعجل القاهرة طلب فيه وقف تنفيذ الحكم الصادر في الدعويين رقمي 4901، 4540 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة حتى يفصل من محكمة الموضوع في المنازعة القائمة حول سداد الأتعاب المقدرة للمطعون ضده بمقتضى ذلك الحكم واتبع الطاعن هذا الإشكال برفع الدعوى رقم 3745 لسنة 1960 أمام محكمة القاهرة الابتدائية بعريضة معلنة في 27 من سبتمبر سنة 1960 طلب فيها أصلياً الحكم ببراءة ذمته من مبلغ السبعمائة جنيه المقدرة أتعاباً للمطعون ضده بالحكم الصادر في التظلمين رقمي 4901، 4540 لسنة 1958 كلي مصر واحتياطياً تفسير الحكم الصادر في القضيتين سالفتى الذكر واعتبار أن مبلغ السبعمائة جنيه الذي قدرته المحكمة أتعاباً للمطعون ضده هو الذي أقر باستلامه وبذلك تعتبر ذمة الطاعن بريئة منه ولدى نظر الدعوى دفع المطعون ضده بعدم جواز نظر طلب براءة الذمة لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في التظلمين رقمي 4540، 4901 لسنة 1958 كلي القاهرة بتاريخ 14 من يونيه سنة 1960 وفي 12 من ديسمبر سنة 1960 قضت محكمة أول درجة برفض الدفع وببراءة ذمة المستشكل رينيه صوصة من مبلغ السبعمائة جنيه المحكوم بها للمستشكل ضده (المطعون ضده) في 14 من يونيه سنة 1960 في القضيتين رقمي 4540، 4901 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة - استأنف المطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 1002 سنة 78 ق وتمسك بدفعه الذي أبداه أمام محكمة أول درجة وهو عدم جواز نظر دعوى براءة الذمة من مبلغ السبعمائة جنيه لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر بتاريخ 14 من يونيه سنة 1960 في التظلمين السالف الإشارة إليهما - وفي 24 من فبراير سنة 1962 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف الصادر في القضية رقم 3745 سنة 1960 مدني كلي القاهرة وبقبول الدفع المبدى من المستأنف (المطعون ضده) وبعدم جواز نظر دعوى براءة الذمة من مبلغ السبعمائة جنيه لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في التظلمين رقمي 4540، 4901 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة وبرفض دعوى التفسير - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن ولدى نظره أمام المحكمة تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والبطلان في الإسناد وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بعدم جواز نظر طلب براءة الذمة على ما أورده من أسباب حاصلها أن الإشكال في أي حكم لا يمكن رفعه من المحكوم عليه إلا إذا كان سببه حاصلاً بعد صدور هذا الحكم أما إذا كان سببه حاصلاً قبل صدوره فإنه يكون قد اندرج ضمن الدفوع في الدعوى سواء دفع به فعلاً أم لم يدفع به وأصبح في غير استطاعة المحكوم عليه التحدي به على من صدر له الحكم إذ تحول حجية الحكم دون إعادة طرحه على القضاء لما في ذلك من مساس بقوة الأحكام وأنه ترتيباً على ذلك يكون الدفع بعدم جواز نظر طلب براءة الذمة لسبق الفصل فيه في محله إذ أن الحكم الصادر في الدعويين رقمي 4540 و4901 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة قضى بتقدير أتعاب المطعون ضده عن جميع الأعمال التي قام بها لصالح الطاعن في جميع السنوات التي باشر فيها أعماله بمبلغ سبعمائة جنيه وقد حاز هذا الحكم قوة الشيء المقضي فلا يستطيع الطاعن بعد ذلك أن يدعي ببراءة ذمته بتخالص سابق على تاريخ الحكم آنف الذكر ولو لم يتناول هذا الحكم ذلك التخالص صراحة ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه خطأ في القانون ومشوب ببطلان في الإسناد ذلك أنه لا حجية لحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب التي لا يقوم المنطوق بدونها، وأنه إذ كان يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من محكمة القاهرة الابتدائية بتاريخ 14 من يونيه سنة 1960 في التظلمين رقمي 4540 و4901 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة أنه لم يشر في أسبابه إلى المبالغ التي سبق أن سددها الطاعن للمطعون ضده ولم يتناول تصفية الحساب بين الطرفين وإنما اقتصر على تقدير الأتعاب المتظلم منها فقط فإن ذلك الحكم لا يحوز حجية في شأن التخالص الذي يدعيه الطاعن ولا يحول دون طلبه براءة ذمته من الأتعاب التي قدرها الحكم المذكور بدعوى يرفعها بعد صدوره ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر دعوى براءة الذمة قد أخطأ في القانون كما أخطأ في الإسناد فيما قرره من أن الحكم الصادر في التظلم قد فصل في أمر التخالص المدعى به.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بعدم جواز نظر دعوى براءة الذمة على قوله "وحيث إنه عن طلب براءة الذمة فإنه من المتفق عليه أن الإشكال في أي حكم لا يمكن رفعه من المحكوم عليه إلا متى كان سببه حاصلاً بعد صدور هذا الحكم أما إذا كان سببه حاصلاً قبل صدوره فإنه يكون قد اندرج ضمن الدفوع في الدعوى سواء كان قد دفع به فعلاً أم كان لم يدفع به وأصبح من غير استطاعة المحكوم عليه التحدي به على من صدر له الحكم إذ تحول حجية الحكم دون إعادة طرحه على القضاء لما في ذلك من مساس بقوة الأحكام. وعلى هدي ما تقدم يكون الدفع المبدى من المستأنف (المطعون ضده) بعدم جواز نظر طلب براءة الذمة لسبق الفصل فيه في محله إذ أن الحكم الصادر بتاريخ 14 من يونيه سنة 1960 في القضيتين رقمي 4540، 4901 لسنة 1958 مدني كلي القاهرة قضى بتقدير أتعاب المستأنف عن جميع الأعمال التي قام بها لصالح موكله المستأنف ضده (الطاعن) في جميع السنوات التي باشر عنها أعماله بمبلغ 700 ج ورفض ما عدا ذلك من الطلبات وقد حاز قوة الشيء المقضي بالنسبة للوقائع السابقة على صدوره وصفى كل الوقائع ووجوه الدفاع السابقة عليه فلا يستطيع المستأنف ضده بعد ذلك أن يدعي ببراءة ذمته بتخالص سابق في تاريخه على تاريخ الحكم آنف الذكر ولو لم يتناول هذا الحكم ذلك التخالص صراحة ومن ثم فادعاء المستأنف ضده بالتخالص بناء على المبالغ المدفوعة منه إلى المستأنف مقدماً وقبل صدور الحكم المشار إليه آنفاً يمس قوة الشيء المحكوم فيه ولا تجوز إثارته من جديد لسبق الفصل فيه"، وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه بعدم جواز نظر دعوى براءة الذمة لسبق الفصل فيها غير صحيح في القانون ذلك أنه علاوة على خطأ الحكم في وصف دعوى الطاعن ببراءة ذمته وبطلب تفسير الحكم بأنها إشكال وتطبيقه عليها الأحكام المقررة للإشكالات مع أنها دعوى موضوعية أقامها الطاعن أمام المحكمة المختصة بنظر النزاع بعد رفعه إشكالاً أمام القاضي المستعجل وطلبه فيه وقف تنفيذ الحكم علاوة على ذلك فإنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر في التظلمين والسالف الإشارة إليه أنه اقتصر على تقدير أتعاب المطعون ضده عن جميع الأعمال التي قام بها في سنوات النزاع بمبلغ سبعمائة جنيه وليس في أسبابه ما يشير إلى أنه تناول تصفية الحساب بين الطرفين أو أنه خصم ما سبق أن أداه الطاعن من الأتعاب للمطعون ضده وقدره سبعمائة جنيه من المبلغ الذي قدره الحكم أتعاباً للأخير، بل إن واقعة التخالص بهذا المبلغ المسدد لم تكن محل مجادلة من أحد من الخصوم أو بحث من المحكمة في دعوى التظلم. ولما كان من المقرر أن لا حجية للحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية سواء في المنطوق أو في الأسباب المتصلة به اتصالاً وثيقاً والتي لا يقوم المنطوق بدونها فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر الحكم الصادر في التظلم قد حاز قوة الشيء المحكوم فيه في شأن التخالص المدعى به من الطاعن وأسس على ذلك قضاءه بعدم جواز نظر دعوى براءة الذمة وذلك على الرغم من أن الحكم الصادر في التظلم لم يفصل في هذا التخالص لا بصفة صريحة أو ضمينة بل ولم يبحثه على الإطلاق فإن الحكم المطعون فيه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه في دعوى براءة الذمة ولما سلف بيانه ولما كان المطعون ضده قد أقر أمام مجلس النقابة وفي تظلمه باستلامه مبلغ سبعمائة جنيه من الطاعن وكان الحكم الصادر في التظلم بتاريخ 14 من يونيه سنة 1960 واضح الدلالة على أن مبلغ السبعمائة جنيه المقضى به هو كل ما يستحقه المطعون ضده من أتعاب عن جميع الأعمال التي أداها للطاعن وليس كما يدعي المطعون ضده هو المبلغ الذي بقي له بعد خصم ما كان قد قبضه من الأتعاب من الطاعن - لما كان ذلك، فإن دعوى الطاعن ببراءة ذمته من هذا المبلغ تكون على أساس سليم ويتعين لذلك تأييد الحكم الابتدائي المستأنف فيما قضى به من براءة ذمة الطاعن من المبلغ الذي قدره الحكم الصادر في التظلم.
وحيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى إجابة الطاعن إلى طلبه الأصلي الخاص ببراءة الذمة فلم يعد ثمة محل لبحث طلبه الاحتياطي أو ما وجهه الطاعن من نعي على قضاء الحكم في هذا الطلب الاحتياطي.